إدريس علوش *
– 1 –
في الحانةِ القصوى
الانْتسابُ
إلى هُدْنةِ النَّفْسِ
فِي فَنائِها
الخَّابيةُ
فِي قاعِ أرْضٍ
وكأْسٍ.
– 2 –
في الحانةِ القُصوى
كَان القَصْد دائماً
في عَتبات سرايا المشْهدِ
انْصرافُ التَّأْويلِ
إلى شَرَكِ الكتابةِ
وافْتعالِ النَّص
تَدْويناً وشأناً –هكذا –
في الصورة
والشذرةِ
والفقرةِ
وعتبات تَشْويرِ النَّص
والمُتخيَّل الشغوف
بِحدْس شُرفات ِالعِبارةِ
باعْتبارها– القَصيدةُ –
مُثْبتةً على ظَهر سُلحفاةٍ
تَسْتعير ُمَجْد َبيَاتها الشَّتوي
للصدفةِ
ولسريرة المَعْنَى
وتَشريح مُفردة الدَّوحة الوارفةِ
وسَرْد شَارات المُريدِ
الذي يُسْرف في عدِّ حَبات العنب
ونُجيمات سَماءٍ رفيعةٍ
وروابي أرضٍ مُتْرعة بالزراعة
والخِصْبِ
والسمادِ
وسلالم السواقي المعلقة
كَجُسور عاشقٍ هاربٍ
منْ جاذبيةِ هَواهُ
وحدِّ نَصْل سيْفٍ فاصلٍ
ودَوالي فصولٍ مُشْرقةٍ
في دَوَّارة التَّجلي
ودوائرِ ظلِّ حالمٍ
بأكْثر منْ حانةٍ
على شطِّ حِراك الجُزُرِ
وسراحِ رَسْم قَديمٍ :
” وعُوجا عَلى نفْس الطَللِ
المُحيلِ
علَّنا لا نَلْتفتُ مُطلقاً للدِّيار
وباكيها ابْنُ خِدَامٍ”
الغيمةُ ذاتها
ومنارةُ مرفأ الذاكرة
وبقايا ساعاتِ ملاك مُنقذٍ
من رملٍ ودخانٍ ومعصرةٍ
مراكبٌ تطفو فوق حافة موجٍ
وتفيضُ
أُنَاس مُقنَّعونَ
في حفل تنكرٍ
يفضحهم مِلح ظهيرة البَّحرِ
بحارة تكالبواْ على تعدد المرافئ
وابتعدوا عن فُقاعات اليابسةِ
وأبحرواْ أشْرعةً وقِلاعاً
وفَكُّوا آسْر السفنِ.
– 3 –
في الحانة القصوى
سُكارى
آدَميون
قُطاعُ طُرقٍ جُدُدٍ
سَبعةُ رجالٍ من بلاد الصَّلْصالِ
جَرَّاحون يَتناوبون على مَشرطٍ
منْ معدنِ رجاءِ الشِّفاءِ
وأقداح رؤية
مرساة لسلالة العائدين
من انفراد القاراتِ
فَجأةً
وانْصراف أهل الحكمةِ
والمكانِ
–كان-أفصح من أبْجدياتٍ
لصيقةٍ بلغاتِ الغيْبِ
ووجود تشبَّعَ من لسانِ آدمَ
وأشلاءِ عَدَمٍ
وُشاةٌ
ورُواةٌ
مَلأٌ يَحتفي بالقشرةِ
وآخرونَ من ْكُنهِ جوهرٍ حيٍّ
استمالواْ جمر رمادٍ
وقعوا في فوضى استدراج الأبجدية
إلى نقطة بدءٍ وخلافٍ
وفاصلةِ محوٍ
وأمْكنةٍ منْ بلورٍ
مَشهدٌ راسخ في شاشة جدار
وساقيةٌ تبلل ريق الغرباء
وعذارى في البريَّةِ
نصف عُراة ٍ-على ما يبدو-
انْزحنَ عنْ ثُقب الأوزون
وجليد جَسدٍ مُتْرعٍ كَرُخامٍ
دقوا طبول الرَّغبة بحذافير الشمسِ
واستنفروا أجنحة الخيال
في دَهْشةِ أقصى مَدارك ِالشبق
وأرصفة المسكوتِ عَنْهُ
وفيْض اللَّذةِ الآسرة.
– 4 –
فِي الحانةِ القُصوى
يَدُ مِزْلاجٍ مِنْ نُحاسٍ
وهَواءٍ
بَابَانِ :
واحدةٌ للرِّيحِ
وأخْرى للكائنِ الذي يُشبه سُحْنتكِ
ويَحْلم بالمجرَّة
وأُرْجوحة الضَّوْءِ
والأمْر سيانَ
ونسيانٌ عند العابرِ
والغابرِ
والباطنِ
والسائر
والظاهرِ
-على فكرة
التَّنصلُ من استعارةِ الأسلاف
وبلاغةِ التقادم
وإن كانت مِهنة الورَّاقين
فهي مُترفة وباليةٌ
كجريد ِالأسْفار
وخِرَقِ مُعلقاتٍ
مكتوبةٍ بدمِ الوشايةِ-
والساهرِ عَليْها
والحافرِ
لبِئْر المَعْنى
والشاردِ حدَّ نِسْيانهِ
والناثرِ لحَبْلِ سُرَّتهِ
والعاثرِ على ذاتهِ للوهلة الأخرى
والملاكِ المجنَّح بلاَ سببٍ
سَاعة اكتشاف ضَنَكِ العيْش
والمُحالِ على ضِدهِ
في شدِّ الضدِّ
والأضْدادِ
والمسافِرِ إلى أقاليم الكَلامِ
بَعْثر الخطْوَ كما يليقُ
بِمُنعرجاتِ الرِّحلةِ
ومُنعطفاتِ الغوايةِ
وسَبْر مَغاويرِ المَكانِ
المعوَّلِ عليهِ كأنثى.
– 5 –
فِي الحانةِ القُصوى
سُدَّةِ التَّأمل العاليةِ
حيثُ الحاضرُ دُولابٌ
يُخفي سرَّ كلمات تَهْتدي
إلى ماضيها سُدىً
تَمنح الأمل سِتار الآتي
منْ غَير رَيبٍ
تستعير من عقارب ساعةٍ
قميصَ ليلٍ خفيفٍ كفجوة
ليمر النَّسيم العليل
مِن فَتْحةِ سيقان
تهتدي لسرِّ العلامات
وإشاراتٍ حطَّتْ على حافةِ
فكْرةٍ
أنْ تكون لكَ الكأْس
ذكرى نَهْدينِ
وجَدْولٍ
وسَقيفةٍ
تَشربه– كما تشاءُ -لأكثر من مرةٍ
كما لو أنكَ تسبح في ذاتِ النَّهر
ولمراتٍ وبمفرد انفرادك كَطيفٍ
كما لو أنَّكَ –أنتَ – تنشطر ظلاً
تحظى باستدلالِ الغِوايةِ
والدوران في خرقِ العارف
“محي الدين بن عربي”
حتى لا تبلعك دوائر التصوف
وتستجيب لمفتاح صلوات
شطحات قيْض سَكراتِ الريح
والفصولِ
وتنْأى عن الرَّقص
في زَريبةِ الجموعِ
بِمُحاذاةِ مِجداف صنوبرِ العرفان
وسِعةِ صَدْر البرهان
في مقصلة خِلافٍ
أجْهشتْ بدَمع الحقيقةِ
وبَيانِ فِكرٍ.
– 6 –
في الحانة القُصوى
في الانْتساب –إذنْ-
إلى هُدْنةِ النَّفس
الخابيةُ – دَوماً- في قاعِ
أرْضٍ
وكأْسٍ
وسُكْرٍ
ومَوْتٍ
ويَبابٍ
وحَياةْ.