اليقين –
( ربيع ) طفل تفتحت مدارك طفولته من أصابع ترسم شارات – في زقاقه الضيق احتشدت الكاميرات تتقصى تشرده – حافي القدمين..ممزق الثياب يغزوه الذباب وحين عرف أن العدسة في مواجهته تماما احتارت أصابع كفه الصغيرة المتربة.. رفع كفه وطالع أصابعه المرتبكة – رسم شارة النصر.. ثم شارة رابعة.. ثم أطبق أصابعه الخمسة وشدد قبضته ولوح بها في الفضاء ثم بسط كفه ملوحا بالوداع لم يعرف ماذا يفعل لم يكن ثمة شىء يقيني – اليقين الثابت لديه انه تبول في منتصف الطريق قيل أن يوليهم ظهره ويعود.
حقائب
ورثني أبي محفظة ورثها عن جدي بما تحويه من إبرة وسلك تستر عورة طارئة ومقص صغير وزر معطف أو قميص ومهماز صغير وثلاثة جنيهات محفظة رائحتها من رائحته لا شيء يشبهها لكم أسعدت سنين طفولتي دائما في مرآها ابتهاج كبير حين تخرج من سترته الملاصق لنبض القلب فتجود بقرش أو نصف قرش لم تكن مجرد محفظة كانت البيت كله يحمله أبي على مقربة من النبض بها عشنا عشرات السنين , تميمة سحرية كانت كافية لأننا نعيش يومنا ونتطلع إلى يوم جديد… ضيقة متهرئة مضمخة بالعرق لكنها اتسعت لنا كل هذه السنين , محفظة لايحملها إلا هو لكنها اتسعت لنا جميعا بحجم وطن كانت الشاهد على آمالنا وآلامنا ودموعنا ودمائنا منها اشتريت حقيبة كبيرة لتستوعبني أملا يتشكل في كتب وكراسات وألوان ومسطرة وممحاة وقلم رصاص اكتب وأمحو وارسم وألون حتى أتمكن أن ارسم بالمسطرة الخط المستقيم كل واحد من أقراني مدين لمحفظة أبيه, كلها تتشابه في الغوث والإبهاج واليوم تنزوي مهملة في غرفتي تقابلها حقيبة كبيرة مريبة بأرقام وأسرار, نقود وأوراق وسلاح, وكل الحقائب مثيلاتها لاتبوح بما تحويه لكل واحدة أسرارها ( مخدرات – متفجرات- صكوك – معاملات مشبوهة- حقائب متسعة ومحصنة لكنها لاتتسع إلا لنفسها بلا رائحة وبعيدة عن القلب, يصحو أبناؤنا كل صباح يحملون حقائبهم على ظهورهم , ويصحو آخرون يحملون حقائب يلقونها على الناس , وتزداد حقائب أخرى في الوزارات ومحفظة أبي تنزوي أمامي لاتحوي إلا إبرة وسلكا ومقصا ومهمازا لكني احتاجها فقد اتسعت العورة يا ابي.
سارق الضوء
طفلنا الصغير المغرم بالضوء حين انقطع التيار الكهربي استحوذ على المصباح اليدوي وشرع يوزع الضوء فى كل أرجاء البيت محاولا استباق الضوء والإمساك بحزمة الضوء يده تحمل المصباح ورجلاه تطاردان الضوء ركض في كل الأرجاء محاولا الإمساك بالضوء كشف أشياء تحت الأسرة وفي الزوايا المهملة أشياء ماكنا نريد لها أن تنكشف انتزعنا منه المصباح وأطفأناه عم الظلام أركان البيت فجأة افتقدنا صوته بحثنا عنه فى كل أرجاء البيت في كل الأزقة والشوارع المظلمة لا أحد قطع بأنه رآه فقط في كل زقاق نجد من يقول من هنا مر ضوء يركض حتى يئسنا وأيقنا بأننا فقدناه تذكرناه في هذه اللحظة التي انقطع فيها التيار الكهربي حيث الأم تجلس بجوار شمعة وحيدة تتابع بعينيها فراشة ضوء ترتطم بالضوء وتسقط وعلى الخدين تنساب دمعتان من نار.
سالم العبار *