بسام المسعودي*
أحمل الليل
داخل قلبي
فتتدحرج آهاتي
من جسدي النحيل باحثة عن ركن شديد،
الليل صامت وهادئ
وأنا لا أعلم ممِّ تخاف مفاصلي؟،
تلتصق قدمي بالأرضُ
ويتساقط من السماءِ سعال الغيم
لأغير مجراه وتركني فوق حصير قديم
أتحاشى الأرق
بلا ضرب رأسي بسياط الشوق للنوم.
عند جدار الليل سألتُ أصابعي
ما الذي يقوم به رجل مثلي في هذه الساعة
قالت:
«يفضح نفسه للناس بقصائد رثة
ويودعها في خزائن الطرق للفجر البارد»،
عند الجدار
أنظر إلى وجوهي الشاحبة في عيون المارة
وأنا أملك عينين متعبة
تنظر لي كغريب أوهمه الشعر
أن الناس وأحزانهم
قصائد لم تستغل بعد
وأن هذه البلاد منسأة حزن ومدفن فرح.
تحت الجدار الهالك
أوشكت قدميْ على الرحيلِ
من عالم وجوهي الشاحبة
والمكتشفة في نظرات الناس
ومن الأرضُ المعلقةٌ من مجرة أفكاري
كقصيدةٍ لم أنته من كتابتها
لولا أن قلبي متعب من حمل الليل
وأنا أبحث عن قلب آخر يتحاشى وابل الآهات.
يا الله
عندما ترسل الضوء إلى قلب أحدهم
لا تجعل بلل عتمته حاضرة في القلب
لا تجعلني أفكر في أمره ولو قليلاً
ودون أن أتساءل عن رجاءات الغربة داخل
قلوب قاسية ولو لبعض الوقتِ.
يا الله
من يطفئ النار في صدري
وقت أقول لظلي
هنا صاحبك
كي يلتفت حولي
وأسأله:
أيطير قلبي من فوق مستنقع الفرح
أم تغسله دموعي في طست الغي؟
فلا
أنشغل كثيراً
بصوتِ تساقطِ سعال الغيم
ولا الحزن المعتم
الذي يشع منك أيها الظل المتساقط مني.
أنت أيها القلب
لديَّ كلام
معك،
أيها القلب الذي تُغرد
بعيدًا عن أعين الحزانى مثلي
لماذا أفتتح الليل ببكائي
وبخجلٍ انطق المقطع المتداول عن الحزن،
في الشارعِ المفقود
بعت الريح للمصابين ببلل عيونهم
وذهبت للطبيب لجس نبضك
وكي لا تسقطك رصاصة الرحمة من صدري.
أنا تحت تلك القطرات السماوية الليلية
وهي تنهمر بغزارة
والبرق
يعمي بصيرة الشوارع
حتى تكاد أن تفقدَ شجاعتها
على صبر خطوات العائدين من التعب.
أنا أينما تردد الفجر على المآذن
وأينما كنتُ، تقول لي
معاصي القلب:
الويل لرجل غاب عن فروضه،
فلم يعد هناك أثر لأقدامك
مع المشائين في الفرح
ولا على طريق الضوء
كي يظهر السلام داخلك
ويسقط من قلبك الليل،
لم يعد الحب يدق بقدمه على سقفه
ولا زاد الحياة يخرج من جحر صدرك.
بأذرعٍ غاضبة مني وروح ممتلئة بالضجر
أتكشف حتى الغسق لأغتسل بالضوءِ الذي تبعثه
نوافذ البيوت الساهرة
اتتبع همسات شعري
على خارطةِ القصائد التي تشبه دمي
وعندما تهب الريح أضرب لذة النوم بالأرق.
تقول لي النوافذ:
ما الذي يفرحك
كي تغني من غربتك المخبوءة
فتخطفك السعادة من يدي الحزن،
وأسأل نفسي هل من غنائي
شافت الحياة فرحي؟
فتقول لي: «لقد وُلِدت في
القرية الـ «ظالم أهلها» بمدينة «حالمة»
ودائمًا ما تكون أفراحك في مكانٍ آخر
مكان لا يفكر فيك
كأنك عقاب شديد على جسدك.
عند كتابةِ قصيدِة
تقول لي قراطيس الطين إنني
كنت مزارعًا بارعاً في حقل الذرة
وقال أهل القرية إنهم يعتقدون
أنَّ الزُّرَّاعَ لا تراب في رفوف شغافهم
من بعدما
رأوني أقف على ناصية
الأزقة الخربة أنادي بالناس كل موسم جفاف
وحين انشطرت الريحُ من بين يدي
احتضنت نفسي
وضممت ظلي بقوةٍ أكثر
كي استغفر الله
من ذنوب الخلوات
ومن إهمال خطواتي للسير نحو التوبة
أنادي للحقول الهالكة كلها
أحبك أيتها الحقول
أكثر من حصيري القديم
وفي قلبي حزن من مشيئة السماء
لم يعد يتساقط منها سعال الغيم.
تلتفت ليَّ أيّها الليل وفي فمك
عتمة سليلة قصيدة كتبها شاعر
وفلاح كانا كلما
تساءلا عن الضوء والحصاد فرت
مناجلهما وظلا يعولا على فرض الفجر
لينجوا من الأرق والحزن ويسألا روحيّ
أيُّهما عليك أصعب؟.
قلتُ لصديق حزني:
«ما رأيُكَ في حصاد أصابعي؟،
وكيف تصل ظلمة قلبي دون
أن تثقبه فتتسرب منه؟»
قال: «أَتْرُكُ الليل على ظهر قلبك»
وانْصَرف وحيداً دونك
وأسألك:
أين تختفي أيها الغائب عن الصبح؟
أأنت تحت لحاف العشب الندي
داخل الحقل القديم
أم أنك فوق أغصان
روحي وليمة حزن؟.