هوذا المبدع واسيني الأعرج هذا المتصوف الذاهب في لهيب اللغة، في حريقها، في رحيقها، في طهارتها، شهرتها الآبقة، غلمتها المشتهاة، لذتها الآسرة حدسها السكين: هذا الذابح، الدامي، المفرق حتى الابتهاج الممجد في القلب وفي الجوارح يحكي عشقه الصادي لمدينة تختنق اختناقها بالزيف والرعب والقتل: هذه الجزائر الساكنة في القلب وفي الذاكرة وفي مجرى الدم.
أيهذا الواسيني سندباد الأزمنة الآتية، تجيء من دم الشهداء، وطهارة الصديقين أيها "البشير" حفيد "الموريسكي" الأول المعذب بأعوام الفجائع والماسي ومحاكم التفتيش، يا أيها "العاشور الماندرينا" الذي تطهر بمياه البحار السبعة، يا "الحسين بن المهدي" يا خويا، يا "مريوشا" غنج مريم البهية الوديعة الساكنة في سويداء الطفولة تقتات نبض القلب، يا "سيدة المقام" مرئيات اليوم الحزين، وهاهم "حراس النوايا" يجتثون بأحقادهم آخر ما تبقى في صدورنا من أحلام !
وها أنت في كل هذه الأسماء وان تعددت، مفرد أنت بصيغة الجمع، تجيء كالفيض الغامر الدافق، طالعا كالألق من لغة ابن عربي وعذابات الخلاج ومكاشفات البسطامي ومواقف النفري: عرس اللغة لألاؤها، كبرياؤها السامق حتى برزخ الروح!
هي ذي "دنيازاد" تثأر لنفسها وهي تستعيد صوتها، تكتب تاريخها، تاريخنا المغيب: فاجعة الليلة السابعة بعد الألف وهؤلاء المجوس، يأجوج آخر الزمن، الدجال الأعور، يبتذلون حروف الكتابة البهية، يشوهون صفاءها الفاتن، يغتالون براءتها، وليس لنا غير مقام رمل الماية يهيج حرائقها، حرائقنا، هو ذد واسيني يقول حريق المدينة فجيعتها في سخرية حادة، مستعيدا "دون كيشوت" وقد اتخذه "سرفانتس" مطية ليسخر من الفروسية، ألم يقل عنها الروائي العالمي محمد ديب: "لقد ذكرتني، وأنا أقرأها، بحالة الرعب والاختناق لدى "لينين" عندما أنهى قراءة قصة "تشيكوف" (القاعة 6).
وهنا حوار قد أجرته معه مجلة "أدب /عمل" يقول الرواية سردا وبناء ولغة وشخصيات ومدينة تثن أنينها المأساوي تبحث عن خلاصها.
* لماذا اخترتم خلفا "لسرفانتس" شخصية رئيسية لروايتكم ؟
– ببساطة لأنني متعلق أيما تعلق بهذا الروائي الذي هو "ميجيل سرفانتس" ولروايته الكونية "دون كيشوت" ولخطابه الساخر والذي أجده دائما حداثيا. أن تفهم مع "سرفانتس" العالم كأنه الغموض كيما تواجهه، ليس كحقيقة مطلقة ولكن كحقائق نسبية متناقضة. إني اتفق تماما مع رأي "كونديرا": في عمق الكتابة، في جوهرها، هناك استفهام وليس اتفاقا أخلاقيا أو غيره. ليس هناك قط حقيقة مطلقة، بل إبهام جهنمي لأن الحقيقة المقدسة تشظت لمئات الحقائق الصغري النسبية، والرواية هي التعبير الأبقى لهذا التشظي والتفتت. إن الرواية ستزول يوم يتوقف هذا التفتت. فالرواية بوصفها فنا هي بالأساس متعارضة مع الحقائق الكلية المطلقة. إذا كانت موجودة، وكذا مع جميع اليقينيات، هذا من جهة،ومن جهة أخرى أشعر دائما أنني تركت خلفي بعض جذوري، هنالك في اسبانيا، فأنا خلف عجوز مكتبي غرناطي والذي، ذات يوم، وهويري مكتبته تحترق تحت ألسنة نار محاكم التفتيش عض يده كوحش مجنون، لقد أقسم بأغلظ الايمان الا يضع قدميه أبدا في بلاد يكون فيها الكتاب عدوا، والذاكرة تصبح رمادا. لقد عبر البحر فوق خشبة كيما ينتهي عند الضفة الأخرى الى الوحدة ويموت مسموما بقطعة لحمه نفسها… الاندلسيون يقولون بأن الغضب يحدث ردود أفعال كيميائية من نوع السم في الجسم ! لقد عرفت كل هذا مستمعا لشيوخ قريتي الصغيرة، وبالأخص جدتي التي تمتلك ذاكرة عجيبة تعيدها حتى تخوم القرن السادس عشر. لقد تركت لي جزءا من تلك الذاكرة الفاتنة، إنها خليط مهول من الواقع والخرافة !
* في الرواية هناك نظرة مزدوجة للجزائر: نظرة السارد، الموطف بوزارة الثقافة، ونظرة الصحفي الأسباني "دون كيشوت". لماذا هذه النظرة المزدوجة، هذا السرد المزدوج؟
– إن ما أردت أن أكتبه هو رواية عن الجزائر. رواية تقول الألم بالضحك والسخرية. فعندما يبلغ الألم ذررته فليس هناك من اختيار إلا بين الجنون أو السخرية، ولقد اخترت الثانية. وكلما تقدمت في الكتابة، انفتحت بنية الحكاية باتجاه شيء أكثر تماسكا وأكثر عمومية، لقد وجدتني وجها لوجه أمام تحول لوطن بكامله: رواية تحكي الارهاب الذي ليس له من هم غير مسح الفكر وكل قيمة انسانية، مسح فظ عنيف وليس له من تفسير إلا الأمية. وعليه فقد وجدتني أمام نظرتين للمشكلة،ولكنهما متشظيتان، الأولى وتتعلق بـ«دون كيشوت» الذي يكاد يكون فلكلوريا، الثانية، "بحسيسن"، وهي العميقة ولكنها غير كافية إنه لا يملك الحقائق والرهانات، إنها نظرة على العموم، غامضة، يتداخل فيها الخوف والخضوع والوطنية. والأهم في كل هذا أن النظرتين تلتقيان كيما تكونا نواة واحدة أكثر اتساعا وأكثر عدلا، وبالأخص أكثر انسانية. رحلة الاثنين، الأولى داخل نفق البيروقراطية والثاني داخل دهاليز المدينة، وكلتاهما تسمحان بتفجير الحقائق المخفية، إنها تعرية، ليس للأشخاص ولكن للآلة الجهنمية التي هي "النظام" الذي لا يريم ولا يبرح، والذي يمثل الشر المستطير والذي يسحق كل احتمالات التجديد، ففي العالم البيروقراطي للموظف ليس هناك من مبادرة ولا فعل ولا حرية، لا يوجد غير الخضوع الأعمى،. وتحديد شخصية في هذا العالم هو قتله، إفراغه من كل قدرة إبداعية. لعل هناك مبالغة أدبية بسبب بنية السخرية… قبل ذلك وجدت القرصنة والبحر اللذان أنعشا طبقة الدايات والبايات، والآن هناك الدهاليز النفطية التي تأخذ مكانها. إن العقلية القبلية والعشائرية والعائلية هي نفسها. أعتقد أننا لا يمكن بأن نؤسس للحداثة على أنقاض البدائية !
* ما هو جزء السيرة الذاتية، الشهادة ل نصكم ؟ هل يمكنكم أن تكتبوا،. ك في السينما في مقدمة القصة "كل تشابه مع الشخصيات والوقائع التي حدثت لا يمكن أن تكون الا محض مصادفة"؟!
– إنني أقول "كل تشابه مع.. هو متعمد ومقصود" لم أحبب أبدا الصيغ الجاهزة. الرواية هي قبل كل شيء رواية، كتابة وكلمات، إنها دعوة لفك لغز، أو بكل بساطة، استفهام، إن جوهر الرواية استفهام افتراضي. أحيانا نقول إن رواية ما تسرد حياة "كافكا" وفلسفته ولكن في الواقع ليس بإمكاننا أبدا أن نستخرج من رواياته فلسفة متماسكة. فهناك مشاهد يتكلم فيها الكاتب، نحس تدخلاته، وكل ما يقوله ليس مهما إلا داخل الحقل المغناطيسي للشخصية. في نصي تفاصيل ذاتية ولكنها مقومة بتفاصيل روائية حتى تفقد هويتها كيما تصبح "وهما" صراحا. "فحنا" مثلا كانت موجودة فعلا، إنها جدتي التي قلبها الموت منذ عشرين سنة خلت والتي أثرت في حياتي الى الأبد. لم تكن ضريرة، ولم تكن تصلي أمام لوحة "دالي"، لقد كانت أمي، بالأحرى التي تفعل ذلك، في مكتبي، كلما زارتني. وعند الصلاة،. كانت جدتي تدير اللوحة ثم تنساها بعد ذلك في تلك الوضعية. وهذه اللوحة التي تدير ظهرها لكل مار تحيرني. لماذا هي مدبرة؟ ولم أدرك سر ذلك إلا متأخرا: إنها مشكلة ثقافية أعيها، وهي حدث أثر في تأثيرا كبيرا، إنه يعني أن الأشياء تغيرت الى الحد الذي فقدنا نية الروابط العائلية. إذا كان عنصر السيرة الذاتية موجودا فقد انحرف عن دوره الطبيعي كيما يعانق دورا آخر يحيل الى الأدب لا الحياة الخاصة وبعيدا عن كل ذلك لم أعمل أبدا بوزارة الثقافة، ولكنني مع ذلك كنت قريبا وقاب قوسين أو أدنى من العاملين بها.
* في تعارضي الحا ضر/ الماضي حضور الحنين قوي جدا. كيف تعللون ذلك ؟
– إن أكثر ما يدهشني ليس خراب هذي البلاد، فى وانما الوعي بهذه الكارثة، وموقع الماضي والحاضر في هذا الوعي فما يتعس مدينة مثل الجزائر هي عجزها عن عيش حاضرها في انسجام مع ماضيها الذي لا ينقصه البريق. لقد غدت مدينة بلا ذاكرة. حنين هذه الرواية، اذا كان هناك حنين، يكمن أساسا في ضياع المعالم. والدولة الحديثة لا يمكن أن تؤسس داخل الفراغ ! الدولة هي مجموعة معقدة من التراكمات والقطائع. إن ما أصاب ثقافتنا هي القطيعة مع ما يمنح الحياة والتنوع لبلادنا. حي بلا ذاكرة وبلا ثقافة شعبية حي ميت. حي مفتوح على جميع المغامرين الذين لم يرهقوا أنفسهم في تحطيمه من أجل مصالح تجارية، وليس الاسلاموية إلا مرحلة لهذه المغامرة التي ستحطم بدورها ما تبقى من إنسانية هذه المدينة وشعريتها! فأنا لست مناصرا للماضي، وانما للحظاته الثقافية المتشابكة التي أسأنا تسييرها. وسرفانتس واحد من هذه اللقاءات العظيمة والكهف صورة ذلك الأثر. ابن خلدون أيضا له ذلك الأثر في فرندة، وجزء كبير من الجزائريين يجهلون ذلك لأن أحداثا كهذه ليس لها من موقع في المدرسة ! إنها مواعيد ضائعة، الضياع الأكبر، ماض مفرخ من قدرته. وفي روايتي لا أعيد انتاج الماضي، إنه كما هو، وما يهمني بالمقابل هو لحظة الضياع التي أسائلها كيما أذهب مبامثوة باتجاه قلب الأشياء محاولا فهم المأساة التي تسيج وعينا، المأساة هاجسي المركزي في كتابتي الابداعية، ومن خلالها أرى الماضي والحاضر.
* ما الوزن الرمزي الذي تحلم عبه "حنا" هذه الجدة الضريرة المولعة بالأساطير؟
– "حنا" هي التحول. إنها ما تبقى من الذاكرة: مكان اللقاءات التي تحدثت عنها آنفا، والتي للاسف، لم تكن دائما ناجحة. "حنا" عودة هذه الصورة التي هي في طريقها الى الاندثار داخل الصمت والخوف. إن هذا الماني يظل ضريرا، نوع من التحديد دون قيمة، إذا لم يندمج في نظام قيمي يسعى إيجابيا نحو حداثة تكون فيها الاختيارات الأساسية أمرا لا انعكاس له.
* ما هو الخطر الحقيقي الذي يمثله "دون كيشوت" للسلطة التي قبضت عليه؟ كيف تعللون طرده شر طردة ؟
– "دون كيشوت" ليس بالتأكيد خطرا كبيرا على السلطة لأنها تملك مثل غيرها من السلطات في العالم الامكانات الضرورية للاستبداد. إن "دون كيشوت" كان خطرا على النظام. إن هامش التحرك يسمح بما يلي: يمكنك أن تسب السلطة القائمة دون خطر كبير ولكنه لا يمكنك أن تشكك في النظام وممارساته الخفية وآلياته الغامضة. فمنذ عقود ونشاطه الحقيقي عنكبوتي، ترتبط فيه مصالحه الكبرى بقوى خفية.. وكل الأخطار يمكن أن تكون ممكنة حتى الاغتيال. إنها ممارسات إجرامية قبلية مترسخة في مجتمعنا. والاغتيال المنظم ضد "بوضياف" هو المثال الدموي لهذه الممارسة. فلا "حسيسن" ولا "دون كيشوت" كانا يهدفان الى تعرية النظام ولكنهما فجأة وهما في مغامرتهما، المفروضة التي سمح بها النظام نفسه خطأ، جعلتهما يكتشفان الكارثة المستترة خلف الصور الكاذبة والخطب الأناقة، لقد أوقع النظام نفسه في شراك تناقضاتها. فلقد طرد "دون كيشوت" بالاستعجال المطلق ولقد حمل معه ما لم يكن يريد أن يعرفه، و"حسيسن" مقبوض عليه من قبل مجموعة مجهولة، ويمكننا أن نتخيل الأمرين، إنها هذه الطبقة المتحفزة دوما من أجل المحافظة على مصالحها حتى وان تعاونت مع آلة الموت الاسلاموية. لقد قطع ذكر "حسيسن" وحز لسانه من منبته، ولكنهم لم يقتلوه لأن الاسباني هناك في العدوة الأخرى وهو يملك جزءا من الحقيقة، إن "حسيسن" رغم الخوف من هذا التشويه فإنه يباشر بكتابة حياته ليترك الحقيقة تأخذ هجراها وهرساها. فهو أيضا، وبهذه الطريقة يساعد على ذهاب النظام دون أن يشعر بذلك، ودون أن تكون له النية لفضحه وتعريته !
* في روايتكم "النظائر" كثيرة ولا تتعارض دائما: جزء من الماضي يرتبط بالحاضر (سرفانتس ودون كيشوت، هما معا أسيران، ماية تشبه زريدة)، الساردان يكملان الحكاية نفسها، العنف الاسلاموي وعنف السلطة يطارد كلاهما الأبرياء أنفسهم، ماذا كنتم تقصدون بلعب المرايا؟
– لست متفقا تماما مع ما تقول، ففي كل نظير هناك ملمحان: تقاطع وتعارض، وعليه فليس هناك نظير بل إعادة إنتاج للسيمات نفسها بين شخصية وأخرى، لنأخذ مثلا لذلك "سرفانتس" و"دون كيشوت" الجد وابن الحفيد. فيم يشتركان ؟ في أشياء كثيرة، بالتأكيد، وبالأخص في المغامرة، في هذا البحث عن الحقيقة نفسها عندما يكون ثمنها غاليا، ودون أحكام مسبقة، فقد شارك "سرفانتس" في حروب دينية، ليس كمرتزق، وانما كإنسان مقتنع بما يفعله. ولقد بدأت مغامرته سنة 1570 عندما التحق بحملة ضد الاتراك والتي كانت نهايتها الاخفاق في نيقوسيا، وفي السنة الموالية كان بطل المعركة البحرية “De lépante” تحت إمرة "دون جوان" النمساوي حيث أصيب إصابة بالغة وفي سنة 1572 شارك في معركة "نافرين" وفي سنة 1573 ساعد على الاستيلاء على تونس التي استعادتها القوات التركية سنة بعد ذلك.. الخ.. دون الحديث عن مغامرته التي بدأها في الجزائر… وما يهمني في كل ذلك، ليس الحروب، التي لها بداية ونهاية، ولكنها الرغبة والقوة تملآنه كيما يكون للحياة معنى هي زي الحياة بدأت تفقد ذلك المعنى شيئا فشيئا. وليس مهما اذا كان هذا المعنى خاطئا تاريخيا. إنه عالم يسعى.سعيه الحثيث باتجاه الوهن، منتهيا الى اللامعقول ليترك مكانه لعالم جديد زي قيم أخرى وعلام لكثير من الغموض ؟
وهذا "دون كيشوت" يكاد يكون شبيها به: إنه مغامر وبحاثة عن المعنى وهو في الجزائر وقد حدث له ما حدث لـ"سرفانتس" و"زريدة" لم تكن لتطلب منه أن ينقذها من الملاحدة والمرتدين وانما كانت تريد منه أن يفهمها فقط. ولم يخرج من هذه المغامرة بيقينيات وانما بكثير من الأسئلة. فـ"دون كيشوت" صفو "سرفانتس"، لقد كان متورطا في أسئلة آنية. وهكذا هي لعبة المرايا تعمل بانعكاساتها على كشف جزء مما هو خفي للقاريء.
* الشخصيات النسائية في هذه القصة تبدو عنيدة مصممة ملتزمة في معارك ايجابية. فهل النساء أكثر فعالية من الرجال في مواجهة الشر والنسيان والابادة ؟ ولكن ماذا عن "ماية" "زويدة"، هذه المرأة الرائعة، مع أنها كانت حليفة القوى القمعية ؟!
– لا، أبدا. ماية مثل "حسيسن"، إنها تعيش داخل نظام يسحقها سحقا، ولكنها تصر إصرارها على البقاء، وهي ليست حليفة النظام هذا العاجز عن إنتاج الحلم، وهي دوما تحلم بعالم آخر، إنها وعي مغيب. وبالتأكيد فإن الحضور النسوي يهيمن في رواياتي ولهذا أسباب اجتماعية ونفسية. إنني ترعرعت في بيت وفي قرية كانت النساء فيها حاضرات والرجال غائبين في الهجرة. إن ذلك يتعلق بالرواية التي صدرت بألمانيا (يقصد رواية سيدة المقام، مرئيات اليوم الحزين) والتي رفض الناشرون الجزائريون واللبنانيون نشرها. (نشرت مؤخرا بالجزائر عن موفى). الشخصية في هذه الرواية راقصة باليه تفضل أن تموت على أن تتخل عن جسدها، هذا الحضور النسوي الذي ينتهك بقوة عقلية القرون الوسطى فرض مشكلة! بالأساس فالمرأة مانحة الحياة، إذن الأمل، وقانونها الاجتماعي في صف الخاسرين في مجتمعاتنا، وليس لها ما تخسره، لقد تخندقت جذريا ضد ديكتاتورية الذكور. وأنا أقول هذا الذي أقوله لست مواليا للفكرة التي تجعل من المرأة إلها لا يكتفي إلا بذاته. الجنسان لهما معا قدر واحد وخسارتهما أو نجاحهما لا يفترقان، ولا يمكنني أن أتصور أحدهما إلا من خلال الآخر في تكاملهما واختلافهما سواء بسواء.
* إن السارد يبدو بالتناوب متمردا، ضعيفا، مثاليا، بريئا، ضحية ومتواطئا وشريكا للنظام.
– نعم هو كل ذلك. إنه مواطن عادي إنه لا يجهل "الحقائق الأربع" وهو، في لحظة معينة من تاريخه، كان يعتقد أن بإمكانه تغيير الأشياء، وهو يعرف جيدا أو بوضوح أن ألم البلاد لا يجيء إلا من العجز والرداءة. ولا أحد يمكن أن ينوجد في مكانه ! إن في هذي البلاد بيروقراطية جهنمية، ووجودها لا يخدم غير المصالح الكبرى وليس المواطن أو الدولة، وهؤلاء الناس ساكتون أو يجعلون أنفسهم متواطئين خوفا من الاخطار التي سيتعرضون لها،، وهذا "حسيسن" يتحدى هذا الخوف مضيعا مصالحه الصغرى!
* ان روايتكم لا تترك مكانا للأمل بين الدهاليز والمدينة المميتة والاستنطاقات، لماذا حالة الفشل مع الانسانية – بالأحرى المثالية – هذه التي تصاعد من النص كله من خلال مغامرة "دون كيشوت "؟
– إن المأساة هي هاجسي المركزي في الكتابة،كتابتي، إنها – المأساة – تحتل جزءا من لاشعورنا، مأساة الأشخاص وهذا البلد، هؤلاء الذين يصرون إصرارهم على الهروب من قدرهم المحتوم، ولهذا السبب يسقطون، وقد أوقعوا أنفسهم في شراك أعمالهم، ولكنهم لا يتوانون عن اكتشاف الحقائق التي تمنحهم معنى لسقوطهم. ففي الحياة هناك مسارات حتمية لا تكون الا داخل الآلام العظيمة، والنوايا الحسنة لأولئك وهؤلاء لا تفعل شيئا، وعندما تتجمع بعض الشروط التاريخية وتتفرع فإن مسار الأشياء يأخذ سبيله. ففي المدى القصير، يمكن أن نكون متشائمين ونحن نرى كل اليقينيات تتهاوى في الفراغ ولكننا في الوقت نفسه نتحرر من هذه اليقينيات، وهذا ما يصنع مجتمعنا ووعينا الجديدين معا. وعليه ففي المدى البعيد، لا يمكننا إلا أن نفرح.
ترجمة: جمال فوغالي (قاص من الجزائر)