ألكسندر شيلاند (1)
ترجمة: محمد حبيب *
في قديم الزمان، كان في مدينة كراروب(2) نُزُلٌ. وكانت تعمل في ذلك النُزُلِ فتاة تُدعى كارين. كانت كارين النادلةُ الوحيدة في النُزُلِ، وكان عليها أن تلبّي طلبات جميع الزبائنِ، بينما كانت زوجة مالك النُزُلِ تمضي معظم الوقت في البحث عن مفاتيحها. وكان يرتاد النُزُلِ ناسٌ كُثر من كراروب والمناطق المجاورة، وكان هؤلاء يرتادون النُزُلَ للاستمتاع بشرب القهوة مع الكحول، وغالباً لتمضية الوقت في أماسي الخريف طويلة العتمة، كما كان يرتاده المسافرون وعابرو السبيل الذين كانوا يتوقفون بالنُزُلِ لتناول شرابٍ ساخنٍ وطعامٍ يُعينهم على برد الطريق إلى النُزُلِ التالي.
كانت كارين تقوم بخدمة الجميع على أكمل وجهٍ، رغم أنها كانت تتحرك بهدوء شديد ونادراً ما شوهدت في عجلةٍ من أمرها.
كارين شابة نحيلة، صغيرة القامة، صموتة، رصينة القسمات بما لا يشجع الباعةَ الجوالين على مغازلتها. وكان الزبائن المحترمون الذين يرتادون النُزُلَ لتناول القهوة سعداء جداً بخدمتها، ويُقّدِّرون عالياً حصولهم على قهوة جيدة وساخنة دوماً. وعندما كانت كارين تتحرك برشاقة غير عادية لتشق طريقها بين الزبائن، وصَينيَّة الخدمة بين يديها، كان الجميع يُفسح لها الطريق. وكان جمالها الآسر يوقف الألسنة للحظات عن الكلام، ويأسر الأعين التي تلاحقها بالنظرات.
لكارين عينان كبيرتان رماديتا اللون يبدو لك أنهما تنظران إلى البعيد دوماً، وقوسا حاجبيها عاليان لدرجة تجعلك تعتقد أنها تنظر باندهاش إلى كل ما حولها. ربما هذا ما جعل الزبائن الغرباء يعتقدون أنها لم تفهم ما طلبوا منها، في حين أنها كانت تفهم كل طلباتهم دون أي خطأ. وما يبعث على الحيرة هو أن كارين كانت تبدو دوماً كمن يبحث عن شيء ما، تصغي إلى شيء ما، ترنو إلى شيء ما أو ربما تنتظر أو تحلم بشيء ما.
وذات يومٍ، هبت رياحٌ غربية فوق المروج المنخفضة. وقصفت ثقيلة فوق البحر الغربي، صافقة أمامها أمواجاً كبيرةً، وعندما بلغت الشاطئ أمطرته برذاذ الزبد الأبيض والرطوبة المالحة. لكن عندما وصلت الهضبة العالية ذات العشب الطويل كانت قد أصبحت جافة، مثقلة بالرمل، واستعادت نشاطها وقوتها بحيث عندما هجمت على كراروب كانت قادرة على اجتياح أبواب اسطبل النُزُلِ.
انفتحتِ الأبوابُ وملأت الرياحُ فضاءَ البناءِ كُلِّه، وبلغت باب المطبخ الذي أخذها بالأحضان. في نهاية المطاف، عندما بلغ ضغط الهواء أوجه على أبواب الاسطبل في الجهة الأخرى أطاح بها، واندفعت الرياحُ الغربيةُ المنتصرةُ مستبيحةً المكانَ، فأرجحت المصباح المتدلي من السقف، وطيّرت قبعة سائس الخيل وقذفتها في الظلام خارجاً، ثم طيرت البُسط من فوق رؤوس الخيل، ورمت دجاجة بيضاء، عن مجثمها، في قناة الري. فبدأَ الديكُ يصيح خوفاً، أطلق سائسُ الخيلِ شتائمه، قاقتِ الدجاجاتُ، واختنق المطبخ بالدخان، جفلت الخيل وضربت الأرض بحوافرها، والبط الذي كان قد تجمع حول المعالف ليكون أول من يلتقط حبوب الذرة وَقوَقَ خوفاً، والريح تصفر صفيرها الجهنمي عبر الإسطبل، فَهَبَّ رجلان من صالة النُزُلِ ليسندا الباب بظهريهما، بينما كانت شرارات التبغ المحترق في غليونيهما الكبيرين تتطاير حول لحيتيهما.
بعد أن فعلتِ الرياحُ ما فعلتَه في النُزُلِ تابعت هبوبها نزولاً عبر المرج، متدحرجة في الخنادق الطويلة، ثم اقتلعت جزءاً كبيرا من سقف عربة البريد التي صادفتها على بعد نصف ميل من النُزُل.
زمجر سائق العربة، أندرز قائلاً: « ألا يكفيني هذا الشيطان الذي يجلس بجانبي، وبه رغبة مسعورة لوصول نُزُل كراروب»، ثم فَرْقَعَ سَوطَهُ على ظهر الحصانين المتعرّقين من كثرة الجهد.
كانت تلك هي المرة العشرين التي يُنُزُل فيها حارس البريدِ النافذةَ، ويصيح عالياً بأمرٍ ما نيابة عن سائق العربة، أندرز. في البدء كان يُقابَلُ بدعواتٍ ودّيةٍ لتناول القهوة مع الكحول في النُزُل؛ لكن لهجة الود بدأت تخفت تدريجياً، وأصبحت النافذة تُفتح بصخب، تُنطقُ عباراتٌ موجزةٌ عن الحصانين أو عن سائق العربة، أندرز، الذي لم يعد على أية حال حريصاً على سماعها على الإطلاق.
في هذه الأثناء كانت قوة الرياح قد تضاءلت، فراحت تتدحرج على وجه الأرض، بين نباتات الخَلَنجِ الجافةِ، مثل زَفرةٍ طويلةٍ وغريبةٍ. وكان القمر بدراً، لكن كثافةَ الغيومِ أحالت نورَهُ إلى بياضٍ شحيحٍ كادت عَتَمَةُ المساءِ تَطْمُسهُ.
وراء نُزُلِ كراروب كان يمتد مستنقع تورف(3) مظلم مليء بنباتات الخَلَنجِ الجافة، تتخلله أكوام تورف كبيرة بينها جحورٌ عميقةٌ وخطيرةٌ، وشريطُ عشبٍ كأنه درب وسط المستنقع، ولم يكن درباً لأنه كان ينتهي عند حفرة تورف أكبر وأعمق من الحفر الأخرى.
وبين نباتات الخَلَنجِ كان هناك ثعلبٌ منبطحاً يَتَرَصَدُ أرنباً يقفز لاهياً فوق نباتات الخلنج.
لم يكن صعبا على الثعلب أن يعرف أن الأرنب لن يستمر في القفز إلى وقت متأخر من الليل. بحذرٍ شديدٍ رفع الثعلب خَطْمَهُ المُدَبَبِ يَشُمُ الهواء ويقدِّرُ، وهو ينسلُّ متراجعاً أمام الرياح ليَجِدَ المكانَ المناسب الذي يستطيع منه أن يرى أين سَينهي الأرنبُ حلقةَ قفزه ويستلقي. وفكر الثعلب برِضا كيف أن الثعالبُ تزداد حكمةً بينما الأرانبُ تزداد غباءً.
في النُزُلِ كانوا مشغولين على غير العادة، لأن اثنين من الباعة الجوالين طلبا أرنباً مشوياً؛ إضافة إلى أن صاحب النُزُلِ كان قد ذهب إلى مزادٍ في تيستيد. وصادف الآن، لسوء حظ زوجته التي لم تكن تجيد سوى أعمال المطبخ، أن المحامي قد جاء ليقابل صاحب النُزُلِ، ولأنه لم يكن موجوداً كان على زوجته أن تستلم من المحامي رسالةً شفهيةً طويلةً وأخرى مكتوبةً مهمةً جداً، وكلا الرسالتين شوشتاها.
وفي هذه الأثناء أيضاً، كان رجل غريب، يلبس مشمّعاً، يقف بالقرب من الموقد بانتظار زجاجة الصودا التي طلبها؛ وبائعا سمكٍ طلبا للمرة الثالثة كونياك إلى جانب القهوة، وسائس اسطبل النُزُلِ يحمل فانوساً فارغاً بانتظار الحصول على شمعة، وفلّاحٌ طويل متجهم الوجه يلاحق كارين بعينين قلقتين بانتظار أن تعيد له 63 أوري، بقية الكرون.
كانت كارين تتحرك جيئة وذهاباً دونما عجلة أو ارتباك. وكان من الصعب على المرء أن يفهم كيف تقوم بذلك كله، كان القلق بادياً في عينيها الكبيرتين وعلى حاجبيها المتسائلين. بدا أنها تنتظر شيئاً ما؛ وكانت ترفع رأسها الصغيرَ الجميلَ باستقامةٍ وثباتٍ كأنها لا تريد لشيء أن يشتت تفكيرها. وكان فستانُها الصوفيُ الأزرقُ قد ضاق على جسدها، حتى أن قَبَّتَه قد انغرست قليلا في جلد الرقبة تحت خط الشعر.
قال أحد بائعي السمك لزميله: « إن بشرة بنات الريف شديدة البياض». كانا شابين صغيرين وتحدثا عن كارين مثل خبيرين.
وكان بجوار النافذة زبونٌ نظر في ساعته ثم قال: « لقد وصل البريد باكراً هذه المساء».
قرقعت دواليب عربة البريد فوق حجارة الشارع في الخارج؛ ثم انفتح باب النُزُل، وقعقعت الرياح ثانية كل أبوابِ النُزُلِ، وطوحت الدخان خارج الموقد.
في اللحظة التي انفتح فيها باب النُزُلِ، انسلَّت كارين إلى المطبخ. دخل ساعي البريد وألقى تحية المساء على الجميع.
ساعي البريد رجل طويل وسيم ذو رأس صغيرة بشعر أسود أجعد، ولحية خفيفة جعداء، وعينين داكنتي اللون. يلبس المعطف الدانماركي الملكي ذا القماش الأحمر الثمين والذي تزيّنه قطعة من جلد الكلاب المجعد تتدلى من فوق الكتفين.
وبدا أن مصباحي البارافين، شاحبي الضوء، المتدليين من السقف فوق الطاولة، قد وقعا في غرام هذا اللون الأحمر الوهاج الذي طغى على اللونين الرمادي والأسود لكل شيء آخر في صالة النُزُلِ. بدا هذا المخلوق الطويل برأسه الصغير أجعد الشعر، ومعطفه ذي الياقة العريضة وطياتها القرمزية الطويلة، مثل تحفة من الجمال والعظمة وهو يمشي عبر غلالة الدخان في الصالة منخفضة السقف.
خرجت كارين من المطبخ مسرعة والصينية بين يديها؛ وكانت قد أخفضت رأسها بحيث لا أحد يستطيع أن يرى وجهها، وهي تتنقل بسرعة بين الزبائن.
وضعت الأرنب المشوي على الطاولة بين بائعي السمك، وأعطت زجاجة الصودا إلى البائعين الجوالين، الجالسين في الغرفة الداخلية، وبعد ذلك أعطت الفلاح القلق شمعة الفانوس، ثم وهي خارجة من الغرفة وضعت 63 أوري في يد ذاك الرجل الغريب الواقف قرب المدفأة.
كانت زوجة صاحب النُزُل في حالة من اليأس المطلق؛ لأنها بعد أن وجدت مفاتيحها بشكل غير متوقع، أضاعت رسالة المحامي بعد ذلك مباشرة. وكان النُزُلُ كله في حالة هياج فظيع الآن؛ لم يحصل أحد من الزبائن على ما كان قد طلبه، وكانوا جميعًا يصرخون. فلم يتوقف البائعان الجوالان عن رن جرس الطاولة؛ وكان بائعا السمك في نوبة من الضحك الصاخب على أنثى الأرنب المشوية، في الطبق، وساقاها مفرشختان عالياً في الهواء. أما الفلاح القلق فقد نخس زوجة صاحب النُزُلِ في كتفها بالشمعة، لأنه كان ينتظر أن يتلقى بدلاً منها 63 أوري بقية الكرون. وفي هذه الحالة من الفوضى الميؤوس منها كانت كارين قد اختفت دونما أثر.
جلس، أندرز، سائق عربة البريد على الصندوق الخشبي؛ ووقف صبي النُزُل مستعداً لفتح البوابة، وهو يرفع بيده فانوساً. وكان صبر المسافرين في عربة البريد قد نفد، وكذلك صبر الحصانين، رغم أنه ليس هناك ما يصبوان إليه الآن، وكانت الرياح تصفر في الاسطبل
أخيراً، عاد حارس البريد وهو يحمل معطفه الكبير على ذراعه. عندما وصل إلى باب العربة توقف وتمتم ببضع كلمات اعتذارٍ للمسافرين اللذين جعلهما ينتظران. كان يلبس معطفه ويصعد العربة في الوقت نفسه، عندما سقط ضوء الفانوس على وجهه، وكشف عن حمرة زائدة وابتسامة تشيان بالكثير.
انفتحت البوابة، وانطلقت العربة مقعقعة. وترك أندرز الجوادين يسيران على هواهما، فلم يعد هناك أحد في عجلة من أمره الآن. وكان بين الفينة والأخرى يسترق النظر إلى وجه حارس البريد الجالس بجانبه وهو لا يزال يبتسم لنفسه، ويستمتع بالريح التي تتغلغل بين خصلات شعره.
ابتسم أندرز، سائق عربة البريد، فقد بدأ يفهم سبب تلك الابتسامة.
رافقت الرياحُ العربةَ حتى منعطف الطريق، وهناك تركتها وتابعت هبوبها وصفيرها بين نباتات الخلنج الجافة. كان الثعلب مستلقياً في مكمنه؛ وكان كل شيء محسوباً بدقة، والأرنب ينبغي أن يصل في أية لحظة.
أخيراً ظهرت كارين في النُزُل وأعادت الأمور إلى نصابها تدريجياً. فأخذت الشمعة من المزارع القلق، وأعادت له 63 أوري. ووضعت الأرنب المشوي أمام البائعين المتجولين.
اغتاظت زوجة صاحب النُزُل قليلاً، لكنها لم تُوَبِّخ كارين، فما من بشري في هذا العالم يمكن أن يُوَبِّخَ كارين.
بهدوء، ودونما عجلة، عادت كارين إلى حركتها المكوكية بين الزبائن، وأعادت إلى صالة النُزُلِ الراحة والاطمئنان اللذين طالما نشرتهما وسط الإضاءة الشحيحة في هذه الصالة. كان بائعا السمك، اللذان حصلا أخيراً على كؤوس الكونياك التي طلباها إلى جانب قهوتهما، مفتونين بكارين، ويطاردانها بنظراتهما كيفما تحركت. ففي خديها، الآن، حُمرة لا تخطئها العين، وعلى شفتيها ظل ابتسامة خفية، وكلما رفعت بصرها قليلاً، سرت رعدة في جسد البائعين.
شعرت كارين بنظراتهما تلاحقانها، فذهبت إلى الغرفة الداخلية، وراحت تلمِّع بعض ملاعق الشاي على إحدى الطاولات. على الطاولة المجاورة كان يجلس البائعان الجوالان يأكلان الأرنب المشوي.
قال أحد البائعين لزميله: «هل رأيت حارس البريد؟»
قال الثاني، وفمه مليء بالطعام: « كلا، بالكاد لمحته، فقد خرج بسرعة».
– «إنه وسيم جداً. لقد رقصت في حفلة زفافه»؟
– « هو متزوج، إذاً؟»
– « نعم، متزوِّج ولديه ولدان. وهو يعيش مع زوجته في ليمفي. زوجته ابنة صاحب النُزُل في أولستروب. لقد صادف أنني وصلت النُزُل ليلة حفلة زفافهما. وَلَكَ أن تتخيل كم كانت ليلة بهيجة.
أسقطت كارين ملاعق الشاي الصغيرة من يديها، ولم تسمعهم وهم ينادون عليها من النُزُل. خرجت وعبرت فناء النُزُلِ إلى غرفتها، أغلقت الباب وراءها وبدأت تعيد ترتيب ملاءة سريرها، وهي نصف ذاهلة. حملقت في العتمة، ضغطت رأسها بيديها، وكذلك ثدييها، أنَّتْ وأنَّت،ْ لم تستطع أن تفهم ما جرى، لم تفهم.
لكن وحالما سمعت زوجة صاحب النُزُلِ تصيح عليها: « كارين! كارين» انتفضت، ثم خرجت من الغرفة مسرعةً. عَبَرَت الفناءَ إلى الجهة الخلفية من النُزُل، ثم انطلقت تركض نحو سهل الخلنج.
في ضوء الشفق بدا صف الأعشاب الصغيرة كأنه درب بين نبات الخَلَنجِ، لكنه لم يكن درباً، وينبغي ألا يَظُننَ أَحدٌ أنه دَربٌ، فقد كان يقود إلى حافة حفرة التورف الكبيرة.
سمع الأرنب خبطةً ارتعدت لها فرائصه. فقفز كالمجنون، من مكمنه بين نباتات الخلنج، قفزات طويلة، فتراه حينا مثل كرة وقد جمع قدميه الأماميتين تحت بطنه وقوَّس ظهره، وتراه حينا مشدود الجسم كسهمٍ، كان مثل أوكورديون طائر.
رفع الثعلب خطمه الطويل المدبب في الهواء، وهو يحدق بالأرنب مذهولاً. فهو لم يسمع أيةَ حركةٍ؛ ووفقاً لفنون الهجوم، كان الثعلب قد صعد زحفاً من أسفل الخندق، وحيث أنه واثق من أنه لم يرتكب أي خطأ، لم يستطع أن يفهم تصرّف الأرنب.
طالت وقفة الثعلب هذه، رأسه مرفوعة عالياً في الهواء، بينما الجزء الخلفي من جسده ملاصق للأرض وذيله الصوفي الثخين مخبأٌ بين نبات الخلنج، وكان يتساءل فيما إذا كانت الأرانب قد أصبحت أكثر ذكاءً، أم أن الثعالب قد أصبحت أغبى.
عندما سافرت الرياح الغربية مسافة طويلة تحوَّلت إلى رياح شمالية، ثم إلى رياح شرقية، وبعد ذلك إلى رياح جنوبية، وفي نهاية المطاف عادت، كريح غربيةٍ، تعصف فوق البحر من جديد، تُدَوّي فوق السهول، وتصفر بين نبات الخلنج الجاف. لكن العينين الرماديتين المندهشتين بقيتا غائبتين عن نُزُلِ كراروب، وكذلك الفستانُ الصوفيُ الأزرقُ، الذي ضاق على جسدهما. وبقي أنينُ ونواحُ زوجة صاحبَ النُزُلِ يتزايدُ؛ فهي لم تستطع أن تفهم ما جرى. لا أحد في تلك المنطقة استطاع فهم ما جرى، باستثناء سائق عربة البريد، أندرز، وشخص آخر.
لكن كلما أراد المتقدمون في السن تحذير المراهقين من عواقب الأمور، كانوا يبدأون تحذيراتهم بعبارة: « في قديم الزمان، كان في نُزُل كراروب نادلةٌ شابةٌ تُدعى كارين».
* * *
هامش
1 – ألكسندر لانجي شيلاند، روائي نرويجي، وُلِد في مدينة ستافانجر 18 فبراير 1849، وتوفي في مدينة بيرغن في 6 أبريل 1906. وهو رابع أساطين الأدب النرويجي إلى جانب (هنريك إبسن، بيورنستيارني بيورينسون ويوناس لاي). كتب شيلاند الرواية والقصة القصيرة، والمسرح إلى جانب الكثير من المقالات، ويعتبر أحد أهم الروائيين الواقعيين في النرويج في القرن التاسع عشر.
نشأ شيلاند في عائلة ثرية تعمل في التجارة. كان والده القنصل ينس زيتليتز شيلاند، وجده الأكبر غابرييل شاننش شيلاند، وأخوه رسام المناظر الطبيعية كيتي لا نجي شيلاند.
على الرغم من نشأته في عائلة غنية، تحلى ألكسندر شيلاند بمشاعر صادقة تجاه الفقراء، وكانت علاقته بعماله، كصاحب مصنع، علاقة طيبة، وفي كتاباته كان شيلاند صوت الفقراء، وانتقد نفاق المجتمع الغني في كل مؤلفاته. من أهم أعماله المسرحية كانت المسرحية الكوميدية الساخرة الأزواج الثلاثة 1886، والبروفيسور 1888. كما كتب الكثير من القصص الكثيرة أشهرها ( كارين).
من أشهر رواياته: السُم 1883 وهي الجزء الأول من ثلاثية ( فورتونا 1884، و القديس هانس فيست 1887) انتقد شيلاند في هذه الثلاثية نفاق طبقة رجال الدين.
منذ 1889-1890 تفرغ شيلاند للعمل في الصحافة، في صحيفة ستافانجر. وقد توقف عن كتابة الأدب في عام 1891، وأعاد نشر قصص قديمة من قصصه. وفي عام 1891 عُيِّن (عُمدةً) محافظاً لمدينة ستافانجر (مسقط رأسه) حتى عام 1902، ثم انتقل إلى مدينة مولدا كعمدة لمحافظة موري و رومسدال.
كتب شيلاند تسع روايات، ست مسرحيات، ثلاث مجموعات قصصية قصيرة ومقالات عديدة. وانقسم الدارسون حول سبب توقف شيلاند عن كتابة الأدب إلى فريقين. أحدهما اعتبر أن شيلاند كان واقعياً لدرجة أنه لم يستطع مواكبة التيارات الرومانسية الجديدة للأدب النرويجي في نهاية القرن التاسع عشر، بينما اعتبر الفريق الثاني أنه اختار التركيز على حياته السياسية.
كان شيلاند يعاني من ضيق التنفس، وأصيب بعدّة نوبات قلبية، وقد توفي شيلاند بسبب السمنة، إذ أن وزنه كان في ازدياد مستمر بسبب شغفه الكبير بالطعام، كما كان شغوفاً بالقبعات أيضا.
هذه القصة
تعتبر قصة (كارين) واحدة من أشهر قصص ألكسندر شيلاند القصيرة، وهي أول نص يتعرف من خلاله التلاميذ، في النرويج، إلى أدب ألكسندر شيلاند. صدرت هذه القصة لأول مرة في عام 1882 في مجموعته القصصية الثالثة بعنوان (قصتان قصيرتان من الدانمارك). في هذه القصة، تحبل النادلة كارين سفاحاً. ويعبّر شيلاند عن هذه الحالة الدراماتيكية، لإحباط كارين ويأسها من خلال ربط ذلك كله مع وصف شعري غنائي للطبيعة.
كما تعتبر قصة كارين نقداً واضحاً ولاذعاً للنفاق البورجوازي وازدواجيته الأخلاقية في مواجهة الحالة اليائسة للنساء الفقيرات اللواتي ينتهين، بسبب هذا النفاق والازدواجية الأخلاقية، إلى وضع مطابق لحالة كارين.
2 – مدينة في الدانمارك. المترجم
3 – هذه المستنقعات هي عبارة عن حفر كبيرة في الأرض تُرمى فيها بقايا النباتات والفضلات العضوية لتتحلل، ثم يتم تجفيفها بعد ذلك ليصار استخدامها فيما بعد كتربة زراعية خفيفة وخصبة. المترجم