أعد الملف وقدّمه: رضا عطية
أحمد عبد المعطي حجازي أحد أبرز الشعراء المجددين في الشعر العربيّ، وأحد المُساهمين بقوة في تأسيس شعر الحداثة العربية منذ منتصف خمسينيّات القرن العشرين حتى الآن، بعدما انتقل الشعر العربي من طور النمط العموديّ إلى الشعر التفعيلي بالتوازي مع النقلة الفكرية والفلسفية للأدب العربي بعامّة، والشّعر بخاصة من التيار الرومانسي الذي طغى بقوة حتى نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، إلى تيار الواقعية والواقعية الجديدة استيعابًا للتحولات العالمية الكبرى والأزمات الوجودية العنيفة التي ألمت بالإنسانية جراء الحرب العالمية الثانية، وما تلاها من خطر وجودي محدق بالبشرية، نتيجة ما كان يمور تحت سطح الواقع والسلام العالمي الهش بعد انتهاء الحرب العالمية، من أخطار كثيرة تهدد مستقبل الإنسان، إبان فترة الحرب الباردة والتجاذبات المتوترة على الصعيد العالمي، فضلاً عن حركات التحرر التي اندلعت في العالم العربي، إشباعًا لتوق الإنسان العربي إلى الحرية وتأكيد هويته المستقلة، فكانت قصيدة حجازي تعبيرًا عن الهموم الوجودية الكبرى التي تشاغل الإنسان المصريّ والعربي؛ تأكيدًا لهويته الحرة المستقلة المنتمية لجذوره الثقافية والمُتطلِّعة إلى مستقبل مُشرِق بالأحلام الزاهية.
حملت قصيدة حجازي بلاغات جديدة وطرائق تعبيرية متجاوزة للسابق في القصيدة العربية ليفتح طريقًا آخر مغايرًا للشعر التفعيلي رفد الشعرية العربية بخصوبة جمالية. أحمد عبد المعطي حجازي شاعر يُفكِّر في الشعر، وعبر الشعر في هذا العالم والوجود. أي إنَّ الشعر، لدى حجازي، ليس مجرد وسيلة جمالية أو أداة تعبيرية تُستَعمَل تمثيلاً للعالم، إنَّما هو موضوعٌ وهمٌّ كبير يشاغل الشاعر ويلاحقه. الشعر عند حجازي هو طريقة وطريق معًا، طريقة يُعبِّر به الشاعر عن ذاته والعالم الذي يستكشفه ويتأمله، وطريق يسلكه بحثًا عن الشعر نفسه وطلبًا له ودفاعًا عنه.
يبدو حجازي شاعرًا يمثِّل مدرسة شعرية خاصة، صاحب رؤية ورأي تجلى في أطروحاته التنظيرية حول الشعر كما في كتابيه الشعر رفيقي الذي يطرح فيه رؤيته حول عناصر التشكيل الشعري كالمعنى والصورة والموسيقى والقافية وغيرها، وقصيدة النثر أو القصيدة الخرساء، ذلك الكتاب الذي أثار جدلاً كبيرًا، قد أعلن فيه حجازي عن حق قصيدة النثر في الوجود كنوع شعري؛ لكنّه رفض أن تكون هي المتن في النوع الشعري الذي يسعى أصحابه لبتر الشعر الموزون التفعيلي والعمودي من سجل الشعر، كذلك قدَّم حجازي عددًا من شعراء جيل السبعينيّات المصريين مثل حسن طلب وعبد المنعم رمضان ومحمد سليمان وحلمي سالم في مقالاته بالأهرام التي ضمها كتابه أحفاد شوقي. غير أنَّ ثمة دورًا فكريًّا بارزًا لحجازي ظل يؤديه منذ تسعينيات القرن العشرين حتى الآن دفاعًا عن التنوير، ومقاومة لهجمات التطرُّف الفكري التي سعت إلى تغيير هويّة مصر الفكرية والثقافية والسياسية مع بروز جماعات اليمين المتشدد واغتيال أو محاولات اغتيال مفكري التنوير المصريين فكانت قصيدتا حجازي عن اغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ موقفًا قويًّا اتّخذه الشاعر الرائد، تحملاً لمسؤوليات الكلمة وأداءً لأمانتها.
وفي هذا الملف تقدِّم عددًا من الدراسات والمقالات والشهادات حول تجربة الشاعر العربي الكبير أحمد عبد المعطي حجازي الشعرية والفكرية.