في عصر انشغل الفكر بسؤال «ماذا أنا» تستمر قصيدة محمود درويش في صياغة السؤال التقليدي «من أنا» صياغة تتجاوز انغلاقيتها على نحو يذيب المسافة بين «ماذا» و«من» فيتأسس الخطاب الشعري هما وجوديا يرويه كائن لغوي، ويؤرخ عبره لسيرة ما كان وسيرة الإمكان أيضا.. ينتقل محمود درويش من البحث عن المكان الفلسطيني الضائع إلى البحث عن الكينونة الفردية «الضائعة» باستمرار أيضا، وعبر مسيرات اللغة يتحول المحكي الذاتي إلى موضوع تفكير اللغة ومساءلاتها البعيدة حيث يتموقع السارد في اللامكان وطنا، وفي الحيرة وجودا، وفي الموت حياة ليقول سيرته بشكل إبداعي لا يختصر نفسه في سجن القص الشعري العتيد، فهو لا يهدف إلى الإخبار عن الرحلة بقدر ما يقول هم الذات الإنسانية في بحثها عن كينونتها العميقة حيث «يوجد» الإنسان القلق الحائر الذي يواجه الموت كما واجه الحياة، ومن حقه أن يخرق/شعرا وحشته العميقة، وهي وحشة يستوي فيها الحاكم والمحكوم، المستعمر والمستعمر، القاتل والمقتول، يقول محمود درويش في مجموعته « أثر الفراشة»:
يغتالني النقاد أحيانا / يريدون القصيدة ذاتها
والاستعارة ذاتها / فإذا مشيت على طريق جانبي شارد / قالوا لقد خان الطريق / وإن عثرت على بلاغة عشبية / قالوا : تخلى عن عناد السنديان
وإن رأيت الورد أصفر في الربيع / تساءلوا : أين الدم الوطني في أوراقه (1)
لقد صار المدلول الوطني نسقا شعريا قاهرا بالنسبة لهذا الممتعض الجميل، الذي يريد أن يكتب قصيدة جديدة عن الفراشة وعن الورد الأصفر وعن السماء، وأن يعتذر من النقاد الذين قتلوه عندما صنفوه فقط ضمن خانة «الشاعر الوطني». فحينما يتجاوز المرء الموت الكياني تفكيرا وتعبيرا سيتجاوز البحث عن المكان ويتحول باحثا عن «الحقيقة الذاتية، ومن خلالها حق الوجود»(2) كائنا حرا يرى إلى الكون بمنظار التأمل، ويتحسس هويته بلغة التحول، ويكتب حياته وموته بمنطق الاختلاف.
تهتم هذه الورقة بمقاربة قصيدة محمود درويش «لاعب النرد» في كلام على الكلام يلذّ بقدر ما يصعب، يُؤوّل نصه بقدر ما يتأول ذاته، تؤنسه في ذلك بلاغة اليومي ومباهج القول الشعري الذي يصدر عن شاعر كبير مثل محمود درويش. وستتم المقاربة عبر أربع قضايا جوهرية اخترت لها العناوين الآتية:
1- لاعب النرد :نسق الشراكة /شعرية الرحيل 2-من أنا؟ سؤال الهوية الحرج 3-المحكي الذاتي نصا شعريا. 4- الموت احتفالا/ الوجود حبا.
1-لاعب النرد :
نسق الشراكة /شعرية الرحيل:
تقع قصيدة «لاعب النرد» لمحمود درويش ضمن مجموعته الأخيرة «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي»، ويذكرنا عنوان «لاعب النرد» بقصيدة الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه « Stéphane Mallarmé » التي كان عنوانها:
« Un coup de dés jamais n’abolira le hasard »
ويمكن ترجمة هذا العنوان بعبارة «رمية النرد لن تلغي أبدا الصدفة». لا يعنينا هنا الموقف الجمالي المتعلق بسفر النصوص وتزاوجها وتناسلها، بقدر ما تعنينا شراكة النهاية ودلالات هذه الشراكة. لقد كتب مالارميه هذه القصيدة في أواخر حياته، ولابد أن النص الحاضر على علم بهذه الخلفية، فأراد ربما أن يحتفي بالنهاية على طريقة الآخر، تأكيدا على كون التشابه الإنساني نواة حاضرة في كل مظاهر الاختلاف من جهة، وعلى «انشطار وانشراط الإنسان وعلى محدودية فاعليته، وعلى سرابية حريته، وتعثر إرادته، وعلى تصدع وعيه»(3) من جهة أخرى. وتزداد وطأة هذا الهاجس كلما استشعر الكائن الشعري اقتراب ما يعتقده نهاية. ما من حقيقة إلا تلك التي ترسمها الصدفة، وما من خلاص سوى ذلك الذي يتحقق عبر مراوغات اللغة حيث «الكلمات والمعاني قوس قزح وقناطر وهمية رميت بين الموجودات المتباعدة أبدا»(4) كما يقول نيتشه وحيث يمكن للمتكلم أن يمدد حياته من داخل الموت أو أن يعيش موته من داخل الحياة فيمارس بذلك سخريته من العدم ولو مؤقتا :
ومن حسن حظي أني أنام وحيدا/ فأصغي إلى جسدي/ وأصدق موهبتي في اكتشاف الألم/ فأنادي الطبيب، قبيل الوفاة، بعشر دقائق/ عشر دقائق تكفي لأحيا مصادفة/ وأخيب ظن العدم
من أنا لأخيب ظن العدم؟ (5)
سلسلة من المصادفات أوجدت الراوي وحيدا في ليله، وعلى خلاف الشعراء الذين لطالما اشتكوا وحدتهم، يبتهج هذا النص بالوحدة ويعتبرها قدرا لطيفا وحظا جيدا. فالآخر / الرفيق أو الصديق بصنعه للحياة سيحدث لا محالة «ضجيجا» ما يمنع من تحسس إيقاع الموت، غير أن معانقة صمت الوحدة/صوتها في وجد إنساني بعيد سيؤجل موت الراوي. وكأن التعطل عن الحياة هو ربح لمزيد من الحياة وانتصار على العدم. هذا السياق الأسلوبي الذي انبنى على نحو تقريري جازم نجده مبتورا بسياق آخر يصنع بلاغته من التساؤل اليومي (من أنا لأخيب ظن العدم؟) مما يولد المفارقة ويجعل الكلام يقوض ذاته، فالسارد الذي كان معتدا بحاسته الغريبة في تحسس الموت يعلم أن العدم أصعب من كل الحواس وأن الموت إذا تأجل لصدفة/علة أو أخرى فهو لاشك واقع، وأنه أصغر بكثير من تأويله، لهذا يستدرك بالسؤال (من أنا لأخيب ظن العدم) وهو السؤال المجرى الذي تصب فيه عتبات النص المختلفة التي يتكرر افتتاحها بعبارة (من أنا لأقول لكم ما أقول لكم) فعندما تعي الأنا وجودها سيسهل التفاهم مع الموت كما يسهل التفاهم مع الحياة، وقد يشتغل الفكر بإمكانية تخييب العدم. وهذا الوعي المحدود بالأنا يجعل النص غير معني بالبحث عن مزيد من الحياة، بل لعله ينشغل في العمق بسؤال أكثر جوهرية بالنسبة لفلسفة الراوي، سؤال : كيف حصل مزيد من الحياة؟ وربما لماذا حصل مزيد من الحياة طالما أننا لا نستطيع الفرار من «مزيد» من الموت؟
و على العموم فالصوت الشعري في هذه القصيدة حيادي بشأن ثيمة الموت، وتُخرق حالة حياده هذه فقط عندما يفكر بالحب، المسألة التي سنعود إليها لاحقا. رغم سديمية فكرة الموت والحياة يبقى الموت حبا على طريقة أجداد الشاعر جنونا معقولا، لذا يعتبر نفسه غير محظوظ لأنه سيموت لسبب آخر:
من سوء حظي أني نجوت مرارا/ من الموت حبا/ ومن حسن حظي أني مازلت هشا
لأدخل في التجربة (6)
إنه الإحساس بالموعد الأزلي، والرغبة في صياغة شعرية الرحيل لكي لا يقل شأن الموت عن شأن الحياة التي تصنع أفعالها «أنا» لا تعرف تماما «أناها»، فيدفعها تردد المعرفة إلى إعادة أسئلتها مع كل مجموعة شعرية جديدة.
2- من أنا؟ سؤال الهوية الحرج :
انشغل السؤال الفلسفي على مرّ العصور بقضية « الأنا» : من هو الإنسان؟ واختلف تأويل هذا السؤال من فكر إلى آخر ومن فلسفة إلى أخرى دون التحقق من ماهية الإنسان بما هو روح و إرادة، لأن عمق ما في الإنسان / روحه يبقى معنى مؤجلا على الأقل في الثقافة الإسلامية حيث « الروح من أمر ربي،» « (7).هذا التأجيل / الإعجاز يضخم السؤال في دواخلنا في الوقت الذي ينهانا عنه، ولكن هذه قضية أخرى.
اليوم يبدو وكأن السؤال «من أنا» يأخذ منحى آخر، ويستعير صيغة أخرى هي صيغة «ماذا أنا»، وتغير الصيغة له دلالاته الفلسفية والوجودية التي تبين في تأويليتها البعيدة عمق الأسف على الـ«من» هذه التي غيّبتها أزمنة ما بعد الحداثة وأجبرها الوجود الكوكبي على التراجع بشكل أو بآخر لأن هذا العصر التقني بامتياز، هو عصر صناعة كل شيء والتحرر من كل شيء وصولا إلى فاجعة لاشيء حيث الإنسان « ليس سوى سلسلة من الكروموزومات نجحت في التجمع والعمل في أفق متوالية من الأماكن والمساحات التي ليست وطنا لأحد. لقد أصبح الإنسان فجأة حمضا نوويا يبحث عنه تحت الأنقاض في البقايا الحيوانية التي تفوح من شوارع الحروب الأمبراطورية. وليس رد الإنسان إلى مجرد حمض نووي سوى الافتراض النهائي بأنه كائن امبراطوري، في معنى أنه حيوان أرضي ليست صفاته العرقية أو الثقافية أو العقدية غير أعراض مؤقته وسطحية على ما يفترض أنه هويته إن العصر الأمبراطوري غير هووي بلا رجعة».(8) هذه اللاهووية ليست ترفا فكريا ولا نزوعا فلسفيا ولا حركة ثورية على الطريقة الاشتراكية بل واقعا فرضته الصيرورة الحضارية شئنا أم أبينا. ومع هذا فالشعر يتشبت بأسئلة الهوية في وقت يعرف فيه الشاعر أن «مقولات الأنا والوعي والذات وجهاز البداهة والتعالي واليقين التي أقام عليها المحدثون مفهوم الإنسان قد أصابها خلل لا يعاد له سبك. إن الإنسان الأخير سديمي بلا رجعة»(9) وهذه السديمية كفيلة شعريا بتهيئة نص ال «أنا» في سديميتها أيضا وفي بحثها عن معنى الذات بحثا يكاد يكون عدميا، مما يجعل هذه الذات في ألفة غريبة مع الموت مثلما كانت في ألفة غريبة مع الحياة أولم يقل محمود درويش سابقا :
إذا قيل لي ستموت هنا في المساء/ فماذا ستفعل في ما تبقى من الوقت؟/ أنظر في ساعة اليد/ أشرب كأس عصير/ وأقضم تفاحة/ وأطيل التأمل في نملة وجدت رزقها/ ثم أنظر في ساعة يدي :
مازال ثمة وقت لأحلق ذقني/ وأغطس في الماء/ أهجس/ «لابد من زينة للكتابة/ فليكن الثوب أزرق…»(10)
هل ثمة محتفل بالموت على هذا النحو؟ لا بد أن يكون الراوي شبع الحياة عدما حتى يستقبل الموت كحدث معادل لأحداث الحياة التي لا ينقصها الفرح الصغير والاحتفال الحميم، ولهذا يستعد للموعد مع الموت تماما كما يستعد للقاء الحبيبة أو القصيدة/ الكتابة وهما ماهيتان يليق بهما اللون الأزرق.. الموت في النهاية ليس مشكلة أصعب من مشكلة الحياة نفسها التي تعيشها الأنا وترحل عنها محملة بعبء أسئلتها وثقل هواجسها.
بالنسبة لقصيدة « لاعب النرد» يأتي السؤال عن ماهية الأنا مترددا، نسغه العميق هو التشكيك والنفي فيزيدها عتمة وغموضا :
من أنا لأقول لكم/ ما أقول لكم/ وأنا لم أكن حجرا صقلته المياه/ فأصبح وجها/ ولا قصبا ثقبته الرياح/ فأصبح نايا/ أنا لاعب النرد/ أربح حينا وأخسر حينا/ أنا مثلكم/ أو أقل قليلا… (11)
رغم اكتمال الرحلة في الزمن الطبيعي والرحلة الثقافية، رحلة البحث عن هوية الذات ومعناها، رغم ما قال الشاعر وقيل عنه يبقى بعيدا عن النبوة/ الألوهة / الحقيقة. فهو مثل الجميع باحث عن أناه وعن معناه في وجود لا مكان فيه لاكتمال الحقيقة ولا مطلق للمعنى وحيث الكتابة نفسها لا تفلح في التقرب من الحقيقة بل تستمر مجهولا «مجهول الذات، مجهول العقل، ومجهول الجسد»(12). يتمنى الراوي لو كان حجرا، تماما كما تمنى الشاعر القديم، لو كان كذلك ليسر المعنى، لو كان أي شيء عدا كونه إنسانا/ حيوانا لأمكنت الإجابة عن سؤال من أنا أو ماذا أنا فالأمر ساعتها يصير سيانا. خلاصة الرحلة هي التفكير بالعادي واليومي تفكير الصدفة التي لطالما اعتبرها التفكير الفلسفي أساسا للحقيقة الوجودية، الميلاد هو الصدفة المحضة، والاستمرارية في الوجود حيا هي الصدفة أيضا. حوادث الحياة وعوارضها تنتج عن قانون الصدفة، لكن هل الانتماء إلى وعي ما تابع لقانون الصدفة أيضا؟:
ولدت بلا زفة وبلا قابلة/ وسميت باسمي مصادفة
وانتميت إلى عائلة/ مصادفة/ وورثت ملامحها والصفات/ وأمراضها :
أولا – خللا في شرايينها
وضغط دم مرتفع
ثانيا – خجلا في مخاطبة الأم والأب
والجدة- الشجرة (13)
بعد ثالثا ورابعا وخامسا وسادسا يستمر الشاعر في كتابة أوديسته الخاصة التي لا تطمح إلى ترميم المتصدع، ولا إلى تأكيد الانتماء، ولا إلى لم شتات الرحلة، ولا إلى طمأنة المتلقي على اعتبار أن الشعر شبيه بالفلسفة التي هي «حديث الغريب» الذي–رغم غربته- يظل صالحا لطمأنة الأطفال كما يقول جاك ديريدا. إن ما يفعله نص لاعب النرد، ومعظم نصوص درويش الأخيرة التي آل بها البحث العميق في مكان الإنسان إلى البحث الأعمق في كينونة الإنسان ذاته، هو السخرية من الأسئلة الكبيرة، أسئلة المعنى ذاته وتحاشي الاعتماد على «جدية» المبادئ وتقويض مركزية الرؤى تأسيسا لكينونة رمزية، كينونة لا يشكل الوطن/ المكان الجغرافي حلمها الرومنسي بل ربما وطنها الحقيقي هو القلق العميق في الوجود «وفي القلق يكون المرء بلا وطن» وإن في ذلك لأول تعبير عن اللاتعين الأصيل الذي لذنه يجد الدازاين نفسه في القلق: اللاشيء ولا- مكان لكن القلق هو على العكس من ذلك ما يسترد الدازاين من انهماكه المنحط داخل العالم»(14) كما يعبر هايدغر. هذا القلق الذي يجعل القصيدة تختار اللامكان وطنا هو مع ذلك يُجمّل الوجود حيث يخرج المرء من دائرة الشراكة والتساوي والتشابه المطلق إلى دوائر التواجد بذات منشقة تعير اليومي البسيط والعابر المنسي تأملا أصيلا يتحقق بنسيان الأصل «فنسيان الوجود جزء من ماهية الوجود»(15) إن النص الشعري، وبتخليه عن وثوقية الذات الساردة، ومحاولة تهميش أهميتها عبر تكرار ما يشبه اللازمة «من أنا لأقول لكم /ما أقول لكم» إنما في الواقع يزيد من حضورها مركزا قوليا كثيفا موثوقا برؤيته للعالم. إن هذا النص، وبتخليه على مستوى بنيته السطحية عن المشروع الذي يتمثل مضمونه في إيجاد معنى للعالم، إنما يفعل ذلك خدمة لهدف آخر حيث تتحرك دوال النص تحركا داخليا عنيفا فتنتج عن ذلك دلالة ضمن إطار حيز النص ودون الالتجاء إلى ما هو خارجه(16) وهي إذ تتحرك كذلك تشي بالمسكوت عنه على مستوى البنية العميقة للنص حيث البحث عن المعنى وردّ الأفعال الحياتية الكبيرة والصغيرة إلى الصدفة هو خلاصة الرحلة ورحيق المعنى.
ليس لي أي دور بما كنت / كانت مصادفة أن أكون
ذكرا… / ومصادفة أن أرى قمرا / شاحبا مثل ليمونة يتحرش بالساهرات / كان يمكن أن لا أكون
كان يمكن أن لا يكون أبي / قد تزوج أمي مصادفة
أو أكون مثل أختي التي صرخت ثم ماتت/ ولم تنتبه / إلى أنها ولدت ساعة واحدة / ولم تعرف الوالدة (17)
3- المحكي الذاتي نصا شعريا :
إن التأريخ لرحلة الحياة على مشارف الموت فن قديم نسبيا، وُسم دائما بفن السيرة الذاتية ولكنه تعلق في غالب الأحيان بالتاريخ الفني المكتوب نثرا.و كأن السيرة الذاتية لا تمتلك شروط تحققها إلا ضمن السرد أو كأن تاريخ الحياة في يوميتها لا يحتمل الكذب الشعري. هذا ما تعودنا التفكير به لكن يبدو أننا في حاجة إلى إعادة النظر في هذه المسألة. فالسيرة الذاتية مكون هام من مكونات الخطاب الشعري منذ نشأته الأولى، هذا المكون يتقدم مضمرا بالنظر إلى هيمنة الوظيفة الشعرية والوظيفة الإيقاعية، وهما وظيفتان تصرفان التأمل النقدي باستمرار إليهما. لعل هذا ما يجعل مكون السيرة الذاتية في الشعر يتطلب قراءة مختلفة عن تلك التي تقارب السيرة الذاتية في نسختها المعهودة(التي تُسرد نثرا)، لأن وضعية السيرة هنا مختلفة أيضا، فعمل السيرة الذاتية في القصيدة، وفي بحثه عن خصوصيته، لا يهدف إلى إعادة تشكيل نشأة الفرد (لاحظوا كيف صرت ما أنا عليه) بقدر ما يظهر كيف يتخلص من ذلك والظمأ يخترقه: كيف دخل خطوة خطوة في المجهول واللاشخصي، بمعنى كيف دخل أيضا في بعد «الشبيه بالأموات» لأننا نشترك تحديدا في الجهل بسؤال من نكون(18) السؤال الذي شغل هذا النص وكان دافعا من دوافع اشتغال فن السيرة في هذه القصيدة.
و يمكن أن نقرأ حديث السيرة هنا على مستويين، المستوى الأول هو تتبع السيرة في أفقيتها، والمستوى الثاني هو تتبع السيرة في بنيتها العمودية حيث نقرأ عبر المستوى الأول سيرة ما كان، ونقرأ عبر المستوى الثاني سيرة الإمكان.
في سيرة ما كان – ورغم مجازية السرد- يلتصق الراوي بالمكان والزمان وما رافق الحدث/ أحداث الرحلة الحياتية من استثناءات صنعت من السارد / شاعرا/ كائنا لغويا يغلف لحظة الميلاد ولحظات الفعل الدنيوي بالفعل الكلامي الذي يغيب اليومي / الواقعي بشكل ما أو يلبسه حلة المجازي / محتمل التحقق، حيث الكائن البشري كائن استعاري ورمزي « إنه رمزي بكل المعاني التي يمكن أن تحيل عليها كلمة رمز. فهو يختلف عن كل الكائنات الأخرى من حيث قدرته على التخلص من المعطى المباشر وقدرته على الفعل فيه وتحويله وإعادة صياغته وفق غايات جديدة»(19) ولهذا السبب واستنادا إلى رحلة الترميز الشاقة التي قادت الإنسان من حالة عيش عار من أي غطاء استعاري، إلى حالات الفائض الرمزي الحالي، وجب التعامل مع المعنى باعتباره كيانا هاربا باستمرار من حالات التعيين المباشر ليسكن الظل واللاشعور ورد الفعل المنفلت من كل رقابة(20) ولعل هاجس الهروب من التعيين هو واحد من أكبر أهداف سيرة تروى شعرا وتلاغب في الانفلات من أنساقها ومرجعياتها :
ولدت إلى جانب البئر
والشجرات الثلاث الوحيدات كالراهبات(21)
لا يُعيّن السارد مكان الميلاد تعيينا رسميا على غرار السيرة الذاتية الكلاسيكية، لكنه يرسمه شعريا في اللامكان. حيث الماء والطبيعة الخاشعة يوجد بيت الراوي، ورغم وجود إحالات نصية تشي بمكان الميلاد الحقيقي ينحاز النص كما نرى إلى المكان المجازي الذي ينبني كما يشاء له قدر اللعب اللغوي لا كما وجد في الطبيعة. إنه ربما تجاوز تقليد مدح القرية / النواة / الأصل الذي مارسه كتاب السيرة دائما إلى الاحتفاء بمكان الإنسان العميق حيث لا يشكل المكان «الامبراطوري» حلما، بل على العكس من ذلك أجمل الأوطان هي فقط تلك التي يكون الإنسان فيها إنسانا. ولعل التخفيف من دال الوطن المسمى هو انتقال من هيمنة المدلول الشعري الذي صار بطاقة هوية لشاعر فلسطيني مثل محمود درويش ونسقا عنيفا إلى الشاعر/ الإنسان مثل بقية الناس، والذي له قلق آخر وأحلام أخرى تلقائية لا يؤنبها هاجس المسؤولية الوطنية. وكما يفر السارد من سلطة المكان التاريخي يفر من سلطة الاسم العائلي تأكيدا على الهوية النكرة التي تحررنا من شعورنا ولاشعورنا الجمعي وتمنحنا فرصة عيش كينونة مختلفة :
ولدت بلا زفة ولا قابلة
و سميت باسمي مصادفة
و انتميت إلى عائلة مصادفة (22)
لا يرغب السارد إذا بالتعريف بعائلته لا نحويا ولا تاريخيا، فمرحلة شعر المقاومة والدفاع عن الهوية الأبوية أخذت كل شباب الشاعر، لكن تجربته – ومنذ الجدارية – أخذت بعدا آخر، بعد مساءلة الثابت والبحث في الهوية من منظور آخر، ليس هو المنظور الوطني أو القومي بل المنظور الفلسفي « ففي الصراع الحاد بين العلني والباطني، بين الظاهر والخفي، الفلسفة والأدب واقعان في دوامة كأن الواحد منهما يمنح الآخر الدافع الأولي الذي يطلق حركته في أخذ ورد متواصلين»(23) لأن كل واحد منهما مشغول – على طريقته- بفكرة «الحقيقة» ومثل هذا الانشغال يجعل الفلسفي دائما مرجعا ثقافيا هاما بالنسبة للشعري، و«مهما كانت الحقيقة غير مطلقة، هناك وعد بحقيقة كاملة»(24) ومثل هذا الوعد بالحقيقة/ الموعد الوهمي مع الحقيقة هو الدافع الحقيقي لإعادة السؤال باستمرار. في البدء قال درويش في «بطاقة هوية»:
سجل أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون
وأطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعد صيف (25)
وفي ختام القصة/ الحياة يضيع أو يُضيّع وهم الانتماء إلى القوم فتُنكّر العائلة وتضيع حقيقة المعرفة بالأنا.
وككل سيرة/ قصة هناك ميلاد الحياة/ ميلاد القصة، ثم تكاثر الأحداث/ تشابك الرغبات، والوجود أخيرا في كينونة الأزمة، أزمة التواجد على نحو يعدم الثقة بكل شيء، مما يجعل سرد تطورات الرحلة يرتبط بالصدفة كحقيقة ممكنة أو كفلسفة تمنطق غير المنطقي. وسيستغل النص هذه الإمكانية السردية ليروي ما يبدو للسارد أنه يندرج ضمن الأحداث الرئيسة في القصة، يقول :
– ليس لي أي دور بما كنت/ كانت مصادفة أن أكون / ذكرا…
– كان يمكن أن لا أكون / كان يمكن أن لا يكون أبي / قد تزوج أمي مصادفة/ أو أكون مثل أختي التي صرخت ثم ماتت (26)
– كانت مصادفة أن أكون/ أنا الحي في حادث الباص/ حيث تأخرت عن رحلتي المدرسية/ لأني نسيت الوجود وأحواله/ عندما كنت أقرأ في الليل قصة حب/ تقمصت دور المؤلف فيها/ ودور الحبيب – الضحية/ فكنت شهيد الهوى في الرواية/
والحي في حادث السير(27)
-ولا دور لي في النجاة من البحر/ أنقذني نورس آدمي/ رأى الموج يصطادني ويشل يدي (28)
-نجوت مصادفة : كنت أصغر من هدف عسكري
وأكبر من نحلة تتنقل بين زهور السياج/ وخفت كثيرا على إخوتي وأبي/ وخفت على زمن من زجاج / وخفت على قطتي وعلى أرنبي/ وعلى قمر ساحر فوق مئذنة المسجد العالية/ وخفت على عنب الدالية/ يتدلى كأثداء كلبتنا…/ ومشى الخوف بي ومشيت به/ حافيا، ناسيا ذكرياتي الصغيرة عما أريد/ من الغد-لا وقت للغد-/ أمشي/أهرول/ أركض/ أصعد /أنزل/ أصرخ…../ ومن حسن حظي أن الذئاب اختفت من هناك / مصادفة أو هروبا من الجيش (29)
-كان يمكن أن تسقط الطائرة/ بي صباحا،
ومن حسن حظي أني نؤوم الضحى/ فتأخرت عن موعد الطائرة (30)
-كان يمكن، لو كنت أبطأ في المشي/ أن تقطع البندقية ظلي/ عن الأرزة الساهرة (31)
– كان يمكن، لو كنت أسرع في المشي،/ أن أتشظى
وأصبح خاطرة(32)
هذه بعض /أهم المقاطع التي تسرد سيرة ما كان من حياة مواطن /شاعر، ولعل ما يخيم على أحداث هذه السيرة هو التعرض المستمر للموت ثم النجاة باستمرار لسبب أو لآخر : النجاة من الغرق، النجاة من حادث الباص، النجاة من حادث الطائرة، النجاة من الأهداف العسكرية، وبمعنى آخر النجاة من كل ممكنات الموت التي يتعرض لها الإنسان في كل مكان. لقد كان السارد منذ الميلاد على موعد مع الموت وكأنه وجد فقط للموت. وتنبني السيرة في هذا المنحى على يومية الأفعال وعاديتها أيضا رغم التركيز فقط على الأحداث التي تشكل مقدمة أكيدة للموت. في النهاية وجد الراوي دائما حيا بفعل الصدفة، صدفة تأخر عن الباص لأنه قارئ/عاشق انشغل بقراءة عمل عاطفي، وكأن الحب أقوى من الموت، صدفة تأخر عن الطائرة لأنه تأخر في النوم صباحا ويحصل ذلك أيضا لعاشق يقضي الليل متأملا… إلخ.
إن هذا الوجه الخطي للسيرة، سيرة ما كان ما هو إلا عتبة ينزلق عبرها الشعر من تاريخ الفرد الذاتي إلى تاريخ الإبداع « ذلك الاختفاء : الدخول إلى غرفة اللغة حيث ومن داخل العمل بالأسود أو العمل الأسود يتبدى ذلك الشيء الأسود للغة « (33) وهو في سواد حبره/ عتمة دلالاته يدعو القراءة إلى تبييضه في سواد آخر تمليه في هذا النص عمودية السيرة أو ما أسميه بسيرة الإمكان، ليعانق سرد السيرة هاجس النص أو بتعبير غادامير «شيء النص» حيث القلق كل القلق متعلق بالأنا في بحثها عن أناها وكافة ممكنات وجودها.
كان يمكن ألا أكون مصابا/ بجن المعلقة الجاهلية/
لو أن بوابة الدار كانت شمالية/ لا تطل على البحر/
لو أن دورية الجيش لم تر نار القرى/ تخبز الليل
لو أن خمسة عشر شهيدا / أعادوا بناء المتاريس/
لو أن ذاك المكان الزراعي لم ينكسر/ ربما صرت زيتونة/ أو معلم جغرافيا/ أو خبيرا بمملكة النمل
أو حارسا للصدى (34)
يسرد الراوي احتمالات أخرى لوجوده، وهي احتمالات تبدو مريحة ومن ثم تشكل في العمق حلم السيرة،يتمنى الراوي لو كان شيئا/زيتونة أو موظفا /معلم جغرافيا بريئا من محنة التفكير/ التفلسف أو خبيرا بمملكة النمل/ خبيرا عسكريا/زراعيا/ صناعيا لا شأن له بجنون المعلقات وحدس الشعر وقلق الكتابة في عالم «لا تشكل فيه الكلمة مجرد تعبير عن رأي لكنها التلفظ الحامي لحقيقة الوجود في كليته»(35) وحينما تصير الغاية من الكلام هي هذه، وحينما يستحيل تحديد الحقيقة ذاتها، لا يبقى لصاحب الكلمة في النص من حلم سوى أن يكون حجرا أو معلم جغرافيا يحدد الأمكنة والتضاريس وعدد السكان دون أن يكون معنيا بمشكلة الوجود حياة أو موتا.
كان يمكن أن لا يحالفني الوحي/ الوحي حظ الوحيدين/ إن القصيدة رمية نرد/ على رقعة من ظلام/ تشع، وقد لا تشع/ فيهوي الكلام/ كريش على الرمل (36)
لو لم يكن الشاعر محظوظا بنعمة الوحي/ الشعر لتغير الوضع، المشكلة كلها هي مشكلة الوعي بقيمة السؤال الشعري والفلسفي ومن طبيعة هذا الوعي أنه يحور منظور الشخص إلى الأشياء والقيم، فتعيد السيرة في بحثها عن إنسانية الإنسان النظر في الثوابت. مجموعة مصادفات مكانية /تاريخية جعلت الشاعر شاعرا خارجا عن بقية الأدوار الحياتية الممكنة، وجعلت النص خارجا عن (نصوص القضية) ليصير نصا يؤرخ لسيرة هاربة من الموت، ناجية منه (دائما بفعل الصدفة).
4- الموت احتفالا / الوجود حبا :
إن السؤال الوجودي الذي شغل كل واحد منا، وفرغ منه كل واحد منا إما بإجابة دينية حاسمة، أو باعتباره عبثا زائدا ومضيعة للتفكير بدل عيش الحياة، يتحول عند درويش إلى قول شعري كثيف اللغة يتقصد السؤال الفلسفي، ويطرح جدل الصدفة/ القدر بكثير من السخرية، السخرية من هول الحياة ومن هول الموت أيضا، لكن نص «لاعب النرد» مع ذلك لا يغفل السخرية من الموت المجاني الذي يسميه الإنسان حينا «جهادا» وحينا آخر «بطولة وطنية» وفي كثير من الأحيان لا يعي هذا الإنسان أنه مسخر للموت عبثا :
ومصادفة صار منحدر الحقل في بلد/ متحفا للهباء…/ لأن ألوفا من الجند ماتت هناك/ من الجانبين، دفاعا عن القائدين اللذين/ يقولان : هيا. وينتظران الغنائم في/ خيمتين حريريتين من الجهتين…./ يموت الجنود مرارا ولا يعلمون/ إلى الآن من كان منتصرا (37).
الجنود بمنطق النص كلهم خاسرون، المنتصر والمنهزم، والجنود كلهم وجدوا للموت المجاني، لأنهم جميعا تركوا حبيبات بانتظارهم، وهم يقتلون لكي لا يُقتلون… وهذه أيضا أقدار ساخرة. لم لا نترك الموت ونتجه صوب الحب فوحده قضية تستحق الموت. يقول درويش في نص بعنوان «عدو مشترك» : «تمضي الحرب إلى جهة القيلولة. ويمضي المحاربون إلى صديقاتهم متعبين…. المحاربون من الجانبين يقولون كلاما متشابها بحضرة من يحبون. أما القتلى من الجانبين فلا يدركون إلا متأخرين، أن لهم عدوا مشتركا هو: الموت»(38)
كأنما يخلص السارد الذي جرب الحب والحرب، الوجود والغربة في الوجود، الحياة والموت في الحياة، الهوية بالمفهوم الأبوي الصارم واللاهوية بالمفهوم المعاصر الذي يمنحك كل أصناف الهوية، إلى حقيقة واحدة في عالم استفزازي يحضر ليُغيّب ماهيته، وهي كون الحب هوية الإنسان العميقة، كذبته الوحيدة الصادقة، عدمه الوحيد الممكن التحقق، معركته المشتركة المنتصرة. الموت عدو الجميع والحب انتصار الأعداء، ونستطيع أن نجرب سعادة الاحتفال بالموت إذا استطعنا أن نعيش لذة الموت حبا. إن ما يُخلّص الإنسان من ثقل الوجود حيرة هو الوجود حبا، والأنا لا تجد معناها إلا عندما ترى إلى الآخر باعتباره أيضا أناها :
ولست أنا من أنا الآن إلا/ إذا التقت الاثنتان :
أنا، وأنا الأنثوية.(39)
هوامش الدراسة :
1-محمود درويش : أثر الفراشة، النسخة الإلكترونية، ص 109.
2- مصطفى صفوان :الكلام أو الموت،ترجمة مصطفى حجازي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط1 2008، ص07..
3-محمد سبيلا : مدارات الحداثة،الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، ط1 2009، ص121.
4-عبد الكبير الخطيبي : الاسم العربي الجريح،ترجمة محمد بنيس، منشورات الجمل، العراق، لبنان، ط1 2009 ص143.
5-محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2009، ص 54-55.
6- نفسه،ص45
7- القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 85.
8- فتحي المسكيني : الفيلسوف والإمبراطورية، المركز الثقافي العربي، لبنلن، المغرب، ط1 2005، ص 46.
9- نفسه، الصفحة نفسها.
10-محمود درويش : أثر الفراشة، ص 47-48.
11- محمود درويش : لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي، ص 35-36.
12-Claire Delannoy : Lettre à un jeune écrivain ,préface de Fatima Mernissi, edition le Fennec 2008, p 31.
13-محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، ص 36.
14- فتحي المسكيني : الفيلسوف والإمبراطورية، ص58.
15- عبد السلام بنعبد العالي:هايدغر ضد هيجل التراث والاختلاف، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان،ط2 2006، ص64.
16-فيليب مانغ : نسق المتعدد أو جيل دولوز، ترجمة عبد العزيز بن عرفة، دار الحوار، اللاذقية، سوريا، ط1 2003، ص 217.
17- محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، ص37.
18 -Jean –Michel Maulpoix : La poesie, autobiographie d’ une soif.www.maulpoix.net /autobiographie. html
19- سعيد بنكراد : مسالك المعنى، دار الحوار، اللاذقية، سوريا، ط1 2006، ص 07.
20- نفسه، ص 15.
21-محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، ص 36.
22-نفسه، الصفحة نفسها.
23-بيار ماشري :بما يفكر الأدب،ترجمة جوزيف شريم، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط1 2009 ص 22.
24- Emmanuel Levinas : Ethique et infini , Librairie Générale française, Paris , ed14, 2008, p 85
25- محمود درويش : الديوان، دار العودة، بيروت، لبنان.
26- محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، ص37.
27- نفسه، ص38.
28- نفسه، ص38-39.
29-نفسه، ص40-41.
30-نفسه، ص54.
31-نفسه، الصفحة نفسها.
32-نفسه الصفحة نفسها.
33-Jean-Michel Maulpoix : La poésie , autobiographie d’une soif.
34- محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، ص 39.
35 – Heidegger : Questions 1et 2 ed Gallimard, Paris , France , 2003 , p 189.
36- محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، ص 43.
37- نفسه، ص 52-53.
38-محمود درويش : أثر الفراشة، ص45-46.
39- محمود درويش : لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، ص44.
فتيحة كحلوش
أكاديمية من الجزائر