محمود الرحبي*
تعيش السعدية مع ابنتها خديجة على علوّ رابية تطلّ على سفح شاسع. يحرس مدخل بيتهما كلب متحفزٌ للنباح في وجه أي خطوة بشرية. وكانت تدّخر ما تمنحه الجمعية لابنتها، وهو مبلغ يأتيها على رأس كل شهر؛ تترك بصمتها على ورقة يفرشها الموظف أمامها ثم ينسحب يتبعه هدير سيارته داسيا القديمة فوق الطريق الماهد للبغال وعربات الحمير التي تحمل مؤونة أصحابها جهة السوق الواقع في بطن السهل، كأنما ينبثق من الفراغ كل يوم سبت، فتنغل ساحته بالبشر والمؤن والدواب والأصوات، لذلك سميت القرية بذلك اليوم «قرية سبت سماره» وكانت ضمن رواده، حيث تبيع ما جنته دجاجاتها من بيض، وما جناه حقلها من فول وجلبانة وقثّاء ونعناع وشيبة.
كما كانت تزور كل جمعة ضريح الولي سيدي الساهلي، وهناك تجد سلواها في محادثة الناس وكأن الولي يجمعهم للتراحم، يخاطبونه دون أن يكلمهم. تظل هناك حتى العصر وبرفقتها ابنتها التي تجرها في كرسي تبرعت به نفس الجمعية. لديها كذلك عبد السلام الذي يعمل بناء في الجزائر، ولم يكن يتعاطى الكيف ولا يشرب الروج وكان يصلّي، ويأتي لزيارتهم أنّى سنحت الفرصة ليعطي أمه مبلغا لمعيشتهما ثم يعود أدراجه على متن حافلة.
في اليوم الموعود من كل شهر تذهب هي وكلبها لاستقبال الموظف على مدخل القرية وفي يدها صرّة خبز وبعض الحبوب وأحيانا دجاجة حية تقدمها كهدية.
وذات صباح طلبت من ابنها البقاء ونسيان أمر السفر، حين فاتحته بأمر زواجه. لا بدّ من وجود امرأة تساعدني أنا وأختك. ضحك عبدالسلام ساخرا من العرض الصعب. ولكن اﻷم أخبرته بأنها جمعت مالا جيدا من بيض دجاجاتها وعطايا حقلها الصغير، كما أدخرت له جل ما كان يتركه عندها. ولم تخبره عن أمر مبلغ الجمعية الشهري. وطلبت منه أن يترك أسفاره خوفا من المجهول، ويعمل في «سوق سبت سمارة» وقد نبهته حتى للعمل المناسب بأن يشتري الحبال من «تاونات» ويسعى لبيعها في أسواق القرى، فلا أحد يمكنه الاستغناء عن الحبال.
سار كلّ ما خططت له على ما يرام. وتزوج عبد السلام بفتاة اختارتها له بعناية وبدأ يعمل بائعا للحبال، حيث اقتنى بغلا وعربة لهذا الغرض. وكان يدور على القرى منذ الصباح. وفي يوم السبت يفرش حباله في السوق مع الجميع.
يوما وهي على فراش المرض، أسرّت له :
– أوصيك خيرا بخديجة فهي سبب رزقنا، كما أوصيك بزيارة سيدي الساهلي الذي شملنا ببركاته.
وكان عبد السلام بعد ذلك هو من يذهب برفقة الكلب عند باب القرية لاستلام الراتب الشهري، ويزور الضريح صباح كل جمعة.