يقدم حمود الطوقي من خلال كتابه قراءة فى شعر الشاعر العماني "الشيخ سعيد بن عبدالله بن غابشى الحبشي" حيث يستعرض فى البداية حياة الشاعر وثقافته مستندا بشكل اساسي على مصدر وحيد هو " الشاعر نفسه ثم أدبه "، هذا الشاعر الذي ولد عام 1330هـ بمنطقة الباطنة بوداع بلدة النوافل والتي كانت تعرف ركودا ثقافيا انذاك دعا والده العالم الفقيه للهجرة الى القابل بالمنطقة الشرقية مصملحبا ابنه معه وهناك عاش طفولة قاسية بعد وفاة والده ودفعته الظروف الاقتصادية الصعبة للعمل فى بعض الحرف الشاقة حتى يتسنى له الحصول على قوته ، فقد صنع التفاف وعمل بالطين واشتغل ناسخا للمخطوطات الى غير ذلك من الاعمال الصعبة مقابل اجر زهيد حدده بثلاثين بيسة تعادل فى زماننا 150 بيسة ومع اندلاع الحرب العالمية العظمي رحل لهيب ما الى عمان – كما يقول الشاعر – فتحسرت المعيشة والمكاسب بأضعاف اضعاف عن الاحوال السابقة فبلغت جونية الارز من الربط الكبير تتراوح بين 60 قرشا و100 قرش (حوالي 200 ريال ) بأسعار هذا الزمن) وبلغ ثمن القميص من القطن 7 قروش ، وأمام هذه الظروف نزح الشاعر إلى زنجبار التي كان يحكمها انذاك السيد خليفة بن حارب البوسعيدى وهناك تحسنت حال الشاعر وعرف اليسر بعد العسر وامتلك مجموعة من البساتين ولكن بمرور الوقت تدهورت الاحوال واستبد الزنوج وهيمن الفساد فغادر شيخنا زنجبار الى القابل من جديد ثم الى ابراء حيث استمر فى التعليم حتى فتحت المدارس العصرية فى عهد سيدنا قابوس بن سعيد المعظم فدرست بمدرسة المتنبي بابراء حتى طعنت بالسن فوافانى التقاعد من الحكومة ".
اما الباب الثاني فقد خصصه الكاتب لتوضيح "الاغراض الشعرية " للشاعر والتي قسمها إلى
" الرثاء والشعر الديني، وشعر الحكمة والموعظة، والوصف والغزل والمدح والهجاء والوطنيات والمراسلات الشعرية والشعر التعليمي".
وقد خصص الكاتب لكل غرض منها نماذج من شعر الشاعر كل فى مجاله دون تدخل منه إلا فى حدود شرح مقتضب لمعانى الابيات فى شكل بدائي ومدرسي مع الاشارة الى البحر الذي يستخدمه الشاعر في القصيدة .
وأولى الطوقي الجزء الاكبر من اهتمامه بالشعر الذي تميز فيه الشاعر وابدع مولودتيه اللتين يحمل الكتاب اسم احداهما وهى "البلابل " اما الاخرى فهي "الرحلة الاخروية ".
يقول المؤلف : واللاحظ انه عند عودتنا الى التراث الادبي العربي وخاصة ما يتعلق بفن المديح النبوى سوف نجد – ولى كل اليقين فى ذلك ، ان المولدية قصيدة شعرية ذات هيكل ثلاثي وهذا يعنى انها تستهل بالنسيب ثم مدح الرسول (ص) وذكر بعض صفاته الحميدة والوقوف عند معجزاته لينتقل بعدها الشاعر الى مدح الخليفة غير ان المولدية السعيدية "نسبة للشاعر سعيد ابن عبدالله " ومنذ مطلعها تشكل ثورة على هذا النهج التقليدي السابق ذكره وبهذا تأتي المولدية العمانية عند شاعرنا سعيد بن عبدالله رافضة مكسرة للمنوال المألوف النسج عليه، فالشاعر لم يستهل مولودتيه بالنسيب كما هو مألوف فى الشعر العربي.
ويستشهد بمطلع قصيدة البلابل :
قم سائق العيس جد السير فى الظلم
واطوي الفلا مسرعا فى الاليل البهم
وكبر الله ان شئت الرحيل وقل
سبحان من سخر الر كبان للامم
اولا تسنم اذا ما شئت طاوية
مراحل الجو لاسعيا على القدم
ويستمر المؤلف فى تفسيرا ته المقتضبة للابيات دون اي جهد فى توضيح الصور الشعرية أوفى بيان مدى توفيق الشاعر فى اختيار الالفاظ الدالة على ما يقصده ومدى تأثير البيئة على شعره والالفاظ المستوحاة من هذه البيئة الى حد انه قد ترك قصائد كاملة دون تعليق ومنها "الرحلة الاخروية " بدعوى "مشاركة المتلقى فى فهم الموضوع الذي انتجه الباحث او الكاتب بحيث يؤهله لكي يشتغل مستقبلا فى النصوص والمواضيع المماثلة ولا يكون مجرد مستهلك بل منتج فى بعض الاحيان ".
ورغم اسهابه فى الجزء المخصص للشعر الديني فانه لم يتوقف طويلا عند غرضي الوصف والغزل حيث اكتفى فى الاول بمقتطفات من شعر الشاعر توزعت علي صفحتين من صفحات الكتاب بدعوى ان البحث لايتسع لسردها كلها وتحليلها واما الغزل فقد اشار الطوقي انه لم يقع إلا على قصيدة واحدة من 35 بيتا لم يورد منها سوى 12 بيتا.
ولم يتعرض الكاتب على سبيل المثال لقصيدة الرحلة الاخروية التي تركها بدون تعليق رغم ان بها عدة ابيات تجمع الفرضين معا الوصف والغزل غير المباشر كمثل قوله :
فان كنت ترغب في دار خلد
وتهوى كعابا تحير الزهون
بلبس الحرير وحلى النحور
ورشف الثغور كما يشتهونا
بقد ملىء ورشف هنىء
وورد نقى جزى المحسنينا
تميد طروبا كعربا لعوبا
رهوبا رغوبا كما يرغبونا
فتختال بالدل فى مد ظل
بكثبان رمل من المسك حينا.
ورغم وضوح استلهام الشاعر المستمر او اقتباسه لآيات القرآن فى شعره فان ذلك لم يحرك المؤلف إلا فى اشارة مقتضبة تحت عنوان الاقتباس كأحد المحسنات البديهية التي يعتمد عليها الشاعر بالاضافة الى الجناس والطباق وتجاهل العارف والتخلص والالتفات والتكرار والتورية.
اما الجزء الاول من دراسته للخصائص الفنية فقد خصص له اربع صفحات من الكتاب تحت عنوان خصائص اللفظ والمعنى مقسما اياها الى الاسلوب والعاطفة واللغة والسرد القصصي ثم التزام الشاعر بعروض الخليل .
واذا كان المؤلف قد اعتذر فى بداية تقديمه للكتاب عن نقص ادواته فانه اوقعنا فى مفارقة كبيرة حين اشار الى انه سيستخدم فى تحليله منهجا حداثيا تماشيا مع حقل تخصصه "الدراسات الشعرية الحديثة ".
والواقع أن افتقار المنهج كان سمة ملازمة للكتاب واذا كان الكاتب قد استهدف سد ثغرة فى التراث الادبى والثقافي العماني فانه بعدم استكمال ادواته وعدم وضوح المنهج الذي استند اليه فى دراسته ، لم يستكمل طموحه بالاضافة الى انه لم يقدم ربطا من اي نوع واعتقد ان هذا دوره لاجل تخصصا عل الاقل بين التراث الادبي العربي والادب المعاصر هذا الربط الذي يحتاج الى دراسات جادة ومنهجية فى هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا المعاصرة .
ابراهيم فرغلى