1- غضب
أنفه طويل معوج، له نصف شنب، الآخر يبدو وكأنه محروق، طلب قهوة، يقرأ جريدة بامتعاض شديد، يعطس كثيرا، التفت ناحيتي وضبطني أحدق فيه، على الفور نكست رأسي، فجأة أخذ يمزق الجريدة ورمى بها بعيدا، ثم دلق القهوة على الطاولة، وجه كرسيه ناحيتي، رضع رجلا على رجل.. ربط ذراعيه حول صدره وحدق في بغضب، أيعرفني؟ عطس بقوة الى أن تطاير سائل من أنفه في الهواء، ركل كرسيا، تقدم ناحيتي وأمسكني من كتفي بقوة وقال : "ركز نظراتك في وجهي واكتب.. ألن تكتب ؟".
2- الجندي
قبل الحرب يعطي الجندي بدلة بلون التراب، وبندقية يتشبث بها خوفا منها، وخريطة لقبر متنقل يحتفظ بها في جيب بنطاله.
3- خوف
مات ابنها السادس في السنة السادسة، تجمع خوف كل الناس في قلبها على ابنها السابع والأخير. منعته من الزواج، تطارده ليل نهار لحمايته، ضربها ذات مرة، دافعت عنه بضراوة، أليس من حقها أن تنشب أظافرها في التراب ا؟
4- رصيف الليل
الليل اسمع، اذا فقدت أمك وبيتك، اذهب الى ليل هذه المدينة، سوف يوفر لك رصيفا مناسبا، سيعطيك نهدا ترضع منه هواء باردا في الشتاء، وسوف يضمك في عيون صيفه لتنشوي بناره، ألن تتجدد الآلام في روحك اليتيمة؟
5- قبل أيام قليلة فقط
قبل أيام قليلة، تحدث الناس عن انسانيته الجميلة، عن روحه الورعة، وتحدثوا أيضا أنه من سلالة العبيد، وعن ورقة جاءته من المحكمة تقول الا يقترب من حبيبته لأنها حرة، وعن حالات مشابهة كثيرة تنتشر وتنتشر. هذا قبل أيام قليلة فقط، أليست عندكم أيام مثلها مثلما كانت عند أجدادكم المندثرين ؟
6- تكاثر
عند باب غرفة عملية الولادة آباء يعومون في القلق. أب مسن حوله أبناء وبنات كثر مختلفو الأعمار، منهم من يتشبث برقبته، منهم من يشد دشداشته من الخلف، منهم من يبكي، منهم من يطلب نقودا لشراء عصير. جاءته الممرضة وقالت له : (المولود بنت ). فرح جميعهم، على الفور تقدم فاحيته أب آخر على وجهه ابتسامة، صافحه وقال له : "مبروك.. إذن حصلت على بنت ". رد عليه الاب المسن : "وانت ؟". قال الآخر الابتسامة لا تفارقه : "الحمد لله زادت عندي بنت، لكنها مريضة جدا". سقطت دهشة من أحد الابناء حينما لاحظ الابتسامة.
7- في متهي باليما
العجوز السكران مكتئب.. لا يضحك.. يزم شفتيه، متجاهلا استظراف جليسه الشاب، ربما كان ناقما على حالته ومنتشيا بثقل الشراب. الشاب مستمر في سرد النكت والضحك ويضرب كفه في كف العجوز المرتخية على الطاولة. وحينما قرر العجوز أن يغادر طير كل ما في الطاولة من كؤوس وزجاجات وصحون، طيرها بعيدا بحركة انتقامية ومضى مترنحا يبصق في الأرض.
8- أمنية واحدة
هل يا ترى.. حينما يجلس الصياد أمام البحر محدقا في الغيوم يفكر بمطر من الأسماك..
9- تبخر
هكذا قرر.
دخل أحد المطاعم الغاص بالرجال عاريا، فارتفعت الرؤوس ذات الأفواه المتحركة، اتسعت العيون للحظات، وبسرعة نكست نفس الرؤوس في الطعام، تأوه أحدهم وندت عنا صرخة تقول : "يا ا ا ي.." لكنه خرج مسرعا تاركا وراءه رؤوسا منكسة داخلة في الطعام.
ثم دخل أحد صالونات النساء عاريا، فارتفعت أياد تحمل أحذية، انقذفت تجاه رأسه، لم يسمع تأوهات بل تمتمات تقول : "قليل الأدب.. حقير" خرج راكضا تاركا وراءه رؤوسا ساخطة وشتائم تجلد ظهرا.
بينما هو يركض أمام المدرة سقط في بركة ضحك ساخنة، لم يعبأ أحد بسقوطه، فقد تبخر.
10 – دمية
تقذفا الغرفة كي يغطس في لهيب الشمس الحارق ويمشي الى عمله. بعد ذلك تتمتع هي باللعب مع حشرات ملونة، تحب الغرفة أن كعب به كدمية، تخلع له ملابسه، تحممه بحرارة الشمس، توخزه بالبرد، ترقده على سرير متآكل كطفل، تمشي الحشرات فوق جسده، تفزعه بقطط تخرجها له فجأة من تحت السرير، تلقمه قصصا لا معنى لها، تزجه في ليل كئيب مؤرق، تتمتع بكل ذلك، هو دميتها الوحيدة.
"ما هذا.. الى متى تظل دمية في يد هذه الغرفة التعيسة..؟
"دعني.. دعوني. أريد فقط أن أتحول الى فأس لمدة دقيقة واحدة.. دقيقة فقط.. دقيـ. يـ. يـ. قة.
يحيى سلام المنذري (قاص من سلطنة عمان)