إبراهيم بن سعيد
كيف يبدو باطن الشعر حين يستخدم لغرض المديح؟ وعلينا في المديح أن نفرق بين المديح الطبيعي والمديح المصطنع، ولا شك أن المديح المصطنع مديح يسعى لغرض مادي، لكن هل تكشف قصائد المديح في مضمراتها عن نفسها وخفايا شاعرها؟ وكيف يبدو مسار شاعر المدح وأين ينتهي المطاف بشعر المديح نهاية الأمر؟ بمثل هذه الأسئلة نحاول مقاربة ديوان الستالي وأثره اليتيم.
الشاعر المنقطع للمديح:
أكثر ما يلفت انتباه الدارسين والقراء لديوان الستالي أبي بكر أحمد بن سعيد الخروصي الستالي ٥-٦هـ/ ١١-١٢م، هو مدائحه التي خصّ بها ملوك عصره من بني نبهان، حتى لقد أصبح ذلك الوصف الملازم للشاعر كما وصفه النّاسخ المتأخّر سعيد الدغاري (حي في ١٩٦٠م) في ختام نسخه للديوان:
المنقطع لمديح السادة بني نبهان.
والنسخة كما هو مقيّد بالديوان كانت منسوخة للشيخ سليمان بن حمير النبهاني ١٩٠٤-١٩٩٨م، سليل القوم والشخصية المعروفة في التاريخ العماني المعاصر بدوره المساند لإمامة محمد بن عبدالله الخليلي ١٨٨٢-١٩٥٤م، وقد تم نسخ الديوان ١٣٠٧هـ/ ١٨٨٩م.
أحصت الموسوعة العمانية عدد السلاطين والملوك الممدوحين في ديوان الستالي فوجدتهم ١٢ سلطانًا من سلاطين بني نبهان، وذلك في بواكير عهد النباهنة وحكمهم. وعدد قصائد الديوان ١٤٢ قصيدة في هذه الطبعة، أغلبها مدائح، ويدخل في ذلك المديح عدة قصائد قليلة في رثاء وتعزية أقارب الممدوحين، وتخرج منها قصيدة رثاء واحدة في امرأة تدعى زاد المال، وهي كما يبدو زوجة الشاعر أو جاريته، كما تخرج عن المدح أربع قصائد أخرى هي: قصيدة هجاء واحدة ص١٥٦، وخمرية ص٣٧٠، وقصيدة في الحكمة والوعظ ص٣٨٥، وقصيدة في النسيب والمنازل والأطلال ص٤١٨، وكل تلك القصائد لا تشكل ما نسبته ٣.٥٪ من مجموع القصائد، ولذلك يغلب طابع المديح على الديوان، وعلى ما تبقى من شعر الستالي.
عشرة قرون تفصلنا عن عصر الشاعر، وألف عام تقريبًا قد مرت بعجرها وبجرها على هذا الشعر، وما بين أيدينا من ديوان الستالي لا شك يطرح بتقادم عهده احتمالات عدة، منها سقوط عدد كبير من قصائد شاعره، ومنها مثلًا قصيدة توبة رباعية الأبيات موجودة منها نسخة بخط سيف الفرقاني، وهو من أهل القرن العشرين، ترد الإشارة إليها في الموسوعة العمانية، لكن محرري الموسوعة ينكرون نسبتها للستالي، لاختلاف لغتها، ولا نوافقهم، كما لا نخالفهم قطعًا، لكننا نقترح القيام بدراسة معمقة أكثر.
نهض المحقق عز الدين التنوخي ١٨٨٩-١٩٦٩م، أواخر حياته بمهمة جليلة في تحقيقه لهذا الديوان، ولم نطلع على خلفيات ذلك التحقيق، والنسخة التي بين أيدينا تحرمنا حتى من الاطلاع على مقدمة المحقق التي حذفتها طبعة وزارة التراث تعسّفًا واستبدلتها بمقدمة المؤرخ سالم بن حمود السيابي ١٩٠٨-١٩٩١م، ورغم ذلك، إضافة للهنات الطباعية في الديوان، فلا يمكننا أن ننتقص من قيمة عمل التنوخي منتصف القرن العشرين، وما توافر لديه من المخطوطات آنذاك لإنجاز هذا العمل، ونشره مطبوعًا أول مرة ١٩٦٤م، ولا يفوتنا أن نذكر أن التنوخي نفسه محقق ديوان الشاعر سليمان النبهاني، إضافة لكتاب وصف المطر والسحاب لابن دريد، هذا إذا اقتصرنا على الكتب العمانية من تحقيقه، وإلا فمؤلفاته وأعماله كثيرة.
القصائد الحليّ والعرائس:
إني إذا جاشَ بحرُ الشعرِ من أدبي
قذفتهُ لؤلؤًا رطبًا ومرجانا
حتى اذا انتظمت عندي قلائدهُ
جعلتها لصعاب الحاج أرسانا
ص ٤١٤
تعطينا الأبيات صورة للشعر بوصفه بحرًا يجيش في وجدان الشاعر فيقذف باللؤلؤ والمرجان، حتى إذا ما اجتمع من تلك الجواهر ما يكفي، نظم الشاعر منها قلائد وجعلها رسنًا لدواب الحاجات الصعبة، ولا يفصح النص هنا عن كنه تلك الحوائج الصعبة، لكنه سيفعل في مواضع أخرى، وفي موضع آخر تقدم الأبيات شعر الستالي في المدح بوصفه أحلى الأغاني:
فإن أحلى الأغاني ما أتاكَ بهِ
شعرُ الستاليّ مدحًا في أبي العربِ
ص٢٠
أحلى الأغاني إذًا هي مدائح الستالي وليست أي شيء آخر، ثم نجده يذهب أعمق في موضع آخر بقوله:
لولا ندى يعربٍ فتى العرب لما
حمدنا إصابة الأدبِ
أوسعنا بره فأمكننا
حسنُ ثناءٍ يبقى مدى الحقبِ
ص٢٥
على ذلك فالأدب محمود بسبب الندى الذي هو العطاء والكرم، وهنا العطاء على المديح حصرًا، وهكذا فإنه لولا هبات الممدوح لما أمكن المديح الخالد، وإذا لم يكن الأدب محمودًا فهو بالتالي مذموم! ونجد في نفس القصيدة ما يوضح لنا الحوائج الصعبة المذكورة آنفًا:
وعنّ للنفسِ مطلبٌ فغدا
لنُجحِه الشعرُ خيرَ ما حسَبِ
والشعرُ وشيٌ وجوهرٌ وهما
لُبس المعالي وحِليةُ الحَسَبِ
وحبّذا الشعر حين نبعثُه
أمام حاجاتنا إلى الطلب
لا يسمي الشاعر مطلبه الذي عنَّ للنفس، لكن يمكننا الآن تخمينه بسهولة بوصفه ذلك الندى، وذلك العطاء، وهذا هو الطلب، والشاعر طالب، ولكنه يطلب بهذه القلائد، الجواهر، التي صاغها، فهو الصائغ والقصائد صياغته، لكنها من الكلمات، قلائد المجد:
فاسعد بها يا ذهلُ فهي قلائدٌ
للمجد صيغت من حِجى الأدباء
ص١١
ينزاح الشاعر عن شاعريته، ليتحول إلى صائغ للكلمات، فالشعر نظمه وصيغته التي يبيعها لمن يقدر على شرائها من الناس:
واستبقِ شاعرها بنظم حليِّها وصّافَها بقريضِهِ مدّاحها
فمن المعالي قد حباكَ دِقاقها ومن القوافي قد حلاكَ صحاحها
ص١١٧
الشاعر يحبو جواهر الكلمات، وينتظر لقاءها جواهر الأموال، ونجد في موضعه ذاك يفصح عن سعادته:
ومن السعادة عندنا
أنّا بعثنا لامتداحك
ص١١٢
مبتهج هو الشاعر بقدرته هذه، ولعل تلك السعادة والنشوة ربما أوصلته سريعًا للغرور:
أصبت للشعرِ وجهًا في مديحكمُ
أولى من النّعت للأظعانِ والدّمنِ
ص٤٠٣
هكذا يصبح المديح، في نظر الشاعر، أولى من الوقوف القديم على نعت الأظعان وهي النساء على الرواحل، والدمن وهي آثار الراحلين، والإشارة كما يبدو لما غلب على الشعر العربي القديم، الجاهلي خاصة، من الوقوف على الآثار، وفي عصر الشاعر فإنه يرى المديح أولى من الوقوف على الآثار، ولعل الستالي ليس غريبًا عن عصره في هذا التفضيل كما يذكر أسباب ذلك مؤرخو الأدب:
وقد جرأهم على ذلك جود الخلفاء والأمراء ورغبتهم في اصطناعهم وتسنية الجوائز لهم من أجل ذلك. ولا أعجب من أن يدخل الحيص بيص الشاعر المتوفى سنة ٥٧٤م على خالد القسري أحد أمراء الدولة الأموية فيقول له: إني مدحتك ببيتين قيمتهما عشرة آلاف درهم فأحضرها حتى أنشدهما، فيحضر خالد الدراهم ثم ينشد الحيص بيص قوله:
قد كان آدم قبل حين وفاتهِ أوصاك وهو يجود بالحوباءِ
ببنيهِ أن ترعاهمُ فرعيتهم وكفيتَ آدمَ عيلة الأبناء
فيدفع إليه خالد الدراهم ويأمر أن يضرب أسواطًا وينادى عليه: هذا جزاء من لا يعرف قيمة شعره، ثم يقول له: إن قيمتها مائة ألف.
إن الشاعر حين يجعل شعره وأدبه محل التقييم النقدي فإنه يوافق ضمنًا على أن يعامل معاملة البضائع والأموال، ولا شك يتزحزح حينها الشاعر من موضعه ليغدو تاجرًا، والتاجر الرابح من يغلي بضاعته ويجد لها مشتريًا، وهكذا سنرى القصائد تتحول من زينة وصيغة وقلائد لتصبح هي العروس نفسها:
أبهج بها من عروسٍ في قلائدها وفي مجاسدها تبقى مدى الحقبِ
ص٣٢
وليست أي عروس، بل هي العرائس العذراء الخالدة:
فلاذت بك الآمال منا وأقبلت
إليك القوافي المحكمات الأوابد
عرائس أترابٌ بكورٌ مهُورها
تزول وهنّ الباقيات الخوالدُ
وهنّ لأعراض الملوكِ ملابسٌ
وهن لأجياد المعالي قلائدُ
فإن غيبت عنها رجالٌ فإنها
إليكَ إذًا عنهم عوانٍ شواردُ
ص١٦٤
إنها العرائس الأبكار الباقية، التي لا تشيخ ولا تشيب ولا تعجز، كل قصيدة منها عروس خالدة، لكنها من الكلمات، ولعل كل تلك العرائس الخيالية جعلت الستالي لا يفوّت ذكرها حتى في مقام الرثاء والتعزية، فنجده في مرثيته التي مطلعها:
سمجَ الزمانُ وأوحشَ البلدُ
فكأنما هو ما بهِ أحدُ
ص١٨٦
ولعلها هي مرثيته المذكورة في سعادة والدة محمد بن عمر، ورغم مقام الرثاء والتعزية والمصاب فإن الشاعر لا ينسى أن يذكر عروسه الشعرية آخر القصيدة:
وإليكها مثل العروس فقد
زُفّت إليك أوابدٌ شردُ
ص١٩٢
التجارة المربحة لا تكتفي بالبضائع عالية القيمة، بل على البائع نفسه أن يكون رفيعًا، وهكذا يرتقي الستالي ولا يكفيه أن يجد نفسه أحلى ذوي الآداب، بل تتعاظم النفس إلى مدى أكبر:
أما القوافي فقد أصبحت أنظمها
من خاطرٍ بذكاء الفكر يتقد
لولا الحياء وظني أنهُ كرمٌ
لاختلتُ تيهًا فلم يسعني البلدُ
لتعطلن المعالي في حلى مدحي
وتُفْتَقْدنَ المعالي يوم أفتقد
لو كان ما قلت من شعرٍ إذا سمعوا
إنشاده قيلَ شعرٌ سالفٌ سجدوا
يستعظمون لأبياتي وتمنعهم
من أن يقرّوا بفضلي الغيظ والحسدُ
لولا الملوك بنو نبهان خُيّل لي
أني بعثتُ بدنيا ما بها أحدُ
ص١٢٤
هناك، في تلك الأعالي، يستشعر الشاعر المدّاح حسد أهل العصر له ولفضله ولشعره، لعرائسه الشعرية، والحسد ما ظهر منه فلا يداوى وما بطن منه فمداويه في عناء، كما قال الجاحظ مرة، وهناك أيضًا يغدو الكريم الذي يليق به المديح هو المشتري وحده، أما المانع الممتنع عن الشراء فلا يليق به غير الهجاء كما نجده في قصيدة الهجاء اليتيمة في الديوان التي هجا بها أحمد القصبي:
تحلّى بادّعاءِ الأزدِ قومٌ
إذا سُئلوا وجدتهم جمادا
سألنا أحمد القصبيّ نزرًا
فما أبدى الشحيحُ ولا أعادا
فعُدَّ البخلَ في يمنٍ وإلا
فألزم نسبة الرجل الفسادا
ص١٥٦
معاودة النفس:
إذا كانت صفة المنقطع لمديح بني نبهان قد لزمت الشاعر فإن الشاعر نفسه أول من ينتبه لها، بل ويتعرض لها في إحدى القصائد، وإن بلغة السوق كالكساد والرواج، ص٢١٠:
سأشكرها من آل نبهان أنعمًا
وأعظم شيءٍ يمحقُ النعمةَ الكفرُ
إذا لم يكن للقومِ في الحمد رغبةٌ
فأكسدُ شيء في ديارهم الشعرُ
لئن ظفرت كفايَ من فضل مالهم فأعراضهم يا صاحِ من مِدَحي صفرُ
ولستُ براضٍ أن تراني موضِعًا
صنيعة مدحي حيث ليس لها قدرُ
وما هو إلا الفقرُ يا قوم ملزمي
تكلّف ما لا ينبغي، لُعنَ الفقرُ
أرى في بني نبهانَ للمدحِ مذهبًا
تُنالُ به الحسنى ويكتسبُ الأجرُ
تبدو اللعنة التي يطلقها الشاعر على الفقر في أبياته لعنة من عضّه الفقر بنابه، لكن ألا يستشعر الشاعر كذلك أن مديحه إنما هو تملّق ونفاق؟:
وهذا ثناء من وليّك أنّهُ
ونعماكَ أوفى خادمٍ لك شاعرِ
خذ الصدق منهُ وانبذ الملَق الذي
تراهُ وبي سامِ الملوكَ وفاخرِ
محلك في قلبي سويداؤه الذي
يُكنّ ومن عيني السوادُ وناظري
بسطتُ لساني بالثناء عليكمُ
وأولتكمُ حبًا بدائعُ خاطري
ص٢١٩
خادم وفيّ، نغمة جديدة تستظهرها لنا الأبيات، نجمعها مع الفقر السالف الذكر، تلك هي مسوغات الشاعر، وتبدو مسوغات جديدة، لكنها أكثر واقعية، بعد أن كانت مسوغاته الأولى مسوغات نظرية أدبية قائمة على الذوق وحسب، وهذه المسوغات الواقعية هي التي تدفعه للمديح، لذلك فهو يلاحق بشعره المشترين، أو بما يصفه المحقق التنوخي بالاستجداء في تعليقه على القصيدة التي مطلعها:
سألنا لكم طول البقاء كأنما
سألنا بقاءً للمكارمِ والفضل
وختامها:
فأجروا لنا عادات بِرّكمُ الذي
لو أنّا سكتنا جاء بالعاجل الجزلِ
يقول التنوخي معلقًا:
قلّما خلت قصيدة من الاستجداء الذي يحط بما فيها من قيمة المديح والإطراء.
ص٣٥٩
ومثله تعليقه على الخمرية التي مطلعها:
هات اسقني الراح في راوُوقِها عللا وعاطني في الحديثِ اللهوَ والغزلا
ويعلق عز الدين التنوخي:
قلّما خلت قصيدة من الاستجداء الذي يحط بما فيها من قيمة المديح والإطراء.
ص٣٧٠
يبدو لنا هذا الاستجداء الآن ميناء شاعر المديح الأخير، حيث لا تأخذه السفن أبعد من ذلك، وهناك يذوي الشاعر، ويتحول ذلك الذي كان لا يمنعه غير الحياء من أن يتيه لأن البلد لا تسعه إلى شيء آخر:
مدحتكم أثني على فضل سعيكم
بآنفةٍ والسالف المتقادم
وإلا أصادف مثلكم لي سادةً
فلن تظفروا في الدهرِ مثلي بخادمِ
تسومونهُ سخطًا ويستعطف الرضى
وتولون ما يغني ويجري بدائمِ
أيبلغُ نصحًا بين نصحي وحلمكم
سعايةَ واشٍ بيننا بالنمائمِ
وإني وإن أوجدتكم شعرَ جروَلٍ
لمثنٍ به منكم على جودِ حاتمِ
ص٣٨٤
يستنتج القارئ من مجرى القصائد، رغم أنها غير مرتبة تاريخيًا، أن الشاعر بلغ به الأمر حد التوقف والانقطاع زمنًا عن قول الشعر، وأتت بعض القصائد بما يشبه صوت الضمير الداخلي الذي يلوم النفس على حالها، بل ويعيّرها:
أعيّر نفسي حرصها واجتهادها
وأعذرها حبًا إذا الفقر آدها
وما ندعي من عِزة بعدما أرى
لأيدي الأماني ذلها وانقيادها
بلى ربما لاقت نزاهة مطلبٍ إذا وجدت عند الملوك مرادها
ص٤٥٧
وقوله (وما ندّعي من عزّة) يأتي في نظرنا تبريرًا لتقديمه نفسه كخادم للممدوح، ويبدو لنا أن الشاعر غلبه ذلك الشعور في فترة ما فاعتزل الشعر وملاحقة الملوك بمدائحه، ولكن الملك ذهل بن عمر بن محمد ق١٢م، وهو الذي حاز نصيب الأسد من مديح الستالي، أعاده لقول الشعر، حتى صار يرى اعتزاله الشعر ذنبًا، ويبدو أن وضعيته الجديدة، كخادم، جاءت ضمن تلك العودة:
أتوب إلى الرحمن من كل منكرٍ فعلتُ وما ضيّعتُ من حكمة الشعرِ
وكنتُ نبذتُ الشعرَ خيفةَ مأثمٍ بظني وبعض الظن داعٍ إلى الوزرِ
وجدد لي ذهلٌ إلى الشعرِ عودةً بإحسانهِ حتى شددتُ به أزري
ص٢٥٥
ومن وراء ذلك نستطيع أن نبصر الحالة الاجتماعية في شخص شاعرنا، فهذا أشهر شعراء عصره اليوم، ظل يتبع بمدائحه الملوك وأبناءهم واحدًا واحدًا، ثم نجده يشكو الفقر، ويلعنه، وهذا هو الفقر الذي جعله فيما هو فيه من استجداء لا يتوقف، كل عام، ويأتينا صداه من وراء القرون كصرخة استغاثة:
إلى وُجدك النّامي من العدمِ الشكوى سلِمتَ من البلوى أجِرني من البلوى
وإنّي لحرّان إلى جودكَ الذي أرجّي بهِ من ورد سيبكَ إذ روّى
ص٤٤٤