تختزل صناعة الحلي الفضية العمانية تاريخا زاخرا، لا يتميز بثراء، صياغاته التقليدية وحسب، وإنما بتفرد ذائقة صناعه، الشعبية والفنية. ويجد الدارس لتاريخ هذه الحلي، والمصنف لها، أنها تعبر – ضمن ما تعبر – عن اشارات مرجعية اجتماعية ودينية غنية بشفراتها. ولا يمكننا الحديث عن الزي الشعبي العماني – للنساء والرجال على حد سواء – دونما الاشارة إلى دور الفضة، كمقوم أساسي لهذا الزي. كما يتبدى فى الخنجر العماني لدى الرجال وفي الحلى الفضية لدى النساء. وقد أتاح موقع عمان منذ القدم أن تكون ملتقى حضارات، عبرتها أو استوطنتها، سواء تلك التي ازدهرت شرقا عبر تجارة طريق الحرير الذي وصلها بالصين، أو تلك التي ازدهرت غربا مبحرة مع رياح الكسكازي الموسمية من عمان وحتى موزامبيق على الساحل الافريقي الشرقي مرورا بزنجبار ولاهو وممباسا وغيرها. وساعد هذا الزخم الحضاري في تجديد المخيلة الفنية لصائغي الفضة على مر العصور، ورغم ما قد يتبدى من تشابه فى الوهلة الأولى بين مفردات هذه الحي، إلا أن باحثنا يعيد تصنيفها بشكل يشي بالثراء والتنوع، بل ويوحي بأن هناك أنماطا أخرى لم تفصح عنها الموجودات بعد، خاصة وأنه يتناول فئتين وحسب من تلك الحلي، وهما التعاويذ (الطلاسم)، والأحجبة (الأحراز)، وقد نشرهما فى استطلاعين منفصلين نترجمهما عبر هذه السطور.
يمثل ارتداء النسوة العمانيات للحلي الفضية تعبيرا كاشفا لرموز اجتماعية متباينة، إذ تدل هذه الحلي على الثروة، إلى جانب الدور التقليدي كنموذج للزينة، اضافة الى الانطباع الذي تتركه تلك الحلي معبرة عن مكانة من ترتديها.
وتشكل الحلي جزءا من مهر المرأة، ولها أن تحفظها أو تتصرف بها كيفما شاءت، وتحظي المرأة العمانية لاحقا بهدايا أخرى من المصوغات في المناسبات الخاصة، كأن تنجب مولودا ذكرا على سبيل المثال.
وفي حقب مضت، كانت صيانة الحلي العمانية تتم بشكل أساسي باستخدام الفضة الخالصة، مع
قليل من الذهب، وهو اختيار كانت له أسبابه الدينية أو الاقتصادية.
إلا أننا يمكن أن نضيف سببا آخر لارتداء الحلي، وهو الاعتقاد بأنها بطريقة أو بأخرى سوف تحمي من ترتديها، بل وستجلب لها الحظ السعيد والفأل الحسن. ويعرف هذا النوع من الحلي بالطلسم (التعويذة)، وهو شكل تسوغه قوى سحرية، ويرتدى خصيصا ليحمي صاحبته (أو صاحبه) من قوى الشر، أو في أغلب الأحيان لجلب الفأل الطيب له.
كما يمكننا أن نعد الحرز أحد أشكال الحلي النسائية الأكثر شيوعا في عمان، ويعرف في السلطنة بحافظ القرآن، ويأتي بشكل مستطيل، أو ربما على هيئة أسطوانة، ويصاخ من الفضة ليرتدى مع خيط أو سلسلة تطوق العنق.
وتضاف رقائق معدنية صغيرة وعملات دقيقة الى أنواع أخرى مدن الحرز. كما يوجد طراز آخر أصغر حجما يصاحب القلادات البدوية الكبيرة يسمى بالحنحون. ويرتدي الأطفال حرزا يتميز بالبساطة الخالصة، له شريط من الجلد أو القماش.
والحرز الذي ندرسه في هذا الاستطلاع قوامه الفضة، رغم اشتمال بعض أنواعه على زخارف ذهبية تشبه أوراق الشجر و تشكل مجموعة من أنواع عديدة تزخر بها السلطنة.
ومع التشعب الهائل لأنواع الحرز، محاولات لاستكشاف طرق تصنيفية يمكنها أن تجمع بين مجموعة بعينها، كأن توجد ثيمة زخرفية مشتركة أو موتيفة متكررة وتكتنف هذه المحاولات صعوبات جمة، حيث تندر المادة المرجعية لأنماط الحرز العماني، إلا أن جهدي الشخصي يقدم هنا بعض التصنيفات.
والحرز، كما يفترض الاسم، يحتوي على آيات قرآنية كريمة، وبما أنه مغلق بشكل عام، فلن تجد طريقة تنبئك لدى شرائه عما إذا كانت داخله تلك الآيات القرآنية، أم لا. إذن غالبا ما يكون الحرز خاويا لدى فتحه، ولم تحتو الأحراز المغلقة التي فتحتها إلا على حواش قماشية أو خشبية، أو بضع قصاصات من ورق الصحف، أو ربما – كما حدث ذات مرة – ورقة الارشادات الطبية المأخوذة من إحدى زجاجات الدواء، وهذا الحشو – في اعتقادي – إنما يوضع لحماية معدن الفضة الرقيق من التغضن.
وترتدى الفضة لذاتها، لأنها حسب المعتقد السائد، تحمي من عين الحاسد.
وقد صنعت الأحراز القديمة في السلطنة بشكل يدوي، وتوضح النماذج الممتازة منها مستويات رائعة من الحرفية والمهارة. ويميل التصميم العام لكل فئة الى التماثل، بغض النظر عن اختلاف صائغي الفضة لاختلاف مناطقهم.
وتأتي التباينات بين منطقة وأخرى غير واضحة إلا أن الأحراز التي يمكن الاعتداد بها، وبتميزها وتفردها عن مثيلاتها، هي تلك التي تعود بأصولها الى الشرقية وصلالة، في حين تشيع الأنماط الأخرى في معظم المناطق دونما تفرقة.
وقيما مضى كان الحصول على الفضة يتم بصهر ريا لات ماريا تيريزا، وهي تلك القطع النقدية المتميزة بارتفاع جودة فضتها ( 84 بالمئة من الفضة الخالصة، ويزن كل ريال 28 جراما).
ولم يكتشف صائغو الفضة القيمة النادرة لتلك الحلي العمانية التقليدية العتيقة إلا حديثا، إذ أنهم كانوا قد دأبوا على اعادة تصنيعها بصهرها لصياغة حلي جديدة، مما جعل وجود النماذج القديمة جدا أمرا نادرا، في حين استخدمت العملات القديمة الصغيرة مرة أخرى، باضافتها الى القلائد التي يرتديها الأطفال.
ويمكن تقسيم الحرز الى قسمين، يشتمل أولهما على السلاسل التي تشد قاعدته المسماة بيد فاطمة،
والأجراس والمشدات. وقسم ثان من الأحراز يأتي بدون سلاسل، وإذ يميز هذا الفصل بين النمطين، كما توضحه الصور، إلا أن ذلك لا يعد تصنيفا بحد ذاته، اذ أن قاعدة الحرز تشتمل على أكثر من 20 أسلوبا مختلفا بشكل كلي.
وتتراوح السلاسل المستخدمة من مجرد رابطة بسيطة الى سلسلة أكثر زخرفة ذات صفوف ثلاثة، تلتحق بها مفردات غاية في التعقيد ترتبط بكل حرز.
ويكون الحبل المستخدم عادة من القطن، يغزل عند طرفيه، ويحاك خلال شرائط الفضة. ولتمكين الحبل أو الشريط أو السلسلة من أحكام الربط يوجد شريط أوسط أو انشوطتان جانبيتان، أو – كما في حلي الشرقية – صف من الانشوطات (العقد)، يتم شدها على قمة الحرز. وتختلف أشكال الشرائط ويبدأ تنوعها من الاسطواني الى تلك المدببة ذات الرؤوس الحادة. وتضاف لها السدادات والأسنان والعظام ومخالب الحيوانات وقطع العاج أو الشرائط العاجية وحبات المرجان لضرورة طلسمية أو زخرفية.
الصورة (A1) توضح الأسلوب المستخدم في تزيين واجهة الحرز. حيث يتم ضغط المعدن للجانب بغرض تشكيل التصميم، الذي ينقش بدوره على الفضة بطرقات من مدقة على الواجهة. ويوجد نوعان من النقش: المسطح والمقوس. وتزين واجهة المسطح قطع الفضة، في حين يستخدم النوع الآخر في مقدمة الحرز مع تفاصيل لموتيفة يتم طرقها من الخلف لابرازها.
حول قاعدة الحرز وتعلق التعاويذ المدلاة، وتمثل هذه القلائد أجراسا أو مثلثات صلدة ثم اجتزاؤها وربطها بالأنشوطة. أما في الأحراز الأحدث فيوجد نوعان اصبعيان ليد فاطمة، وهو تشكيل شائع لدى صناع الحلي العمانيين، أما التصميم المشترك في كل هذه الأحراز فهو الرقاقة الملفوفة كما في الصورة الموجودة بأول هذا الاستطلاع، والمستخدمة بالمثل في تزيين الخنجر العماني، سواء بمنطقة ساحل الباطنة أو في مدينة نزوى.
وتستخدم فئة أخرى الطريقة ذاتها في صياغة الفضة، لكنها تجمع بين نموذج مركزي من المربعات مع حلية خارجية قوامها أوراق الشجر (صورة A3)، أما الجبهة العكسية فتشتمل أحيانا على حليات أكثر، يشيع فيها استخدام رسم الزهور.
التقويس المستخدم في فئة التصميم المجروف يهيىء تأثيرا جميلا للأحراز (صورة A4) ويكون شكل الجاروف هنا إما وسطيا مشكلا التصميم الرئيسي، أو ألرئيسي الجانبين لقطعة زجاجية ترتدى لأغراض احترازية، بلونها الأحمر.
وتبين: الصورة (A5) نوعين من التصميم الخاص بالرقاقات الملفوفة حيث يستخدم هذا التصميم بوجه خاص في الخناجر والسيوف ذات الطراز الأقدم، ونادرا ما يستخدم في هذا الأونة.
وهناك سبعة أحراز يربط فيما بينها نمط شائع في المهارة الحرفية. مع تنويعات على التصميم ذاته. كما في الصورة (A6) ونجد أن التصميمين الأيمن والأيسر العلويين من فئة أخرى. بينما نلاحظ وجود قلائد أطفال في أدنى الصورة. ويميزها بشكل واضح استخدام قطع صغيرة من العملات العمانية والأجنبية. التي تضؤل قيمتها. إضافة الى أن الخرزات بها مختلفة الأحجام والألوان.
الصورة (B1) الحرز الأسطواني الشكل، وهو الأقل شيوعا. وتتحلى هذه الأنواع من الحرز بتصميم ورقي ملفوف، وموتيفات هندسية أو تقويسات فضية بارزة تم دق بقشها من الخلف.
أي فئة، وفي الصورة (B2) نشاهد أساليب عديدة تستخدم طرائق مختلفة الحرفية. ومما لا شك فيه أن أصغر الأنواع سيرتديها الأطفال، وتصنع بأيسر الطرق حرفية وأسرعها انجازا وأرخصها قيمة.
وغالبا ما يكون للحرز خرزات مرجانية صغيرة، أو مقلدة من الزجاج الملون، يتم شدها بين السلسلة المعقود بها يد فاطمة، أو بين الخرزات فيما حول القلادة. وهذه الزخارف غالبا ما توجد في حرز الشرقية، ويشيع ارتداؤها هناك، أما المرجان، فهو متنوع اللون بين الوردي الفاتح واللون الأحمر، ويعرف باسم جوهرة الحكمة. وتوضح الصورة (C1) ثلاث قلائد حنحون ترتديها النساء البدويات في الشرقية. ونشاهد أعلى الجانبين حرزين مستطيلين، تم شدهما بحبل به خرزات أكبر حجما، أما الصورة (C2) فتوضح هذه الأحراز بالتفصيل.
وتصنع القطعة الوسطى للحنحون من مادة صمغية تشكل بعد تقسيتها وتزخرف لاحقا بأوراق ذهبية، أما في الأنواع الأقل قيمة فتصنع تلك القطعة من النحاس الأصفر.
ونرى في الصورة (C3) تشكيلة من أوراق الذهب الموجودة على الحرز الفضي. وأدنى نفس الصورة حرز به رق عوضا عن السلسلة والرق عبارة عن قطعة فضية صغيرة تم ثنيها حول الخيط القطني. أما الأحراز الطويلة الثلاثة فقد أريد لها أن تكون مدليات جانبية، رغم أن في نوعين منها نرى امكانية ازالة الجزء العلوي مما يجعل ارتداءها ممكنا كقلادة.
أما الحرز الذي يشبه السيجار، وهو من نفس المنطقة، فقد تم تزيينه على نحو مماثل بأوراق ذهبية. ويمزج هذا الحرز بين رقائق ورقية مفردة أو مزدوجة، أما العملات والمرجان فتستخدم لتعطي تأثيرا متميزا. ويصنع هذا النموذج بشكل خاص في سناو حاليا رغم أن جودة التصميمات لا ترقى الى ما وصلت اليه الأشكال القديمة من زينة.
في الصورة (C5) نرى بوضوح ثلاثة أمثلة يكون للجزء الأوسط فيها أوراق ذهبية، تحيطها مثلثات فضية وذهبية. وهذه القلائد الآتية من الشرقية يكون لها ريالات ماريا تيريزا أو أقراص ذات موتيفات هندسية أو مرجان مغلف بالفضة مشدود الى حبل بين الخرزات. والنوع الرابع هنا من فئة أخرى وتوضح الصورة (D3) نفس التصميم، وبها الخرزات والجزء الأوسط المشدود للحرز.
وتستخدم لتزيين الأحراز أنواع أخرى من الخرزات، ويتضح في الصورة (DI) نمط الحاجز المربع، ونمط آخر يكاد يكون كرويا. وهناك تصميم مشارك للحرز بشكل الماسة، ولكن هناك مثلثا، وربما كرة تتوسط بشكل بارز، هذا التصميم، بديلا للورقة الذهبية، وهناك الأنماط المختلفة للمدليات المعلقة من قاعدة الحرز والأجراس والتصميمات المتعددة ليد فاطمة وتوضع أقراص من البلاستيك أو الكهرمان أحيانا على أي من جانبي الأنشوطة في وسط الحرز لحماية الفضة من البلى أو حفظ المشد من التلف.
أما الصورة (D2) فنشاهد بها العملات المختلفة والعديدة التي يمكن ارتداؤها مع الخرزات، وتشد كل هذه الأحراز بحبل، ولها نفس الطرز من يد فاطمة وخرزات وموتيفة دائرية تحيط بالمركز البارز للفضة، الذي قد ينقسم الى ثلاثة أجزاء. وتتراوح هذه العملات من الروبية الهندية الى الشلنات الشرق افريقية الى ريالات ماريا تيريزا أو العملات السعودية ! وقد وجدت قلادة بها عملتان اسبانيتان، وأخرى بها عملات من فارس يعود عمرها لمئات السنين.
الحرز الأكثر إيلاما عند ارتدائه هو الحرز ذو الخرزات المدببة في الصورة (D3) وهي عبارة عن خرزات حادة قد تكون شديدة الايلام عندما تضغط بشدة على بشرة الجسد. الجزء الأوسط هنا أكثر زينة من الأنواع الأخرى ذات الطرز المحاطة بالمثلثات.
في الصورة (D4) نرى تشكيلة من الخيوط المزدوجة والخرزات، ونرى نموذج الحرز المفرد المركزي، الذي يملأ فضاءه المفرغ ست دوائر. وتتضح ثلاثة أنماط مختلفة لتصميم الأنشوطة (العقدة) العليا، وللأحراز من هذه التصميمات نفس أنواع الرقائق.
أما الجزء الأوسط المفرغ للتصميم الموضح في الصورة (D5) فيعتقد أنه تنويع لتصميم الشرقية الموضح في الصورة (C5)، وإن كان خاليا من الرقاقة الذهبية الوسطى، ويكاد الحرزان العلويان في الصورة يتطابقان في الاسلوب. بينما الحرز الموجود في المنتصف يشتمل على رقاقات ذهبية ماسية التصميم، في حين نرى حرزين أصغر حجما، بدون تصميم على الاطلاق، تم ربطهما الى السلسلة الأنشوطة الموجودة في أعلى و أدنى الحرز. أما الحرز الأدنى فيبين لنا مجموعة من المرجان والعملات وكان هذا الحرز يرتدى في الشرقية.
أما الصورة (D6) فتبين حرزا ذا أسلوب مميز وفريد الى درجة مذهلة، يشبه الى حد كبير الحرز اليمني، لكن الاختلاف الرئيسي هنا هو أن القاعدة بها طلقة فضية بطولها، ويشكل التصميم الأوسط إما كرة بارزة ذات دوائر على أحد الجانبين، أو شكلا ماسيا.
وهناك 3 أحراز أصغر حجما بكثير، ربما نصف حجم الحرز الآخر المربوط على قلادة الخيط، ويمكن اعتبار ريالات ماريا تيريزا دليلا قياسيا للحجم عند المقارنة.
ورغم افتقاد الحرز الفضي لمكانته كأبرز عناصر الحلي في السنوات الأخيرة، مفسحا المجال للقلائد والأحراز الذهبية ذات التصميمات الدخيلة،إلا أنه من المؤمل أن تستخدم التصميمات التقليدية العمانية مرة أخرى في تلك الحلي الفضية.
الطلاسم السحرية
قد يسميها البعض خرافة، أو يدعوها آخرون عدم مخاطرة، إنما في الحالتين على اختلافهما، يمثل ارتداء الطلسم إبعادا للشر واحضارا للخير ودعوة للفأل الطيب ليشمل من يرتديه.
سنرى الطلسم العماني في فئات عدة، غير أن أكبر أنماطه تعقيدا هي تلك القلائد قرصية الشكل، وهي من الفضة، وتشتمل على أرقام وحروف ورموز حفرت جميعها على الواجهة، تبدو معانيها مغلقة لا يفك شفراتها إلا هؤلاء الناصحون بارتدائها وقد حصلت منذ سنوات معدودة على مجموعة من الكتابات الخطية، ضمن رزمة ورقية صفحاتها سائبة عتيقة، تم تغليفها بالجلد ( S)، ومعها كانت هناك نسخة مخطوطة من القرآن الكريم، نصحوني أن أضعها دوما أعلى الطلسم لحماية من في البيت، وكف الأذى عني.
في هذا الكتاب المشار اليه طلاسم لكل المناسبات، تشفى العليل وتحجب المرض. وفي الصورة ذاتها سنرى نموذجين من هذه الطلاسم بجوار صفحات الكتاب.
الصورة (V) توضح أحد الطلاسم المركبة، التي تضم بدورها تسعة مربعات طلسمية، تحتوي أربعة منها على نقوش في حين (نقرأ) في الخمسة الأخرى رموزا عددية وأبجدية وتشتمل الجهة الأخرى من الطلسم على 7 رموز إضافية.
ويعد النموذج ذو الستة عشر مربعا أكثر أنواع الطلاسم المستخدمة شيوعا، بينما نجد تنويعات على نموذج المربعات التسعة أما أبسط الطلاسم فلا يعدو كونه بضعة أسطر من الأرقام والحروف المطبوعة على شريطه.
آيات قرآنية
في أنواع أخرى من الحلي الفضية سنرى نقوشا لآيات من القرآن الكريم، ويسود اعتقاد شائع بأن لتلك النقوش وظائف طلسمية، ونجد أن آية الكرسي (سورة البقرة) هي الأكثر شيوعا في تلك النقوش، ونرى هذه الآية الكريمة في نوعين من قلائد النساء الفضية، كما أنها توجد على الشرائط الصغيرة التي يرتديها الأطفال، بل وسنشاهدها محفورة على أغراض الرجال المصنوع
من الفضة.
أول أنواع تلك القلائد، وأكثرها انتشارا، ستجمع ما بين قرص فضي كبير وأنشوطة فضية أكبر يعلوها سمط برموز محفورة وتمثل قطعة بسيطة الى حد كبير من الحلي، لا تحتوي أية رقائق فضية أو ريالات ماريا تيريزا، بل يعلق بدلا منها سلسلة فضية، ولها خرزتان باللون الأحمر، مختوم جانبها بالفضة. وتوضح الرقائق الجانبية للأنشوطة أعلاها.
ويتخلل الأنشوطة والرقائق سلك فضي سميك، حتى نهايتي الأنشوطتين الأصغر، حيث تربط السلسلة. ويمكن أن تكون الخرزات الحمراء من الزجاج أو السيراميك أو البلاستيك، وفي أندرها تستبدل الحبات الحمراء بكرات فضية. ويعتقد أن الخرزات الحمراء أصلها المرجان، إلا أنني لم أجد نموذجا يثبت هذا الأمر.
أما السمط الذي يأتي مع الخرزات فيرتدي مع السلسلة المفردة أو المزدوجة أو الثلاثية المصنوعة
يدويا من عقد أصغر. وفي ظهر السمط يوجد رمز مثلث ومزدوج (أم الصبيان، صورة W)، ويقال إنه يمثل روحا شريرة تم أسرها وسلسلتها كي تجنب الأذى من يرتديها. ويعد ذلك مثالا شاذا لنوعين من الطلاسم يجمع بين الرموز السحرية والآيات القرآنية.
ثاني أنواع القلائد هو قرش مكنة (ترجمة حرفية لقلادة الريال المصنوعة بالآلة)، وفيه تحفر النقوش على الجهة العكسية للسمط، كما القرص الفضي الكبير (صورة V)، وفي الواجهة تصميم هندسي يجمع بين 6 بتلات زهرية ووسط بارز. ويشتمل أبرز النماذج على تصميم أوسط به موتيفة تزيينية تتعامد مع النسيج المحيط بها. وهو نوع أقل شيوعا، ومن المعتاد الاكتفاء بالمثلث الصغير المزدوج المحفور على ظهره.
العرش
يأتي نقش آية الكرسي (العرش) هي رقم 255 من سورة البقرة، ثانية سور القرآن الكريم، والتي اشتق اسمها من قوله تعالى (وسع كرسيه السماوات والأرض)، أما الآية كاملة فيقول سبحانه وتعالى: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في
الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يتؤوده حفظهما وهو العلي العظيم".
وقد اختير نقش هذه الآية من سورة البقرة في بلدان اسلامية عديدة، حيث يتم حفرها على حلي النساء، ورغم عدم التصريح في القرآن الكريم فإن هناك من يعتقد بما في هذه الآية من ميزات سحرية خاصة، بشكل يبرر ارتداء النساء والأطفال لها حماية لهم من الأذى وغالبا ما يتم حفر الآية القرآنية لتمثل مركزا للزهور المؤطرة بنقوش زخرفية. وعادة ما تكون مستطيلة الشكل مستديرة القاعدة. ولا يوجد بها خرزات أو عقد أو حليات أخرى، ويتم تعليقها بسلسلة بسيطة مؤمنة بربطتين علويتين أما الجهة العكسية من المشد فهي خالية من النقوش.
ومن الشائع جدا وجود أكثر من أية كريمة على الطلسم تختتم بآية الكرسي. وتنقش آيتان على واجهة هذا الطلسم (صورة X) الأولى في 3 أسطر (الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) بينما في السطرين الأخيرين "إن ربي لكل شيء حفيظ".
ويمكننا أن نرى فئة أخرى لنقوش تصاميم ليست دائرية أو مستطيلة في الصورة (T) نرى بوضوح أقفالا بوضوح أقفالا ذهبية صغيرة تتأرجح بحرية بعد ربطها الى أعلى بشريط. ويقول النقش (يا حافظ يا حفيظ: شعبان 1377هـ) وتختلف صعوبة قراءة النقوش القرآنية الكريمة على الطلاسم الفضية مع اختلاف مستويات خطاطيها. سنرى في بعض الطلاسم التي لم يكن صانعها قادرا على تدوين الكلمات بالشكل الصواب، لتظهر الكلمات بصورة عشوائية عند حفره لها، كما لو كانت مجرد علامات، في حين يتمكن آخرون من ابراز جمال اللغة العربية وتنفيذ حروفها بشكل ممتاز.
يد فاطمة
نرى الحجر الأحمر المنقوش، والمثبت بالفضة (صورة (Y)، مع عقده الخمس بالقاعدة المشدود إليها يد فاطمة والأجراس. ويطلق اسم فاطمة على تلك العلامة نسبة الى فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد (ص) كما اتخذت تلك اليد تعويذه منذ دهر طويل.
وقد صممت بعض تلك بعض تلك العلامات / الأيدي بطريقة فنية راقية، كما يعد الرقم 5 معادلا رياضيا لتلك العلامة وهو يمثل في الوقت ذاته أركان الاسلام الخمسة.
كما يشيع ارتداء أسنان الحيوان أو مخلبة من قبل الأطفال، حيث يعتقد أن تلك التمائم تحمي هؤلاء الصغار من أذى الحيوان وهجمته (صورة R). وفي حين تمثل أغطية زجاجات العطر نموذجا مثاليا للزينة الخالصة فإن ألوان هذه القطع الزجاجية مجرد رمز. ويكثر ارتداء المرجان في القلائد للاعتقاد بخواصه الطلسمية المرتبطة بلونه. وتتكرر الفروع الدقيقة للمرجان الأحمر بالقلائد الحرزية، أما الخرزات المرجانية فتستخدم مع ما يرتدي من حلي فضية وذهبية من منطقة الشرقية.
المفاتيح
ترتدي المفاتيح (كما نراها في صورة Z) بشكل عام من قبل الرجال، وتعلق في غطاء الرأس. وبما أنها لا تفتح أية أقفال فإن وظيفتها العلمية منعدمة، وهي لذلك كقطع الزينة ذات النموذج غير الاعتيادي الذي يعتقد بأن له قوى طلسمية في طبيعته.
ويقال إن طلاسم الرجال الصغار (صورة M) تشجع الخصوبة وتأتي بصورة الأقزام، بل وقد يصبح شكلها تجريديا حتى نكاد لا نتعرف عليها إلا من خلال شكل القدمين، ويمكن في نماذج أخرى العرف على الأكف أيضا.
نماذج التعويذ والتمائم الطلسمية التي سجلتها في هذا الاستطلاع لا يمكن أن تعد نهائية، ويطيب لي أن أثني على من يوفر لي أنواعا أخرى منها, لأصورها وأعيد تصنيفها حين أكتب مستقبلا في ذات الموضوع.
ـــــــــــ
* الشرقية، ساحل الباكنة، سناو، نزوى وصلالة معالم مكانية بسلطنة عمان.
** تعود أقدم الموجودات الفضية الى الألف الرابعة قبل الميلاد، آنذاك، كان لخصائص الفضة من سلاسة التشكيل وبياض اللون ومقاومتها للأكسدة دور في أن تصبح عنصرا أساسيا للزينة ومقوما رئيسيا للنظام النقدي في معظم الثقافات فيما بعد، وحتى الآن.
وقد استخدمت في تصنيع الفضة على مر العصور كل تقنيات صياغة المعادن مثل السبك والطرق والطلاء والحفر والصهر وغيرها. وتجدر الاشارة الى علو شأن الفضة خلال العصور القديمة، وخاصة في روما، حيث استخدمت في صناعة الصحاف وأدوات المائدة وحلي الزينة وغيرها، وبعد أن فقدت مكانتها مقابل الذهب عادت مرة أخرى خلال العصور الوسطى لتؤكد على منلتها بفضل كلفتها الأقل وازدهر فن صياغتها خلال عصر النهضة، ليجد للتشكيل وبفضل تقنية طلاء الأغراض النحاسية بها أصبحت الفضة في متناول الناس (المترجم).
Robert Richmond: Magical Designs, A Tribute to Oman. Apex Publishing. 1993, pp. 49-58
Robert Richmond: (Ibid). pp 192-198.
النص: روبرت ريتشموند
الترجمة والتقديم: أشرف أبويزيد
الصور: الان هيلير