زكريا الإبراهيم
شاعر وكاتب سوري
هامش:
حاسرةً تندلعُ المقابرُ، لازُخرفَ يُرمِّمُ النّوايا. وهجٌ أخّاذٌ، جديلةُ حلمٍ شفيفٍ.. مَنسِيّْ.
ضوءٌ آخرٌ يُناغي تفاصيلَ الحكايةِ، غيابُ تجاعيدَ؛ ورؤىً ناصعةُ التّوهُجِ تنحني وتَطْربُ مُؤاخيةً نبضًا يتناسلُ تأملاتٍ عميقةِ الجذرِ والتفاصيل.
— مَشاعٌ هيَ التجربة. اختماراتها تضجُّ ألوانًا لاتُعقَلُ.. قد تُخلق بعدْ.
— إنهُ التّلاقي اليتيم بين ترانيمِ الروحِ وهذيان الجسد.
لغةٌ لاتصِلُ. ترسُمُ شيفراتها، تحصدُ المحيطَ المُسَيَّجِ ومعنى حضورها المعجونِ بينَ الذاتِ ومساماتها؛ بين الأنا وأناها الأعمقِ مُصوِّبةً إلى قلَقٍ ينحني قربَ السؤالِ المُعتّقِ.. السؤالُ الذي يذوب ناسفًا عمقَ البحثِ وطمأنينةَ ترجمةِ الدلالةِ وكشفِ الشّارةِ والمعنى.
– ١ –
— مُعطّرةٌ هيَ الذاكرة. تَمخرُها غيومٌ هاربةٌ؛ والأُفقُ يتماهى عُقمًا؛ حيثُ الماءُ شريدٌ وبعيد.
عكاكيزُ حِبرٍ وفطنةٍ تُداعِبُ أيقونةَ غيابٍ يُرتِّلُ تعاويذَ تتلوى خَجلًا قربَ وفي أقبيةٍ وسراديبَ تَضجُّ عتمةً.
وخيطُ ” آريانَ “*؛ خيط النجاة والطريق.. متاهٌ يحبو لأيًا عن بقعةٍ يمهرها ضوءُ لهاثٍ وحريق.
شرايينُ المدينةِ تتقطّعُ أنشوطةَ دَمٍ متخثّرٍ، مثلَ وِهادٍ تطفحُ قدرةً على خلقِ العدمِ بألوانٍ طازجةٍ لا يغزوها الطّيف.
— أيقونةٌ يتيمةٌ تُرتِّلُ مستنقعاتِ الروح؛ وتهفو صوبَ ديماسٍ بعيدٍ يُناورُ عزلتهُ ويرسُمُ مفازاتٍ لاتُوقِظُ حتفَها.. والنّبضُ صديد.
— أغنياتٌ لا مقامات َتُدَوزِنُ أحوالها. لَغطٌ فائضٌ ينتشلُني إلى سبخةٍ تنزُّ حريقًا يتآخى ومقابرَ يمهَرُها الغياب.
..وهيَ ذاتُ الشّجرةِ التي هجرت روح الخُضرةِ وبساتينِ الغيب.
وهيَ عينُ القلبِ المُضرَمِ مُلوِّحًا لغبارٍ لاجذرَ له.
— إنها تهويماتُ الرُؤى، بثورُ الحداثةِ؛ ولاتُدركُ شعاعًا يترنّحُ شِدَّةَ التلويح.
/ لاضَوءَ يغرِفُ مجرّاتِ المعنى/.
:بريقُ اللغاتِ لَثَغاتٌ لاتَرْكَنُ إلى حتفٍ سواه.
ودائمًا نُرَمِّمُ الصّدى، نخلقُ هواجسَ لا تعني عُمقَ اللغات.
تغيبُ الدلالاتُ، التّصويتاتُ تنهبُ بياضَ النّبض، الخِضابُ مِسلّةٌ تُطاوِلُ جذرَ الروحِ – الأرض؛ وتنهبُ وهجَ سماءٍ قريبةٍ.. مريبة.
..وهذي أرواحُنا :
— سَمتٌ يُورِقُ قُبَيلَ الفصولِ ويذوي رذاذًا يتناسلُ معنىً لآخرَ لايقترفُ أحلامًا تبحثُ عن بَلَدٍ مُتحجِّرٍ كماموثٍ بِكْرٍ ينقرِضُ بغتةً.
— تراخي الروحِ يُحوِّمُ صوبَ متاهاتٍ وبراثنَ يغزوها كلّ حُفاةِ الأرضِ، حُفاةُ اللّونِ والمعنى.
– 2 –
..وهيَ معصيةٌ أن تكونَ الآنَ / هناكَ…هنا / والسّرابُ المُباغِتُ ضيفٌ مُريبُ النّوايا ويصدأُ حُلُمًا شَهِيّ المَوات.
— لعثمةٌ هو الوجودُ الذي يقتاتُ أحوالنا الناعمة كأفعوانٍ أعتقَ من حجرِ السّماء.
— نيازكُ الدلالةِ تتناسلُ هوامَّ يحتكمونَ إلى بلادٍ تقتُلُ عاشقيها مُلوِّحَةً لقراصنةِ الخضابِ أن انهبوا مايتلو صراعَ النبضِ.. حيثُ الشّهيقُ زفيرٌ أخيرٌ مُحكَمُ.
— تنسَلُّ المساماتُ نَسغًا يَشِعُّ فتنةً ؛ وتخبو قُبيلَ انقراضِ المدى المُتقَنِ التّصَدُّعِ والأُمنيات.
.. :هيَ أرواحُنا. أجسادُنا الهائمة في لُجّةٍ كثيفةِ الغياب، كثيفةِ الضجيجِ الذي يتّكئُ إلى هباءٍ لايُحَدّْ.
ونحنُ.. نحنُ. نبحثُ في أنحائنا عن وطنٍ يُواتي الهبوبَ ويحيا فطامًا سرمديّ النوايا. فطامُ نبضٍ يُؤَرِّخُ الخطيئةَ المُشتهاة وطيورُ السّماءِ التي تنِزُّ موتًا.. وزمهريرا.
— زقّومٌ هو الحلمُ الذي نرتاضُ ونُسَيِّجُ متاهاتهِ العائمةِ كنمشِ الطّلعِ ولعثمةِ اللّعنة.
وأقولُ:
— الموتُ وليدُ رَحِمٍ مُتخثِّرٍ ، يتناسَلُ لدائِنَ وكائناتٍ تُوقِظُ أحلامنا التي تضمُّنا مُلوِّحةً لينابيعِ الهاويةِ الرابضةِ إلى وِرْدٍ آخرَ.. ويَقتاتُ أرجوحةَ السّماءِ وزُخرُفِها.
— طيورُ عقيقٍ تذوي ، تُحَنِّطُ الآفاقَ وترحلُ، صراخَ رضيعٍ عتيقٍ يضيعُ في دهشتهِ وعمقِ الألوان.
— وأنتِ.. أنتِ.
في عينيكِ رحيقٌ أبيضَ من لثغةِ الذهولِ وبَوصلةِ الخيال. وكلُّ فضاءاتيَ يَبابٌ بعيدٌ ينحتُ حقولكِ البيضاءَ التي تتوضأُ بماءٍ لادهرَ له وتسيلُ.. تذوبُ وصهيلُ لغاتكِ وهسيسُ الحرائقِ وتغمُرُ المسافةَ بيني.. وبيني. بينيَ وهمساتكِ وهيَ تُعَرِّشُ ضَوءَ القلبِ ؛ وفيءَ المساءِ والذاكرة.
* * *
عطرُ النّحلةِ؛ رحيقُ خيالٍ.. بساتينُ ذاكرةٍ تتلفّعُ صوتَ الخُضرةِ وثغاءِ نيسان.
– 3 –
— حدسٌ جديدٌ يتناسلُ ندىً ينخرهُ جدريُّ الصباحِ؛ والروحُ تهفو إلى سُنَونوَةٍ تناوِرُ متاهًا يرتجِلُ متاهًا آخر.
صديدٌ بحجمِ قروحِ المسافةِ يُراوِدُ نرجسةَ الخرابِ المتينِ ويُدوزِنُ مقاماتِ التفاضُلِ بينَ هباءٍ لايُضاهى.. وسرابٍ لا يُحَد.
/ ضَوءٌ كثيفُ التّناثُرِ والتّلعثمِ.. متراسُ الوجود/.
— يتآكلُ السؤالُ ويحنو. لا قرينَ؛ لا مرايا تغزو تفاصيلنا. ملامحُ مُطفأة.. رمادٌ مكينٌ؛ وريحٌ تغترِبُ مُلوِّحةً لفراغٍ عميقٍ يتناغمُ وبرازخُ تُشقِّقُ الفتنة .
— صلواتٌ يرتجلُها بحّارَةٌ مبتدئونَ صوبَ الغيب. تتحايَلُ الجهاتُ على قداساتها الواهنة؛ وخميرةُ نجاةٍ تنسجُ لوثةً تُؤسِّسُ ليقينٍ يراوحُ بينَ المعنى ونقيضه.
تتدلى البَدهياتُ . تُؤنِسُ عتمةً كثيفة الصدى ؛ تتآخى ودلالاتٍ تقترفُ طمأنينةً صَدِئةً تُغازِل عتباتٍ لاتَقرَبُ القداسةَ وتمخرُ صوبَ عذوبةٍ لا أمَّ لها .
— زُهَيراتُ الملحِ تتغنّجُ مُطارِدةً برازخَ لايغزوها وجعٌ يُرتِّلُ الماءَ الهجين وحوريّاتهِ المتكآتِ إلى لؤلؤِ الذكورةِ.. ونوافيرِ اللّهفة.
هاماتٌ تُلوِّحُ للأرضِ ، سماءٌ لاحدّ لها مجدولة وضفائرُ الشهوةِ والرؤيا.
نهتفُ للعتمةِ آن تراخي الروحِ واندلاعِ التفاصيلِ الحيّةِ التي يغزوها صباح جديدٌ لاجذرَ.. لادماءَ له.
و/ ودائمًا ترانا صدى لُجّةٍ تلتفعُ الماءَ العاقرَ وتهجو الريح/.
: وكأنهُ عينُ الهباءِ العتيق. نسخةٌ أصيلةٌ من رحيلٍ ينحتُ حتفًا سرمديّ التوثُّبِ والنوايا.
— مقابرُ لا ترويها جُثثٌ نحيلة الرؤى.. وتغيب.
..وقربَ أيقونةٍ تائهةٍ أتهجى القادمَ مني، وأُدرِكُ أني هزيمٌ عميقٌ في ليلٍ بهيمٍ، يهيمُ شرودًا آخرَ ويرتِقُ مناراتِ العتمة.
* * *
— واسعةٌ هيَ الرؤى.. وتنضحُ ذاتَ الخرابِ المتين.
– 4 –
الآنَ ، وفي هذا المساءِ الموغِلِ في الغيابِ.. أرعدَتْ. ولم أعقِلُ بروقها إلا في شرايينَ بعيدةٍ تنحتُ ملامحي.
— في السراديبِ الرّطبةِ لاضوءَ.. لا سماء. فقط جذوةُ صمتٍ وبروقٌ موغِلةُ النوايا والاحتمالات تنتشلني لذاكرةٍ لاحصةَ لبيروتَ فيها.
هناك… في البعيدِ — القريبِ من البلاد، تندلعُ دمشقُ بكلِّ أُبّهتها قُبَيلَ اقترافِ العسكرِ وكل وُحولِ الأرضِ وأوساخها لبكارةِ مائها وعذوبةِ أحفادها المُتوثبينَ؛ والمُورقينَ دماً ومواتًا تناثرَ في أركانٍ ودهاليزَ لامتناهيةٍ من تلك الكرةِ التي تُسابِقُ الخرابَ إلى حتفٍ ضالٍ لايرتضي بديلَ المقابرِ صدىً لحُضوراتهِ الموشومةِ غواياتٍ لاتُحصى.
بغتةً ؛ أتهجّى مساماتٍ تُدغدِغُ الصّباح، ترتاضُ وتتغنّجُ في فيءِ الشّامِ ورحيقِ الماءِ… ينابيعَ الخضرةِ.. وجذرَ الألوان.
: وأنا أُحصي هزائمي تتبخترُ الذاكرة ضوءًا يُسقسِقُ المعنى ويحجبُ سخطَ أماكنَ لاذاكرةَ تُناغيها وتُهدهِدُ أُفقَ حناجرها الراكدة.
— صوتٌ آخرَ يَصهلُ؛ وأُدرِكُ معنى أنّ المنفى وأنّ الغُربةَ مزلاجُ الروح.. فِصامُ اللغاتِ منَ المعنى .
الحُجُبُ تتكاثفُ ، التهطالُ يحتضِرُ ؛ وقربَ يباسِ العُمرِ تتكسّرُ الأحلامُ ؛ تتفسّخُ المسافاتُ لأهجعَ إلى وَهَنٍ مُريبٍ ويُمعِنُ إلى أبَدٍ عاقرٍ لايرتكبُ الدّهشة . تتراخى الجهاتُ. تتماهى وكثيب بِحارٍ مسلوخةِ الملحِ لتصيرَ مياهًا خائرة الرؤيا. تَنيخُ خرابًا؛ ترسمُ جلجلةً.. ولامخاضَ… لاطريقَ تؤدي إلى معنىً يَشِعُّ آنَ الترحال.
● القيّوماتُ العابثاتُ… سيّداتُ خَلواتنا المنزوعةِ الهواءِ والمعنى.
– 5 –
لا أحدَ يُدركُ شِدّةَ وعمقَ الشّوقِ لحفنةِ دفءٍ تُعلِنُ بهرجةَ الحلمِ.. وعطر الألوان .
: وهيَ طُرُقٌ ضالةٌ تنتشلني منها ومنّي؛ لترميني في جحيمٍ من سكونٍ وهدأةٍ لايُترجمانِ معنىً آخرَ للوجودِ وصنوه.
— مياهٌ راكدةٌ آنَ السّديمِ والتكوينِ تُعنكِبُ أُفْقَ خيالٍ وترانيمَ مُحالْ.
وهيَ أُغنيةٌ.. أُمنية، تتنازعُها جهاتٌ لاتُحصى؛ والصّدى ترجيعُ نبضٍ غريقُ دهاليزِ الكشف والتّمني.
— مراكب عامرةٌ. بَحّارةٌ عتقٌ يرسمونَ حتفهم والماء. تَصحبُهُم حوريّاتٌ لا أمّ لظهوراتها؛ ولامَراثٍ يُرتِّلُها الماءُ الآسنُ.. والملحُ بعيد.
نقتاتُ أوهامنا ، نلسعُ رؤانا قبلَ أن يغزوها الضوء.
نُيَمِّمُ صوبَ العتمةِ ونعلنُ… الخرابُ نبضٌ وبَوصلة.
– 6 –
يَمهرُني غَبَشٌ راحِلٌ. رسّامٌ يُحنِّطُ تِلالَ جليدٍ؛ ينحتُ إطارًا من هواء..
وأذكُرني قديمًا، وأُدندِنُ:
— / ما الذي يجمعُ غروبَ الدهشةِ.. ورائحةَ الشُّموع؟!/.
— لاأتقلصُ، هيَ جثةٌ يُفخِّخُها ويحرسها” بروكست ”
مُحتفِيًا والتّمني.
— صورةٌ خالصةٌ تتناغمُ وخثرةً بعمقِ الضّوءِ الهاربِ من العيونِ المُكبّلةِ بالوسن .
— أُبّهةٌ يتلوها الخرابُ ؛نبضٌ يترنّحُ؛ تجاعيدَ تنسجُ ذاكرةً هجينة؛ وبلادٌ يحرقُها الطاعون. خلاصٌ ناجِزٌ يتلوّى؛ يتناثرُ قطيعَ لغاتٍ وجهات.
وأنا أتهجى وصايايَ.. أذوبُ ؛ أتطايرُ بُخارَ صهيلٍ ولغات تُهدهِدُ الحتفَ الذي يلدغُ الدلالةَ مُصوِّبًا إلى معنىً أجوفَ من طبولِ الغيبِ وجيوش العِنَّةِ واللّعنة.
* * *
● الأوهامُ.. الأحلامُ؛ حقائقَ مؤجّلةٍ تحتملُ انبعاثاتٍ ورؤىً طازجةً تتآخى والسراب المكين.
– 7 –
تتلوّى الأيامُ حرباءَ رماديّةِ الرؤى والأحوال .
أمطارٌ تغسلُ سراديب الذاكرة. غَمْرُ نبضٍ ينحسرُ آنَ الطّوفان.
— بساتينُ مَيتَةٌ أُعشِّبُها، أهفو إلى فسحةٍ ترسمُ اختلاجاتِ الأرضِ وتقفزُ صوبَ نَسْغٍ لا لونَ له.
— مرابضٌ عقيمةٌ، غَمامٌ يُحاكي أسيدَ السّماء. وهجٌ مباغتٌ. أيقوناتٌ صَدئةٌ.. والمعجزةُ حجرُ فلاسفةٍ.. لا اسمَ؛ لا هويةَ له.
..وقبيلَ احتراقِ الحلم — الصّهيل، ينحتُ الغيبُ صوّانَ السؤالِ ويتيهُ كثيبًا يغمُرُ المسافةَ بينَ المدى وصوته.
/ تخبو المناراتُ، تضيعُ الجهاتُ. والروحُ بؤبؤِ المسافةِ والزمن/.
أُراودُني، أتعثّرُ بي. أَتناسلُني وأُدرِكُ ماأُدركُ: ” الزمن هاويةُ المسافة “.
— درْكٌ عصيُّ التّخمين أُنازِعهُ، أمانٍ مدروزة بينَ نبضٍ يتقطّرُ وفُسُحاتٍ لاتضيءُ بَرارٍ يهجُرُها الطّيرُ صوبَ رمادٍ ينضحُ الذهولَ المُرّْ.
: أَرتقُ زئبقَ التّناغمِ، أرثي سبخةَ ملحٍ تتهجّى العذوبةَ الأُم ؛ عذوبةَ الحضورِ والغياب.
وهيَ كذاكَ؛ فضاءاتٌ يغزوها طيورُ الليلِ؛ وعرافةٌ تقرأُ أنّ الحلم وأنّ الفضاءَ مَراحُ الغيبِ والسّراب.
ونرجعُ، بينَ العتمةِ ودليلها، بينَ المسافةِ وحتفها، وبينَ التّلاشي والاحتضار المُراوِغِ أسفحُ لغتي صوبكِ. وأنتِ.. أنتِ؛
حقيقةُ التّماهي بين النّسغِ وجذره.
دندنُكِ تأريخًا ، رُقُمًا يُرتِّلُ التّوثبَ ويرفرفُ فراشاتٍ يغمرُها التيهُ ويمتصُّ عناقيدَ العُمرِ والأحوال.
— أتطاولُ إليَّ.. لا أصلُني.
— أُعلنُني..لاصدىً لهتافي.
أُعشِّشُ فيَّ؛ أتناسلني؛ أسيلُ قربي.. صوّانٌ هَرِمٌ يُناوِرُ أخاديدَ الرؤيا.
أغفو بيني وبرازخي. أُورِقُ صديدَ مياهٍ، ولاأعقِلُ أنّ الماءَ.. وأنّ الملح خضاب.
— حطّابٌ.. أعشاشُ لغاتٍ وحرائقَ معنى. ولا دلالةَ تشِعُّ مِنَ اتّشاحِ الحديدِ بنارٍ تتلظى .. والرّمادُ سيّدُ الرؤى واللغات.
— لاناسخَ..لامنسوخَ يغزو لغتي. صوتُ يتيمٍ وصداه.
” نسيجُ خيالاتٍ تَرتِقُ قواميسَ تتفسّخُ شِدَّةَ التحنيط “.
أترنحُ وسطَ جهاتٍ تائهةٍ، أَقرُصُ بوصلةَ النبضِ.. وأُيمِّمُ صوبي. والمعنى ” قميصُ خرابٍ” يتناسلُ عويلَ دلالاتٍ تتناسخُ جُثثًا طازجةً مثلَ يقينِ الغيب.
:
— أولئكَ حتفي..
— غريبٌ تحتَ سماءٍ غريبةٍ. أُحصي موتايَ المزروعينَ في قاعِ المجرّة؛ والمنذورينَ نجومَ غيابٍ في أصقاعِ التّبانةِ ودروبها الوعرةِ التي تمتصُّ رحيقَ الروحِ وعطر الشام.
وأراني أجدِّفُ كدرويشٍ لايعقِلُ المسافةَ بينَ خيالاتهِ – تهويماتُ حقائقهِ – ورضيعُ الدهشة.
● غيابٌ كونيٌّ للذاتِ المعجونةِ وتفاصيلِ الآخرِ..
وأتيهُ كثيبًا لايُدركُ أنّ المنفى وضبابُ الرؤيا يشحذُ مرايا العُمر؛ وعبقِ الماءِ الراحلِ وهدير العَتمة.
— غيومٌ مريضةٌ تتهاطلُ. شُجيراتٌ يحرسُها زقّومُ الحكمة. خلايا تنطفيءُ.. تنتِشُ سَمْتَ يبابٍ مَحْضٍ؛ تذوي وصهيلُ البَرقِ الراحلِ صوبَ الحتفِ ليُضيءَ سماءً تنفلِتُ آنَ تلاشي المعنى.
– 8 –
● / يغيبُ الحلمُ..تترنّحُ الأغنية.. تجِفُّ اللغاتُ و.. يصدأُ اللسان/
– 9 –
— رياحٌ لاشرقيّةٌ ولاغربية تغزو الكلامَ. تترنحُ المساماتُ؛ تصّاعدُ الاحتمالاتُ صوبَ أضرحةٍ لاعُمقَ يُؤرِّخُ هاوياتها البكر.
وهيَ.. هيَ. ألوانٌ ترسُمُ طيفَ غريقٍ.. ولا ماء. لاضوءَ يشفعُ لنهاراتٍ تنسجُ رنينَ المقامِ ومتاهاتِ اللغات. حيثُ الدلالاتُ مفازات وبَراحُ مَرَاحٍ هيَ القواميسُ التي تتهجّى أبعادها بِسَمْتٍ ليسَ منها.
وهيَ.. هيَ. النواقيسُ تُدَوْزَنُ .. والمتاهُ يغورُ. عِماماتٌ تحصدُ ثمارَ الروح والجّسد. تتعاطى فتاوىً لاحياءَ يَخدشُ صوتها. فتاوى تنسلُّ أُفعوانًا يحتفي بأجراسهِ. والصدى فحيحُ حكايةٍ تطحنُ تفاحةَ القلب.
— تفسُّخٌ يتناسلُ من رَتقِ سماءٍ عاقرٍ، والرّسُلُ وُلاةُ غيبٍ يُرَوِّضُ المعنى؛ يُؤجِّجُ الشّهوة، َ يُشعِلُ الرغبةَ.. يُطازِجُ الخيال.
— ينابيعَ ماءٍ يابسٍ ، سقسقةَ خِضابٍ لايدرِكُُ نَسلَهُ؛ حدائقٌ صدئةٌ تُلوِّنُ حتفها. تتلوى وتهجو ترنُّحاتٍ مؤجّلةٍ تتآخى ووهجٍ يتيمٍ لاصِنوَ له.
طيفُ أثيرٍ يُلوِّحُ بهاماتهِ ويسفحُ المدى؛ وصوتُ الهديلِ المُعَرِّشِ.. آنية تتحطِمُ.
— شعاع ٌيتناثرُ.. يتشظى. يلتئِمُ العَهَنُ وأُغنياتٍ من دمِ الصباحِ تُعلِنُ فزّاعةَ الغُربة.
— مقاماتٌ تُلوِّحُ للعتمةِ وترسمُ البرودةَ المُشتهاة بأبهى الألوانِ الوليدةِ.
وأقولُ :
ولأني لاأُشبِهُ ما يُشبهني.. كلُّ بداياتي نهايات!.
● ونحنُ.. نحن.
نتهجّى حضوراتنا؛ خِضابُنا اليتيم الهاجِع في أقبيةِ العمرِ والشّرايين البعيدةِ الباحثةِ عن مأوى في تجاعيدِ الذاكرةِ وحقولِ الماءِ العتيق!.