حاورها: محمود قنديل
ضيفتنا كاتبة مسرح، وباحثة في قضايا الدراسات الثقافية، ومدرب دولي معتمد في الإبداع المسرحي.
وُلِدَتْ خلال صيف عام 1969م بمحافظة ظفار في منطقة الحصن بسلطنة عُمَان، وتقيم حاليًا بالعاصمة مسقط، وحصلت ناقدتنا على بكالوريوس اللغة العربية وآدابها والفلسفة من الجامعة الأردنية 1995م، وفي عام 2002م نالت درجة الماجستير في النقد الأدبي الحديث من نفس الجامعة، وتوجت مسيرتها التعليمية بشهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة محمد الخامس 2021م
تبوأت أديبتنا عدة أمكنة في مشهدنا الثقافي العُماني، فهي عضو بالجمعية العمانية للسينما والمسرح، وكانت كذلك عضوا بمجلس إدارة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، ومجلس إدارة النادي الثقافي، وشاركت في عدد كبير من لجان التحكيم؛ كرئيس لجنة بالمسرح الدائري، ورئيس تحكيم مسابقة مسرح الكبار، ومسابقة النص المسرحي بولاية نزوى، ومهرجان ظفار المسرحي الأول، وعضوية اللجنة الرئيسة لمهرجان الفرق الأهلية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولجنة تحكيم وتقويم مسابقة المنتدى الأدبي لعام 2005م في مجال القصة والمقال والمسرح والرواية، تحت إشراف وزارة الثقافة والرياضة والشباب وغيرها.
صدر لها العديد من المؤلفات في المسرح ( المعراج، يوم الزينة، الطعنة، الحُلْم، البئر، أبجدية البوح علياء وغيرها)، ولها تحت الطبع المسرحية الموسومة بـ “آزاد” والتي ستصدر ـ خلال أسابيع قليلة ـ عن دار الفرقد بسوريا، وفي النقد والثقافة لها العديد من الإصدارات والتي تمثلت في: جماليات التأليف الدرامي والإخراج المسرحي، والرؤية السياسية في المسرح الخليجي، إرمِ بمعطفك فوق الكرسي، ومغامرة النص المسرحي في عمان، ما يوقظ القلب، والبنية السردية للقصة القصيرة في سلطنة عمان .. 1980 ـ 2000م
ولأديبتنا عدد من العروض المسرحية، مثل: الذين على يمين الملك، صلاة من الربع الخالي، البئر، أبجدية البوح علياء، الرهينة، والجسر.
ويشهد لها الواقع الأكاديمي ثراءها العلمي عبر محاضرات تنتصر فيها لحياتنا الأدبية بسلطنة عمان، منها: المسرح في عمان، مشكلات التأليف المسرحي في عمان، صورة الأنثى وحضورها في القصة القصيرة، الأصوات السردية الحكائية في النص القصصي العماني.
بالإضافة إلى بحوثها عن التجديد في الكتابة المسرحية الخليجية منها جماليات التجريب في نماذج من نصوص المسرح الخليجي: حمد الرميحي نموذجًا، وبحوثها في المسرح العربي كخطاب جسد المرأة في سعدالله ونوس.
وقد احتفت بها الأقلام النقدية، فكتبت د. زينب لوت عن نصها المسرحي “المعراج”، وتناولت د. عزة القصابي صورة المرأة في أعمالها المسرحية، وتحدث د. حسن عطية عن عالمها الدرامي، وتقدم الباحث عامر محمد حسين بأطروحته للدكتوراه عن التاريخانية الجديدة وتمظهراتها في النص المسرحي متوكئًا علي مسرحيتها “الذين على يمين الملك”.
وقد حالفتها شتَّى الجوائز والتكريمات، فكرمتها السيدة الجليلة حرم السلطان المعظم في الاحتفال بيوم المرأة العمانية العام الماضي، ووزارة التنمية الاجتماعية، والاتحاد العام للفنانين العرب، والملتقي العلمي العربي الثالث لملتقى الفنون، ومهرجان المسرح العماني.
ونالت عبر رحلتها الطويلة الكثير من الجوائز، نذكر منها: جائزة شخصية المسرحية، من الجمعية العمانية للمسرح، وجائزة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عن مؤلفها ( الرؤية السياسية في المسرح الخليجي) وكتاب “ما يوقظ القلب في الثقافة والسرد والنقد”، وجائزة أفضل نص مسرحي عن رائعتها “منتهى الحب.. منتهى القسوة” من مهرجان المسرح بمملكة البحرين عام 2006، وغيرها الكثير.
ومع د. آمنة الربيع كان هذا الحوار…
ابتعدتِ بمحض إرادتكِ عن كتابة القصة والرواية واتجهتِ نحو صياغة النص المسرحي، ما الأسباب وراء ذلك التَّحَوُّل؟
لم تكن هناك أسباب محددة؛ لأنني في الحقيقة لم أكن أسعى لكتابة القصة والرواية. فعليًا كتبتُ سردًا بعنوان (عنزة تعزف على الكمنجة) وهي كتابة سردية نُشِرت في ملحق شرفات آنذاك بجريدة عمان. من قرأها تنبأ لي أنني سأكتب فنّ الرواية، لكنني لم أكن عند حسن الظن لأنني في أعماقي أنتمي إلى المسرح وإنكاراته.
في عام 2014 أصدرتِ مسرحيتك “يوم الزينة”، هل ثمَّة علاقة بين الفكرة المسرحية والقصة القرآنية (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)؟
العلاقة المجازية القريبة تتمثل في فكرة اللقاء والاجتماع. لكن على مستوى المبنى والمحتوى الدرامي؛ فالمسرحيّة تنتمي إلى عالم النساء. تبدو خارجيًا أو ظاهريًا أنها مخصصة لعالم التزيين، ولكنها في العمق كما أردتُ لها وفكرتُ فيها وعشتُ معها، هي نصّ يحتفي بالأقنعة الكثيرة التي ترتديها المرأة لتستر بها جسدها، وهي أيضا كفكرة وكمشروع ممتدّة مع نص سابق صدر عام 2008م بعنوان (مدونة عشق ديك الجن).
كأول كاتبة عُمَانيَّة تقدم النص المسرحي، كيف تقيِّمين الأدب المسرحي العُمَاني في ظل منافسة عربيّة شرسة؟
وجود منافسة نبيلة وكفوءة هذا هو المطلوب. والمسرح في عُمان تتقاسمه جهات عدة، كالوزارات والجامعات والفرق، وربما هذه القسمة المتفرقة على الجميع ليست مُنتجة بالقدر المأمول، لكنها على الصعيد الخارجي تثمر في مشاركات مختلفة لبعض الفرق وبعض الكتّاب المسرحيين فليتنافسوا وليقدموا ما يستطيعون.
يظل عندي أن النصّ المسرحي الذي لا يُشاكس على صعيد المضمون أو التجريب هو نص ميت تمامًا. وقد قرأت بعض النصوص لعدد قليل من الكتّاب والكاتبات الهواة فوجدتُ أغلبها مدرسي، أما الذين حققوا أسماءهم ووجودهم فأرجو لهم كل التوفيق والفلاح.
النص المسرحيّ العربي به تقدم ملموس وجميل جدا. قرأت مؤخرًا نصوصًا مختلفة لكاتبات خليجيات ومن مصر والمغرب ولكتّاب أيضًا من عُمان والأردن والمغرب فأسعدتني بعض الأطروحات الحواريّة والجمالية.
هناك ما يُسمى بمؤلف النص المسرحي ومؤلف العرض المسرحي، وبعضهم يرى أن العلاقة بينهما لم تكن ـ يومًا ـ على ما يرام، فماذا ترين أنتِ؟
هذا هو ديدن النسق الثقافي الذي يخلق مثل هذه الصراعات الصغيرة. في النهاية نحن كمتفرجين عاديين بلغة فرجينيا وولف لا نهتم إلا بالفرجة وما تثيره فينا من أحاسيس متباينة، لكن عندما نقترب من ساحة الاشتغال الأكاديمي نُصدم بوجود هذا الصراع الخفيّ.
ظاهريا، هناك عدة مؤلفين للعرض المسرحي: المخرج والدراماتورج والفنيون يشتركون جميعهم في تأليف العرض على الخشبة، وكذلك الممثلون لهم نصيبٌ من التأليف الجماعي للعرض. وعلى مستوى النصّ المؤلف الذي جرى تثبيته بواسطة الكتابة فهناك مؤلفٌ حقيقيٌّ واحد وله أحني القبعة.
من وجهة نظركِ، هل تجدين في مناخنا السياسيّ الخليجي ما يسمح بتقديم عروض مسرحية تتجاوز ما كنَّا نعتبره ـ من قبل ـ خطوطًا حمراء؟
تبدو العلاقة ما بين العرض المسرحي الذي يريد صنّاعه أن يتجاوزوا الخطوط الحمراء والمناخ السياسي أو الرقابة السياسية على المسرح علاقة غريبة جدًا. وهذا ليس بالطرح الجديد. على سبيل التمثيل، لاحظت أن ما سُمي بالربيع العربي 2011م قد جعل رقابات بعض الوزارات تتخفف من ضغط رقابتها الصارمة الموجهة تجاه بعض الكتّاب والفرق. شخصيًا لم يحدث معي ذلك؛ لكن هناك بعض الفرق المسرحية قدمت عروضها كما يريدون لنا أن نعتقد أنها تجاوزت الخطوط الحمراء! الأرجح هناك كتّاب للسلطة ترضى عنهم وتجيز لهم تقديم أعمالهم. من ناحية أخرى بالنظر إلى مفهوم المناخ السياسي الخليجي اليوم، وبعد أحداث 2011م القاعدة اختلفت، لذلك يهرب بعض الكتّاب إلى توظيف الرمز والميثولوجيا والأقنعة وتقنيات ما بعد الحداثة ليمرروا أعمالهم التي تشاكس السلطة. وأنا أفضل لفظة السلطة لأنها أعمق وتغوص في الذهنيّات الثقافية وفي المرجعيات. أما المسرح السياسي فجميع أنواعه لم يجرِ توظيفها توظيفا آليا في المسرح الخليجي، وليس هذا المطلوب، بل التوظيف النابع من حاجات المجتمع ومتغيّراته. في تقديري إن قبضة الرقابة الحديدية اليوم عادت؛ تارة أراها مغلفة في قالب “شوكليت”، وتارة في هجوم شرس وحاد يشارك فيه جهات رقابية عديدة تبدأ بمكتب أو دائرة للرقابة وينتهي بالسوشيال ميديا!
في كتابي (الرؤية السياسية في المسرح الخليجي دراسة نصيّة) الصادر عام 2016م أشرت إلى دور الفرق والنخب المتعلمة المستنيرة للفرق المسرحية الخليجية.
سبق وأن تحدثتِ عن “سعدالله ونوس” بحفاوة شديدة، هل تعتبرينه مثلكِ الأعلى؟
لا. ليس مثلي الأعلى، ولكنني سأظل أتكلم عنه بحفاوة؛ لأنني تعلمتُ من نصوصه الشيء الكثير، وكذلك وجدت في بيانه المسرحي الذي أطلقه بمثابة علامات مهمّة دالة لي في مشواري الثقافي مسرحيًا. الجميل في سعدالله ونوس هي تلك الانتقالات المعرفيّة والوجدانيّة التي جعلته يُعيد النظر في مفهومه للمسرح ولكتابته ولمشروعه التنويري. لقد استمتعت بتحليل بعض مسرحياته وما زلت أفعل ذلك بشغف ومحبة وتقدير.
سمعتُ أحد النقاد يقول: إن المسرح العُمَاني ليس سوى وميض نور، وسيخبو لاحقًا مدللًا على ذلك بانحسار النتاج وتراجعه، نود تعقيبًا منكِ؟
لا أعرف على ماذا استند صاحب هذا الرأي، لكنني موضوعيًا لن أُدهش كثيرًا إذا انتهى المسرح العماني إلى الذبول. المسألة معقدة بعض الشيء. وفي سؤالك السابق عن الأدب المسرحي في عمان في ظل المنافسات المسرحية العربية كنتُ قد أشرتُ إلى أن المسرح في عُمان تتقاسمه مؤسسات عديدة، ومع الأسف النتاج غير مشجع. على سبيل التمثيل كان لدينا جمعية للمسرح العُماني، صدر قرار وزاري بإلغائها وجرى دمجها مع الجمعية العمانية للسينما! وفي ظل وجود عدد كبير من الفرق المسرحية المنتشرة في كل عُمان، لم تستطع جميع هذه الفرق أن تنتظم في مجهود واضح إبان وجود الجمعية لإنتاج عمل مسرحي كبير، ولم تنجح في تكوين مجلة مسرحية ولم تنجح في إصدار كتب.
المسرحيون مسؤولون بالدرجة الأولى عن هذا الفشل، ولكن هناك من سيقول لك أنهم نجحوا في تأسيس موقع، وشاركوا في بعض الفعاليات الاحتفالية. سيقول آخرون إن غياب الدعم المالي وعدم وجود خشبة مجهزة للعرض المسرحي تجهيزًا كاملًا يشي بتعثّر الخطط، ويقلل من حجم الطموح. هذا هو الواقع الذي نعيشه، ولكن علينا النظر كذلك إلى الفرق المسرحية الخاصة التي استطاعت إقامة مهرجاناتٍ محلية وأخرى عربية على نفقتها الخاصة. هذه الفرق تعثرت اليوم بسبب من قلة الدعم وبسبب جائحة كوفيد 19، لكن هذا كله لن يمنع الأمل، ولن يمنع المسرح من الاستمرار بوجود طاقات شبابية صادقة عاشقة للمسرح. أنا لست متشائمة في المطلق، ولا أريد أن أكون متشائمة. سأظل أحلم بالمسرح وبوجوده وباستمراره.
في تصوركِ، هل هو حقيقيٌّ ما يُقَال عن الأدب العماني: إنه مازال عاجزًا عن سبر أغوار المرأة بأحاسيسها ومشاعرها في مواجهة القهر الذكوري الذي تتعرض له؟
ليس عندي إجابة في المطلق. لا أستطيع أن أقدم رأيًا جاهزًا ونهائيًا. هذا النوع من الأسئلة التي تبحث عن (الحقيقي) تضعني في أزمة مع مفهوم (الحقيقة) فلسفيًا ومعرفيًا وإبداعيًّا؛ لأنني لا أدري ما هو ذلك الحقيقي بالضبط الذي يُقال عن الأدب العماني أو أي أدب آخر. المسألة تبدأ من سؤال تبسيطي لننتهي معه في مُتحف للحياة العمانية! سأفهم سؤالك على نحو آخر: هل استطاع النص المسرحي سبر أغوار المرأة بجميع أحاسيسها؟ سأقول لك لا. النصّ المسرحي اقترب من مناطق سطحيّة ومجانية، لكنه لم يغص في العمق. لا أظن أن المجتمعات العربيّة استطاع أدبها أن يقول رأيه كله، لأنّ حراك المرأة في مجتمعاتنا من أجل تعديل قوانين الأحوال الشخصية ما يزال مستمرًا، والنظرة الذكورية للمرأة على أنها كائن ضعيف وهش في تصاعد. ما يزال الحراك يحتاج إلى المزيد من التعبير. لكن سؤالك يسعى إلى تقديم إحاطة كاملة بالأدب العماني، وهذا الأدب واسع جدًا. ففي الرواية هناك اشتغالات على مستويات اجتماعية متباينة، ووجه المشكلة أن النتاج النقديّ للأدب العماني (سردًا وشعرًا ودراسات مختلفة) لم يخضع لدراسات نقدية ومعرفية جادّة، بمعنى أنها تنطلق من أرضية فلسفية ومعرفية تهتم بالعملية الإبداعية دون الانزلاق إلى المحاباة والمجاملات.
كان لكِ استرسالٌ محمودٌ عن البنية السردية للفن القصصي بسلطنة عُمَان، أين تقع القصة العُمَانية القصيرة بين أترابها العربيّة؟
شخصيًا وجماليًا توقفتُ عن الخوض في هذا الموضوع لأنني اتجهت إلى المسرح. لكنني من حيث المتابعة والاطلاع فالقصة العمانية تمتلك حساسية جميلة بتعددية الأصوات واختيار ثيمات الموضوعات والأفكار، وقد حقق حضورها في المشهد العربي وجودًا جيدًا تمثّل في المشاركة في العديد من المسابقات العربية ووصولها إلى بعض مراكز التصفيات المتعلقة بالجوائز العربية والخليجية المعروفة. أتذكَّر بهذا الصدد مشروع المشروع الثقافي العربي (الكتاب المسموع) الذي صدر منه مجموعة قصص في غاية المتعة والجمال (أرخص ليالي) ليوسف إدريس، كان طموحي أن تحظى القصة القصيرة العمانية بمشروع مثل هذا، لأن البيئة العمانية لديها موروث ثقافي جميل يجهله المثقف العربي، وكنت قد تناولت هذه الإشارة في مقالة لي بعنوان (كِتَاب عُماني في جريدة).
ما مدى موافقتك على ما ذهب إليه بعض النقاد بوجود “أدب نسوي” أو “أدب نسائي” وهو الذي تكتبه المرأة وماذا يعني المصطلح بالنسبة إليكِ؟
يحظى هذا المصطلح بتفكيك مستمر واشتغال من لدن العديد من الباحثات والباحثين العرب وغير العرب. وينبغي تبيان أن هذا المصطلح قد انطلق من قاعدة أساسية هي الاختلاف ما بين الذكورة والأنوثة، وجرّ معه الانزلاق إلى وضعيات تناقش بعض الامتيازات التي يمتاز بها الرجل على ما تتصف به المرأة؛ فالرجل هو الأقوى والعاقل والإيجابي بينما المرأة هي الأضعف والعاطفية والسلبية. والنسوية نسويات، مثلها كالحداثة حداثات. ولكن ما يُهمني هنا، سواء اتفقت أم لم أتفق أن إنتاج المقولات الإمبريالية أوقع الفكر النسوي في أخطاء التعميم، من النسويات العربيات والغربيات. ومن ناحية، هل أدب نسائي Feminist يقتصر على ما تكتبه النساء من سرود وشعر؟ أم نسوي Feminism يتعلق بالدعوات المذهبية أو التيارات النقدية التي تدعو إلى تحرير المرأة تجاه القيم الذكورية المتصورة عن المرأة والراسخة في الثقافة؟ أرى أنه لا صحة دقيقة لهذا الطرح الذي يذهب إليه بعض النقاد كأننا نقول بوجود أدب رجولي أو ذكوري فوقي متفوق، إزاء وجود أدب نسائي ثانوي ضعيف!
باعتقادكِ، هل ملامح الأدب ـ بشكل عام ـ ستختلف بعد تَجَاوُز جائحة “كوفيد 19″؟
هذا السؤال ما زال قيد الاختبار لأنّ جائحة كوفيد 19 لم تقل كلمتها النهائية بعد! والعقل الأداتي الذي يُدير عناصر الصناعة وتوجيه القرارات، يسعى للحفاظ على تقسيم العالم إلى شعوب غنية وأخرى فقيرة، متجانسة ومتغيرة، حقيرة ومحترمة! والسؤال عن ملامح الأدب القادم هو سؤال يصب في شكل المجتمع البشري الذي سينتج الأنواع الأدبية ويتعامل معها. لا أعرف بالضبط ما الذي سيحدث، ومن الجيد لنا ألاّ نعرف وألا نعلن نهاية شيء أو اختفاءه أو تغيره.
قلتِ عن المطربة اللبنانية فيروز: الحديث معها يوحي لك أنك خارج من الزمن والجغرافيا والتاريخ، ما مدى تأثير الغناء في بوتقة الكاتب الإبداعية؟
“التأثير أشبه بالخسارات التي يمنحها البعض لنا، تساوي الأرباح التي ننالها من آخرين” كما تقول الكاتبة المبدعة الصديقة أماني سليمان. فعليًا، لكل مبدع اختياراته الشخصية مع السفر والوجع والفقد والموسيقى. فيروز فنانة استطاعت أن تجمع الشعوب على صوتها وشخصيتها الهادئة. وعندما أستمع لفيروز أُصَاب بذلك الشعور المُحفِّز للانعتاق والانطلاق خارج الجغرافيا والتاريخ والزمن. وتأملي لأغانيها كأنها تصوغ مفهوم الزمن الحديث ليستوعب الماضي والراهن بواسطة اللغة.
الابتسامة التي لا تفارق ملامحك والبهجة التي تبدو عليكِ والمرح الذي ـ دومًا ـ يصافحكِ، عَلَامَ يدل ذلك؟
أحيانًا أحب أن أترك التأويل للآخر، لكنها في العمق هي ابتسامة تنتصر للأمل وللصوت الداخلي الذي يسكن أعماقي، واليقين الداخلي بأن العالم بالرغم من القبح والأمراض والأوبئة والعقل الأداتي النفعي لا بد في نهاية النفق هناك عنزة تعزف على الكمنجة. وأحب أن أعتقد بذلك. هل يختار الإنسان قدره ومصيره؟ نعم يختاره، وهكذا أختار أن أحافظ على ابتسامتي.
هل لك أن تُكلمينا عن أطروحاتك الجديدة القادمة في مجالات؛ المسرح والنقد والأنشطة الثقافية المائزة؟
أجيب غالبًا إذا سُئلت هذا السؤال أن لديَ ما يكفي من الخبز لخمس سنوات قادمة. أعمل في وقت سابق على الانتهاء من دراسة نقدية في عدد من الأنواع الأدبية، سيكون الكتاب حصيلة قراءات متباينة في المسرح والسينما والسرد والطرب الأصيل، توقفت في منتصفه لأسباب تتعلق بأزمة جائحة كوفيد 19 وحاليا أعكف على الانتهاء منه. هناك أيضا نصّان مسرحيان وآخر مترجم. هذا يُذكرني بمقولة حول إنتاج الكتب. قرأتها في رواية شائقة بعنوان (مانديل بائع الكتب القديمة) فلماذا نُصِّر على الكتابة ونشر الجيد منه؟ الجيد فقط. لأننا كما يقول السارد: إننا لا نُنتج الكتب إلاّ لكي نبقى على صلة بالبشر فيما وراء الموت، فنذودُ بذلك عن أنفسنا ضدّ العدو الألدّ لكّل حياة، ضدّ الزمن الذي يمضي.. ضد النسيان.