تميل نظرية ما بعد الاستعمار إلى التفكير عبر ثنائيات متعارضة، حتى لو كان استيعاب صيغ الفكر ما بعد البنيوية قد أدى إلى الاعتراف بالهُجنة والتعارض القارّ في مثل هذه الثنائيات. وقضايا الهوية والأمة في العالم الثالث، يجري فهمها نمطيًّا في إطار هذا النموذج، بحيث تكون محكومة بالمركز الإمبريالي. وبعبارة أخرى، فإن الغرب هو الآخر الأهمّ على الإطلاق. غير أن دراسة الأدب العربي الحديث تكشف أن الهوية والأمة العربية ما بعد الاستعمار، تنبني في الأذهان بعيدًا عن هذا، وربما ضده، أكثر كثيرًا من خطاب المستعمر. وعلى سبيل المثال، فإن ثنائية الشرق والغرب القائمة على تبسيط مخل، تحجب الدور الذي لعبه الدين، ولا يزال، في تعريف العرب لذاتهم(1). وهذه الورقة تشرح هذا الدور الذي لعبه الدين في نصّين مصريين من أوائل القرن العشرين: رواية محمد حسين هيكل «زينب» (1913)(2)، وسيرة طه حسين الذاتية «الأيام»(1929، 1940، 1967)(3). وبتحديد أكثر، فإن هذه الورقة تناقش حالة الإسلام باعتباره لونًا من «الآخر» في الأدب العربي الحديث؛ على أساس أن للذات آخريها المتعددين، والإسلام- في حالتنا هذه – «آخرُ» أساسيٌّ من بينهم. وتعتمد الورقة بعد ذلك على نظرية ما بعد الاستعمار لتستحضر التعقيد والتناقضات التي يتصف بها تمثيلُ هذا «الآخر المَحلّي»، وبناء عليه توضح محدودية هذه النوعية من المعارف ولا جدواها.
الهوية والأمة في الأدب العربي الحديث
لكي يتبدى الإسلام «آخرَ» له معناه في الأدب العربي الحديث، كان لا بد للهوية والأمة أن يشكّلا تيمةً أساسية. وزعمٌ كهذا يتطلب بطبيعة الحال، التفكيرَ في نظرية فريدريك جيمسون Frederic Jameson عن أمثولة الأمة وأدب العالم الثالث، وهي نظرية يبدو أنها برغم ما فيها من إلغاز، تنطوي على كثير من الحقيقة. ففي مقالته الشهيرة عن «أدب العالم الثالث في مرحلة الرأسمالية متعددة القوميات» ، يفترض جيمسون أن أدب ما بعد الاستعمار يرتبط عمومًا بقضايا الهوية الاجتماعية والجماعية:
كل نصوص العالم الثالث هي بالضرورة نصوصٌ قائمة على التمثيل الكنائي allegorical. وبطريقة أكثر تحديدًا: هذه النصوص تُقرأ على اعتبار أنها – كما أقول – أمثولات قومية National allegories حين يتخذ شكلها – وربما أقول: خصوصًا حين يتخذ شكلها – صيغًا غربية الطابع، مثل الرواية(4). (Jameson, 1986, p: 69)
ويؤكد جيمسون بالنسبة لهذه الخاصية في أدب العالم الثالث، بصفته أدبًا مختلفًا عن أدب العالم الأول، الفصلَ الذي حدث في العالم الأول بين المجالين العام والخاص، تعبيرًا عن الثقافة الرأسمالية، ولم يحدث في العالم الثالث الذي وقع في لعبة استغماية أبدية. إن غياب الفاصل بين العام والخاص يعني أن نص العالم الثالث، حتى في أشد صوره ذاتيةً، يعرض بعدًا سياسيًّا؛ فالمصير الفردي هنا هو دائمًا تعبيرٌ عن «الموقف النضالي في مجتمع العالم الثالث»(ص 69).
وأطروحة جيمسون، بنزوعها التعميمي ومنطقها الثنائي(5)، تلتقي إلى حد كبير مع نقيضها؛ فإعجاز أحمد Aijaz Ahmad على سبيل المثال، يتناول القضية على هذه الأرضية تحديدًا، من خلال مقولته عن «أدب العالم الثالث» ومفهوم «الأمثولة القومية»؛ وذلك في مقالته «بلاغة الآخرية عند جيمسون، والأمثولة القومية». إن نموذج العوالم الثلاثة لا يسمح بالاختلاف بين الأقطار، أو بالطابع الرأسمالي القوي لبعض ما يسمى بلدان «العالم الثالث». وعلاوة على ذلك فإن منظومة جيمسون في التصنيف، ليست ملائمة إلا إذا جرى تعريف العالم الأول من خلال نظام الإنتاج فيه (الرأسمالية)، وتعريف العالم الثالث من خلال «تجربة ما» في الظواهر التي جاءت من خارجه، أعني الاستعمار والإمبريالية (أحمد ، 1987، ص 6). يبالغ جيمسون في تقدير الأيديولوجية القومية في سياق «العالم الثالث»، ويقدمها وكأنها الاستجابة الوحيدة الممكنة لتجربة الاستعمار، وزعمه بأن كل نصوص «العالم الثالث» نصوص قائمة على التمثيل الكنائي، تهدمه الحقيقة القائلة بأن هذا الكلام مبني على أدلة محدودة جداً؛ فمعظم آداب أفريقيا وآسيا، كما يقول إعجاز أحمد، مكتوبة بلغات محلية، ومن ثم فإنها غير متاحة لمن يعيشون في المركز (ص 4). ويردد ميشيل سبرينكلر Michael Sprinkler صدى من كلام إعجاز أحمد، إذ يؤكد أن السياسة ليست داخلة بالضرورة في حيز اللاوعي في «العالم الأول»، وليست ما بعد الحداثة مطلقة بالضرورة في هذا السياق(سبرينكلر، 1993، ص 7)(6).
وماذهافا براساد Madhava Prasad ، بقبوله مفهوم جيمسون الأساسي عن الأمثولة الوطنية باعتبارها شيئًا جوهريًّا في العالم الثالث، إنما يسعى إلى الحفاظ على جوهر أطروحته بينما يحررها من «أن تُصَبّ في قالب استشراقي» (براساد، 1992، ص: 73). وهذا ينطوي على تخلٍّ عن فكرة وجود نظريتين متمايزتين للأدب، واحدة للعالم الأول وأخرى للعالم الثالث. وبدلاً من ذلك، يفترض براساد أن «نعيد كتابة كل الآداب في سياقاتها الوطنية، وبعد ذلك نبدأ في تحليل الإطار الوطني غير الظاهر في السياق الغربي، والإطار الوطني الظاهر بفداحة في سياق العالم الثالث»(ص: 73). ويمكن لهذا الظهور الفادح أن يفهم هنا وكأنه وظيفة لمجموعة محددة من الظروف التاريخية. ويأخذ براساد في تبيان النموذج التنموي والنظام العالمي اللذين يثيران الهموم الوطنية، و«جهود المقارنة» في أدب «العالم الثالث»، والوظيفة بصفتها محددًا لممارسات القراءة(7)، ويصل بهذا إلى مجموعة جديدة من التعميمات. ومهما يكن من أمر، فإن الرابطة التي يقيمها بين الأمثولة الوطنية والظروف التاريخية، هي أمر وثيق الصلة بالأدب العربي الحديث، الذي انشغل منذ بداياته بموضوعات الهوية والأمة، انعكاسًا للواقع الاجتماعي والسياسي الأوسع. ودون أن نحول هذا الاتجاه الأدبي إلى نظرية، ودون إصرار على الطابع الأمثولي لكل الخطاب السردي العربي الحديث، لن يكون من المبالغة أن نقول أن الثورات الاجتماعية والسياسية العارمة على مدار القرن ونصف القرن الماضيين (الالتقاء بالغرب – سقوط الإمبراطورية العثمانية – التجربة الاستعمارية – ظهور القوميات – النضال من أجل الاستقلال – مشكلة الهيمنة الغربية المستمرة والاستتعمار الجديد – والحروب المتعددة التي هدد بعضها سيادة الأمم العربية) كل هذا ترك على أدب المنطقة علامة لا تنمحي. إن العملية التي تولدت بها الأمم العربية، والأسئلة والاحتمالات المتعددة التي واجهتها هذه الأمم عند ولادتها من رحم الحقبة الاستعمارية، طرحت بطبيعة الحال مشكلة الأمة والهوية؛ ومن ثم كان على الكتاب أن يعكسوا ذلك في قصصهم. وما أحاول أن أوضحه هنا أنه عندما يكون الحال على هذا النحو، عندما تشكل الهوية والأمة موضوعًا في نص أدبي عربي، يتبدى الإسلام بشكل متكرر وكأنه «آخَرُ محليٌّ»، جنبًا إلى جنب مع الآخر الغربي الموثق على نحو جيد. وهذه جزئيًّا وظيفة للنخبة المثقفة، التي تقف وراء صياغة مجموعة التقاليد العربية، وهي نخبة تميل قطعًا إلى العلمانية. ولكن عند نشوئها الأول على الأقل، أي في الأعوام الأولى من القرن العشرين، حين كانت الأنواع السردية العربية تتبلور، جنيًا إلى جنب مع الثقافة والهوية القومية، كان من المفيد رؤيتها أيضًا في السياق الأوسع لتشكُّل الأمة، وهو تشكل ينطوي بطبيعته على استبعاد للخطاب الديني، ويستبدل بالروابط الدينية التقليدية، روابط جديدة تقوم على الثقافة، واللغة، والجغرافيا. إن ظهور الدولة الأممية الحديثة، يستلزم قطيعة معرفية تصبح معها الكينونة التي شكلت الإطار، موضوعًا داخل إطار آخر أوسع، إنه – بعبارة أخرى – انتقال من الذات إلى الموضوع. ولكي يحدث هذا، يجب أن ينتزع المركز بعيدًا عن الذات (أي الدين، ورؤية العالم على نحو ديني) وتنفتح مسافة حرجة، تسمح بعملية تمييز نقدي. وهاتان العمليتان – أي (1) إضفاء الطابع الموضوعي على الدين والخطاب الديني و(2) وعملية التمييز النقدي، تصبحان الاستراتيجيتين الكبريين في صناعة الآخر، المؤثرتين في نصي هيكل وطه حسين(8).
زينب لمحمد حسين هيكل
رواية «زينب» التي كتبها مصلح اجتماعي ومثقف ليبرالي، في العقد الذي أفضى إلى الثورة الشعبية المصرية الكبرى عام 1919، نموذج كلاسيكي للأمثولة الوطنية(10). تدور القصة حول حامد، وهو طالب من المدينة صاحب عقل حديث، وزينب، وهي فتاة ريفية، وخيباتهما المتتالية في الحب. وتتناول الرواية في غضون ذلك، صدام التقاليد والحداثة، وتشكل رؤية للقومية الإقليمية المتجذرة في الريف المصري، ومن ثم إضفاء طابع مثالي على الريف في السرد. وبعبارة أخرى، فإن الهوية والأمة كانا شاغلين أساسيين.
وإذا انتقلنا إلى الطريقة التي تحول بها الإسلام إلى آخر في نص رواية زينب، فإن الاستراتيجية الأولى التي أشرنا إليها منذ قليل، أي إضفاء الطابع الموضوعي على الدين والخطاب الديني، يجري تحقيقها من خلال علمانية الرواية، إذ تحوِّل الدين إلى موضوع ضمن إطار علماني أوسع. الدين في «زينب» يتخذ طابعًا اجتماعيًّا؛ فالزواج والحجاب لا يجري وصفهما بما له دلالة دينية، وإنما بوصفهما مؤسستين اجتماعيتين. الحجاب، أكثر من أي شيء آخر، رمز لقمع الأنثى ورمز للباس شائع، وحامد ينفر من بنات طبقته لأنهن يرتدينه، وعزيزة تندم على اليوم الذي ارتدته فيه باعتبار أن ذلك كان نهاية حريتها: «إلا أنه اليوم العزيز عندي، ما ذكرته إلا وأسفت له»(هيكل 1983، ص: 192- جرينستيد Grinsted 1989، ص: 134). الحجاب بالنسبة لهاتين الشخصيتين، مصدر للكرب، ولا يجري تقديم وجهة نظر بديلة، تسمح للقارئ أن يفكر في الحجاب بشكل مختلف. أما عقد الزواج، فبالمثل، له علاقة بالعادات الاجتماعية البالية، وليس له أي علاقة بالرباط المقدس. حين تفكر زينب ما إذا كانت مرتبطة بعقد زواج، لا تشير إليه أبدًا بصفته واجبًا دينيًّا، وإنما باعتباره عقدًا بين عائلتين. وكذلك حامد، حين يفكر في موقف زينب يتساءل:» وهل تستطيع العقود «المكتوبة» مهما تكن أن تحرم الشخص من التصرف في قلبه، وأن يتركه حرًّا يذهب لمن يشاء؟»(ص: 134 – ص: 163). إن عقد الزواج مهما تكن دلالته، فإنما يكتسب هذه الدلالة من المجتمع.
وهناك سمة أخرى ملحوظة بالنسبة لعلمانية السرد، وهي أن وجود الكائنات فوق الطبيعية يصبح موضوعًا للتأمل، باعتبار أنه يقف على النقيض من الحقيقة المستقرة. تقول زينب لنفسها: «ربما كان صحيحًا أن في النفوس الإنسانية قسمًا إلهيًّا مطَّلعًا على ما لا تدركه الحواس، هو الذي يهدينا في آمالنا وميولنا ويرسم لنا طريق الحياة»(هيكل، ص: 42- جرينيستيد، ص: 23) وهي بهذا تكشف عن أن المنظور الديني، منظور يمكن للشخصيات أن تقتنع به أو لا تقتنع. وهذا ما يصبح موضع تركيز قرب نهاية القصة. حين يتخذ حامد أحيانًا السبيل الديني. ففي حالة من اليأس، وبعد فقدانه لزينب وعزيزة، وفي محاولة للخروج من معاناته، ينضم حامد إلى إخوة من المتصوفة، رغم أن ذلك يجري أيضًا على نحو آخر من عدم الاقتناع:
«وإذا كان قد اعتقد قبل اليوم أن عمل هؤلاء الناس واتّباعهم لشيخهم المخرف جنون في جنون، فإن الضعف الذي استولى عليه، والحزن والهم اللذين ركباه، تركاه قابلاً للإيمان بكل شيء والتصديق بما لا يصدق به عاقل. بل إنه ليذهب غدًا ليرى الشيخ، ويلثم هو الآخر يده، ، وينضم إلى حزبه، ويعترف إليه بكل ما في نفسه ليخفف بذلك بعض ألمه. نعم. غدًا يأخذ هو الآخر عهدًا، ويصبح أخًا لهؤلاء الذين يخافون أن يكون عمهم الشيطان» (ص 243-244 ، ص 167).
وبالطبع، فإنه سرعان ما خاب أمله. وقد مهد الراوي لذلك بتعليقه المقحَم، إذ يدين الحل الصوفي حتى قبل أن يبدأ فيه. ومغزى هذه الحكاية أنها تقدم الإيمان على اعتبار أنه مسألة اختيار.
وطريقة السرد في الاقتراب من الشأن الروحي، مسألة أخرى ذات دلالة في هذا السياق؛ فذلك الإنسان الذي يمتلك شوقًا طبيعيًّا للروح مسألة مفهومة، أما إمكانية أن يتحقق ذلك الشوق ماديًّا فمسألة مرفوضة تمامًا. ومهما يكن من أمر، فإن التحقق الروحي في الرواية لا يجري عبر الإيمان الديني، وإنما عبر اللجوء إلى الطبيعة. والطبيعة، على عكس الدين، تقف في مواجهة المادية؛ فحامد يستمد المتعة والمعنى من الريف المصري المسكون بقوى غامضة، على الأقل في المشاهد المعينة التي نرى فيها حامد وزينب في حال اتحاد مع الطبيعة. وهكذا، فإن هيكل يستبدل بالروحانية الدينية نوعًا من الروحانية الطبيعية، موضحًا أن مصر، أو على الأقل الريف المصري، وعلى عكس الإسلام، يلبي أشواق الإنسان الداخلية.
هذه كلها طرق ماكرة لجعل المركز بعيدًا عن الدين الذي لم يعد حقيقة من حقائق الحياة، ولا طريقة في رؤيتها، وإنما أصبح مؤسسة اجتماعية؛ فشعائره أضفي عليها طابع علماني، والالتزام به مسألة اختيار. لقد اقتلع من موقعه كذات، وأعيد تثبيته من جديد كموضوع، بحيث بات الآن وفي معظم الأحيان، يُنظَر إليه من الخارج.
عملية إضفاء الطابع الموضوعي هذه، تؤكدها استراتيجية ثانية من استراتيجيات صناعة الآخر في النص: انتقاد الإسلام بالطريقة التي يمارَس بها بين الفلاحين؛ فحامد الذي يمثل غالبًا آراء المؤلف (التطابق بين سيرتيهما يؤكد الارتباط بينهما) يحتقر الفلاحين إذ يخترعون رمضان من عندهم فيه يبيحون لأنفسهم الفطر في آخر أيام الشهر (هيكل ص: 43، جرينيستيد ص: 24)، ويظل على تحفظه وعدم التزامه وسط عائلة عزيزة وهم يحكون قصصًا عن العفريت، وهو ما يشي للقارئ بأنه غير مقتنع بمعتقداتهم الدينية الشعبية. أما شخصية الشيخ مسعود فتقدم الفرصة الأعظم لهجوم دائم على السلطة الدينية؛ إذ يجري تصويره في صورة منافق ومحتال:
«ولو أن له نفسًا بين جنبيه، أو ضميرًا يحس، لكلله الخجل أن يرى نفسه وهو الداعي إلى الله ونعيم الآخرة وإلى الزهد في هذه الدنيا الفانية، جالسًا في مقعد وثير وعلى طعام شهي، في حين يجلس هؤلاء العمال الطيبو القلوب على حصير ناشف يأكلون الرديء مما لم يقدم له، ولازداد خجلاً أن يعلم أنه عاطل لا عمل له إلا هذا الطواف في البلاد لا غرض إلا أن يأكل ويشرب وينطق بكلمات لا قيمة لها، وهم عمال يجدّون ليل نهار ليطعموا الناس بفضل عملهم … ولكن أي ضمير يسكن قلب مدّع لا تربية له ولا أصل عنده، وغنما اتخذ هذه طريقة احتيال يعيش من ورائها؟» (هيكل، ص 242، جرينيستيد 166).
وبالطريقة نفسها يجري تصوير أتباعه مجموعة من الجهلة، غوغاء مجانين لا يفهمون الطقوس التي يؤدونها. وهناك مثال آخر على انتقاداته الدينية، يأتي خلال مرض زينب؛ إذ يقوم الدين الشعبي مقام الطب الحديث. العائلة ترى معاناة البنت على اعتبار أنها لون من الحسد، وترفض إمكان العلاج الطبي حتى يفوت الأوان، الحكيم ربنا.. ربنا يشفي»(ص 297- ص 205).
الأيام لطه حسين
تشكل الهوية بطبيعة الحال ثيمة أساسية في العمل الثاني الذي نناقشه هنا، على اعتبار أنه من أعمال السيرة الذاتية، أعني الأيام لطه حسين(11). هذه قصة من قصص تكوين الذات، يؤسس فيها ضمير الغائب واستراتيجيات سردية أخرى، عقدًا روائيًّا، بحيث تصبح الرحلة الفردية من الجهل إلى الاستنارة نموذجًا للأمة، رؤية لانتقال مصر من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث.
والتعليم يعطينا الخيط السردي في كتاب الأيام(12)؛ إذ يركز الكتاب على المؤسسات الدينية كالمدرسة القرآنية المحلية (الكُتّاب) والأزهر في القاهرة، ويفتح الباب لنقدها نقدًا عميقًا. فبالنسبة للمؤسسة الأولى، يجري هذا النقد أساسًا من خلال شخصية «سيدنا» في الجزء الأول، وهنا تلعب وجهة نظر الطفل خصوصًا دورًا فعّالاً؛ فملاحظاته البريئة تقدم الشخصية في مجملها تقديمًا بالغ السخرية. «سيدنا» شخص جاهل، ومتغطرس، وبغيض على العموم. طريقته في التعليم بائسة، تتألف من حفظ كتاب مقدس لا يفهم منه إلا القليل. لا يشغله إلا الضغط على تلاميذه ماديًّا بقدر الإمكان؛ وهو لذلك يطلب مكافأة من الوالدين حين يحفظ ابنهما القرآن، وإذا لم يتلق هذه المكافأة يهمل الطفل ويعاقبه. يختلس سيدنا أموال الكُتّاب، ولا يعتقد أنه يكذب، ويقسم بالله زورًا أغلظ الأيمان. وحين ينسى الولد النص القرآني للمرة الثانية، يدخله في كذبته، ويقسم بالله أنه استمع إلى الطفل وهو يتلو القرآن كل يوم، وأنه سيطلق زوجته لو كان يكذب. أما شيوخ الأزهر، فرغم أنهم نسبيًّا يتلون القرآن والنصوص القديمة بشكل أفضل، فإنهم في التدريس لا يقلون سوءًا عن سيدنا؛ فشروحهم مصطنعة ولا معنى لها في الغالب، وردود فعلهم إزاء أسئلة الراوي الشاب وتعليقاته، غالبًا ما تكون الطرد والإهمال. يتسمون خصوصًا بضيق الأفق، ومقاومة العلوم الحديثة والأفكار الحديثة. هذا ما تؤكده المعاملة السيئة التي يتعرض لها الإمام، والمعلمون التقدميون الآخرون، بمن في ذلك المرصفي، الشيخ المباشر للراوي.
ليس ممثلو التعليم الديني وحدهم من يتعرضون لسخرية الراوي، وإنما أيضًا المتصوفة، نقيض مشايخ الأزهر؛ فقد «كان لأهل الريف، شيوخهم وشبانهم وصبيانهم ونساءهم، عقلية خاصة فيها سذاجة وتصوف وغفلة، وكان أكبر الأثر في تكوين هذه العقلية لأهل الطرق» (الأيام، 1، ص 96). والطرق الصوفية قوة خلافية في الريف، بقدر ما يتجادلون فيما بينهم، ويرون الفرق الأخرى تافهة، يتمتعون بضيافة تابعيهم، كما يظهر بوضوح في الفصل الخامس عشر من الجزء الأول. إنهم يشجعون السحر والخرافة، مستغلين ذلك لمصلحتهم المادية الخاصة، وهم جهلة ومتغطرسون كسيدنا. في أزمنة أخرى كان الجهل الذي ينشره ممثلو الدين الشعبي والمتطرف على السواء، ينطوي على أبعاد أكثر شرًّا. من ذلك مثلاً أن شخصًا لم يرسل في طلب طبيب، حين تسقط أخت الصبي ضحية مرض قضى عليها في غضون أيام، والأحداث التي أفضت إلى عمى الصبي نفسه كانت نتاجًا لهذه «العقلية الخاصة»، والتحامل على العلم الحديث الذي يصر عليه المتصوفة والمحافظون معًا. الصورة التي تتبدى من الكتاب، هي في مجملها صورة للفساد المتغلغل في المؤسسة الدينية، حيث يترسخ الجهل ويستديم.
إن النقد الذي تتعرض له الممارسات الإسلامية في الأيام مشروط مرة أخرى بوجود مسافة تسمح بالنقد؛ فالدين يجب أن يكون موضوعًا حتى يجري تقييمه في ذاته، يجب أن يكون جزءًا من سياق أوسع للخطاب. الفارق هنا أنه بينما كان الإطار الأيديولوجي في زينب إطارًا علمانيًّا من البداية، فإن الإطار الأيديولوجي لنص طه حسين إطار متبدّل؛ فالصبي يبدأ السرد متناغمًا تمامًا مع ما حوله، ومنخرطًا تمامًا في المنظور الديني لريف مصر، الذي يصير هو الإطار الأيديولوجي للسرد في الفصول الافتتاحية، حيث إن صوت الصبي هو الصوت الحاكم. لكنه ما إن يكبر، ويبدأ في مساءلة ذلك المنظور، تتزايد خلافاته مع عائلته ومعلميه، ويرفض بالفعل الدين التقليدي ليستأنف طريقًا علمانيًّا خاصًّا به. وهكذا يغير السرد من إطاره الأيديولوجي، ويتبنى إطارًا جديدًا يكون الإسلام فيه رغم أهميته، مجرد خطاب من خطابات كثيرة. وعلى هذا النحو، يرسم السرد – على مستوى القصة وعلى مستوى المنظور – لونًا من القطيعة المعرفية التي أشيرَ إليها من قبل، ويفعّل في رؤيته المتغيرة للعالم، عملية إضفاء الطابع الموضوعي التي تحققت في رواية زينب من خلال علمنة العادات والطقوس الدينية.
النظرية ما بعد الاستعمارية والآخر: المشكلات والإمكانات
إن تناول الإسلام وتقديمه في زينب والأيام، في سعيهما الدءوب إلى نوع جديد من الهوية والأمة، يبين أن نفي الإسلام يلعب دورًا مهمًّا في صياغة الذات الأدبية العربية الحديثة، وهو الشيء الذي تتغاضى عنه النظرية ما بعد الاستعمارية، في تركيزها على جدلية الشرق/ الغرب، والمستعمِر/ المستعمَر. غير أن هذا لا يعني أن النظرية ما بعد الاستعمارية يجب أن تنحى جانبًا عند دراسة الأمة والهوية العربية الحديثة؛ لأن مقولتها عن صراع السلطة، ومفاهيمها عن الازدواجية والهجنة، أشياء ملهمة في فهم العلاقة بين الذات (العربية) والآخر (الديني، المحلي). والنظرية ما بعد الاستعمارية تقول بما قال به لاكان من أن العلاقة بين الذات والآخر هي علاقة صراع؛ فالخطاب الاستعماري يصوغ الخلاف، وكأنه أدوات يؤكد بها وضعيته في المركز ويشرعن سلطته. «إن هدف الخطاب الاستعماري أن يفسر المستعمَر وكأنه جماعة من الناس من أنماط منحطّة، على أساس الأصل العرقي، وذلك حتى يبرر غزوها، ويؤسس أنظمة للإدارة والتعليم»(بابا Bhabha ، 2004، ص: 101). وزينب والأيام بالمثل «تفسّران» الإسلام… وذلك حتى يفسحا الطريق لهوية عربية علمانية جديدة. ومن ثم فإن النصين يؤكدان مقولة النظرية ما بعد الاستعمارية عن صراع السلطة.
بل إن النظرية ما بعد الاستعمارية تعلمنا أن صراع السلطة هذا حافل بالتناقضات؛ فمن ناحية هناك مشكلة الرغبة، اذ يكتب إدوارد سعيد أن «الشرق عمومًا.. يراوح بين ازدراء الغرب والرضا بما هو مألوف، وبين رعشة السعادة بالجديد، أو الخوف منه» (سعيد، 1978 ب، ص: 59). وتمامًا كما أن الخطاب الاستعماري يرفض الآخر، فإنه ينجذب إليه. ومن الناحية الأخرى هناك مشكلة التبعية. ولكون «نشوء الذات الاستعمارية في الخطاب، وممارسة السلطة الاستعمارية في الخطاب، يتضمن إفصاحًا عن أشكال من الاختلاف، العرقي والجنسي»(بابا Bhabha، 2004، ص: 96) فإنه أمر مدمر في جوهره؛ لأنه يكشف عن نقص أصيل في جانب المستعمر. ويتوسع هومي بابا في المشكلة عند تحليله للأنماط الثابتة، وهي استراتيجية الخطاب الأساسية في الخطاب الاستعماري، لكنها تعتمد على مفهوم زائف للتصلب. إن توظيف النمط الثابت في حد ذاته، وتكراره بلا نهاية، يكشفان عن عدم قدرة المستعمر على الوجود من دون «الآخر»، وينمّان عن قلق في الذات المستعمرة. النمط الثابت The stereotype كما يقول بابا هو
«شكلٌ من المعرفة والهوية يراوح بين ما هو «في المكان» دائمًا، ومعروف بالفعل، وبين شيء ما، يجب أن يتكرر على نحو قلق … كما لو أن الازدواجية الجوهرية للآسيوي، أو الحرية الجنسية الوحشية للأفريقي التي لا تحتاج إلى دليل، لا يمكن أبدًا إثباتها حقيقة في الخطاب»(ص 95).
هذان التوتران كلاهما – أي رفض الذات – على نحو متناقض – للآخر (الآخرين) وتبعيتها له (لهم)- حاضران في عملي هيكل وطه حسين، حيث يصير الإسلام آخرَ محليًّا دينيًّا. التوتر الحاضر في عملية رفض الآخر، نراه في مواضع يتلعثم فيها كتابا زينب والأيام في تعبيراتهما البلاغية المضادة للإسلام والمضادة للدين. من ذلك مثلاً أن عددًا من الأحداث في رواية زينب – لجهودها في إضفاء الطابع الاجتماعي على الدين – يجري تصويرها على أنها عمل من أعمال العناية الإلهية، ويلاحظ الراوي الغائب أن «يصب الله عليه النار من أعلى السماء»(هيكل، ص: 68- جرينستيد، ص: 42) محددة بأي أسلوب يدعو الله سبحانه، فيسأل:»لمَ يا رب حين أردت أن تهبها حسن لم تهيئ قلبها لحبه؟»(ص: 270 – ص: 183)، وهو ما يعني ضمنًا أن السلوك البشري يقرره الله. إن بناء جملة كهذه ربما يكون تقليديًّا، لكنه مع ذلك يضفي طابعًا إشكاليًّا على علمانية القصة، موحيًا بأن الإطار الأيديولوجي لرواية زينب ليس إطارًا علمانيًّا كما ظننا في البداية. ويتعمق هذا الانطباع من خلال الصورة المضطربة للمشاعر الدينية عند حامد. مشاعره واضحة جدّثا بالنسبة ليوم القيامة (ص: 37) لكنه لا يراعي بالضرورة مواقيت الصلاة(13)، غير أنه يُرى في الغالب مناجيًا لله وداعيًا من أجل أشياء كسعادة زينب.وإذا وضعنا في الاعتبار تطابق شخصية حامد مع المؤلف، فإن موقف حامد الغامض من الدين يطرح مشكلة.
وبالمثل، ووسط غارة من نقد الدين في كتاب الأيام، لا يتخذ البطل طريقه العلماني هكذا دون بعض من التردد؛ ففي الجزء الثاني من الأيام يتأمل البطل في اختياره لطريقه العلمي:
وهو لم يرسل إلى القاهرة ولم ينسب إلى الأزهر ليكون أديبًا ينظم الشعر أو ينشئ النثر. وإنما أرسل إلى القاهرة وانتسب إلى الأزهر ليسلك طريقه الأزهرية الخالصة، حتى يبلغ الامتحان ويظفر بالدرجة، ويسند ظهره إلى عمود من الأعمدة القائمة في ذلك المسجد العتيق، ويتحلق الطلاب من حوله فيسمعوا منه درسًا في الفقه أو في النحو أو فيهما جميعًا.(الأيام، الجزء الثاني، ص: 143، باكستون Paxton ، ص: 202)
وتلاحظ مالطي دوجلاس رمزية الأعمدة هنا، فتقول بأنها تعكس إحساسًا بالصلابة لكنها تعكس أيضًا إحساسًا بالحماية (مالطي دوجلاس Malti-Douglas 1988، ص: 78). وبعبارة أخرى، فإن الأعمدة أشكال مزدوجة. ومن الملاحظ أيضًا أن لغة كتاب الأيام متأثرة بالأسلوب القرآني(14). هذا ما يمكن أن نراه في بناء الجملة. ومن ذلك مثلاً أن مالطي دوجلاس تلاحظ أصداء قرآنية في عبارات مثل «وشيوخ الطريق وما شيوخ الطريق» و«لكن الألفية، وما أدراك ما الألفية»، وهو ما يعطي كتاب الأيام، كما يعطي القرآن، تأثيرًا جماليًّا معينًا(ص:185). وهذا الانصهار بين لغة السرد والأسلوب القرآني، يكشف عن نفور من إفساح الطريق بالكامل للثقافة الإسلامية، وإن يكن ذلك على نحو غير واع.
ومن ناحية أخرى، فإن التوتر الذي تنطوي عليه تبعية الذات للآخر في نقاشها معه، يصير بديهيًّا حين يُنظر إلى منجز هيكل وطه حسين الأدبي والفكري في مجمله. الرجلان كلاهما كانا مصلحين اجتماعيين، ومؤيدين لمفهوم هوية ووطنية مصرية علمانية في جوهرها، والرجلان كلاهما صاغا خطابهما الإصلاحي في بلاغة مضادة للإسلامية؛ فحتى قبل ظهور زينب كان هيكل قد نشر مقالات يطور فيها رؤية للوطنية المصرية لها جذورها في الماضي الفرعوني، إذ سيعود الوطن إلى نفسه بإغفال الإسلام وإعادة اكتشاف هويته قبل الإسلامية. وانتقد هيكل العلماء لأنهم أخطأوا تمثيل الإسلام، وحلل الدين بصفته مرحلة في التطور الحضاري سيتجاوزها العلم. كان الأنبياء قادة لهم خصوصيتهم، وليسوا أفرادًا ملهمين…(15). وطه حسين أيضًا، كان قبل الجزء الأول من كتاب «الأيام» قد أصدر دراسته محل الخلاف «في الشعر الجاهلي»(16)، حيث طبق مناهج علمية في دراسة الشعر الجاهلي بمضامين خطيرة بالنسبة لتفسير القرآن المعتمد عليها، كما نشر في الوقت نفسه مجموعة من المقالات عنوانها «بين العلم والدين»(17)، يؤكد فيها – بين أشياء أخرى – أن الدين لا مكا*ن له في الحياة السياسية في القرن العشرين (سميث Smith 1973، ص 396-397). إن الحضور الدائم للإسلام في كتابات هيكل وطه حسين ذات النزوع العلماني، كما يشير عمل بابا Bhabha على فكرة الصورة النمطية stereotype، يشير إلى نقيصة في الخطاب الجديد، وهي اعتماده على مفاوضة السلطة الإسلامية التقليدية، وينم عن انشغال معين في النفس بمؤيديها، وسيتجلى هذا الانشغال بطريقة واضحة في ثلاثينيات القرن العشرين، حين أدى الخوف من الآخر الديني/المحلي إلى تغير في المنتج الأدبي لكلا الرجلين، وبالتالي تحولت فرضية بابا إلى واقع فعلي. نشر طه حسين عام 1933 الجزء الأول من «على هامش السيرة»(18)، وهو كتاب يتألف من حكايات خيالية تقوم على حياة النبي محمد، وفي عام 1935 نشر هيكل كتاب «حياة محمد»(19)، وهو سيرة أخرى للنبي، أتبعها بكتاب «في منزل الوحي» 1937، وسلسلة من الدراسات عن الخلفاء الراشدين في أربعينيات القرن العشرين(20). وهذا التحول إلى الموضوعات الإسلامية يجب ألا يفسر حتمًا بأنه دليل علامة على نوع من الالتزام الديني الجديد. وقد أظهر شارلز دي سميث أن التحول الجديد في الحالتين كلتيهما، كانت تحركه رغبة في الوصول إلى فئات جديدة من الناس، ومواجهة اتهامات الإلحاد التي وجهت للمؤلفين(21). وعلى أية حال، فإن ما يثبته هذا التحول إلى موضوعات إسلامية في ثلاثينيات القرن العشرين، هو انشغال حقيقي جدًّا بمواجهة الآخر(22).
إن الأثر المشوِّه الذي تركته نظرية ما بعد الاستعمار بثنائية المستعمِر/المستعمَر على مسألة الهوية العربية الحديثة- وهو أثر مضلل تمامًا كالدور الذي لعبه الإسلام كلون من «الآخر» هنا- تعوضه تحليل ما بين الذوات في العلم، على اعتبار أنه موضع لصراع السلطة، وللتناقض، وللهجنة. وربما يكون الدرس هنا، أننا لا نستطيع حين يتصل الأمر بالنظرية الأدبية – كما هي العادة – أن نقبل ولا أو نرفض. غير أن قيود نظرية ما بعد الاستعمار _ وعلى مستوى أكثر جذرية – في مواجهة الهوية العربية الحديثة، على الأقل كما صاغتها هذه النصوص المصرية، تستدعي إعادة النظر في تصورات هذه النظرية عن الذات والآخر.
المصادر
References
Ahmad, Aijaz. (1987) ‘Jameson’s Rhetoric of Otherness and the “National Allegory”’, Social Text 17, pp. 3–25.
Bhabha, Homi. [1994] (2004) The Location of Culture, London and New York, Routledge.
Cachia, Pierre. (1956) Taha Husayn: His Place in the Egyptian Literary Renaissance, London, Licac and Co. Ltd.
Haykal, Muhammad Husayn. (1937) Fi Manzil al-Wahy, Cairo, Matba’at Dar al-Kutub al-Misriyyah.
——(1943) Al-Siddiq Abu Bakr, Cairo, Matba’at Misrah.
——(1944-5) Al-Faruk ‘Umar, 2 vols. Cairo, Matba’at Misrah.
——(1968) Uthman Ibn Affan: Bayn al-Khalifa wa’l-Mulk, Cairo, Maktabat al- Nahadah al-Misriyyah.
——(1983) Zaynab. Cairo: Dar al-Ma’arif; trans. John Grinsted, Zainab: The First Egyptian Novel, London: Darf Publishers, 1989.
Hourani, Albert. [1962] (1983) Arabic Thought in the Liberal Age, Cambridge, Cambridge University Press.
Husayn, Taha. (1962) Ala Hamish al-Sira, Cairo, Dar al-Ma’arif.
——(1979-1980) Al-Ayyam. Part I, Cairo, Dar al-Ma’arif, Part II, Cairo, Dar al- Ma’arif, Part III, Cairo: Dar al-Ma’arif, trans., E.H. Paxton, Hilary Wayment and Kenneth Cragg (1997), The Days: His Autobiography in Three Parts, Cairo, The
American University in Cairo Press.
Jameson, Frederic. (1986) ‘Third-World Literature in the Era of Multinational Capitalism’, Social Text 15, pp. 65–88.
Johansen, Baber. (1967) Muhammad Husain Haikal, Europa und der Orient im Weltbild Eines ?gyptischen Liberalen, Beirut, Steiner.
Malti-Douglas, Fedwa. (1988) Blindness and Autobiography: Al-Ayyam of Taha Husayn, Princeton, New Jersey, Princeton University Press.
Prasad, Madhava. (1992) ‘On the Question of a Theory of (Third World) Literature’, Social Text 31/32, pp. 53-83.
Rooke, Tetz. (1997) In My Childhood: A Study of Arabic Autobiography, Stockholm, Stockholm University.
Safran, Nadav. (1961) Egypt in Search of Political Community: An Analysis of the Intellectual and Political Evolution of Egypt, 1804-1952, Cambridge, Mass., Harvard University Press.
Said, Edward. (1978a) Beginnings: Intention and Method, Baltimore, The John Hopkins University Press.
——(1978b). Orientalism: Western Conceptions of the Orient, London, Penguin.
Shalan, Jeff. (2002) ‘Writing the Nation: The Emergence of Egypt in the Modern Arabic Novel’, Journal of Arabic Literature, 33/3, pp. 211–47.
Smith, Charles D. (1973) ‘The “Crisis of Orientation”: The Shift of Egyptian Intellectuals to Islamic Subjects in the 1930’s’, International Journal of Middle East Studies, 4, 4, pp. 382–410.
——(1983) Islam and the Search for Social Order in Modern Egypt: A Biography of Muhammad Husayn Haykal, Albany, State University of New York Press.
Sprinker, Michael. (1993) ‘The National Question: Said, Ahmad, Jameson’, Public Culture 3, pp. 3–29.
Szeman, Imre. (2001) ‘Who’s Afraid of National Allegory? Jameson, Literary Criticism,
Globalisation’, The South Atlantic Quarterly 100, 3, pp. 803–27.
Vatikiotis, P. J. (1969) The Modern History of Egypt. London, Weidenfeld and Nicholson.
الهوامش
1 – جرى الاعتراف بهذا تمامًا، وشرحه في الدراسات التاريخية للهوية وللأمة وللثقافة العربية، مثل دراسة ألبرت حوراني Albert Hourani عن الفكر العربي في العصر الليبرالي Arabic Thought in the Liberal Age ، ودراسة ناداف سافران Nadav Safran مصر تبحص عن جماعة سياسية: تحليل للثورة الفكرية والسياسية في مصر
Egypt in Search of Political Community: An Analysis of the Intellectual and Political Evolution of Egypt, 1804-1952.
2 – ستكون الإشارات إلى طبعة 1983 (دار المعارف – القاهرة). وقد فضلت استخدام ترجمتي أنا ، رغم أن المقدم هنا هو أرقام الصفحات المعنية في كتاب جون جرينيستيد Grinsted (زينب: الرواية المصرية الأولى)
Zainab: The First Egyptian Novel (London, Darf Publishers, 1989)
3 – الإشارات إلى الطبعات التالية: الجزء الأول، دار المعارف، القاهرة 1979- الجزء الثاني، دار المعارف، القاهرة، 1979 – الجزء الثالث، دار المعارف، القاهرة 1980. ومرة اخرى أنا أفضل استخدام ترجمتي أنا، بينما أشير إلى أرقام الصفحات في
E.H. Paxton, Hilary Wayment and Kenneth Cragg, The Days: His Autobiography in Three Parts (Cairo, The American University in Cairo Press, 1997).
4 – لاحظ أن هذا ليس المثال الأول على تصور جيمسون عن أمثولة الأمة. انظر :
Imre Szeman, ‘Who’s Afraid of National Allegory? Jameson, Literary Criticism, Globalisation’, esp. pp. 813–17.
5 – يمكن للمرء هنا أن يضيف شيئًا عن النغمة الأبوية التي يكتب بها جيمسون عن أن «رواية العالم الثالث لن تقدم ما تقدمه روايات بروست وجويس»(جيمسون، ص 65).
6 — وسبرنكلر يعترف مع ذلك بأن أطروحة جيمسون ليست استفزازية.
7 – هذه النقطة الأخيرة تذكرنا بما طرحه جمسون عن أن نصوص «العالم الثالث» لها بالفعل قيمة قرائية، ويبدو أن هذا قد تغلب على مقولة المراوحة الأخيرة، القائلة بأن نصوص العالم الثالث نصوص قائمة على التمثيل الكنائي، وذلك بنقل التركيز من النص إلى القارئ.
8 – ليس معنى هذا أن الانتقاد الديني لم يشكل ثيمة في بدايات الأدب العربي، إنما هي مسألة نغمة (تقديس الإسلام أو عدم تقديسه) ودوافع الانتقاد (إصلاح الإسلام أم تهميشه).
9 – نشرت زينب عام 1931، رغم أنها مكتوبة قبل ذلك بسنتين، حين كان المؤلف في فرنسا (شعلان 2002، ص 216). عن زينب ومؤلفها انظر شارلز . دي. سميث : الإسلام والبحث عن النظام الاجتماعي في مصر الحديثة، سيرة محمد حسين هيكل
Charles D. Smith, Islam and the Search for Social Order in Modern Egypt: A Biography
of Muhammad Husayn Haykal،
وانظر أيضًا بيبر جوهانسن: Baber Johansen, Muhammad Husain
Haikal, Europa und der Orient im Weltbild Eines ?gyptischen Liberalen
10 – انظر شعلان: «كتابة الأمة» للحصول على شرح تفصيلي للعلاقة بين كتابة الأمة وكتابة الرواية في رواية «زينب»
11 – من أجل دراسة مطولة لهذا العمل الأدبي انظر: فدوى مالطي دوجلاس: العمى والسيرة الذاتية، الأيام لطه حسين، وعن حياة طه حسين وأعماله عمومًا انظر: بيير كاكيا: طه سين ومكانته في النهضة الأدبية المصرية، وانظر أيضًا: حوراني : الفكر العربي في العصر الليبرالي، ص 324-340.
12 – هذا نموذج شائع في السيرة الذاتية العربية. انظر تيتيز روكي: في طفولتي، دراسة في السيرة الذاتية العربية، ص 97-102.
13 – القصة هنا في الحقيقة تتسم بالغموض؛ فأحيانًا يُرى البطل وهو يراعي واجباته الدينية، بينما يقال لنا: «حقيقةً إنه لم يكن يصلي، ولكن ذلك لا يدخل في التقدير العام لأولاد المدارس»(هيكل، ص 175، وجرينستيد، ص 123).
14 – تسجل ماطي دوجلاس هذه الملاحظة تصحيحًا لإدوارد سعيد الذي يقول بعد التعليق على الحضور الدائم للقرآن في طفولة البطل، بأن «الأسلوب السردي للكتاب ليس فيه تشابه مع عربية القرآن»(سعيد 1978أ، ص 82) وهو ما اقتبسته دوجلاس (1988، ص 154). والتفرقة هنا بين عربية القرآن في ذاتها، وأسلوب يحمل أصداء من النصض القرآني. انظر مالكي دوجلاس، ص 154-155 وما بعدهما.
15 – انظر سميث : الإسلام والبحث عن النظام الاجتماعي، ص 39-43. وأفكار هيكل الباكرة هذه ظهرت في صحيفة أحمد لطفي السيد «الجريدة» ذات الطابع القومي.
16 – القاهرة 1926. وانظر كاكيا: طه حسين، ص 145-149.
17 – نشرت في مجلة «الحديث»(فبراير – مايو 1927) وأعيد نشرها في كتاب «من بعيد» (بيروت 1967).
18 – الجزء الأول (القاهرة 1933) الجزء الثاني (القاهرة 1937) الجزء الثالث (القاهرة 1938). وأنا أشير هنا إلى طبعة متأخرة في عام 1962.
19 – محتويات هذا الكتاب بدأت في الظهور في شكل مقالات في فبراير 1932.
20 – «في منزل الوحي»(القاهرة 1937)، «الصديق أبو بكر» (القاهرة 1947)، «الفاروق عمر» جزءان (القاهرة 1944-1945)، «عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك» (القاهرة 1964).
21 – انظر سميث: أزمة التوجيه؛ إذ يصوغ سميث حجته جزئيًّا انتقادًا لتحليلات مشابهة عند ناداف سافران (1961) وعند بي. جي . فاتيكيوتيس: في كتاب «تاريخ مصر الحديث»؛ فهو ليس وحده في هذه الاستخلاصات. ومع احترامه لطه حسين يرفض كاكيا مطلقًا (1956) فكرة أن طه حسين قد تراجع عما قاله في كتاب «في الشعر الجاهلي»، لأنه أخذ في تعميقها ولأن الكتاب أعيد إصداره تحت عنوان مختلف اختلافًا طفيفًا (ص 147) ويلاحظ حوراني أيضًا (1983) أن كتاب على هامش السيرة لا يمثل تغيرًا في وجهة نظر طه حسين عن الإسلام(ص 333-334).
22 – هذا القلق هنا بين الذات والآخر هو بطبيعة الحال نتاج الأزمنة؛ فهذا النوع من الهوية العلمانية الذي رسخه هيكل وطه حسين، كان لا يزال في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته، وجهة نظر الأقلية. غير أن الحقيقة تظل أنه إذا كانت الهوية بنية مائزة، وإذا كانت الذات على الدوام محصورة في علاقتها مع الآخر، أو مع الآخرين في الحقيقة، فإنها ستظل في الأساس قلقة وغير مستقرة . وكما يقول هومي بابا:
‘In the objectification of the scopic drive there is always the threatened return of the look’. (p. 116).
كريستينا فيليبس
ترجمة: خيري دومة