لمجد بن رمضان
يندرج هذا العمل ضمن سلسلة من القراءات التي نخصّصها للوقوف على فنّ القصّة المعاصرة. وهو جزء من مشغل كبير نعتني فيه بمختلف أجناس الإبداع الأدبي العربي الحديث. والغاية هي الكشف عن وجوه الطرفة التي عرفها هذا الفنّ، أي القصّة القصيرة، على يد المبدعات العربيّات بصفة خاصّة. فقد لفتت بعض النصوص انتباهنا لما قطعته من أشوط في التجديد كبيرة على مستويات عديدة. تجلّت بعضها في أعمال المبدعة الكويتية «ليلى العثمان» التي تميّزت بسعيها الدؤوب نحو إرساء جماليات جديدة، منذ بداية عهدها بالكتابة، لعلّ أبرز مقوّماتها طرافة الحكاية وإحكام الصياغة الفنية. فأعمالها في نظرنا لا تندرج بصفة آلية ضمن ما يعرف بالكتابات النسويّة، أي تلك التي تهتمّ بقضايا تهمّ المرأة كشريحة اجتماعيّة مخصوصة، لأنها تشقّ نهجا مغايرا للمألوف في طرح تلك القضايا وفي طرق إبلاغها إلى القارئ. وهو ما يجعل تجربتها الفنيّة تتفرّد بطابع خاصّ بها. فهي تسلك نهجا في الكتابة غير مسبوق في الساحة الثقافيّة العربيّة المعاصرة. فقد عالجت قضيّة المرأة في المجتمع الشرقي، ولكنّها تقدّمتها برؤية جديدة. تصوّر هذه المبدعة معاناة النساء الجسيمة في حكايات تختلف عن الحكايات المتداولة، التي تتلخص عادة في التعنيف المتأتي من الرجل المعتدي على حقوقها الطبيعيّة وغيرها. وتؤلّف حكايات جديدة تضيء لنا زوايا أخرى محجوبة أو ليس لنا بها عهد. كما وجدناها تحسن اختيار مسالك الإبلاغ التي تحقّق لمقاصدها وقعا كبيرا في وجدان المتلقّي وعقله. حيث اعتنت بتطوير تقنيات الكتابة القصصية وأعطت كلّ قسم من أقسام الخطاب العناية التي يستحقّها.
وللوقوف على هذه التجربة الإبداعية الفريدة تخيّرنا دراسة أقصوصة بعنوان «فتحية تختار موتها»، صدرت ضمن مجموعة قصصية تحمل العنوان نفسه(1). وهو في اعتقادنا أحد أبرز النصوص التي تُترجم ما ذكرناه آنفا.
ننطلق في دراستنا للنصّ من فرضيّات كبرى، تقول أوّلها: إنّ الأدب عامة والقصّة القصيرة خاصّة، فنّ تخيليّ لكنه وثيق الصلة بواقع ما. فهو نتاج عصره أو أنّ عصره يمثل فيه بكفاية، لأنّ الرؤية العامة لدى المؤلّف مقيّدة بالأفق التاريخي الذي عاش فيه. ثمّ فرضيّة ثانية تولّدت عن الأولى، تقول: إنّ العمل القصصي شأنه شأن أي نصّ هو في المحصّلة جواب عن سؤال أو مجموعة أسئلة العصر والمجتمع الذي كتب فيه(2). فهو يظهر لكي يلبّي انتظارات قرائه المعاصرين أو لكي يعدّل فيها على نحو من الأنحاء. وفرضيّة أخيرة تقول إنّ المبدع هو صاحب مشروع فنّي وفكري في الآن نفسه. فهو يطمح في كلّ الأحوال إلى احتلال مكانة في التاريخ أو يسهم بشكل فعّال في صناعته. فالعمل الأدبي ليس مجانيّا، بل ترتبط به مقاصد يُراد لها أن تتحقّق على أكمل وجه.
ما من شكّ أنّ هذه الفرضيّات تولّدت عن مقاربة معيّنة ورؤية مخصوصة للأدب. فهي لم توجد من فراغ وإنما تمخّضت عن لقاء طريف بين المقاربة الفلسفية التأويلية L’herméneutique في شكلها الحديث، والمقاربة التداولية لتحليل للخطاب Le Pragmatique. والرابط بينهما هو اعتناء كليهما بالخطاب خاصّة منه المكتوب، واعتماد المنظّرين في المجالين على الخطاب الأدبي كأحد أهمّ النماذج التي تستجيب لأفكارهم عند التطبيق. تهتمّ الأولى بمسألة الفهم والإفهام، وبمدى تأثير التجربة الإنسانية للمؤلّف في صياغة خطابه. وإلى جانب ذلك أثبتت تاريخيّة النصوص الأدبيّة. واعتبرت أنّ كلّ متكلّم يتفاعل بالضرورة مع طرف آخر، ويسعى عبر كلامه إلى بناء مشروع يحقّق من خلاله وجوده في العالم. وبيّنت أنّ عمليّة تلقّي النصوص بدورها تفتح أمام القارئ بابا أرحب لفهم الذات. إذ يجعلنا النصّ نتكسب خبرات جديدة تعيد صياغة رؤيتنا للعالم، ومن ثمّة نعدّل من نظرتنا لأنفسنا، حين نقف عن محدودية تجربتنا الذاتية أما تجارب الآخرين الذين نتواصل معهم عبر النصوص. وقد تولّدت عن هذه المقاربة نظرية التلقي التي اهتمّت بدور القارئ في فهم النصوص وأعادت للمؤلّف حضوره المهمّ بعد أن أعلنت مقاربات أخرى موته كالبنيوية، التي تكتفي بالنصّ معزولا منابته وعن سياقات إنشائه.
تُعنى المقاربة الثانية بطرائق استعمال اللغة في الخطاب. فقد وقف أصحابها على القواعد التي تؤدّي إلى نجاح عمليات التواصل ضمن سياقات محدّدة. وتولّدت عنها ما يعرف بالبلاغة الجديدة la nouvelle rhétorique. وهي نظرية تدرس المسالك التي يتوخّاها المتكلّم أو الكاتب بغرض التأثير في المتلقّين وإقناعهم. فهي -كما هو معروف -تسعى إلى «درس تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدّي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات أو تزيد في درجة ذلك التسليم»(3)وقد بيّنت أنّ أي خطاب يقوم حتما على خطّة حجاجيّة سواء عن وعي أو غير وعي. ذلك أنّ «الحجاج ظاهرة لسانيّة مؤصّلة في النسيج القاعدي للغة التي يتفوّه بها المتكلّم كامنة فيها كمون النار في الزّناد» على حدّ قول عبد الستار الجامعي(4). وإلى جانب ذلك تُولي هذه المقاربة قيمة كبرى للسياق بمختلف تفرّعاته، فصيغة الخطاب عندها تتأثّر لا محالة بالظرف الذي يوجد فيه المتكلّم وأحوال أولئك الذين يتوجّه إليهم. وتتقاطع في هذه النقطة بالذات مع المقاربة التأويلية.
بناء عليه نشرع في دراسة الأقصوصة محمّلين بمجموعة من الأسئلة، تولّد بعضها من النصّ والبعض الآخر من طبيعة المنهج الذي نهتدي به في بحثنا، وهي كالآتي:
ما هي مقاصد التأليف في هذا النصّ؟ هل هي توصيف لوضعيّة المرأة في المجتمعات الشرقيّة فقط؟ أم تتعادها إلى محاولة البحث عن حلول لتلك الوضعيّة البائسة؟ لماذا وقع الاختيار على فنّ الأقصوصة للتعبير عن واقع المرأة المرير؟ ماهي الإضافة التي يحملها النصّ على المستوى الفنّي؟ هل يكرّر منوالا سابقا ويكرّس سنّة في الكتابة مألوفة؟ أم يقدّم نموذجا جديدا للقصّة القصيرة ويقترح جماليّات تختلف عن السائد والمترسّخ في أفق انتظار المتلقّي؟ إلى أي مدى يعبّر النصّ عن مشروع تسعى المؤلّفة إلى تحقيقه؟
1 – مقاصد التأليف:
اعتنى مؤسّس التأويليّة الحديثة الفيلسوف الألماني فريدريك شليرماخر (1768 – 1834) بوضع القواعد التي تعصمنا من سوء الفهم بغية فهم النصوص أكثر مما فهمها أصحابها. وكان لديه طموح أن تتوصّل تلك القواعد إلى استعادة المقاصد التي أودعها المؤلّف في نصّه مهما كانت المسافة التاريخية التي تفصلنا عنه. لكن تبيّن لمن جاء بعده، ويلهالم دلتاي (1833 – 1874) أنّ استعادة حرفيّة لقصد المؤلّف محاولة يائسة، لأنّ المقاصد منقولة عبر اللغة، وهي ليست وسيطا محايدا ينقل الأشياء كما هي من فكر المؤلّف إلى فكر القارئ، فوجودها، أي اللغة، مستقلّ نسبيّا عن الطرفين. فالمقاصد وإن كانت من حيث المبدأ أفعالا ذهنيّة مجرّدة، فإنها تتلوّن عند صياغتها بالمعاني الكامنة في الألفاظ. وقد أفاض أي. د. هيرش E.D. Hirsch في تفسير هذه المسألة حين فصل بين قصد المؤلّف the intentionality of author والمعنى الكامن في النصّ the meaning. قال: «المؤلّف ليس حرّا في صناعة مقاصده ولا في نقل أيّ منها. إنّه محكوم بما تريد الكلمات قوله، وبالمواضعات اللسانيّة داخل الثقافة»(5). لذلك وجب في هذه الحالة الحديث عن مقاصد النصّ. وبالتالي فإن ما عنيناه بمقاصد التأليف هو تحديدا ما يقوله النصّ سواء تقاطع ذلك مع المعنى الكامن في ذهن المؤلّف أم اختلف معه. وقد وجدنا في أطروحات هانس جيورج غادامير(1900 – 2002) وهانس روبارت ياوس (1921 – 1997) صاحب نظريّة التلقّي ما يعيننا على فهم الخطوط العامة لمقاصد النصّ الأدبي. وذلك بالنظر في عوامل ثلاثة هي: جنس النصّ والأفق التاريخي الذي ظهر فيه، وطبيعة الجمهور الذي يتوجّه إليه.
بناء عليه فإنّ نصّنا «فتحية تختار موتها» يتضمّن بداهة مقاصد فنيّة لأنّه جنس من أجناس الأدب العديدة، ثمّ إنّ له بالضرورة مقاصد فكريّة تأتيه من إملاءات الأفق التاريخ. في مستوى المقاصد الفنيّة، بيّن ياوس أنّ النصّ الأدبي لحظة ظهوره يعمل إمّا على مزيد ترسيخ الجماليات الراسية، فينسج على منوال جاهز تربّت عليه أذواق الجماهير وتخلّج بوجدانهم. وإمّا يخالف سنن التأليف والقراءة، فيكسر أفق الانتظار السائد ويحدث فيه شرخا يؤدّي إلى إنتاج جماليات جديدة. ونعتقد أنّ قصص ليلى العثمان تسلك هذا النهج الثاني. فقد لمسنا فيها اختلافات واضحة عن التجارب الفنيّة السابقة. يتمثّل ذلك في عدّة مواطن، في اختيار صيغة للعنوان، في البناء الطرف الحكاية وطرقة عرضها عبر الخطاب، في طبيعة الشخصيات، وفي تفعيل مبادئ معينة في الحوار…إلخ.
يتضمّن النصّ في مقام ثان مقاصد فكرية. فهو يندرج ضمن ما يعرف بالكتابات النسائيّة (لا نقصد النّسوية The Feminism). وهذا الضرب من الأدب عادة ما يهتمّ بأخطر القضايا المطروحة في الثقافة العربيّة المعاصرة. فإنّ له بالتالي أي النصّ ما يقول في هذه المسائل. فهو يجيب عن أسئلة القراء المتعلّقة أساسا برؤية المرأة المعاصرة لواقعها المرير وأساليب التخلّص منه. فنصّ «فتحية تختار موتها» يناقش نوعا من العنف الذي تمارسه المرأة على بنات جنسها. وابتعد عن تكرار القضايا التقليديّة في كتابات المرأة التي تلخّص كلّ مآسيها في ذكوريّة الرجل الشرقي. وليست هذه القضيّة في ما نعتقد بدعة اختلقتها المؤلّفة، بل هي ظاهرة متأصّلة في المجتمع العربي، لكن لم يتسن لغيرها التقاطها أو لم يحسن التعبير عنها. والقصد هو أنّ الذكوريّة في المحصّلة طريقة في التفكير، يمكن أن تنفذ إلى ذهن المرأة وتؤثّر على سلوكها. يعرض النصّ أيضا صورة للرجل تختلف عمّا ألفناه في الأدب النسوي. إذ يكسر الصورة النمطيّة التي جعلت منه كائنا سلطويّا سواء كان أبا أو زوجا أو أخا…إلخ. فالرجل في قصص ليلى العثمان قادر على أن يكون عنصرا إيجابيّا في حياة المرأة. كما يمكن أن يظهر في بعض المواقف بمظهر الضّعيف أمامها أو الأقلّ منها درجة في السلطة والنفوذ.
تلك هي أهمّ المقاصد التي كشفها لنا النصّ. وهي كما أسلفنا تتوزّع إلى مقاصد فنيّة هدفها إرساء بدائل جديدة في الكتابة. وأخرى فكرية مدارها كشف معاناة المرأة في المجتمع العربي المعاصر ورسم صورة أخرى للرجل الشرقي. هذه المقاصد بطبيعة الحال تندرج ضمن مقصد عام كبير هو بناء مشروع فنّي يقوم على تجديد النظرة الموجّهة إلى الأدب الذي تكتبه المرأة، قصد تخليصه من الصورة النمطيّة العالقة في الأذهان عنه على مدى أجيال. وقد اختارت المؤلّفة مسالك طريفة لإبلاغ تلك المقاصد إلى المتلقي ولتحقيق مشروعها الأدبي. لأنها في اعتقادنا تعي أن مشاركة أولئك الذين تتوجّه إليهم بخطابها مسألة ضرورية. فتلقيهم للخطاب وتفاعلهم معه هو الضامن لخروج العمل الفنّي من طور الوجود الممكن بالقوّة إلى طور الوجود المتحقّق بالفعل. ومعلوم أنّ جمهور الأدب غير محصور في فئة محدّدة، إذ نجد فيه الأدباء والنقاد، والصحفيين، والطلبة وأساتذة الجامعات… إلخ. وكلّ فئة من هؤلاء لها انتظاراتها الخاصّة وأسئلتها التي تطرحها على العمل. منهم من يبحث عن الحكاية المرويّة، ومنهم من يصوّب نظره إلى المسائل الفنيّة، ومنهم من يستهدف أفكار المؤلّفة. وبالتالي فإنّ الإحاطة بهم جميعا أمر يبدو من الصعوبة بمكان. لذلك اعتنت ليلى العثمان بكلّ أقسام العمل القصصي. وبيّنت حرصها الشديد على إبلاغ مقاصدها إلى كلّ فئات القرّاء دون استثناء. وعملت على انتقاء أفضل «المسالك» المؤدّية إلى ربط الصلة مع القارئ والتأثير فيه وجعله يقبل بالأطروحات التي ستعرضها عليه في النصّ ويذعن لها جنسا من الإذعان تتغيّر معه قناعاته حول الأدب والحياة. وهو ما سنبيّنه في ما يلي.
2 – مسالك الإبلاغ:
يعتبر النصّ الأدبي في عمومه فعلا لغويّا، وقد بيّن علماء اللغة أنّ هذا الفعل ليس مجانيّا وإنما ترتبط به غايات يسعى صاحبه إلى تحقيقها. ولذلك فإنّ نجاحه في بلوغ مراده يتوقّف على حسن اختيار المسلك الذي ينقل الفكرة القائمة في ذهنه إلى الطرف أو الأطراف المقابلة له في العملية التخاطبيّة. وقد بُني الخطاب في أقصوصة «فتحية تختار موتها» في جلّ تفاصيله لتحقيق هذه الغاية.
1 – في إبلاغ المقاصد الفنيّة:
سلك النصّ ما يسمى في التداولية عامة بـ»المسلك السردي «وهو على حدّ قول عبد الستار الجامعي: «مسلك جبّار يسعى بواسطته المتكلّم إلى تكوين عدد لا يحصى من الكلمات والأفكار المتنوّعة. وهو يمنح الخطاب ضربا من التماسك ويجنّبه الانفراط والتصدّع. إلى جانب ذلك هو وسيلة السارد [ومن خلفه المؤلّف] التي تمكّنه من إيجاد أحداثه والتصرّف فيها وتكوين خطابه ويمنحه مجالا لإحداث خروقات في نظامه، وخلقه بمكوناته السرديّة المختلفة»(6). وهذا المسلك يفرضه جنس النصّ من ناحية، وتطلبه حاجة المؤلّفة لإفهام المتلقيّ قدرتها على تجديد الخطاب القصصي من ناحية أخرى. فـ«ليلى العثمان» كما ذكرنا آنفا تسعى إلى شقّ طريق خاص بها في الكتابة الإبداعية، وليس همّها تكرار النماذج المألوفة أو محاكاتها. نلمس هذا النفس التجديدي في عدد كبير من المسائل لعلّ أهمها صياغة العنوان، وبنية الحكاية وتركيبة الشخصيّات.
• في بناء العنوان:
ورد العنوان في شكل جملة إسميّة: «فتحيّة تختار موتها». وهي لا تثير إشكالا من الجانب النحوي، لأنّ المعنى تام. لكنّ دلالتها صادمة وتفتح الباب للعديد من التأويلات، نعتقد أنّ المؤلّف تعمّد إثارتها في ذهن المتلقي. فما معنى أن يختار شخص ما موته؟ وإن كان الموت اختيارا، ألا نسمّي ذلك انتحارا؟ يبدو العنوان مراوغا، أي يظهر أشياء ويبطن أخرى. فالظاهر فيه هو اسم بطلة الحكاية أو على الأقل شخصيّة من شخصياتها الرئيسيّة. ويمكن أن نفهم من اختيار الاسم العلم «فتحيّة» أنّ الحكاية توهم بالواقعية. أما القسم الثاني من الجملة أي الخبر، فيمكن أن نبني من خلاله فرضيّات حول مآل الحكاية. فالموت ربّما يكون الحدث القادح الذي تفتح به الحكاية أو عقدتها أو هو الوضع الختامي الذي تنغلق به. وفي كلّ الأحوال هو حدث مركزي. أمّا المضمر في العنوان فهو تعاطف المتكلّم مع شخصيّة فتحيّة. نتبيّن ذلك في تفضيله قول تختار موتها، بدل تنتحر. فالجملة الثانية «تنتحر» فيها تقويم سلبي لأنّ الانتحار يعني جريمة يقترفها الإنسان في حقّ نفسه وهي مدانة في الشرائع الدينية، يترتب عنها عقاب إلهي. أمّا قولها تختار موتها قد يفهم منه أنّ فتحيّة تسير في الطريق المؤدّية إلى الموت دون علم مسبق بما سيحدث لها. أو إنها ارتكبت حماقة أدّت إلى موتها. إن صيغة العنوان تبدو إذن غير تقليديّة، فالمعنى فيها يتراوح بين الظهور والتخفّي، كما أنّ فيه نصيب من التشويق كبير، يجعل المتلقي يقدم مرغما على قراءة النصّ واكتشاف الحكاية.
• في بناء الحكاية:
في النصّ حكايتان تنقلهما لنا ساردة مشاركة وفق رؤية من الداخل. ووقع تأطيرهما وفق ما يصطلح عليه سعيد يقطين بـ«بنية التجاور»(7). وهي طريقة في السرد تختلف عمّا ألفناه في النصوص الكلاسيكيّة التي تضمّ حكايتين أو أكثر. فعادة ما يتمّ استعمال تقنيات أخرى من قبيل التتابع L’enchaînement أي «يتمّ تسلسل القصص المحكيّة، وعندما تنتهي القصّة الأولى تبدأ القصّة الثانية»(8). أويتمّ استعمال تقنية ما يسمّى بالتضمين L’enchâssement، أي قصّة إطار داخلها قصص مضمنّة تأتي في شكل استطراد مُطوّل.
تدور الحكاية الأولى في زمن الحاضر أبطالها الساردة وزوجها وخنفساء. تنطلق الأحداث حين أرسلت الساردة بصرها خلف زجاج بيتها لتنعم بمشهد الصباح وهو ينبلج، فتلاحظ خنفساء تكابد من أجل النهوض بعد أن انقلبت على ظهرها ولم تستطع أن تستعيد توازنها لمواصلة السير. فتألّمت الساردة لوضعها وأشفق عليها. وطلبت من زوجها أن يعين تلك الحشرة على النهوض أو يقتلها لتسريح وترتاح الساردة بدورها من هذا المشهد الذي أثّر في نفسها. تظلّ الخنفساء على حالها لوقت طويل، تحاول جاهدة أن تقوم، ترتعش، وفي ارتعاشها تذكّر الساردة بذكريات أليمة عاشتها في الماضي، فيزيد ذلك من إشفاقها عليها. فتزيد في توسّلها إلى زوجها كي يقوم بما طلبت منه، في حين كان هو يهزأ من هذا الطلب، لأنها مجرّد خنفساء لا قيمة لها بالنسبة إليه. ثمّ استجاب وخرج وقبل أن يقوم بالمطلوب التفت إلى زوجته الساردة وأشار إليها أنه فهم ما يجول بخاطرها. فالخنفساء تذكّرها بأختها فتحيّة التي ماتت.
أمّا الحكاية الثانية فهي في زمن الماضي. وقد كانت حكاية الخنفساء قادحا لكي تسترجعها الساردة وترويها. إذ كانت تلك الحشرة في نظرها صورة عن الأنثى عامة وعن شقيقة الساردة التي ماتت. الشخصيات الرئيسيّة في هذه الحكاية هم الساردة وأخواتها وأمّهم وأبوهم وزوج الأمّ. تبدأ أحداثها حين ترفض فتحيّة النهوض من فراشها للذهاب مع أخواتها لزيارة الأمّ. فرغم المحاولات المتكرّرة منهنّ تتمسك الفتاة العنيدة برأيها وتمعن في الرّفض. وكان إلحاح الأخوات على اصطحاب فتحيّة ناتج عن خوفهنّ مما سيتعرّضن إليه من إهانة وشتيمة من طرف الأمّ القاسية. لذلك اختلق الأب كذبة لعلّها تنجيهم وتنجيها من شرّها. قال: «إذا سألت أمّك عن فتحية قولي لها إنّها شربت اليوم- ملحا أمريكيا»(9). لكنّ عند وصولهنّ وإخبار الأمّ بالأمر لم تقتنع هذه الأخيرة بالخبر. وذهبت لتتأكّد بنفسها من حالة ابنتها، ولتأتي بها في كلّ الأحوال: «صرخت أمّي: حتّى لو شربت كلّ ملح الأمريكان… وسحبتنا إلى الداخل… ارتدت عباءتها الحريرية… نظرت إلينا: سأذهب… وأحضرها… وسترى. خرجت كالبقرة الهائجة… وبقينا نرتعش»(10). بقيت الفتيات في ركن قبالة ساحة المنزل يراقبن زوج أمّهم وهو ينتقل من زاوية إلى أخرى والتوتر باد عليه حاملا عصا في يده. وكلما ازداد توتره رفع يده وانهال على عنزة مسكينة بالضرب. في الأثناء كانت الأمّ قد اختلقت حيلة لمعرفة حقيقة ما جرى لبنتها. وحين تمكّنت من كشف السرّ بعد أن أعطتها كيسا من الحلوى ولعبت دور الأمّ الحنون، جرّتها وراءها إلى البيت وبمجرّد دخولها انهالت عليها ضربا. وكانت الأخوات ينظرن من بعيد ولا يمتلكن حيلة لمساعدتها. وتواصل تعنيف الأمّ لفتحيّة أمام عجز أخواتها على إنقاذها من ذلك المصير المؤلم والنهاية المفجعة، الموت».
في النصّ تفاصيل أخرى لم نأت على ذكرها لأنّ غرضنا ليس إعادة حكي الحكاية، بل اكتشاف ما فيها من طرافة في المقام الأوّل. ثمّ الإبانة عن جماليّة البناء الذي تمّ من خلاله تقديمها. إنّ تقنية التجاور مكّنت الساردة من حكي القصّتين معا في آن واحد دون أن يشعر القارئ بانفصالهما عن بعضهما. كما تمّ توزيع النصّ إلى وحدات سرديّة صغرى Micro récit. تعرض الساردة بداية ما يسمى في السرديات الحديثة بوضع الانطلاق: «من خلف الزجاج كنت أراقبها.. كان الصبح يطلّ بوجهه باردا لا يزال. والشمس تنزلق في السماء جدائل شقراء تغرس نفسها في قلب البحر لتستحمّ. وتثير الدفء.. رويدا.. رويدا حتى يصل إليها.. تحسّ به فترتخي أعضاؤها التي تيبّست إثر ليلة باردة»(11). وهي انطلاقة يمكن وصفها بالتقليدية، لأنّ فيها تأطيرا عاما وهدوءا في الحركة، تذكّر القارئ بنوع من النصوص المألوفة، ويثير لديه توقعات أوليّة حول مستقبل الحكاية. ثمّ مع التقدّم في السرد يكتشف أن مدار الحديث على حشرة وليس على تلك الشخصيّة التي ورد ذكرها في عنوان الأقصوصة. وهي صدمة أولى تُخيّب توقعات القارئ وتجعله يعدّل في نظرته إلى النصّ. وربما تنتابه حيرة كالتي انتابت زوج الساردة حين قال: مالك ولها !! إنها مجرّد خنفساء»(12). ثمّ يأتي الجواب في نهاية هذا المقطع الذي وصفناه بالتأطيري في قول الساردة: «هو يرى الحشرة كما هي خنفساء بينما أراها أن -والسهم غارز في الصدر-أراها.. فتحيّة»(13). حينها ندرك العلاقة بين اسم العالم الذي ورد في العنوان والخنفساء.
ثمّ عند الانتقال إلى الوحدة السردية الموالية تعترض القارئ صدمة أخرى حين يكتشف أنّ حكاية الخنفساء هي مقدّمة للدخول في حكاية أخرى بطلتها «فتحية، تدور في زمن آخر يختلف عن قصّة الخنفساء. إذ يستأنف السرد بقول الساردة: «رفضت فتحيّة أن تتحرّك من فراشها.. صرخت فيها أختها الكبرى: قومي.. تحرّكي…»(14) ندرك حينئذ أننا أمام حكاية أخرى، وأنّ ما سبق كان مجرّد أحداث قادت الساردة إلى تذكّر الحكاية الحاليّة. وقد يدفع هذا المقطع بتوقعات القارئ نحو وجهة أخرى فيظنّ أنّ حكاية الخنفساء أدّت وظيفتها في نبش ذاكرة الساردة وانتهت عند ذلك الحدّ. لكنّ هذه التوقعات تخيب مرّة أخرى حين تعود إليها الساردة لاحقا بعد أن مضت أشواطا في حكاية فتحية وأخواتها. ووصلت إلى تلك اللحظة التي خرجت فيها الأمّ لجلب ابنتها. ففي الوقت الذي ننتظر فيه ما سيحصل لفتحيّة، يعود بنا النصّ إلى حكاية الخنفساء التي كدنا ننساها. «الخنفساء ترتعش.. الظُّهر يرمي غلالته النديّة على الأرض.. وعلى البحر المواجه لي»(15). ثمّ بسرعة تستأنف حكاية فتحيّة، قبل أن تضيع خطوطها هي الأخرى. فكأننا بها تتأمّل في كلّ مرة في مشهد الخنفساء حتى تتمكّن من استرجاع الأحداث التي جرت في الماضي نظرا للتشابه الحاصل بينهما في عدّة مستويات. وتمضي بنا الساردة في هذا التردّد بين الحكايتين إلى آخر النصّ. وهي تستعمل عناصر ربط عديدة بينهما حتى لا تُشعر القارئ بالتناقض، وكي لا تعصف بتركيزه عليهما. إذ تبيّن في كلّ مرّة وشائج الصلة بينهما. كقولها: «هنا.. تتكوّم الخنفساء… وهناك فتحيّة كانت تتكوّم […] ذلك الشرّ كان ينتظرنا.. تماما كما ينتظر الليل هذه الخنفساء لتجمد أطرافها فيه.. بانتظار صبح تتنفس فيه.. وفتحية كذلك تريد أن تتنفس»(16). حيث يتيح لها التشبيه ليس فقط المقارنة بين الحالتين، وإنما أتاح لها أيضا الانتقال بسلاسة بين الحكايتين. في موضع آخر من النصّ تقول: سالت المياه.. وصلت إلى الخنفساء.. أحسّت ببرودة الماء.. انكمشت أكثر.. أكثر.. الوقت يمضي بطيئا.. هي معطّلة ترتعش.. ترتعش.. تذكرني بذلك الارتعاش الذي عشناه»(17). هنا تلعب الحكاية الأولى دور المحفّز الذي ينشّط خيال الساردة. فعلى ضوئها تستعيد الحكاية الثانية. تستعمل الساردة عنصر ربط آخر. إذ تستأنف سرد حكاية باللفظ أو التركيب ذاته الذي أنهت به الحكاية التي تسبقها مع تغيير طفيف. كقولها: «علينا أن نتصرّف»(18). في نهاية وحدة سرديّة ومدار الكلام على الساردة وأخواتها في الماضي. حيث تطلب الساردة منهنّ مدّ يد المساعدة إلى فتحيّة. ثمّ في بداية الوحدة السردية التي تليها تقول عليك أن تتصرّف»(19). والكلام مداره على زوج الساردة في الحاضر. والطلب هنا يخصّ مساعدة الخنفساء.
• في بناء الشخصيّة:
تمثّل الشخصيات العمود الفقري لأيّ عمل سردي. فبدونها يستحيل الحديث عن حكاية، كما أنها تمثّل قناعا للمؤلّف يُبلّغ من خلالها أفكاره إلى القارئ. ونعثر في نصّ «فتحية تختار موتها» على شخصيّات متباينة من حيث تركيبتها النفسيّة وأعمالها. ويكمن اختصارها في صنفين: شخصيّات ثابتة، أي لا تتغير، وشخصيات نامية، أي تتغير طبقا للظروف المحيطة بها أو السياقات التي تتواجد فيها.
النموذج الأوّل فتحيّة والأمّ. أمّا وصفنا لشخصيّة فتحية بالثابتة لأنها بدورها بقيت على عنادها وتفرّدها بالرأي مما أدى إلى هلاكها. إذ لم تفلح محاولات أخواتها في جعلها تتبع الطريق الأقلّ خطرا. وأمّا الأمّ فهي شخصّية ثابتة لأنّها منذ بداية الحكاية إلى نهايتها بقيت في نفس المستوى من الشرّ والجبروت ولم تتغير. يظهر ذلك في الصورة المرسومة عنها في أذهان باقي الشخصيات مثال ذلك الحوار الذي دار بين الأخت الكبرى وفتحية:
-كلنا نكره أن نراها.. ولكن يجب أن نفعل.. علينا أن نواجه أمّنا.. سنقول لها كوني حنونة أمّي. لنحبك ونأتيك راضيات.
هزئت فتحية بما سمعت وقالت: لا يجب محاورة الأمّ… هي تفعل ما تريد وعلينا أن نطيع.
-الحوار قد يفيد يا فتحية. قومي معنا.. يجب أن تسمع أمنا صوتنا يجب أن تعرف بأننا لا نرضى هذه القسوة»(20). حيث نكتشف صورة الأمّ القاسية قبل أن تظهر في الحكاية، وهذه الصورة الثابتة هي التي تجعل الساردة تتوقع على نحو ما كيف ستتصرف مع بناتها عندما تلاقيهم. تقول:
«هنالك في بيت آخر ينتظر وجه أمّي المستطيل تتلاعب ضفيرتان ثخينتان على كتفيها المرمريين يداعبهما رجل آخر غير أبي… وعلى صدرها تلتصق طفلة أخرى ترضع اللبن الذي حرمتني منه… لو ذهبنا الآن… وفتحت الباب… فلن يهمها أن تحضن بالشوق وجوهنا… لن يرقص قلبها فرحا… بل سترقص عيناها لتعدّ وجوهنا:
واحدة…
اثنتان…
ثلاثا…
وأين الرابعة؟؟»(21)
وتوقّعات الساردة لم تخب، بل كانت في محلّها، فلم تختلف تصرّفات الأمّ عن تلك الصورة المنقولة عنها. «ما كاد الباب يفتح… حتى تناثرت نظرات أمّي: أين أختكنّ؟»(22) إذ تجعلنا الساردة هنا نتأكّد بأنفسنا من طبيعة الأمّ التي ظلّت على حالها.
إنّ اللّقاء بين شخصيّتين ثابتتين أي الأمّ وفتحية له غاية فنّية وغاية أخرى فكرية. فهو الذي أدى إلى نشوء الحكاية وإلى بلوغ الأحداث ذلك التطوّر السريع، رغم أنهما شخصيّتان سلبيّتان. أمّا على الصعيد الفكري فهما رمز لنوع من السلوك الاجتماعي. ففتحية تمثّل المرأة الشخصيّة التي تبالغ في التمرّد والتمسّك برأيها، وترى أنّ رأيها هو الأصح دون أن تحسب حسابا للظروف المحيطة بها، ولا تستمع إلى نصائح غيرها. وهذا النمط من التفكير مآله الهلاك. أمّا الأمّ فهي ترمز من ناحية إلى المرأة التي تفكّر بمنطق الذكورية. تلك العقلية تخلع عنها كلّ صفات الأنوثة وتؤدّي بها إلى خسارة من حولها وأقرب الناس إليها. في النصّ شخصيات أخرى ثابتة من قبيل الأب وزوج الأمّ. فرغم ظهورهما المحتشم في الحكاية إلاّ أننا لا نلمح فيهما علامات التطوّر. الأوّل موغل في السلبيّة لا يستطيع مواجهة زوجته السابقة ولا يقدر على حماية بناته منها. وهو يرمز إلى الرجل الذي فقد سيطرته على القيادة وأصبح وجوده في حياة الأسرة غير مهمّ. أما الثاني فهو خاضع لسلطة الأمّ يأتمر بأوامرها وينفّذ طلباتها، بل إنّه يستمد ملامح شخصيته منها. فهو مثلها عنيف لا يعرف الرحمة.
النموذج الثاني من الشخصيّات، أي النامية تمثّله الساردة وزوجها. نلحظ علامات التطوّر في شخصيّة الساردة من خلال مقارنة بسيطة بين الحكايتين اللتين شاركت فيهما وقامت بسردهما علينا. فقد كان دورها ضئيلا في حكاية موت أختها فتحيّة. تراقب ما يجري وتعبّر عن إحساسها الرافض لمأساتها لكنّها تعجز عن مد يد المساعدة. لكنّها في حكاية الخنفساء كان لها دور في تحريك الأحداث وفي تحديد مجرياتها. وكذلك الزوج بدأ كشخصيّة سلبيّة ثمّ سرعان ما تغيّر نحو الأفضل ولم يثبت على موقفه الأوّل. إذ كان يرى الخنفساء مجرّد حشرة في البداية. ثمّ اقتنع بضرورة مساعدتها بل تنبّه إلى ما يدور في ذهن زوجته الساردة، وعدّل في رؤيته للأشياء. هاتان الشخصيّتان ترمزان إلى الإنسان صاحب السلوك الإيجابي. لا بمعنى أنه خير محض، بل الشخص الذي يتأقلم مع الظروف وينفتح على رأي غيره، فيكون بذلك إنسانا صالحا.
إنّ جمالية الحكاية لا تمثّل فقط في طرافة الموضوع، وإنما في طريقة تقديمها عبر الخطاب كما رأينا. ويعود ذلك إلى اختيار المؤلّفة مسلكا جديدا في البناء. وهذا يعتبر من مظاهر الخرق الحميدة لسنن التأليف من شأنه أن يحدث تغييرات في أفق انتظار القارئ ويكسبه خبرات جديدة. فعلى حدّ قول ويلهالم دلتاي: «نحن في العمل الأدبي نبدأ بتجربتنا الذاتية في لحظة معيّنة من التاريخ تحدّد لنا المعنى الذي نفهمه من العمل في هذه الحظة من الزمن. ولكنّ تجربتنا نفسها تتغيّر وتكسب أبعادا جديدة من خلال الآفاق الجديدة التي يفتحها لنا العمل قد تغيّر مرّة أخرى من فهمنا للعمل نفسه»(23). هذا الرأي ينطبق بطبيعة الحال على النصوص التي تختلف عن المألوف كنصّ «فتحية تختار موتها. أمّا الأعمال التي تحاكي الموجود أو المستقرّ في الأذهان فلا يمكن أن تحدث نفس الأثر لدى القارئ، بل هي على حدّ قول هانس روبارت ياوس أقرب ما تكون إلى كتب الطبخ(24).
2 – في إبلاغ المقاصد الفكريّة:
يسعى النصّ كما أشرنا إلى اطلاعنا على وجه آخر من معاناة المرأة العربيّة. وفي الآن نفسه يقدّم نموذجا آخر للرجل الشرقي. وهو لا يقف عند حدود الوصف، بل يحاول أيضا أن يجد الحلول المناسبة لكي نعيش حياة أفضل مما نحن عليه الآن على صعيد العلاقات العائلية والاجتماعيّة. وهنا تكمن مزايا القصةّ، والجنس القصصي عموما، أي إنّها تقدّم حلولا وأجوبة عن أسئلتنا الضاغطة. هذه الحلول توجد في مجموعة من القيم الإنسانيّة المثلى سنقف على أهمّها وهي الحرية والحوار الهادئ. أشار النصّ إلى القيمة الأولى بصريح العبارة، وأورد الثانية بطريقة مبطّنة لذلك ستأخذ منّا حيزا كبيرا من التحليل.
• الحرية:
تطرح الساردة هذه القيمة بصريح العبارة حين قالت: «من يرضى بهذا الأسر؟؟ من منّا لا يتوق إلى الحريّة في كلّ لحظة؟؟ فكيف لهذه البائسة أن تستردّ حريّتها التي افتقدتها؟؟»(25) فرغم أنّ مدار الحديث في هذا السياق على الخنفساء إلاّ أنها تطرح المسألة بكلّ جديّة. فالحريّة بالنسبة إليها مطلب كوني وحقّ طبيعيّ لا يهمّ الإنسان فقط، وإنّما هي قيمة تطمح إلى بلوغها كلّ الكائنات العاقلة وغير العاقلة. ولعلّ المقصود أكثر من الحريّة المادّية أي التخلّص من الأسر، بل الحريّة المعنويّة المتعلّقة بالتفكير والإبداع والرأي…إلخ. نتبيّن في النصّ إشارات عابرة إلى هذه المسائل في قول الساردة: «انتصبت فتحيّة في فراشها، ثار شرر في عينيها رغم قبحه كان يعبّر عن موقف تمنّيت لو مارسته»(26). فهي هنا تحسد أختها على قدرتها على المجاهرة برأيها رغم العواقب الخطيرة التي أدّى إليه التمسّك بذلك الموقف. فالأمر في ظاهره فتاة صغيرة تصرّ على عصيان قرار عائلي. ولكنّه في باطنه رغبة في التمتّع بالاستقلالية الفكرية من طرف الفرد داخل المجموعة التي تحيط به.
• الحوار:
يطرح النصّ أهميّة الحوار عبر اللغة بين الأفراد المختلفين في الرأي من أجل الوصول إلى وفاق في المسائل الصغيرة كما في المسائل الكبرى. وقوامه مجموعة المبادئ إذا تمّ تفعيلها نجح الحوار في بلوغ مقصده، أي اقتناع أحد الطرفين المتحاورين برأي الآخر، وإذا تمّ خرقها(27). نتج عن ذلك انفراط عقد التواصل وتولّد عن الحوار نتيجة أخرى غير مرغوب فيها. ويأتي على رأس هذه المبادئ مبدأ التعاون»(28) cooperative principle، ويتفّرع هذا المبدأ حسب بول غرايس إلى مجموعة من الحكم أو القواعد. حدّدها هذا الأخير على النحو الآتي: (1) قاعدة الكيفيّة «لتكن مساهمتك صادقة»، أي لا تؤكّد ما تعتبره خاطئ، لا تؤكّد ما ليس لك عليه أدلّة. (2) قاعدة الكميّة، «لتتضمن مساهمتك معلومات بقدر ما هو مطلوب (لغايات التبادل الضرفية)، لا تضمّن مساهمتك معلومات أكثر مما هو مطلوب». (3) قاعدة العلاقة (أو الإفادة، «تكلّم كلاما مناسبا be relevant. (3) قاعدة الجهة، «كن واضحا أي اجتنب الغموض أو الالتباس، كن منهجيّا»(29). وقد أضيف إلى اكتشافات غرايس مبادئ أخرى من أبرزها الاقتراح الذي تقدّمت به روبن لاكوف واصطلحت علية بـ«مبدأ التأدّب» Politeness principle . وقد فصّلته إلى ثلاث قواعد. قاعدة التسامح أي تحلى باللياقة، وقاعدة التخيير «يقصد بها أن يترك المتكلّم لمخاطبه مجالا للاختيار ولا يفرض رأيه عليه، وقاعدة التودّد أي أن تبدي لمخاطبك قدرا من المعاملة الحسنة والعمل على أن يشعر الطرف المقابل لك بالراحة.
المثال على ذلك في النصّ المحادثات التي دارت بين الساردة وزوجها. ففي بداية النصّ لم تنجح المحادثة نتيجة عدّة خروقات قام بها كلى الطرفين.
«أشفقت عليها… توسّلت إليه وهو بجانبي يفرك كفيّه الباردتين لتدفآ:
– أرجوك اعدلها لترتاح… أو اقتلها لتريحني.
زفر:
– مالك ولها إنها!! مجرّد خنفساء.
ابتلعت غضبي.. هكذا إذن ينظر إلى تلك المعذّبة.. هو لا يدري أنها بنظري ليست خنفساء، وبإحساسي الداخلي هي ليست حشرة..»(30).
قامت الزوجة هنا بخرق قاعدة العلاقة فكلامها لا يتناسب مع السياق. أي لم تعط أهمّية لحالة الزوج الذي يشعر بالبرد ويريد تدفئة كفيه. ومع ذلك حاولت أن تراعي قاعدة التسامح عند النطق بالكلام فكان الطلب على سبيل الالتماس «أرجوك». حاولت أيضا مراعاة قاعدة التخيير في قولها «اقتلها …أو اعدلها. لكنه ليس تخييرا حقيقيا لأنها وضعته أما حتمية القيام بأحد الفعلين وفي الحاتين ستجبره على النهوض من مكانه قرب الموقد. فالأصوب هو أن ينفذ الطلب إن شاء أو لا ينفذ. قامت أيضا يخرق قاعدة الوضوح، إذ لم تشرح بما فيه الكفاية سبب الطلب. واحتفظت به لنفسها في قولها: بنظري ليست خنفساء، وبإحساسي الداخلي هي ليست حشرة. وأدى ذلك في النهاية إلى تفاعل سلبي من طرف الزوج. إذ قام هو الآخر بخرق مجموعة من القواعد: قاعدة الكمية، حيث أجاب بخلاف ما هو مطلوب منه. وخرق أيضا قاعدة التودّد، فلم يعاملها معاملة حسنة تعطيها راحة أو أملا في مواصلة المحادثة إلى أن يقتنع هو أو تعدل هي عن طلبها. فتعطّل الحوار وانفرط عقد التواصل، بل انتهى بحالة من الغضب انتابت الزوجة، عبّرت عنها بشتيمة لجنس الرجال كاملا.
إنّ الخرق للمبادئ الأساسية للمحادثة في هذا الوضع وغيره، له على صعيد الخطاب القصصي غايات فنية دفينة غير بادية للعيان. فهو إجراء قد يكون متعمّدا ليظهر فيما بعد تطوّر الشخصية. كما أنه لا يعطّل جريان الأحداث بل ينهي فقط تلك المحادثة لينتقل السرد إلى أحداث أخرى. ففي المحاثة الأخرى التي جرت بين نفس الشخصيتين نكتشف أنّ كليهما عدّل من طبيعة كلامه، وأبديا مرونة في التعامل مع بعضهما، فكانت المحادثة أطول والنتيجة إيجابية.
«همست له طبعت قبلة على وجنته التي دفئت: أرجوك اخرج وتصرف.
تساءل: في هذا البرد الشديد؟
وانهمر توسلي: أرجوك إمّا أن تعدلها لترتاح… أو… أقتلها. وابتسم:
-لم لا تنسي وجودها؟؟
-إنها أمامي تضايقني بمحاولاتها الفاشلة.
ربّت على يدي: ليست كلّ المحاولات فاشلة… بعض المحاولات جيّدة.. ومنتجة.. لنتركها… قد تفلح في أن تنقذ نفسها… من يدري!!
-أنت لا تدري حين تنقلب الخنفساء يصعب عليها أن تستعيد وضعها.. علينا أن نساعدها(31). […]
انتصب أمامي… كنت أجلس على طرف السرير بانتظار أن يفعل شيئا.. يده امتدّت لتفتح باب الشرفة […] بل أن يخرج سألني: لو عدّلتها.. أو قتلتها.. هل سترتاحين؟؟
رفع قدمه قبل أن يهوي عليها كنت أصرخ: انتظر […]
ابتعدت قدمه على الخنفساء.. استدار نحوي، كان أنفه قد احمرّ قليلا من البرد الذي فاجأ وجهه، تجمّدت خطواته، حضنته رجوته :
أرجوك.. لا تقتلها
تناثرت ضحكته حضنني..- أشهد أنني أحب هذا الرجل- فهمني. قال: أعرف بماذا تفكّرين(32).
هذه المحادثة جرت كأحسن ما يكون بفضل التزام الطرفين بالقواعد المنصوص عليها لدى علماء التداولية. فهي على عكس المحادثة السابقة أدّت إلى نتائج إيجابية. إذ تبدأ الساردة بقبلة تطبعها على وجنة زوجها تمهيدا منها للدخول في المحادثة فتهيّئه كأحسن ما يكون لتقبّل كلامها. كما أنها اختارت السياق المناسب لتقوم بذلك أي بعد أن شعر بالدفء، فليس هنالك ما يمنعه من القيام بالعمل المطلوب منه. كما التزمت بقاعدة الكمية فاختصرت خطابها إلى اقلّ عدد من الكلمات، وقاعدة التخيير حيث أعطت لزوجها حرية للقيام بالفعل الذي يراه مناسبا، دون أن نفرض عليه ما تريده هي في قرارة نفسها وهو ما تعبّر عنه كلمة «تصرّف». بادلها الزوج بدوره بنفس القدر من الاحترام والليونة في التعامل. إذ كان هو الآخر يحترم جملة من القواعد. فقد توسل بمسلك غير مباشر يعبّر عن رفض طلبها. واختار أن يعبّر عن ذلك في صيغة الاستفهام، بدل أن يقول لها لا أستطيع الخروج فالجوّ بارد. وهذه الصيغة تتناسب مع ما هو منصوص عليه في قاعدة التسامح. وهو ما ترك باب الحوار مفتوحا، لم ينغلق بسرعة كما رأينا في المثال السابق المليء بالخروقات. وقد قابل إلحاح الزوجة عليه بالخروج، وإطنابها في الكلام، بشيء من التعاطف والمعاملة الحسنة المنصوص عليهما في قاعدة التودّد. حيث ربّت على يديها كدليل على التعاطف. تجنّب الزوج الإبهام أيضا في كلامه حين شرح لها موقفه. مما يعني احترامه الكامل لقاعدة الصيغة.
إنّ احترام كليهما لجملة القواعد المذكورة هو الذي أدّى إلى إطالة الحوار دون أن يشعر أحد أنه متضايق من كلام الآخر. وهو ما أدى إلى نتيجة أكثر من المتوقعة. فقد وصلا إلى مرحلة يفهم فيها أحدهم الآخر قبل أن يتفوّه بالكلام. فانتهى الحوار بالوفاق وحصول التفاهم، الذي يعتبر عند التأويليّين الهدف الأساس لكلّ حوار بين طرفين في مسألة خلافية. فقد زاد هذا التفاهم من درجة الموّدة والحبّ بين الساردة وزوجها في نهاية المطاف. وليس ذلك بغريب، فالحبّ مضمّن أصلا في مفهوم كلمة الفهم والتفاهم حسب هانس روبارت ياوس، وهو سرّ السعادة بالنسبة إليه. يقول «نجد أغلبيّة المحبين الذين يتعرفون بالكاد على قلوبهم الخاصة لا يعيشون إلاّ تجربة سعادة صغيرة من حبّ أحدهما للآخر دون أن يتفاهما، ولكن بالنسبة إلى الزوجين الكاملين فإنّ التّحابب والتفاهم يمكنهما أن يجتمعا معا، وبذلك يعرفان السعادة الكاملة من التفاهم فعلا في الحبّ(33). هكذا نتبيّن العلاقة بين الحوار والفهم والسعادة. وكلّ ذلك ممكن بفضل اللغة. فهي التي بواسطتها ننفتح الذوات على بعضها وعلى العالم.
خاتمة:
كان هذا العمل محاولة متواضعة للوقوف على جمالية القصّة القصيرة عند ليلي العثمان، قصدنا من خلاله التعرّف على وجوه التجديد في هذا الفنّ. وقد أجريناه على قسمين كبيرين: خصّصنا الأوّل لمقاصد الكتابة سواء تلك التي تعلّقت بالمسائل الفنيّة أو تلك التي تدور على القيم الفكرية. وتوصّلنا خلاله إلى الكشف عن عدّة نقاط. أهمّها المسعى الحثيث إلى كسر أفق الانتظار السائد قصد خلق ذائقة فنيّة جديدة عبر اقتراح بدائل أخرى للتعبير. ثمّ إنّ النصّ كشف لنا بعض الممارسات الخبيثة داخل المجتمع العربي المتأتية من وهن الثقافة ومن الترسبات التاريخية القديمة. أمّا القسم الثاني فقد دار على مسالك الإبلاغ، تعرّفنا فيه إلى الكيفية التي تمّ من خلالها التعبير عن تلك المقاصد. وقد تبينا حرص المؤلّفة على الإحاطة بشتى فئات القرّاء. وذلك حين اعتنت بكلّ قسم من أقسام الخطاب. نخلص في هذا العمل إلى مجموعة من النتائج الهمّة في اعتقادنا. أهمها تغيير المفهوم السائد عن الكتابة النسائيّة. فهذا النصّ تجاوز ذلك النمط الكلاسيكي الذي يستمدّ جماليته من مواضيع أنثوية بحتة. حيث كان يطرح مسائل تتعلق بالمرأة لكن دون تحيّز مطلق لها، ودون أن يسقط في نظرة أحاديّة. إنّ جمالية الكتابة عند ليلى العثمان كما رأينا في هذا النموذج تتولّد من الخطاب القصصي لا من محتوى الحكاية فقط. إذ لم تكتف بتأليف أحداث طريفة وإنما عملت على تقديمها إلى القارئ في بناء جديد. كما أنها تتميز بالإدلاء بأفكارها بشكل مباشر، وتخيّرت أن تبثها بين السطور، فيستنتجها المتلقي بدل أن تعطى له جاهزة. وبهذا الإجراء تضمن وصول الفكرة بشكل مقنع. وتحقّق بالتالي هدفا من أهداف الإبداع لديها، وهو إحداث الأثر الذي تتغير معه رؤية المتلقي للأشياء.
إنّ كلّ ما صادفناه في النصّ لهو خير دليل على أنّ الكتابة القصصية لدى ليلى العثمان تندرج في إطار مشروع كبير يقوم من ناحية على تجديد آليات التعبير الفنيّ وعلى إشاعة الأفكار والقيم الإنسانية النبيلة بأسلوب جديد.
المصادر:
• العثمان (ليلى)، «فتحية تختار موتها»، دار الشرق، القاهرة، 1987.
المراجع:
• أبو زيد (نصر حامد)، «إشكاليات القراءة وآليات التأويل»، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط-7، 2005.
• الجامعي (عبد الستار)، «تحليل الخطاب الأدبي: فصول في النظريّة والتطبيق»، عالم الكتب الحديث، إربد الأردن، 2018، ص-12.
• شارودو (بيار) ومنغنو(دومينيك)، «معجم تحليل الخطاب»، ترجمة حمادي صمود وعبد القادر لمهيري، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2008.
• ياوس هانس (روبارت)، «عن العقدية: تقريض صغير لفنّ التأويل الأدبي»، ترجمة أحمد بوحسن، ضمن كتاب فكر وتاريخ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة بحوث ودراسات رقم 23، الرباط، 1998.
• يقطين (سعيد)، «القراءة والتجربة حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب»، دار الثقافة الدار البيضاء، 1985.
• Jauss (Hans-Robert), « Pour une esthétique de la réception », traduit de l’allemand par Claude Maillard, Edition Gallimard, Paris, 1978.
• Hirsch (E. D.) « Validity in interpretation », New Haven Yale University Press 1967.
• Gadamer (Hans-George), « Vérité et méthode ; les grands lignes d’une herméneutique philosophique », traduit de l’allemand par Jean Grondin et autres, paris, édition du Seuil, 1976.
• Perlman (Chaïm) et Tytica (Lucie –Olbrechts), « Traité de l’argumentation – la nouvelle rhétorique », Université de Bruxelles, 1992.
الهوامش
1 – ليلى العثمان، «فتحية تختار موتها»، دار الشرق، القاهرة، 1987.
2 –
Hans-George Gadamer, « Vérité et méthode ; les grands lignes d’une herméneutique philosophique », traduit de l’allemand par Jean Grondin et autres, paris, édition du Seuil, 1976.
3 –
Chaïm Perlman et Lucie -Olbrechts Tytica, « Traité de l’argumentation – la nouvelle rhétorique, Université de Bruxelles, 1992. p. 5.
4 – عبد الستار الجامعي «تحليل الخطاب الأدبي: فصول في النظريّة والتطبيق»، عالم الكتب الحديث، إربد الأردن، 2018، ص-21.
5 –
E. D. Hirsch « Validity in interpretation », New Haven Yale University Press 1967 p. 31.
6 – عبد الستار الجامعي «تحليل الخطاب الأدبي»، ص-12.
7 – سعيد يقطين، «القراءة والتجربة حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب»، دار الثقافة الدار البيضاء، 1985، ص-151.
8 سعيد يقطين، «القراءة والتجربة»، ص-152.
9 – «فتحية تختار موتها»، ص-12.
10 – «فتحية تختار موتها»، ص-13.
11 – «فتحية تختار موتها»، ص-5.
12 – «فتحية تختار موتها»، ص-6.
13- «فتحية تختار موتها»، ص-6.
14 -»فتحية تختار موتها»، ص-7.
15 – «فتحية تختار موتها»، ص-13.
16 – «فتحيّة تختار موتها»، ص-11.
17 – «فتحية تختار موتها»، ص-13.
18 -»فتحية تختار موتها»، ص-16.
19 – «فتحية تختار موتها»، ص-16.
20 – «فتحية تختار موتها»، ص-8.
21 – «فتحية تختار موتها»، ص-9.
22 – «فتحية تختار موتها»، ص-12.
23 – نصر حامد أبو زيد، «إشكاليات القراءة وآليات التأويل»، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط-7، 2005، ص-29.
24 –
Hans-Robert Jauss, « Pour une esthétique de la réception », traduit de l’allemand par Claude Maillard, Edition Gallimard, Paris, 1978, p. 58.
25 – «فتحية تختار موتها»، ص-6.
26 – «فتحية تختار موتها»، ص-7.
27 – يعتبر مُصطلح الخرق أساسي في التفكير التداولي، على الرغم من أنّ غرايس لم يعره أهميّة كبرى.
28 – «حسب هـ. ب. غرايس كلّ كائن ذي عقل سليم يستلزم عندما يكون معنيّا بتبادل تواصلي بمبدإ عام جدّ يسمّى مبدأ التعاون ويحدّده غرايس كما يلي: لتكن مساهمتك التحادثيّة مطابقة لما أنت مطاب به «، بيار شارودو ودومينيك منغنو، «معجم تحليل الخطاب»، ترجمة حمادي صمود وعبد القادر لمهيري، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2008، ص-357
29 – معجم تحليل الخطاب»، ص-ص، 357-358.
30 – «فتحية تختار موتها»، ص 6.
31- فتحية تختار موتها»، ص 16.
32 – «فتحية تختار موتها»، ص 18.
33 – هانس روبارت ياوس، «عن العقدية: تقريض صغير لفنّ التأويل الأدبي»، ترجمة أحمد بوحسن، ضمن كتاب فكر وتاريخ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة بحوث ودراسات رقم 23، الرباط، 1998، ص 288.