حجرة طبيب متخصص في الأمراض الجلدية.. على اليمين مكتب الطبيب ومقعده ومقعد آخر لجلوس مرضاه، في الوسط سرير الكشف الطبي بستارته الغبراء المرقطة ببقع حمراء كجلود المصابين بالجرب. على اليسار باب الحجرة، ومنه تبزغ لافتة نيون تشع بأضواء تختلط بين الأصفر والبرتقالي والأحمر:
(عيادة الدكتور مخروف الحملاني، بكالوريوس طب عام من جامعة الفقا سة، ودكتوراه في الأمراض الجلدية من جامعة المسلخ).
الدكتور مخروف جالس إلى مكتبه يلعب بالبيض كلاعبي السيرك، بعض خبات البيض تسقط من يده وتتكسر على المكتب.
المريض التالي يطرق الباب مستئذنا.
مخروف: تفضل.
(يلج الحجرة رجل أشعث أغبر، يرتدي ملابس شعبية 0 فضفاضة رخيصة وقذرة لم تنجح في إخفاء حدبة غريبة تلوح في أسفل ظهره).
المريض: السلام عليكم (يجلس على المقعد بحذر لافت للنظر).
مخروف: وعليكم السلام ورحمة الله (يمسك ورقة وقلما لكتابة البيانات) الاسم؟
المريض: لحظة من الله.
(مخروف يكتب ما يمليه عليه المريض بطريقة آلية دونما أن يكلف نفسه رفع رأسه لرؤية ملامح مريضه ).
مخروف: العمر؟
لحظة من الله: العمر الافتراضي أربع سنوات من تاريخ الانتاج المسجل على أحد غطائي العلبة.
مخروف: (يخز مريضه بسن القلم) يبدو أنك منته منذ مدة.. بالتأكيد أنك وأمثالك من الناس المنتهية صلاحيتهم تتبعون وسائل ماكرة للافلات من قبضة البلدية؟
لحظة من الله: (يشير بيده إشارة بذيئة ) ولم لا تكون البلدية هي التي تزيف تاريخ مؤخراتنا لكي نبقى تحت رحمتها!
مخروف: (يهب واقفا لاسكات مريضه وقد انتابه ذعر حقيقي يثير الارتياب.. يجلس معاودا الكتابة ) المهنة؟
لحظة من الله: كرة قدم.
مخروف: (يكتب ويهمس بصوت واطئ) لاعب كرة قدم.
لحظة من الله: (ينهض محتجا) عفوا، أنا أرفض هذا التزييف والتملق الرخيص للبلدية. (مخروف يخرج من درج مكتبه مسدسا، يعمره مصوبا نحو مريضه، فيتهاوى درج مكتبه مسدسا، يعمره ه الأخير على مقعده مستسلما).
مخروف: تعيش البلدية.
لحظة من الله: (يرفع قبضته بخور) تعيش.. تعيش.. تعيش..
(مخروف يخبئ المسدس، يخرج من درج أخر كيس علاقي أسود اللون بداخله أغصان القات). مخروف: تخزن؟
لحظة من الله: لا.
(مخروف يبدأ في التهام وريقات القات الطرية وتكويرها في فمه).
مخروف: إذا لم تكن مخزنا فكيف تستطيع الاندماج في المجتمع؟
(المريض يهز كتفيه بلا مبالاة).
مخروف: الا تعرف أن فيه فوائد جنسية؟ إنه مضرب الامثال في الانعاظ وتقوية الباه، حتى يقال إن قردا بلغ من العمر عتيا وكانت سلالته كلها قد انقرضت من المنطقة فلم يبق سواه، أطعمه سيده مرة أغصانا من القات الذحلة، فإذا بالقرد يتهيج تهيجا شديدا، جعله يختطف كرة قدم كان الأولاد يلعبون بها في الشارع، فأمسك بها بين يديه، ينزلها على شيئه ثم يرفعها في حركة سريعة جدا، ثم رماها للأولاد ملوثة.
(مخروف يفرق في ضحك ماجن مرتفع القهقهات الى درجة اهتزاز لوحة النيون، يتزايد اشمئزاز المريض ويولي وجهه شطر الباب موشكا على التقيؤ، مخروف يتوقف على دفعات عن الضحك، ينحي كيس القات ويعاود الانكباب على ورقة البيانات).
مخروف: هل خرجت من بطن أمك أم من الحاضنة الكهربائية؟
لحظة من الله: لا هذه ولا تلك.. أنا خرجت من بطني ذاته.
مخروف: هل لديك فتوى شرعية تبيح لك حلق لحيتك؟
لحظة من الله: (يخرج من جيب معطفه المقلم ورقة مطوية) نعم.
مخروف: (يأخذ الورقة ويفردها، يتأملها بسرعة ثم يعيدها) هل لديك تصريح من الدولة بتربية شاربيك؟
لحظة من الله: نعم (يوشك أن يخرج التصريح، ولكن مخروف يشير له بيده مصدقا).
مخروف: متزوج؟
لحظة من الله: لا.
مخروف: إذن فأنت تمارس العادة السرية؟
لحظة من الله: لا.
مخروف: إذن فكيف تصرف أمورك؟
لحظة من الله: (ناظرا بتحديد) هذا هو الموضوع الذي جئتك من أجله.
مخروف: (يرفع رأسه عن ورقة البيانات باضطراب) أي موضوع تقصد؟
(لحظة من الله ينهض واقفا ويحسر ثوبه الأبيض المغبر الحائل اللون إلى ضلوعه، فيتدلى من أسفل ظهره ذيل أسود متلولب على ذاته.. لحظة من الله يرخي ثوبه مخبئا ذيله بعناية، ثم يجلس بتؤدة. مخروف يخفض رأسه ويعاود الكتابة).
مخروف: منذ متى ظهر هذا الذيل المنفر في صلبك؟
لحظة من الله: منذ عودتي إلى البلاد، من المهجر.
مخروف: إلى أين هاجرت ولأي غرض؟
لحظة من الله: هاجرت إلى إيطاليا بفرض الدراسة.
مخروف: (يسند ظهره للمقعد ويبتسم منتصرا).. هه.. مشكلتك واضحة يا أخ، لقد ذهبت الى الخارج للدراسة، ثم عدت خائبا خيبة إبليس من سيدنا اسماعيل في منى، فكان ظهور هذا الذيل نتيجة طبيعية لإهمالك وتقصيرك، وتبديدك لأهوال الدولة.
لحظة من الله: ولكنني أحرزت نجاحا طيبا في دراستي، وعدت ومعي شهادة دكتوراه في علمي الأخلاق والجمال، الأطيقا والا ستطيقا.
مخروف: (يسقط القلم من يده) ماذا؟ (يصمت مصعوقا ثم يتكلم ببطء عصبي) هل قلت إنك ذهبت إلى آخر الدنيا لتدرس الجمال والأخلاق؟؟
(ينهض بتربص، ثم يهدر فجأة بضحكات مجلجلة رنانة) يا الله كم أنت مضحك وغبي وتستحق هذا الذيل الذي يتدلى من خلفك.
(مخروف يتجه الى وسط المسرح وهو يمسك ببطنه من شدة الضحك، يتشقلب، يتدحرج، يرمي بنفسه هنا وهناك في هيستيريا من الضحك المتفجر، يتكلم بصعوبة من بين ضحكاته)
مخروف: من يسمعك يظن بلادنا قبيحة وبلا أخلاق.
(تدخل نمنمة بريئة من باب الحجرة وتقف في وسط المسرح، الدكتور مخروف يردها فيتوقف عن الضحك على الفور، يحملق في مؤخرة الغنمة بشراهة، يسيل لعابه، يحاول إمساكها، الغنمة تهرب منه إلى خارج الحجرة، الدكتور مخروف يخرج خلفها وهو يسير على أربع مصدرا شفاء بشعا. لحظة من الله يلبد ساكنا في مكانه، منتظرا فراغ الدكتور مخروف من قضاء وطره، ومن ثم عودته لاستكمال تشخيص المرض العضال الذي يعاني منه).
……..ستار ……..
وجدي الأهدل (قاص من اليمن)