(1)
كانت المدينة على غير العادة..
رحلت الأرصفة بالمتعبين شرقا، نحو أقصى
المدينة، وهرب دخان العربات الضخمة بالمتخمين
غربا
ورنا الجبل العظيم نحونا بهامته يبكي . . كما
رآه (الرجل الشيخ ) .
كان وحده بقامته المهيبة يرقب تهالك الجبل
العظيم ويسمع حفيف أوراق الشجر المهاجر.
– قال هو.
(عليك بالرحيل اذا سافرت الغيوم وهجرت أهل هذه المدينة!!)
– قلت وأنا أقبض على قلبي ..
(سيدي : اني أخشى هذه الريح . . و. لم يدعني أكمل وأشاح بوجهه نحو السماء الثانية، وسمعت صوته تر دده الجموع الجائعة على أرصفة الخوف .
– الغيب كله مجموع في خزائن الجوع . . )
(2)
حدثتني نفسي الامارة.. أن أعدو نحو عمق المدينة حيث بقايا الدفء والخبز وانتزعني الغيم المسافر لأرى وجه الرجل الشيخ يسير نحو الجميع ويفرخ فيهم ..
– كل منحة وافقت هواك فهي محنة) مكثت وحدي ثانية وأرصفة الخوف تذهب بالمتعبين وحدهم وغبار المدينة يلف المتخمين بدخانهم ويرحل بهم أيضا..
في ضربة الفأس الثانية، سمع أنين الأرض يهمس :
– على رسلك . . فمازالت الريح الشقية تعصف
بالقلب ، وقي ضربة الفأس الثالثة تحرك القلب نحو
جوف الطين ببذرته النيئة يقاوم ريح الشاطيء . .
كدت أهوي وشمس الظهيرة تخرق جمجمتي . .
– قال الغيم . . (سأحط الرحال . . فاضرب بفأسك ثانية . . )
– وقالت الريح . .
أنا عاتبة يا هذا المسكين .
ولفت غيومي بأكفانها وسر بلتني بسواد غشيم
وغاب عن عيني الكليلة كل أثر للغيم ورصيف الجا ئعين . رصيف الجائعين وكل أثر للغيم.
(3)
طوحت ت فأسي .. في الهواء وأشعلت بذرة القلب
تضيء ما تيسر من ضوء لأراه. . وصرخت بكل ما
تبقى في جوفي من هواء.
– أردت الحقيقة، وقومي غافلون ..
قال يهمس جازما
– الحقيقة لا ينطق بها لسان .. فحاول ثانيه .
– لكنني تعيت . .
قلت تعيت. .
قلت تعبت . .
غاب الصوت والريح العاتية اللعوب تلفني
بالسواد القاتل وكدت أهوي ثانية!
وفي الأفق الآخر.. كان صوته ينادي. .
– ضربة أخرى وتواصل رحيل القلب ببذرته النيئة.. نحو طين اخر يشبه طين قلبك .. وعلى شاطيء اخر. . تذر الريح أنت وتحبس أنفاسها قي جوفك . . لترقب الفجر. . وحدك .
(4)
ثانية أبقى وحيدا في أقصى المدينة أرنو الى
الغيوم المسافرة وانحاء الجبل العظيم يبدومنهكا
مثلي! الان .
– قلت ..
لا عاصم لي اليوم .. وأي تعب هذا ينهك الجبل العظيم .
– قالت نفسي اللوامة .
(هو زمن القحط . . كيف ارتضيت أن تزرع فيه
بذرة القلب النيئة.. والريح وحدها تحصد البذر يا
هذا)!
وللتو رأيت الجيل يتهاوى مشفقا ويتبرأ مني
وأمانات الجائعين ، وحملتها وحدي وكنت ظلوما
جهولا!
قلت .. لا أقوى وكنت أسعى في أقصى المدينة
وحدي وجاءني صوته ثانية، والغيم المسافر يحط
الركب نحوي . .
– انظر . . قال هو:
وصوبت نظري نحوه .. فارتد خاسئا وهو
حسير .. كانت الشمسى حانية . .فاحتوتني هالة
النور، لم أدر. أهي أشعتها اللابية . . أهم بقايا نور
الوجه المستدير. .
-انظر
قال ثانية..
وصوبت نظري . ولم يرتد وهمس الأفق الرحيب قي أذني .
– أزرع بذرة القلب النيئة حيت موطيء القدم
المقدس تنبت رحيقا للعاشقين "وفيه دواء للناس ".
قلت .. لا أقوى وهذه الريح تعصف بالقلب
المعلق بدفء المدينة وشمس الغواية وقلت أيضا:
لا أريد جزيرتهم ، ودعني أذهب قي بحرك
وبحري نحو شاطيء اخر غير هذا الذي لا يقذف
بغير الريح وجيف المتخمين . .
قال :
شاطئنا يبدأ هنا ، فازرع بذرة القلب النيئة.
– وبدأت . .
وبقيت أ رقب الفجر وحدي .
عزالدين سعيد أحمد (قاص من اليمن )