يبدوان زمن الاهتمام بالثقافة قد بدأ أخذ بعضا من الحيز والاهتمام من لدن الدول العربية. بعد
طول انتظار. تغييب وغياب. تهميش وإلغاء.
فنحن حقيقة نعيش زمن التلفزيون بكل ما يدلفه لسان حاله من الغث والتسطيح والتبسيط. فهو بأمانة ممثل حقيقي لهذا الشكل الحضاري أو المديني الذي نعيشه.
وقد عايشت الدول العربية حالتين تثيران الشفقة بعضها انتقل من مرحلة الكتاب الى مرحلة التليفزيون. وبعضها انتقل من مرحلة اللا كتاب الى مرحلة التليفزيون. والاثنان معا انتقلا من مرحلة التلفاز الى الحاسوب وهاهم مجبرون لأن ينتقلوا جميعا بإرادة ذاتية أو فير ذاتية لدخول "منظمة التجارة العالمية" والتي تدخل الأولين والآخرين في متاهة القرية الكونية ورحمة ومغفرة العولمة. وهناك لا مكان للضعفاء ولا حضور بارز للهوية الوطنية إلا ما يستثنى منه حالات خاصة لتطويع الكائن.
بين هذا وذاك وقبيل السقوط النهائي في متاهة التهميش والعولمة. بدأ مشروع العاصمة الثقافية الذي هو بالأساس رغم بروزه مشروع ناقص لأن المدينة التي تحتضنه ناقصة. كما أنه ولد في لحظة ضعف وهوان.
ورغم أن الفكرة أوروبية باختيار عاصمة أو مدينة للثقافة والذي تم تنفيذه عام 1985 إلا أن استنساخ مثل هذه الفكرة وتحويلها الى فعل حقيقي شيء رائع وهي من الأفعال القليلة الجيدة والنافعة التي وجدت آذانا تسمع على أقل القليل.
ففي واقع الأمر لا أتحدث عن الفكرة وأهميتها. فهذا لا جدال حوله. حيث عانت الثقافة كفعل إنساني خالد كفيرها من الأفعال والأنشطة الانسانية حالات الالغاء والتهميش بل الاسكات.
فمادام اختيار عاصمة العرب الثقافية أصبح واقعا مرئيا وواقعيا. فعلى الاقل لابد من مناقشة هذا الأمر ولو على عجلة. فكما قال اندريه جيد: "لا يمكن أن نصنع أدبا جيدا بعواطف طيبة". فإننا لا يمكن أن نصنع أو نقيم مدنا وعواصم ثقافية عربية هكذا بضربة حظ أو بنية الكرنفال والاحتفالات والمهرجانات الرسمية أو بأموال نثرية أو عينية.
فاختيار العاصمة الثقافية يجب الا يقارن في هذا مع اختيارها لمعرض اكسبو أو معرض سيارات أو معارض التكنولوجيا، ورغم معرفتنا الفارق بين اختيار العواصم والمدن الثقافية في أوروبا وبيننا وبين المناشط المتنوعة التي تحتضنها تلك المدن والعواصم وبين مدننا وعواصمنا في شكلها القروي.
إذ لابد أن تسن اشتراطات لتلك المدن والعواصم التي تتهافت لاحتضان "عاصمة العرب الثقافية" ممثلة في أبسط هذه الاشتراطات والحقوق وهي:
"الحرية" و "عدم مراقبة الكتب" و "عدم تجريم الكتاب".
كيف لمدينة أن تكمن عاصمة العرب الثقافية حيث هي تصادر الكتب وترسل (المطاوعة) و "الرقباء" لترصد الكتب ومصادرتها سواء في المعارض والمكتبات.
النشاط والفعل الثقافي يكون له الحضور حيث توجد الحياة المدنية ممثلة في المؤسسات بجانب الحريات الشخصية، حرية الاختيار، حرية التعبير. ضرورة وجود المرأة ومشاركتها كالرجل.
هنا يكون للثقافة مساماتها التي تتنفس عبرها هواء نقيا. وحيث تكون الحياة موجودة بظهورها الواضع والخفي. هنا يمكننا القول بوجود عاصمة أو ثقافة.. أو لا شيء.