يحتل أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم البهلاني (ت 1920م) مكانا مميزا بين شعراء عصره في (عمان)، فلقد لقي من الإعجاب الجماهيري ما لم يلقه سواه، فذاع شعره عبر وسائل مختلفة: مكتوبة ومسموعة، وتعددت المخطوطات التي تضم شعره : حتى بلغ عدد ما توصلنا اليه منها (17) مخطوطا، وهي نسبة مرتفعة في حد ذاتها، ونجزم – في الوقت ذاته – بوجود مخطوطات أخرى في مكتبات خاصة لم نستطع الحصول عليها لضنين أصحابها بها.
وكان ديوان أبي مسلم البهلاني أول ديوان عماني يأخذ طريقه الى المطبعة، إذ تم طبعه عام (1928م)، وهذا على خلاف ما جزم به عبدالله الطائي في كتابه "الأدب المعاصر في الخليج " من أن ديوان سعيد المجيزي هو أول ديوان عماني يطبع، وطبع هذا الأخير ط م (1917م) أي بعد طبع ديوان أبي مسلم بتسع سنوات، وقد توالت طبعات ديوان البهلاني بعد ذلك ثلاث مرات خلال الأعوام التالية (1957 م، 1980م، 1986م).
ولم يكن هذا الاحتفاء بالشاعر متصورا على ابناء جيله، فقد امتد بعد ذلك لدى الأجيال اللاحقة، التي استخدمت معطيات العصر الحديث لنقل قصائد البهلاني الوطنية، وقدمت الاشرطة السمعية فرصة غالية لمن يريد أن يستمع الى تلك القصائد ل أي وقت، وهي مسجلة بأصوات مشهورة بجمال إلقاثها حسب الطريقة العمانية المشهورة في التغني بالشعر، ومن بين هؤلاء الشداة : سالم الحارثي وموسى الرواحي ومحمد الغاربي.
وقد يتساءل المرء عن سبب هذا الاحتفاء الكبير بشعر البهلاني، والاجابة عل ذلك تحيلنا الى استحضار حالة العالم العربي في تلك الفترة (أي خلال القرن 19 وبداية القرن 20)، وصحوة الروح القومية المنادية باسقاط الاستعمار الغربي، وهي حالة تنسحب عل عمان بشكل أو بآخر، وكان شعر البهلاني هو ذلك النذير والمنبه الداعي الى جمع الكلمة ونبذ الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، لذا فقد وجد العمانيون في شعر أبي مسلم توصيفا لمواطن أدوائهم، وتعبيرا عن الآمال التي يطمحون الى تحقيقها، وكانت قصائده تتري الى الزعماء العمانيين – رغم وجوده في افريقيا الشرقية – ليتكاثفوا يدا واحدة حول الامام سالم بن راشد الخروصي (13 19م – 1919م).
كما يشكل أبو مسلم البهلاني نموذجا جيدا للشخصية النهضوية متعددة الاهتمامات، فقد كان فقيها مشاركا بمؤلفه الضخم "نثار الجوهر" وقاضيا مبرزا احتل رئاسة هذا السلك، الى جانب ذلك قام البهلاني بتحرير أول صحيفة عمانية.، هي صحيفة (النجاح 1911م)، التي فتحت المجال أمام مشاركات عمانية عديدة، فظهرت عل خطي لم النجاح) الصحف التالية : (الكفاح، 1928م) و(الفلق 1929م) والنهضة، 1951م لم و (المرشد عام 1953م لم و(زنجبار،…)
إن تلك الاهتمامات عل اختلاف مناشطها تجمعها روح البهلاني الاصلاحية، التي تجرب وسائل متنوعة لايصال صوتها ويظل الشعر بينها أقوى ملكات البهلاني،والأداة الفاعلة لايصال صوته الاستنهاضي، بما ضمه هذا الشعر من مقومات فنية ضمنت سيرورته وبما فتحه البهلاني من آفاق جديدة تبعته فيها مجموعة من الشعراء العمانيين بعده، ونشير هنا الى ظهور مدرسة شعرية يمكن ان نطلق عليها «مدرسة البهلاني» فقد كانت دعوة البهلاني الوطنية وكذلك مشاركاته الشعرية الخارجية واستلهامه التراث الشعري في أزهى عصوره أبوابا عديدة تدفعنا الى اعتبار البهلاني رائدا للشعر العماني الحديث.
المعارضة قنطرة الريادة :
ما مدى تمثل أبي مسلم البهلاني (ت 1920م) للتراث الشعري؟ كيف تعامل معه ؟ هل أكتفى باجتراره ؟ أم استطاع امتصاصه، وتوظيفه توظيفا خلاقا؟ ما هي المكانة الشعرية التي حققها أبو مسلم ؟ وما مدى تأثيره على من جاء بعده من الشعراء العمانيين ؟
يضع عباس محمود العقاد أربع مراحل ينتقل عبرها الشعر من دور الركود الى دور النهضة والاجادة وهذه المراحل هي:
"أولها": دور التقليد الضعيف، أو التقليد للتقليد.
و«ثانيها»: دور التقليد المحكم أو التقليد الذي للمقلد فيه شيء من الفضل، وشيء من القدرة.
و"ثالثها" : الابتكار الناشىء عن شعور بالحرية القومية.
و"رابعها": الابتكار الناشىء من استقلال الشخصية أو شعور بالحريه االفرديه ". (1)
ومكانة أبي مسلم البهلاني من تلك الأدوار تقع في الدور الثالث، وهو بذلك يلتقي مع الدور الذي قام به محمود سامي البارودي (ت 1907م) في النهوض بالشعر العربي، وانتشاله من هوة التقليد التي سقط فيها، وذلك بالعودة الى النماذج الشعرية ابان عصور الازدهار الأدبي، وكانت المعارضات من أبرز القناطر التي عبرت بالشعر الى دور الاجادة الخلاقة، وهنا سؤال يفرض نفسه، ألم تظهر المعارضات الشعرية عند الشعراء العمانيين قبل أبي مسلم ؟ وما الذي منع تلك المعارضات من تحقيق النهضة الشعرية في (عمان)؟ والحقيقة أن المعارضات ظهرت لدى الشعراء السابقين على أبي مسلم، لاسيما شعراء عصر النباهنة، كسليمان بن سليمان النبهاني (ت 915 هد/ 1509م) (وأبي بكر أحمد بن سعيد الخروصي الستالي من شعراء القرن السابع الهجري لم وغيرهما، إلا أننا لا نجد في علك المعارضات بروز الصوت الخاص بالشاعر، وذلك الامتصاص المطلوب، حتى تكون المعارضة جزءا من نسيج الشاعر، يستعين بها كلما أراد التعبير عن تجربته الذاتية، بل إننا نجد أولئك الشعراء يقعون تحت سيطرة النصوص التي يعارضونها، وذلك كما يبدو من النموذج التالي للنبهاني، أحد أشهر شعرائهم والذي يقول معارضا أبا العلاء المعري:
الا في سبيل المجد ما أنا صانع
نفرع وضرار ومعط ومانع
أعندي وقد أحرزت كل جميلة
يذعر جار أو يدعر وادع (2)
بينما يقول أبو العلاء المعري:
الا في سبيل المجد أنا في فاعل
عفاف واقدام وحزم ونائل
أعندي وقد مارست كل خفية
يصدق واش أو يخيب سائل (3)
ورغم لجوء النبهاني الى قافية مغايرة، إلا أن ذلك لم يحقق استقلالا لقصيدته، وهكذا اكتفى شعراء تلك الفترة باجترار تجارب سابقيهم وأسلوبهم، وظلت مهمة الشاعر المعارض مهمة توليفية. واذا عدنا الى أبي مسلم البهلاني، نجده يحسن توظيف النصوص الشعرية التراثية، ويتمكن في معارضته لتلك النصوص من خلق أجوائه الخاصة، والتعبير عن تجربته الذاتية. لدرجة أن النص المعارض يسجل غيابا ملحوظا، ما عدا بقاء شكله الموسيقي الذي يحيل بطرف خفي الى القصيدة الأول المعارضة – وذلك أمر سنوضحه لاحقا. من هنا ندرك أن دور أبي مسلم البهلاني دور ريادي في البعث الشعري في (عمان)، ولن نتجنى على الحقيقة إذا قرنا دوره بدور محمود سامي البارودي آت 1907م) وعلى الرغم من عدم توافر الأدلة لدينا على أي علاقة كانت بينه وأبي مسلم، غير أننا نستطيع افتراض نوع من الصلة الأدبية، فقد كان أبو مسلم متابعا لما يدور في (القاهرة) من أحداث (4)، والى جانب دورهما في البعث الشعري فقد انشغلا بقضايا أوطانهما، وفضح المكائد والألاعيب التي كان يحركها الاستعمار، يقول عمر الدسوقي عن شخصية البارودي في شعره السياسي: "ومن الأغراض القديمة التي خلع عليها البارودي لباس الجدة، وظهرت فيها شخصيته مجلية تفصح عن نفسه الأبية المتمردة على الظلم والطغيان، المحبة للعدالة والشوري والمساواة بين الناس" (5)، أليست هذه النفس الأبية المتمردة عل الظلم والطغيان هي النفس التي يقابلها القاريء لشبر أبي مسلم، لاسيما في مقصورته وعلى الأخص عندما يقول :
وأصبح استقلالكم فريسة
بين كلاب النار يا أسد الشرى
أليس عارا أن نعيش أمة
مثل اللقا أو غرضا لمن رمى
يلفنا الخزى الى أو كاره
ويحكم النذل علينا ما يرى (6)
إن الانشغال بالهم السياسي والاجتماعي للوطن هو الذي فجر عند الشاعرين روح الابتكار، فهل لنا أن نؤكد ثانية على ما ذهبنا اليه في بداية الحديث : هن وضع أبي مسلم البهلاني في الدور الثالث من السلم الذي اقترحه عباس محمود العقاد، للمراحل التي ينتقل عبرها الشعر من دور الركود الى دور النهضة والاجادة.
ونقترح لبيان الكيفية التي تعامل بها أبو مسلم مع التراث الشعري المحاور التالية :
1- رصد القصائد المعارضة والمعارضة.
2- اختيار نموذجين ودراستهما.
3- دراسة مستويات التضمين.
رصد القصائد المعارَضة والمعارضة:
يقدم لنا الجدول التالي بيانا بمعارضات أبي مسلم البهلاني، موضحا فيه أهم البيانات المتعلقة بالقصيدتين المعارضة والمعارضة :
1- تتمدد المساحة الزمنية لمجالات النصوص المعارضة بدءا من القناص مع قصيدة الفرزدق (ت 772م) العينية، وال القناص مع قصائد الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي (ت 1870م) غير أن الملاحظ هو غياب النصوص التي تنتمي الى العصر الجاهلي، وان كان ذلك لا يعني غيابها الكامل، فهي تتواجد بشكل أقل كثافة كما يكشف عنها (التضمين)، الذي يعكس مدى تماهي النصوص القديمة مع النص المنتج لأبي مسلم البهلاني.
2- كذلك يكشف الجدول السابق عن عدم انتقائية القصائد المعارضة. وعدم التقيد بالفرض الأصلي لها، فقد عارض أبو مسلم شاعرا متحررا كأبي نواس الحسن بن هانىء (ت 814م)، وعارض شاعرا ملتزما كابن الفارض عمر بن أبي الحسن (ت 1234م) وهو في معارضتيه لم يتقيد بمشاكلة الموضوعات المعارضة.
3- حازت قصائد الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي (1287هـ/ 1870م) أولوية خاصة فقد عارضها أبو مسلم ثلاث مرات مما يعكس مدى عكوف أبي مسلم على شعر الخليلي وتمثله له، فقد كانت تجربته الحياتية مثالا له حاول أن يقتفيه، ودعا الى الاطروحات نفسها التي نادى الخليلي بها، وهو في هذه المعارضات أكثر التحاما بالنص المعارض أو النص الأول – اذا افترضنا أن ثمة نص أول هناك – فقد حافظ ليس فقط على الموضوع (ديني – استنهاضي) بل على وحدة الأفكار ووحدة ترتيبها، لهذا كانت معارضته تخميسا مما يعزز قوة الترابط بين النصين.
4- لم تكن معارضات أبي مسلم الأخرى تكشف عن مصدرها، فلا تشير الى اسم الشاعر المعارض أو الى قصيدته، وانما يلفت نظر الدارس – بصورة أولى – ذلك التشاكل في البناء الموسيقي بين قصائد أبي مسلم والقصائد التي عارضها، فقد كان أبو مسلم يخلق لنفسه عوالمه الخاصة التي تفرضها تجربته الشعرية، ولا يبقى إلا ذلك التناظر الشكلي الموسيقي، والا بعض المقاطع أو التراكيب المهاجرة عن النص الأول، كما حرص الشاعر على تأكيد تلك المجاوزة للقصائد المعارضة بزيادة عدد أبيات قصائده على نظيراتها من القصائد المعارضة، فعلى سبيل المثال تبلغ مقصورة ابن أريد ( 250) بيتا، بينما بلغت مقصورة أبي مسلم (398) بيتا وكذلك بلغت قصيدة أبي الفتح البستي النونية (59) بيتا، بينما بلغت نونية أبي مسلم (382) بيتا.
وسوف نحاول تعزيز فكرتنا حول مدى امتصاص أبي مسلم للتراث الشعري ومقدرته على إعادة توظيفا دون أن يعني ذلك مسخا أو سلخا له، واذا كان الظرف الحالي لا يمكننا من دراسة المعارضات جميعها فليس أقل من أن ندرس نموذجا منها، يمكن أن يقدم لنا تصورا عن مدى تمثل أبي مسلم للتراث الشعري العربي، وطريقته في إعادة توظيفه ويجيب على التساؤلات التي طرحناها في بداية هذه الدراسة.
دراسة نموذجين:
تمثل قصائد أبي مسلم استقلالا عن القصائد المعارضة، وتصلح المقصورة لبيان ذلك الاستقلال كما يصلح غيرها، وقد عارض بها أبو مسلم مقصورة ابن أريد الحسن بن محمد بن أريد (ت933م) والتي تحتل مكانة متميزة في ديوان الشعر العربي، فلقد عارضها كثير من الشعراء، الذين أخذوا باتساق بنائها الفني الداخلي، إذ جعل لها محورا واحدا هو شخصية الشاعر ذاتها (31)، وقد عارضها أبو مسلم بمقصورة حملت دعوته الوطنية، التي استنهض بها مواطنيه في «عمان » و(زنجبار) وحثهم على القيام ضد الاستعمار، وعدم الخنوع له.
على مستوى الغرضين يبرز لنا مدى تباعدهما، وانفلات أبي مسلم من اسار موضوع المقصورة الأولى، وامعانا في إبراز مدى استقلالية النص المعارض عن النص المعارض نقترح دراسة المقصورتين عبر وسيلتين :
أ – الموازنة بين موضوع فرعي مشترك ورد في كلتا القصيدتين.
ب – تتبع مقاطع النص المعارض، وابراز مدى سيطرة مقاطع النص المعارض عليه.
وبالطبع فإن الحركات الرئيسية المشكلة للقصيدتين تختلفان تمام الاختلاف، الا إننا نجد موضوعات جزئية عالجها النصان، وهي:
1- البكاء على المشيب.
2- طيف الأحباب.
3- عتاب الدهر.
4- الجديدان يبليان.
5- وصف اليعملات.
6- وصف الخيل.
7- وصف الفارس.
8- وصف السيف.
9- وصف الفرس.
10- وصف الذات.
11- البرق.
12- الحكمة.
وقد وقع اختيارنا على دراسة موضوع (وصف الذات). على اعتبار أنه الأكثر كثفا عن الهموم الذاتية لكلا الشاعرين.
أ – موضوع "وصف الذات" مشترك بين مقصورتي ابن أريد وأبي مسلم :
– ابن أريد يصف نفسه :
56- لست اذا ما بهظتني غمرة
ممن يقول بلغ السيل الزبى
57- وان ثوت تحت ضلوعي زفرة
تملا ما بين الرجا الى الرجا
58- نهنهتها مكظومة حتى يرى
مخضوضعا منها الذي كان طغى
159- ولا أقول إن عرتني نكبة
قول القنوط انقد في البطن السلا
160- قد مارست مني الخطوب مارسا
يساور الهول إذا الهول علا
161- لي التواء إن معادي التوى
ولي استواء إن موالي استوى
162- طعمي شري للعدو تارة
والراح والأري لمن ودي ابتغى
163- لدن إذا لوينت سهل معطفي
ألوي إذا خوشنت مرهوب الشذا
164- يعتصم الحلم بجنبي حبوتي
إذا رياح الطيش طارت بالحبى
165- لا يطيبني طمع مدنس
إذا استمال طمع أو أطبي
166- وقد علت بي رتبا تجارب
أشفين بي منها على سبل النهى
167- إن أمرر خيف لإفراط الأذى
لم يخش مني نزق ولا أذى
168- من غيرها وهن ولكني امرؤ
أصون عرضا لم يدنسه الطخا (32)
– أبو مسلم يصف نفسه :
81- إني أصون صفحتي مقتنعا
بما يطيف من علالات الحسي
82- أنبو والهرب أواري ساعيا
عن مشرب أشربه عل القذى
83- يحمي الكريم عرضه ويحتمي
أن يرد الآجن من كل الركي
85- ولا أقامي طمعا مقاردا
ولست ولاجا بأسواه القمي
86- كي لا ترى عين خسيس موقفي
ببابه منتظرا منه الجدا
93- آليت لا تطو يدي يد امرىء
يسفلها اللؤم ويطغيها الفنى
98- ولا أبات شاكها من حسد
قد هيأ الله لكل ما كفى
105- ما سرني من الثراء وفره
ان كان بين اللؤم والحرص نما
106- إذا نفته هكذا وهكذا
صنائع في أهلها فقد زكى
117- لست على الحمد من الأمر إذا
غالطته خلابة فيما أتى
118- آتيه نصا فإذا خادعني
فوضتها الله يقضي ما قضى
120- ان وسع الدهر احتمال عاجز
فهو سلاحي وتلادي المجتبى
124- وإنني الحتف على لئامه
انكأ في حلوقهم من الشجي
125- أذود عن حريتي بحقها
وأجهد النصر لحر مبتلى
126- وانني لا أعرف الحد لما
أسطيع أن أنجزه من العلى (33)
تكونت مقطوعة ابن دريد من (13) بيتا في 3 فصول، ابتدأها بنفي الضعف وقلة الاحتمال عنه، وأنه يكظم زفرته الحرى تحت ضلوعه فقد مارس الخطوب واعتادها، وهذا الفصل ورد في الأبيات (156 – 160).
وفي الفصل الثاني: الأبيات من ( 161 – 164) يتحدث الشاعر عن طريقته في التعامل مع الآخرين فهو سهل لين مع من يواليه، صعب ملتو مع من يعاديه، وقد أبرز ذلك في صورتين متقابلتين، تستمدان الجانب التذوقي في تعزيز فاعليتهما، الصورة الأولى أن طعمه كالحنظل «الشرى» في المرارة، ولا يستلذ طعم الحنظل أحد، ويقابل هذه الصورة المنفرة صورة مغرية فهو كالراح أو العمل في استلطاف أصحابه له، وهي صورة أملاها عليه ما عرف عنه من ميله الى الشراب واكثاره له.
ويتصل الفصل الثالث : الأبيات من ( 165 – 168) بنظرته الى المال فلا يستميله اليه طمع، إذ أن التجارب صقلته، ثم يختم هذا الفصل بما يمكن أن يعاد الى الفصل الثاني، فهو يتحدث عن طريقته في التعامل مع الآخرين وكيف أنه لا يفرط في الأذى.
تكونت مقطوعة أبي مسلم من (15) بيتا في (4) فصول، والملاحظة الأولى التي نسجلها هنا تكمن في طريقة من طرائق أبي مسلم في التعبير، والتي تتمثل في الاستطراد لتوضيح فكرة ما، فتكشف الفراغات التي تركناها ذلك، وقد حذفنا الأبيات التالية أرقامها: ( 84، 87،- 92، 94، 97. 99، 104، 107-116، 119، 121- 123)، فقد حذفنا (29) بيتا مما رأيناه استطرادا لتوضيح الفكرة نفسها، وذلك ما لم نجده عند ابن أريد، فلم نحذف شيئا من مقطوعته وان كنا قد وجدنا أمرا آخر هو عودته الى تأكيد بعض الأفكار – كما سبق وأوضحنا.
ابتدأ أبو مسلم الفصل الأول بالحديث عن عزة نفسه، في الأبيات (18-83) فهو يكتفي بالقليل من القوت صيانة لماء وجها عن السؤال، وهو يترك الماء إذا أصابه قذى من شدة حاجته اليه، وهذا يذكرنا بقول المتنبي:
وأصدى فلا أبدي الى الماء حاجة
وللشمس فوق اليأملات لعاب (34)
فعزة نفس الشاعرين تجعلهما يستغنيان حتى عن الماء اذا ما نغصه منغص.
يمثل الفصل الثاني الأبيات ( 85-06 1) ويدور حول نظرته الى المال فهو لا يرده شيئا ذد بال، حتى لا يسقطه ذلك في التذلل الى من عنده المال منتظرا جداه، واذا ما حصل على المال فلن يضن به دون أن ينفقه في الوجوه التي تضمن له البقاء الحقيقي، وهو خلود الذكر الحسن، وهو معنى ورد عند ابن دريد في بيت ينفي فيه الطمع عن نفسه، وقد فصل أبو مسلم فيه وأبرز موقفه من المال.
وفي الفصل الثالث (117 – 118) يتحدث الشاعر عن منهجه في التعامل مع الأمور والقائم على المباشرة والوضوح، وقد أبرز بذلك جانبا غير الجانب الذي تحدث عنه ابن دريد، أما الفصل الرابع ( 120 – 122) فهو جوهر موضوع الموازنة اذ يتصل باعتداده بنفسه، فهو الحتف على اللثام، يذود عن حريته، وينصر المبتلين، وهو ماء القصيدة القائمة على الاستنهاض. ففي تصويره لنفسه في هذا المستوى من البطولة يقدم نموذجا يحاول قارئه المتوقع أن يمثله، وقد ورد هذا الفصل عن ابن أريد في بداية المقطوعة بصيغة النفي، ومن غير أن يصل الأمر عنده الى طلب الحرية ونصرة المعقدين، وذلك يتصل بالباعث الأول لقصيدة ابن دريد، والذي اختلف – حتما – عما هو عند أبي مسلم، فقد صور ابن دريد عذاب مهاجر جنوبي يواجه الشدائد وحيدا.
من خلال الموازنة السابقة نخلص الى أن أبا مسلم لم يبق في اسار أفكار القصيدة المعارضة، وحتى حينما اخترنا موضوعا فرعيا، ورد في كلا القصيدتين وجدنا ذلك الاختلاف الظاهر على مستوى الإنكار المطروحة، وعلى مستوى الصياغة، فقد ظهرت شخصية أبي مسلم ونظرته الحياتية الخاصة، بعيدا عن أفكار ابن أريد وأطروحاته بما تمليها عليه شخصيته المتحررة، وقد وجدنا أبا مسلم يعرض لتفصيلات وأفكار لم يعرض لها سلفه، كما اكتشفناه يستظهر فضاءات أخرى، كما في اشارتنا الى استلهامه بيت أبي الطيب المتنبي، وكل ذلك يعني أن اشتراك الشاعرين وفي موضوع واحد هو (الحديث عن النفس) لم يستتبع نسخا أو سلخا لأفكار القصيدة الأولى، وانما هو من قبيل المعاني الانسانية المشتركة الملقاة في الطريق على حد تعبير الجاحظ. وللتأكد من مدى مصداقية النتيجة التي توصلنا اليها سوف نقوم بدراسة مقاطع كلا المقصورتين.
ب- تناص المقاطع
من خلال المقطوعة السابقة لم نجد أبا مسلم البهلاني يستخدم مقاطع المقصورة المعارضة فلم نعثر على مقطع أعيد استخدامه مما يؤكد ضعف السيطرة التي مارستها القصيدة المعارضة على القصيدة المعارضة، واذا ما أغرانا ذلك بتتبع مقصورة أبي مسلم بصورة عامة، فإننا نجده يستخدم ستة مقاطع فقط مما ورد في المقصورة المعارضة، على مدار المقصورة بأكملها.
وقد أثرت تلك المقاطع على بنية البيت إذ قامت بنقل بعض الكلمات المجاورة لها، وفقا لقانون (العلاقات السياقية)، أو علاقات المجاورة حسب رأي جاكوبسون (35)، فعندما يأتي المقطع (المنتضى) فإنه يستتبع معه لفظ (السيف):
ابن دريد – واحترم الوضاح من دون التي
أملها سيف الحمام المنتضى (36)
أبو مسلم – إن هزك الممنى هز طرده
أو هزك الهول فسيفا منتضى (37)
ولكن على صعيد المعنى يستقل بيت أبي مسلم – فالفاعلية هي وظيفة (السيف المنتضى) عند ابن دريد، أما عند أبي مسلم فدور (السيف المنتضى) دور مجازي يقوم على علاقة التشبيه، فكأنه يقول لمن يخاطبه (كن كأنك سيف منتضى مضاء وعزما).
وفي موضع آخر كان الشاعران أكثر تقاربا، فقد جاء المقطع (الزبى) واستتبعته جملة (بلغ السيل):
ابن دريد – لست إذا ما بهظتني غمرة
ممن يقول بلغ السيل الزبى (38)
أبو مسلم – جاس البلاء بالبلاد طاميا
فبز حتى بلغ السيل الزبى (39)
ويبدو لنا أن ذلك التقارب ليس بفعل تأثير القصيدة الأولى على الثانية، بل لأن القصيدتين توظفان مثلا سائرا، يضرب في شدة الأمر وبلوغه مبلغا فظيعا، إذن فذلك التقارب ناتج عن وحدة المصدر الذي استقى منه الشاعران بيتيهما.
4- التضمين: خصب الثقافة الشعرية.
يعالج (التناص) ظواهر عديدة من بينها (التضمين) وهو حسب تعريف أسامه بن منقذ : "هو أن يتضمن البيت كلمات من بيت آخر" (أ)، وهو صورة من صور التعامل مع التراث الشعري الى جانب المعارضة.
ويحفل شعر أبي مسلم البهلاني بالكثير من الأبيات المضمنة، والتي تحيل الى مدى خصب ثقافته الأدبية، فتلك الإحالات تهاجر عبر فضاء واسع، ينتظم العصور الأدبية وذلك ما سوف تزيده الأمثلة القادمة وضوحا – كذلك فإن تلك التضمينات تشير الى مخزون متعدد المشارب فنجد الأمثال والحكم والشواهد النحوية.
وبموازنة ظاهرة (التضمين) مع ظاهرة المعارضة نجد أن الأولى لم تحقق الاصالة والامتصاص نفسيهما اللذين رأيناهما في المعارضة، ولكنها حاولت المراوحة بين الاستعادة الباردة لقالب الصيغة السابقة، وبين الامتصاص الواعي للمعاني القديمة، واعادة توظيفها بعد أن يتم صقلها ضمن التجربة الشعرية لأبي مسلم، وهكذا فإن النماذج التي بين أيدينا يمكن أن تعالج في قسمين :
أ – اجترار صيغ الذاكرة
وفيه تبدو ظاهرة التضمين باردة الفعالية، فتدخل العبارات القديمة دخول الشاهد أو المرجع، دون أن تمتزج ببنية البيت، فغالبا ما تظهر كشطر كامل وضع بين معقوفتين، امعانا في إظهار الاستقلالية من ذلك قوله :
سائرا بالجد حتى نلته
"كل من سار على الدرب وصل " (41)
والشطر الثاني مثل سائر، نظما ابن الوردي إذ يقول:
لا تقل قد ذهبت أربابه
كل من سار على الدرب وصل (42)
وقد استعاده أبو مسلم بالصياغة ذاتها، ولم يتصرف في تحوير بنيته، والا لقيل أنه من المعاني الملقاة في الطريق – حسب الجاحظ، وقد ورد البيت في رثاء الشيخ نور الدين السالمي الذي سار على درب الجد فناله، وذلك إنه كل من سار على الدرب لابد أن يصل، وقد جاء المثل مدعما لوصول السالمي الى الجد والمجد وقد تهاجر أحيانا «صيغ الذاكرة » عن الثقافة النحوية يقول أبو مسلم :
لبست تقوى الله خوف المقت
"من لان ذا بنت فهذا بنتي" (43)
والشطر الثاني نظر فيه الى شاهد من شواهد شرح ألفية ابن مالك.
ويبدو لنا أن أبا مسلم نظر الى الشعر القديم نظرة تقدير، فهو عنده يمثل الفحولة أو النموذج الذي يحاول الوصول اليه ومن هذه النظرة اكتسب الشعر القديم مكانته عند أبي مسلم، فأورده كمؤكد على ما يقول، ولم يتجاسر عليه – ليس هذا الحكم على طول الخط – بالتغيير أو التصرف في الصياغة.
ب- محاولة الامتصاص.
وهي على قلتها تحاول أن تمنح البيت المضمن حركة، لما فيها من التمثل، ومحاولة سبك المعنى القديم في صياغة جديدة، وتجذيره ضمن أفكار القصيدة ذاتها، فلا يبدو منفصلا باستقلاليته، وانما يظهر مرتبط الوشائج بأبيات القصيدة، وهذا يذكر بمقدرة أبي مسلم على هضم التراث الشعري وامتصاصه ثم إعادة إنتاجه، وفقا لرؤية خاصة.
وفي الاشارة الى التاريخ القديم للنبي "ص" وهو في ظلال الجنة، ثم هبوطه الأرض مع آدم وزوجه حينما بدت لهما، سوأتهما، فطفقا يخسفان عليهما من ورق الجنة (44)، قام ابو مسلم بتحوير مجال استخدام هذه الفكرة، إذ أوردها في إطار مديح السيد حمود بن محمد البوسعيدي:
وترقبه العلياء من قبل آدم
الى أن بدا كالنور من حضرة القدس
وعمت نفوس الكون منه بشائر
فكانت مقام الحس من عالم الحس
فبشرى سرير الملك أم مليكه
تنزل منه منزل الروح في النفس (45)
ويقول العباس بن عبد المطلب :
من قبلها طبت في البلاد وفي
مستودع حيث يخسف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر
انت ولا مضغه ولا علق (46)
والجامع بين الأبيات السابقة هي أنها تثبت للممدوح قيمة معينة هي قيمة القدم، مما يعني أصالة المعدن، وقد قام أبو مسلم بتوظيفها ونقلها من مجال المديح النبوي الخالص أو من المجال الصوفي – إذ وظفها الصوفية فيما بعد – الى مجال المديح البشري، كما أظهر استقلالية مستوى الصياغة فلا يكاد الدارس يلتفت الى ذلك الأصل الا بعد مداومة النظر.
ومن المعاني التي طرقها الشعراء ما يدور حول عدم جدوى الجهد الفردي إذا لم تسعفه إرادة الجماعة، يقول أبو مسلم :
أيهدم ألف ما بنى الفرد منكم
وكيف بناء الفرد والألف هادم (47)
وقول نظر فيه الى قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
لو ألف بان خلفهم هادم كفى
فكيف ببان خلفه الالف هادم (48)
وهنا نرى أن الشطر الثاني لبيت أبي مسلم يستقي من البيتين معناه، وقد سبكه أبو مسلم ضمن فكرته الخاصة التي وردت في إطار عتابه لمواطنيه على تقاعسهم، وقد صاغه أبو مسلم بأسلوب الاستفهام الانكاري لتعزيز فاعليته.
– تأثير ابي مسلم على الشعراء العمانيين:
ملأ شعر أبي مسلم البهلاني المنتديات الأدبية في (عمان) ولم يترك ظرفا سياسيا الا وكان له فيه رأي، وقد سار شعره عند العام والخاص، وكانت له فاعلية كبيرة في تحريك الأحداث.
ووجد شعره تقديرا كبيرا لدى الشعراء المعاصرين له، كما ترسم خطاه من جاء بعده من الشعراء، أما الشعراء المعاصرون له فقد سلموا له بالسبق، يقول عبدالله بن محمد الطائي: "وعاصر أبو مسلم عددا من الشعراء البارزين منهم خميس بن سليم، والمر بن سالم، ومحمد بن شيخان، فتمكن من أن يكون المؤثر الأول والشاعر المحلي رغم ازدهار محيطه الأدبي" (49)، ذلك لأن شعره لامس أهم قضيتين في حياة العمانيين في تلك الفترة وهما :
أ – البحث عن الحرية الوطنية.
ب- اللجوء الى الزهد الديني.
إن ريادة أبي مسلم للشعر العربي في (عمان) تتحقق من خلال عودته الى النماذج المشرقة في شعرنا القديم، وكذلك من خلال ما اكتسبه شعره من واقعية ومشاركة لهموم الناس، والتعبير عما لحقهم من ضيم.
والحقيقة أن محاولات العودة الى الماضي بدأت منذ الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي (ت 1287هـ/1870م) وكذلك التعبير عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتردية، غير أن أدوات الشيخ سعيد الخليلي الشعرية لم تبلغ – نضجا وموهبة – مبلغ ملكة أبي مسلم فقصائده في فتوحات الامام عزان بن قيس (1836 – 1871م / 1252هـ 1278هـ) تقترب من اللغة النثرية، كما يبدو في النموذج التالي :
فحصن نتوف لم يمنع ولا
حصن سيق وهو في الجبل الكؤود
وبيت سليط أسلمه ولم
يغن عنه البني من حجر مشيد
وخلي الجامع الحصن الذي كا
ن بيتا للعبادة والسجود (50)
أما شعر الشيخ سعيد الخليلي الديني فهو أكثر قوة وايحاء، واحساسا بالألم الذي يعصر كل مسلم غيور على وطنه وشعبه، لذا فإن ابتهالاته الى الله عكست صدق توجهه، يقول الشيخ سعيد:
الى مالك الملك العظيم اقتداره
الى من له الاملاك خير عبيد
وقوفا على أبوابه منه راجيا
قيام حظوظي في العلا وجدودي (51)
وقد تبنى أبو مسلم فكر شيخه الخليلي، فاسعفته مقدرته الشعرية على تحقيق الريادة الحقيقية للبعث الشعري في (عمان)، فدور الشيخ سعيد الخليلي هو دور المثير، الذي أرسل الشرارة الأولى، أما أبو مسلم فقد تسلم الريادة وناضل عنها لتبقى عالية، وكان حظ الشيخ الخليلي أن تتحقق أطروحاته المذهبية والسياسية بتنصيب الامام عزان بن قيس البوسعيدي الامامة عام (1285هـ/ 1896م) أما أبو مسلم فقد أسهم في الحث على وحدة الصف، ولم الشمل حول الامام سالم بن راشد الخروصي (ت 1338هـ/ 1919م)، كما رسخ رؤى استلهمها الشعراء من بعده، واقتفوا أثره، ومن أبرز الأسماء الشعرية التي تأثرت به :
1- عبد الرحمن بن ناصر بن عامر الريامي (1954م).
2- أبو سلام سليمان بن سعيد بن ناصر الكندي (1959م).
3- هلال بن بدر البوسعيدي (1965م).
4- سالم بن سليمان بن سالم البهلاني (1982م).
5- عبدالله بن علي الخليلي (معاصر).
أما أبرز المجالات التي أسهم فيها أبو مسلم إسهاما فعالا، وتبعه فيها من جاء بعده :
1- امتصاص التراث الشعري.
2- تبني الدعوة الوطنية.
3- الإلحاح على الشعر الديني.
4- المشاركة في الأحداث الخارجية.
وقد رأينا أن عودته الى التراث الشعري – عبر معارضته – تختلف عن عودة من سبقه، فهي عودة هضم وتمثل، دون أن تكون سلخا لذلك التراث، وقد عارض الشعراء بعده من سبقوهم، ولعل هذا الاتجاه يبرز بشكل واضح لدى هلال بن بدر البوسعيدي. فقد عارض أبا تمام بقصيدته البائية التي مطلعها:
أكثرت في القول بل أكثرت و الخطب
أقلل فديتك وأعمل يا أخا العرب (52)
وعارض دالية المتنبي بقصيدة مطلعها:
إشراق وجهك للعروبة عيد
فاهنأ بدهرك إنه لسعيد (53)
وكذلك سار الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد الخليلي على نهج أبي مسلم في معارضة القدماء، فعارض مقصورة ابن دريد بمقصورة أولها:
يا ساري البرق يهلهل السما
يخط اسطارا كلألاء السنا (54)
كما عارض نونية ابن زيد ون بقصيدة مطلعها:
قم عانق الحسن والثمه رياحينا
وداعب الزهو جوريا ونسرينا (55)
وقد تلقف الشعراء العمانيون دعوة أبي مسلم الوطنية، لاسيما مع استمرار نفوذ الاستعمار وبسط سيطرته، ومن بين أولئك الشعراء أبو سلام سليمان بن سعيد الكندي، وقد نظم قصيدة في كشف الدسائس الأجنبية (بعمان) من هذه القصيدة :
عمان انهضي واستنهني الشرق والغرب
ولا تقعدي واستصحبي الصارم العضبا
عمان انهضي واستعرضي كل باسل
كمي يجيد الطعن والرمي والضربا
عمان انهضي إن رب لك همنا
طلاب العلا ما نبتغي غيره كسبا (56)
ومن ضمن شعراء الاتجاه الوطني يأتي اسم عبدالله الطائي ل ت 1977م) الذي أشار في مقالة له عن أبي مسلم الى هذه الناحية الوطنية إذ يقول : "ولم يكن من هم أبي مسلم العيش فقط بل كان صاحب همم عالية، كان لا يفكر إلا في وطنه، ولذلك نجد شعره حافلا بالوطنيات وثابا بالحماس ففضل أن يترك بلاده ويرحل الى زنجبار بافريقية الشرقية حيث يستطيع أن يعيش في جو من الحرية ويرسل شعره دعوة صارخة باليقظة والنهضة " (57)، ومن غير شك فإن اقامه ابي مسلم و (زنجبار) أطلعته على أفكار زعماء الاصلاح المسلمين، وهكذا اتخذ أبو مسلم من صحيفته (النجاح 1911م) منبرا لأفكاره الإصلاحية.
ويشكل الشعر الديني جانبا مهما من الجوانب التي عالجها الشعراء العمانيون، وكتبوا في أهم محاورها، كتمجيد الذات الالهية أو المديح النبوي أو الشعر الصوفي، ولأبي مسلم ديوان كامل في هذا الفن أسماه : (النفس الرحماني في أذكار أبي مسلم البهلاني)، وهو عبارة عن ملحمة دينية، وقد مزج شعره الديني بهموم عصره، فكشف عن الأوضاع المتردية على المستويات الاجتماعية والسياسية، ويلتقي معه في هذا الاتجاه نظراؤه من ينتسبون الى المدرسة نفسها كأبي سلام الكندي والشيخ عبدالله الخليلي، وان كان أبو مسلم أكثرهم مشاركة عبر تأليفه الدينية.
ولم تقتصر مشاركات أبي مسلم الشعرية فيما يدور في وطنه من أحداث، بل كان اهتمامه بما يقع في العالم الاسلامي عامة، كمشاركته بقصيدة في مؤتمر الصلح الذي أشرف عليه رياض باشا، وقد شارك الشعراء بعده في الأحداث السياسية للعالم العربي، كمشارك ت هلال بن بدر البوسعيدي في الأحداث التي عصفت (بفلسطين) (58)، وبذلك انفتح الشاعر العماني على هموم أخيه العربي، ملغيا القطرية الضيقة، ومتواصلا مع أبناء الوطن العربي الواحد.
القصيدة النهروانية
أبو مسلم البهلاني
ديوان ابي مسلم، تحقيق عبدالرحمن الخازندار دار المختار، د.م 1986
سميري وهل للمستهام سمير
تنام وبرق الابرقين سهير
تمزق أحشاء الرباب نصاله
وقلبي بهاتيك النصال فطير
تطاير مرفض الصحائف في الملا
لهن انطواء دائب ونشور
يهلهل في الآفاق ريطا موردا
طوال الحواشي مكثهن قصير
بمنتحبات مرزمات يحثها
حداء النعامي دمعهن غزير
تنبه سميري نسأل البرق سقيه
لربع عفته شمأل ودبور
ذكرت به عهدا حميدا قضيته
وذو الحزن بالتذكار ويك أسير
عهودا على عين الرقيب اختلستها
ذوت روضة منها وجف غدير
متاعي رجع الطرف منها وكل ما
يسرك من عيش الزمان قصير
وبي من تباريح الجوى ما شجا الهوى
وذلك ما لا يدعيه ضمير
وفت لرسيس الحب بالصبر مهجتي
وما كل من شف الغرام صبور
والا فما بالي وغور مدامعي
ودمع التصابي لا يكاد ينور
أدهري عميد الحب والعود ذابل
فهلا وأملود الشباب نضير
عذير غوايات الغرام من الصبا
وما لغوايات المشيب عذير
وكل غرام قارن الشيب سوءة
وكل غرير في المشيب غرور
أبعد تباشير المشيب غواية
وللعقل منها زاجر ونذير
تناقلنى عمران عمر قد انحنى
بشيب وعمر للشباب كسير
تناهت حياتي غير نزر على شفا
وذلك قدر لو نظرت يسير
صبابة عمر حشوها الغى والهوى
وهذا مقام بالتقاة جدير
تقضي ثمين العمر في نشوة الهوى
وحشو مزادي باطل وغرور
أألهو وقد نادى المنادي لمنتهى
اليه وان طال المطال أصير
وصبحان من عقل وشيب تنفسا
فذا مسفر هاد وذاك سفير
أأترك نفسي بعد ذا بيد الهوى
تسام كما جر الحمار جرير
وأوقرها شرا وفيها استطاعة
الى الخير والناهي الرقيب غيور
واني وان سومت نفسي بمسرح
مراعيه سم ناقع وشروع
يطور لي الشيطان أطوار كيده
ونفسي له فيما يشاء نصير
فلست بمتروك سدي دون موقفي
على الغي عقبي أشرفت ومصير
سيوقفني من رقدة اللهو ناعب
يحط بمحتوم الردى ويطير
يقضي بي المحيا وجهلي مطيتي
وقائدها دنياي وهي غدور
أمان وأوهام وزخرف باطل
سراب بقيعان الفلاة يمور
محصلها بالكد والكدح راقب
لفوت وتفريق اليه تحور
فليس سديدا جمع هم لجمعها
ودائرة التفريق سوف تدور
سنتركها بالرغم وهي حبيبة
ورب حبيب للنفوس عبير
ومن عجب ميل النفوس لعاجل
يحول على اكداره ويبور
واسراعها في الغي اسراع آمن
وناقد أعمال العباد بصير
متى أقلعت عنا المنون وهل لنا
بغير طريق الغابرين عبور
أم الأمل الملهى براءة غافل
من الموت أم يوم المعاد يسير
أتمرح ان شاهدت نعشا لهالك
اليك أكف الحاملين تشير
ستركب ذاك المركب الوعر ساعة
الى حيث سار الأولون تسير
نقي من غبار الأرض بيض ثيابنا
وتلك رفات الهالكين تطير
لي الويل هلا أرعوي عن مهالكي
أما في المنايا واعظ ونذير
أما في عويل النائحات مذكر
أم النوح حولي والبكاء صفير
أم الغارة الشعراء من أم قشعم
يشن أصيل هولها وبكور
على كل نفس غير نفسي رزؤها
ويمنعني منها حمى وستور
بلى سوف تغشاني متى حان حينها
فيعجز عنها ناصر وعشير
وتفجاني يوما ون ادي خطيئة
واثم وحرب في الكتاب كبير
أرى الخطب صعبا والنفوس شحيحة
على زخرف فان مداه قصير
وتلك ثمار الجهل والجهل مرتع
وخيم وداء للنفوس عقور
ولو حاولت نفس عن الشر نزعة
تنازعها طبع هناك خؤور
فزجت بها الآمال في غمراتها
الى أن دهاها منكر و نكير
فثبطها تسويفها وهو قارض
لرمة آجال النفوس مصور
ودأب النفوس السوء من حيث طبعها
اذا لم يصنها للبصائر نور
بها ترتمي في الخسر آفات طبعها
خلائق توحيها الجبلة بور
تدارك وصايا الحق والصبر انما
يفوز محق بالفلاح صبور
وخذ بكتاب الله حسبك انه
دليل مبين للطريق خفير
فما ضل من كان القران دليله
وما خاب من سير القران يسير
تمسك به في حالة السخط والرضا
وطهر بها الآنات فهو طهور
وحارب به الشيطان والنفس تنتصر
فكافيك منه عاصم ونصير
دعيت لأمر ليس بالسهل فاجتهد
وسدد وقارب والطريق منير
وأسس على تقوى من الله توبة
نصوحا على قطب الكمال تدور
وزن صالح الأعمال بالخوف والرجا
هما جنة للصالحات وسور
وبالعدل والاحسان قم واستقم كما
أمرت وبادر فالمعاش قصير
وراقب وصايا آتو سرا وجهرة
ففي كل نفس غفلة وفتور
وجرد على الاخلاص جدك في التقى
ففوقك بالشرك الخفي خبير
وثابر على المعروف كيف استطعته
ودع منكرات الأمر فهي شبور
ومل حيث مال الحق والصدق واستبق
مليا الى الخيرات حيث تصير
وأخلص مع الجد اليقين فانه
به تنضر الأعمال وهي بذور
وبالرتبة القصوى من الورع التبس
فللورع الدين الحنيف يحور
وكن في طريق الاستقامة حاذرا
كمين الاعادي فالشجاع حذور
يجوز طريق الاستقامة حازم
على حرب قطاع الطريق قدير
مراصدها شتى وفي كل مرصد
لخصمك حرب بالبوار تفور
فلا تخش ارهاقا وساور ليوشها
بعزم يفض الخطب وهو حسير
ورافق دليل العلم يهدك انه
طريق يحار العقل فيه وعير
وفعلك حد المستطاع من التقى
على غير علم ضيعة وغرور
فما زكت الطامحات الا لمبصر
على نور علم في الطريق يسير
أتأخر الأعمال جهلا بوجهها
وأنت الى علم هناك فقير
فيا طالب الله ائته من طريقه
والا فبالحرمان أنت جدير
فلست اذا لم تهتد الدرب واصلا
قبيلك في جهل السلوك دبير
وما العلم الا ما أردت به التقى
والا فخطأ ما حملت كبير
فكم حامل علما وفي الجهل لو درى
سلامته مما اليه يصير
وما أنت بالعلم الغزير بمفلح
ومالك جد في التقاة غزير
وحسبك علما نافعا فرد حكمة
بها السر حي والجوارح نور
تعلم لوجه آت واعمل لوجهه
وثق منه بالموعود فهو جدير
تعرض لتوفيق الاله بحبه
ودع ما سواه فالجميع قشور
هو الشأن بالتوفيق تزكو ثماره
ومتجره وآتو ليس يبور
كأي رأينا عالما ضل سعيه
وضل به جم هناك غفير
معارفه بحر ويصرف وجهه
الى الباطل الخذلان وهو بصير
وافلح بالتوفيق قوم نصيبهم
من العلم في رأي العيون حقير
وتلك حظوظ للإرادة قسمها
وحكمة من يختارنا ويخير
تحزبت الاحزاب بعد محمد
فكل الى نهج رآه يصير
وقرت عل الحق المبين عصابة
قليل وقل الأكرمين كثير
هم الوارثون المصطفى خير أمة
لمدحهم آي الكتاب تشير
أولئك قوم لا يزال ظهورهم
على الحق ما دام السماء تدور
على هضبات الاستقامة خيموا
اذا اعوج أقوام وضل نفير
تنافر عنهم رفض وخوارج
وحشوية حشو البلاد تمور
رأوا طرقا غير الهدى فتنافروا
اليها وبئست ضلة ونفور
لهم نصب من بدعة وزخارف
بها عكفوا ما للعقول شعور
تدعمهم أهواؤهم في هلاكهم
كما دع في ذل الأسار أسير
لأقوالهم صد وفيهم شقاشق
لهن ولا جدوى هناك هدير
دليلهم يهوي بهم في مضلة
وهم خلفه عمش العيون وعور
فيا أسفا للطم يطمسه الهوى
ويا أسفا للقوم كيف أبيروا
أرى القوم ضلوا والدليل بحيرة
وللحق نور والصراط منير
سروا يخبطون الليل عميا تلفهم
شمائل من أهوائهم ودبور
يتيهون سكها في المجامل ما بهم
بموطيء اخفاف المطي بصير
يقولون ما لا يعلمون وربما
على علمه بالشيء ضل خبير
ولو كان عين الحق منشود جهدهم
لما حال سد أو طوته ستور
نعم أبصر وه حيث غرهم الهوى
فصدهم عنه هوى وغرور
أقاموا لهم من زخرف القول ظهرة
وللبطل فيما استظهروه ظهور
وفي زخرف القول ازدهاء لمن غوى
وألهته عن لب الصواب قشور
وفي البدع الخضر ابتهاج لأنفس
تدور بها الأهواء حيث تدور
نشاوى من الدعوى التي يعصرونها
وليس لبرهان هناك عصير
وما روقوه من رحيق مفوه
فذلك سم في الاناء خثير
يدرون أنواء الكلام وما بها
رواء ولا يطفى بهن مجير
وما كل طول في الكلام بطائل
ولا كل مقسور الكلام قصير
وما كل منطوق بليغ هداية
ولا كل زحار المياه نمير
وما كل موهوم الظنون حقائق
ولا كل مفهوم التعقل نور
وما كل مرئي البصائر حجة
ولا كل عقل بالصواب بصير
وما كل معلوم بحق ولا الذي
تقيل علما بالأحق جدير
ولكن نور الله وهب لحكمة
يصير مع التوفيق حيث يصير
هدى الله حظ والحظوظ مقاسم
الى مقتضى العلم القديم تحور
وليس اختيار الله في فيض نوره
بمكتسب أو تقتضيه أمور
وفي ظاهر الأقدار أسرار حكمة
طلواهن من علم الغيوب ضمير
أرتني هدى زيد وفي العلم قلة
وضلة عمرو والعلوم بحور
وذاك دليل ان الله أنفسا
عليها من اللطف الخفي ستور
ظواهرها بله وتحوي بواطنا
لدى علمها جنس الوجود حقير
عليها خدوع من غبار غباوة
ولكنها تحت الخدور بدور
تجردن من لبس الخيالات وانطوى
عليهن ريش من هدى وشكير
سرين رياح الله تحدو ركابها
اليه وأنوار اليقين خفير
يغادرن فيه منزلا بعد منزل
يكاد بها الشوق الملح يطير
تدثرن خيل الله حتى بلغنه
وواحدها في العالمين دثور
وردن مياه النهر غرثى صوادئا
وليس لها حتى اللقاء صدور
أوانس في مرج الرجاء رواتع
وللخوف في احشائهن زفير
غسلن به أحكام سهم واشعر
ودرن مع القرآن حيث يدور
نحرن عقيب الدار بازل ناكث
وأمسى بصفين لهن هدير
فلو قدرتها هاشم حق قدرها
هشمن ابن صخر للحروب صخور
ولكن وهى رأي وحامت عزيمة
فحكم خصم واستبيح نصير
بني هاشم عمدا ثللتم عروشكم
وفي عبد شمس نجدة وظهور
على غير ذنب غير انكار قسطهم
وللجور من نفس المحق فكير
قتلتم جنودا حكموا الله لا سوى
وقالوا علي لا سواه أمير
فيا لدماء في حروراء غودرت
تمور واطباق السماء تمور
وانفس صديقين أزهقها الردى
وشقت عن التقوى لهن نحور
مخردلة الأشلاء للطير في الفلا
وهن بجنات النعيم طيور
على جنبات النهروان عقائر
كما وقيت بالمشعرين نذور
أبيد خيار المسلمين بضحوة
كما نحرت للميسرين جزور
يعجون بالتحكيم لله وحده
وهامهم تحت العجاج تطير
فيا أمة المختار هل فيك غيرة
فان محب الله فيه غيور
ويا ظهرة الايمان هل فيك منعة
وهيهات عزت منعة وظهير
ويا لرجال آتو أين محمد
وناصره بالنهروان عقير
ولو وقعة كانت بعين محمد
لما قر عينا أو يزول ثبير
فمن لصدور الخيل فوق صدورهم
ولله في تلك الصدور بحور
تطل دهاء المؤمنين على الهدى
وخيل ابن صخر في البلاد تغير
ويعصى ابن عباس اذا لم شعثها
ويسمع فيها أشعت وجرير
على أن علت فوق الرماح مصاحف
ونادوا الى حكم الكتاب نصير
مكيدة عمرو حيث رثت حباله
وكادت بحور القاسطين تغور
أبا حسن ذرها حكومة فاسق
جراحات بدر في حشاه تفور
أبا حسن أقدم فأنت على هدى
وأنت بغايات الغوي بصير
أبا حسن لا تعطين دنية
وأنت بسلطان القدير قدير
أبا حسن لا تنس أحدا وخندقا
وما جر عير قبلها ونفير
أبا حسن أين السوابق غودرت
وأنت أخوه والغدير غدير
أبا حسن أن تعطها اليوم لم تزل
يحل عراها فاجر وعبير
أبا حسن طلقتها لطليقها
وأنت بقيد الأشعري أسير
أتحبس خيل آت عن خيل خصمه
وسبعون ألفا فوقهن مصور
أثرها وعالا تنسف الشام نسفة
بشارات عمار لهن زفير
وصك ثغور القاسطين بفيلق
له مدد من ربه وظهير
فلم يبق الا غلوة أو تحسهم
ويبكي ابن صخر قبة وسرير
فمالك والتحكيم والحكم ظاهر
وأنت علي والشام تمور
أفي الدين شك أم هوادة عاجز
تجوزتها أم ذو النقار كسير
يبيت قريع الجفن بالجفن لاصقا
وجفن حسام ابن اللعين سهير
فلا جبرت حداه ان ظل مغمدا
وهندي هند منجد ومغير
ولا جبرت حداه يوم سللته
له في رقاب المؤمنين صرير
أتغمده عن عبد شمس وحزبها
ويلفح حزب الله منه سعير
فمالك والأبرار تنثر هامهم
كأنك زراع وهن بذور
ذروتهم عصفا وتبكي عليهم
بلى فابك خطب بالبكاء جدير
فما هي إلا جدعة الأنف ما شفت
غليلا وجرح لا يزال يغور
ستحصد هذا الزرع مهما تقصدت
عراقك لا يلوي عليك ضمير
تنازعها سل السيوف فتلتوي
وتخطب فيها والقلوب صخور
قتلت نفير الله والريح فيهم
وأصبحت فذا والنفير نفور
نشدت دوي النحل لما فقدتهم
ويعسوب ذاك النحل عنه خبير
أرقت دهاء المؤمنين بريئة
لهن بزيزاء الحرار خرير
عليا أمير المؤمنين بقية
كأن دهاء المؤمنين خمور
سمعناك تنفي شركهم ونفاقهم
فأنت على أي الذنوب نكير
وما الناس الا مؤمن أو منافق
ومنهم جحود بالإله كفور
وقد قلت ما فيهم نفاق ولا بهم
جحود وهذا الحكم منك شهير
فهل أوجب الايمان سفك دمائهم
وأنت بأحكام الدهاء بصير
تركتهم جزر السباع عطيهم
لفائف من ايمانهم وستور
مصاحفهم مصبوغة بدمائهم
عليهن من كتب السهام سطور
وكنت حفيا يا ابن عم محمد
بحفظ دهاء ما لهن خطير
وكنت حفيا ان يكونوا بقية
لنصرك حيث الدائرات تدور
تناسيت يوم الدار اذ جد ملكها
فللعاص فيها دولة وظهور
ويوم جبال الناكثين تدكدكت
وطلحة والعود الطليع عقير
وحربا تؤز الشام أزا قراعها
له في جموع القاسطين سعير
تعوذ منها القاسطون بخدعة
بجدعة تلك الأنف فاز قصير
مواطن أهوال تبوأت فلجها
الى أن دهتها فلتة وفتور
تفانت ضحايا النهر في غمراتها
وأنت شهيد والعدو وتير
تنادي أعيروني الجماجم كرة
فقد قدموها والوطيس سعير
أما والذي لا حكم من فوق حكمه
على خلقه ورد به وصدور
لقد ما أعاروك الجماجم خشعا
عليهن من قرع الصفاح فطور
فقصعتها إذ حكمت حكم ربها
فما بقيت عارية ومعير
فيا أسفا من سيف آل محمد
على المؤمنين الصالحين شهير
نبا عن رؤوس الشام في الحق وانثنى
الى ثفنات العابدين يجور
أحيدرة الكرار إن خياركم
وقواءكم تحت السيوف شطور
أحيدرة الكرار تابعت أشعثا
واشعث شيطان الدكفور
أعشرون ألفا قلبهم قلب مؤمن
بأوجههم نور اليقين ينور
بهاليل أفنوا في العبادة أنفسا
لهم أثر في الصالحات أثير
أسود لدى الهيجا رهابين في الدجى
أنا جيلهم وسط الصدور سطور
وفي القوم حرقوص وزيد وفيهم
أويس ومن بدر هناك بدور
ومن بيعة الرضوان فيهم بقية
بأيديهم منها ندى وعبير
أكلتهم في النهر فطرة صائم
فكيف أبا السبطين ساغ فطور
فيا فتنة في الدين ثار دخانها
وذاك الى يوم النشور يثور
نجونا بحمدالله منها على هدى
فنحن على سير النبي نسير
بصائرنا من ربنا مستمدة
اذا اشتبهت للمارقين أمور
وثقنا بأن الدين عروة أمرنا
وما شذ عنه فتنة وغرور
وان رجالا حكموا الله حجة
على من بتحكيم الرجال يصور
ببينة من ربهم وبصيرة
تجاهل فيها عسكر وأمير
وأنهم حجوا عليا وأعذروا
وما فاتهم ممن لديه عذير
على أنه من أبصر الناس للهدي
وكم بقضاء الله ضل بصير
تنورها الحبر ابن عباس منهم
فحج عليا والحجيج نصير
جزى الله أهل النهروان وضاءه
وما فوق مرضاة الاله أجور
كما جاهدوا في الله حق جهاده
وقاموا بما يرضى وفيه أبيروا
وماتوا كراما قانتين وكلهم
على الموت صبار هناك شكور
شراة سراة لا يخط غبارهم
وان أبلحت فوق الأمور أمور
اذا انتهكت من دين الاسلام حرمة
فليس لهم عيش هناك قرير
كرام شداد الغار في ذات ربهم
على كل حال والمحب غيور
نفوسهم حيث ابتلوا وجه ربهم
قرابين منهم قدمت ونذور
ندين لوجه الله طوعا بحبهم
وما ثسنآن الملحدين مضير
هم القوم بلتهم مخافة ربهم
ودارت عليهم أبطن وظهور
فلا بارح الروح الالهي ربعهم
ولا فارقتهم رحمة وحبور
واخوانهم أهل النحيلة بعدهم
وأتباعهم حتى يقوم نشور
ولا زال منهل السلام عليهم
ترادف آمال به وبكور
وأدخلهم دار السلام الههم
جميعا عليهم نضرة وسرور