ترجمةُ: محمَّد حِلمي الرِّيشة
ولدَ جيرمان دروجنبرودت (1944) في (Rollegem)، الجزءِ الفلمنكيِّ من بلجيكا، حيثُ اللُّغة الهولنديَّةُ هي إِحدى اللُّغاتِ الرَّسميَّةِ، وفي العامِ (1987م) انتقلَ إِلى قريةِ (Altea)، واندمج في الحياة الأدبية الإسبانية.
هو شاعرٌ ومترجمٌ وناشرٌ ومروّجٌ معروفٌ دوليًّا للشِّعرِ العالميِّ الحديثِ. كتبَ أَكثرَ من أَحدَ عشرَ كتابًا شعريًّا، وترجمَ- يتحدَّثُ ستَّ لغاتٍ- أَكثرَ من ثلاثينَ مجموعةٍ شعريَّةٍ أَلمانيَّةٍ وإِيطاليَّةٍ وإِسبانيَّةٍ وإِنجليزيَّةٍ وفرنسيَّةٍ، بما في ذلك مختارات لعددِ من الكتَّابِ العالميِّينَ.
بصفتهِ مؤَسِّسَ ومحرِّرَ (POINT Editions) (Poetry International)، نشرَ أَكثرَ من ثمانينَ مجموعةٍ شعريَّةٍ عالميَّةٍ حديثةٍ. وفي العامِ (1996م) أَسَّسَ حركةً شعريَّةً جديدةً تسمَّى (neo-sensacionismo) مع الشَّاعرينِ الصِّينيِّينِ المشهورينِ “باي داو” و”ديو ديو”.
بعدَ بدايتهِ الشِّعريَّةِ مع “الأَربعونُ عندَ الحائطِ” (1984) المعرَّفُ بالشِّعرِ الرُّومانسيِّ الجديدِ، نشرَ “هل تعرفُ البلدَ؟- تأَمُّلاتٌ في بحيرةِ كومو” في إِيطاليا، وهي مجموعةٌ من قصائدِ الطَّبيعةِ. في العامِ (1995) كتبَ قصائدَ عن الموتِ بعنوان “اهتداءٌ بالآخرةِ”. في العامِ (1997) ظهرَ “خمسٌ وعشرونَ قصيدةً وقصيدَتا حبٍّ”. وفي العامِ (1998) ظهرَ “بينَ صمتِ شفتيكِ”، وهو مجموعةٌ شعريَّةٌ ضمَّتْ قصائدَ الحبِّ التي كتبَها.
أَثناءَ إِقامتهِ في قصرِ- حصنِ “Neemrana” في “Rajasthan” أَكملَ دورةَ الشِّعرِ بمجموعتهِ “الطَّريق- الضَّوءُ المعكوسُ” بتشكيلِها جسرًا شعريًّا بين الشَّرقِ والغربِ، وأَلهمتِ الفنَّانَ الفلمنكيَّ (Frans Minnaert) والرَّسامَ الهنديَّ (Satish Gupta) اللَّذين أَثريا “الطَّريق” برسوماتِهما.
كتابهُ الشِّعريُّ “في تيَّارِ الزَّمنِ”- تأملات في جبال الهيمالايا، نُشر في العام (2008) في بلجيكا. نشرَ “أُمسيات شعرِ ستروجيا”، وهي مجموعةٌ مختارةٌ من شعرهِ في “Pleiades” في العامِ 2010. في العام (2012) صدرَ كتابهُ الشِّعريُّ “الضَّوءُ غيرُ المظلّلِ” في مطبوعةٍ ثنائيَّةِ اللُّغةِ؛ الهولنديَّة- الإِسبانيَّة.
الطَّريقُ
ماذَا رأَى الأَنبياءُ القُدامَى
ولكنَّهمْ لمْ يصِفوهُ
فِي العزلةِ
ممَّا يشحذُ العقلَ
– أَو يجعلهُ يخطئُ؟
هلْ سمعُوا صوتًا
غيرَ معروفٍ لنَا، تجربةَ حلمٍ
مَنحتْ اليقظةَ واليقينَ
راسخَيْنِ كحقيقةٍ، كالكلمةِ؟
هلْ عدَّتْ أَصابعُهمْ
عُروقَ أَوراقِ الشَّجرِ
هلْ قَرؤوا السُّطورَ
فِي راحةِ الأَبديَّةِ؟
هلْ قِصرُ نظرِ عيونِهمْ
تذيبُ اللَّيلَ
هلْ أَدرَكوا الأَغاني، الفجرَ
فِي وجهِ اللَّيلِ؟
حصانٌ مجنَّحٌ
مَن الَّذي كسرَ اللِّجامَ الذَّهبيَّ
وسرقَ الحصانَ؟
لَا يزالُ هناكَ ماءٌ
فِي البئرِ
لكنَّ الحوافرَ تموتُ بعيدًا
مِن دونِ دويٍّ.
إِلهةُ اللَّيلِ
التَّهديدُ،
مثلَ كائنٍ وحشيٍّ،
يعلِّقُ الظَّلامَ فوقَ الأَرضِ
مَا القمرُ
الَّذي يجلبُ لنَا
لمحاتٍ مِن ضوءٍ؟
مَا الشَّمسُ
– الَّتي لَا تُهدَّدُ-
الَّتي تُعطِينا إشارةً؟
أَينَ هوَ الضَّوءُ الأَكبرُ
الَّذي يمدُّ مزيدًا منَ الوضوحِ؟
أَينَ الرَّائيُّ، النَّبيُّ
الَّذي يسلِّمُ كالخبزِ الحقيقةَ
نقيًّةً، ومشرقةً، وعميقةً؟
أَينَ النَّجمُ الهادِي
الَّذي يضيءُ فِي الظَّلامِ؟
أَينَ القوَّةُ السِّرِّيَّةُ
التَّي ترسمُ منَ النُّجومِ
المدارَ السَّرمديَّ
لدورةِ الكواكبِ؟
التَّآكلُ
إِلى لوحاتِ لويس بلا
ماذَا بعدُ
هلْ هذَا اعتداءٌ وتآكلٌ مرئيٌّ
منَ الاعتداءِ والتَّآكلِ
غيرِ المرئيِّ؟
ليسَ اللَّيلُ
ولكنَّ اليومَ سيفرُّ
عندَما الغرابُ
بصوتهِ الصَّحرائيِّ سيغنِّي
أُغنيةَ الباطلِ.
الوقتُ يضغطُ، يدفعُ الرِّمالَ
ويخدشُ الكلمةَ
فِي الحَجرِ والأَملِ
تلكَ التَّي تبقَى
ليسَ
مثلَ وصيَّةٍ.
لَا يزالُ أَكثرُ منَ الماءِ والهواءِ
والكوكبةُ السَّماويَّةُ
يكونُ بطريقةٍ مماثلةٍ
قدْ غيَّمَ الرُّؤْيةَ
يوجِّهُ الاضطراباتِ
أَكثرَ بكثيرٍ
مِن مجرَّدِ العينِ.
هلْ خلقُ جزءٍ
منَ العالمِ
هوَ العالمُ،
مِن ماذَا خلقَ؟
عبثًا هوَ التَّفكيرُ
فالرُّؤْيةُ قصيرةٌ
مَا التقدُّمُ؟
هوَ الارتباكُ والاضمحلالُ
الخريفُ ضبابيٌّ
الشِّتاءُ سيكونُ باردًا.
إلى عمل ساتيش جوبتا
مِن أَينَ أَتيتَ
وإِلى أَينَ ستذهبُ؟
كمْ مِنَ الوقتِ لَا يزالُ
لدوامِ أَبديَّتِكَ
كوكبٌ؟
الضَّوءُ المعكوسُ
إيثاكا
بأَحمرَ خشخاشِ الأَحلامِ
ترسمُ الشَّمسَ فِي يومٍ آخرَ
تقرعُ البريقَ
بعيدًا عنْ رأْسِ جبلِ المغرةِ
ينتشرُ فوقَ البحرِ الأَبيضِ المتوسِّطِ
بحرٍ منَ اللُّؤْلؤِ والفضِّةِ
رسمَ الجنَّةَ
مليئةً بالأَزرقِ والأَبيضِ
يمحُو منَ الرَّأْسِ
النُّموَّ البرِّيَّ للذِّكرياتِ.
الفجرُ
ببطءٍ
كما تكتبُ قصيدةٌ نفسَها
يأْتي الفجرُ
منَ العدمِ إِلى الوجودِ
يتخلَّصُ منَ الصَّمتِ
ويجلبُ الضَّوءَ
ينشئُ الأَخضرَ فِي كلِّ مكانٍ
قوتًا للشَّمسِ
الَّذي منَ الأَرضِ
لَا يزيلُ أَيَّ ظلامٍ آخرَ
لكن اللَّيل.
اللَّيلُ يفرغُ نفسَهُ
منْ أَحشائهِ المحترقةِ
الخشخاشُ
ينزفُ منَ الأَسفل
– بالشِّدَّةِ نفسهِا
مثلَ أَشجارِ التُّوتِ الممزَّقِ مِن أَغصانِها
مِن أَيٍّ يشربُ صباحُ اليقظةِ
الأَحلامَ العابرةَ.
الفجرُ رفعَ شاهدَ القبرِ للنَّومِ
تاركًا وراءَهُ شبكتَهُ المظلمةَ
فِي الجِرارِ الكبيرةِ للَّيلِ
الأُفقُ
يشربُ الدَّمَ الفاترَ
للفجرِ
والقلبُ،
يعكسُ نفسَهُ فِي الشَّمسِ
يبتهجُ مِن دونِ سببٍ.
الأَخضرُ، يَا الأَخضرُ الَّذي يَحبسُ الأَنفاسَ
حملتَ علَى طولِ فراشِ الشِّتاءِ
أَعشابَ الرَّبيعِ
الَّتي تنسجُ شِباكَهُم الضَّيِّقةَ
تتفتَّحُ أَزهارُ النَّرجسِ بروعةٍ مبهرةٍ
أَحواضُ الأَزهارِ الَّتي فِيها الإِنسانُ، كمبدعٍ
يعكسُ نفسَهُ.
أَحمر وأَزرق
كمْ يمكنُ أَنْ ينموَ التَّوقُ
قبلَ أَنْ يموتَ
منَ الجوعِ والعطشِ
تحتَ سماءٍ لا مباليةٍ؟
لَا تزالُ ذرَّاتُ الضَّوءِ تتجمَّعُ في الهَواءِ
أَشكالًا غريبةً، تجلِّياتٍ، ودوخةً زرقاءَ
مغمورةً فِي اللَّونِ الأَحمر
لَا تزالُ علَى حالِها؟
الغيومُ تكافحُ
لأَجلِ مملكةٍ عديمةِ الأَهميَّةِ
منَ الماءِ والرِّيحِ
نباتاتُ المِحلاقِ البيضاءُ والزَّرقاءُ
تخنقُ بعضَها البعضَ
إِخصابٌ عقيمٌ
لكائناتٍ شرسةٍ
فِي مرآةِ العالمِ.
مناظرُ طبيعيَّةٌ داخليَّةٌ
علَى شاطئِ البحرِ
يراقبُ القلبُ العاري
بِما يحمِّسُ الماءَ
مِن خلالِ نفسهِ علَى الأَرضِ
العطشُ، والوحدةُ، والتَّذكارُ، والتَّمرُّدُ
مِزقٌ عابرةٌ منَ السَّعادةِ
بالكادِ تتركُ فِي اليدِ أَكثرَ
مِن غبارِ رملِهمْ.
أُغنيةُ العندليبِ
وأَلوانُ الطَّاووسِ
فَتنَتْني طوالَ حيَاتي.
لَا تقلْ لِي، الأَوَّلُ مجرَّدُ صوتٍ
والآخرُ لَا شيءَ سِوى تدرُّجِ لَونٍ.
لمَاذا ترغبُ بأَكثرَ
منَ البحرِ؟
داخلَ حدودهِ
الجنَّةُ فِي متناولِ اليدِ.