المهدي عثمان*
تلك الليلة
أذْكُرُ تلك اللْيلة جَيّدا
كنتُ أحْملُ سَطلاً مِن البَيْضِ
وأنا أشُقّ صُفوفَ القبُور فِي المَقبَرة القدِيمَة
المَقبَرة المَليئة بِالأسَاطِير
كُنتُ حَافيا إلاّ مِنْ ظلّي عَكَسَهُ القَمر السّكْران
عائِد للتَوّ مِنْ خَمّارةِ ذلك اليَهُوديّ ي السّاق الواحِدة
لِحْيتي مَا زالت بيْضاء تَلمَع فِي اللّيل
مِثْل وَمِيض عَكَسَه مَعْدنُ السّطل تَماما
المَيّتُ الذي َينهَضُ مِنْ قبْره بِكفْنِه الأبيَض
أقذِفُه بِبَيْضة واحِدة ليَعودَ مُرتَعِدا
وهَكذا حِين انْتَهى البيْضُ
لاحَقَني المَوْتى إلى آخِر نُقطة فِي العَالم
النعش
تَحْت سَقفٍ بِلا جُدُران
ظَلَّ يُحْصي عَدَد المَوتَى الذِين حَمَلهُم على ظهْرِه
كانَ يَرفَعُهم بِحِيادٍ تام
لمْ يبْتَسمْ أوْ يَذرفْ دَمْعة واحِدة
كذلك لمْ يَسْبق لَه أنْ سَمِع مَيّتا
يَبتسمُ أو يَذرْفُ دمْعة واحِدة
كان سَعيدا بِمُهِمِّته تلك أيّام الحَربِ وأيّام السِّلم
رَغْم أنّ رِداءَه الأخْضر أوْشَك أنْ يَمّحِي
فِي نفْسِ هَذا المَكان
تَحْت سَقفٍ بلا جُدُران
فِي نفْس الرّكنِ مِنَ المَقبرةِ القَديمَة
كانَ يَعْرِف أنّه أُحِيل عَلى شَرفِ الخِدْمَة
بَعْد أنْ سَقَط مَيّتا مِنْ على ظهْره
……….
للمَرّة الأولَى بَكى فِي سِرّه
مَقبرَة المَنْسيّين
يَمرُّ على المَوْتى الواحِد تِلو الآخَر
يَسْألُهُم مَا الذِي جَعلهُم يَصْرُخُون آخِر الليْل
حتّى تَفِرَّ الجِرذانُ مِن جُحُورِها
وتَنْطفئ مَصابِيح الليْل بعْضَ الدّقائق
يَسْتغلّها اللصُوصُ لسَرقَة مَا يَحْتاجُونَه
فَكَّرَ فِي أنَّهُ يَحْتاج شَهْريْن قَمَريّينِ
ليُكْمِل دَوْرَتَهُ
لا أحَدَ رَدّ عَلى أسْئِلتِه الغَريبَة
وهُمْ يَتمَدّدُون فِي عَالَمِ الأبدِيّة المُخِيف
جَاءه صَوتٌ مِن تحْتِ الأرْضِ
هَذه مَقبَرة المَنسِيّين
فيها يَصرُخُ المَوتى ليَتذَكّرهُم الأحْياء