الشاعرة الرومانية, نينا كيسيان ولدت في جالاتي احدى المدن الرومانية عام 1944, أنهت دراستها الابتدائية في براشوف, والثانوية في العاصمة بوخارست, ومن ثم درست فقه اللغة- الفيلولوجيا في كلية الآداب جامعة بوخارست.
مرشحة لجائزة نوبل, بعد تأليفها لأكثر من خمسين كتابا تتوزع بين الشعر والنثر وأدب الأطفال, أول مجموعة شعرية ظهرت لها كانت في عام 1947, بعدئذ ترجمت أشعارها إلى لغات أجنبية عدة, منها الإنجليزية التي ننقل منها قصائدها الى العربية, وهي حسب ظني المرة الأولى التي يتم فيها ترجمة هذه الشاعرة المؤثرة والفريدة الى لغتنا, فضلا عن هذا كله, هي أيضا مؤلفة موسيقية لمقطوعات لحنية, سيمفونية, وناقدة سينمائية عملت في الصحافة, وها هي الآن تعيش من ريع كتبها حيث تقيم في نيويورك.
أما من ناحيتها فقد ترجمت نينا كيسيان الشعراء الذين أحبتهم وربطتهم بها وشائج إبداعية مثل شكسبير, أبولونير, بريشت, باول سيلان, موليير وماياكوفسكي.
في عام 1985 تدعى كيسيان إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتدرس العلوم الجمالية للنصوص الإبداعية في جامعة نيويورك, في تلك الاثناء يتزايد التوتر في جمهورية رومانيا الاشتراكية ويخضع البلد والشعب إلى خنق واسع للحريات واضطهاد مريع للفرد عبر رهاب واضح وتنكيل بي ن لحرية المعتقد والتفكير, فتصل الأنباء الى نينا كيسيان حاملة رسائل مرعبة عن الديكتاتورية وجرائم رئيسها آنذاك شاوشيسكو, وكان أبرز هذه الأنباء هو اعتقال صديقها الكاتب جورج آرسو واقتياده من قبل أجهزة مخابرات النظام الديكتاتوري ليموت في إحدى زنزاناتها تحت التعذيب.
في حمأة هذا الوضع كتبت نينا كيسيان نصوصا ورسائل وقصائد مناهضة للديكتاتورية ونددت في لقاءاتها ومؤتمراتها بالأوضاع البوليسية في بلدها رومانيا, ترافق ذلك مع نيلها طلب اللجوء السياسي واختيارها نيويورك بلدا للعيش والإقامة.
في النتاج الابداعي الخلاق لنينا كيسيان يتوارى السياسي بعيدا لتظهر أطيافه عبر شبكة من الدلالات والرموز, هنالك فن كبير في قصائدها ولغة شعرية بالغة الجمال والأناقة, لغة مشذبة, يكون الاختزال سندها وعمادها الأول, كذلك الحلم المحمول على غيمة فانتازية هو المدخل لعوالم نينا كيسيان الشعرية الشفيفة, عوالم تشحنها مخيلة بارعة في توليد الصور والمشاهد والمعاني الدالة على رؤية تغترف من نبع يفيض بالرؤى والاحالات والتأويل الذي سيلحظه قارئ نينا كيسيان, من هنا حاولت قدر الإمكان على إيصال رسالتها الفنية والتعبيرية المزدوجة إليه.
* رقص.
إرتديت الأزرق,
يمكنني الآن
أن أدور في الريح
وأقحم نفسي الخفيفة
في هذه الحالة.
إرتديت الأخضر.
يمكنني الآن
أن أغيظ الكارثة
تلك التي لا تفرح أبدا
ولهذا ارتديت المرمر.
ارتديت الأحمر
إذن أستطيع أن أميل قليلا
من شاطئ إلى آخر
حسنا
سوف أساعد حشدا شفافا
من العابرين
ارتديت الأصفر
إذن باستطاعتي التزحلق
نحو جهة الموت
وهلم جرا
* الحامي.
البحر يأتيني
مرة أخرى ليلتقيني
من دون أن يخدعني,
يأتي بدرعه الجميل
ليحمي كياني
من غيرتك.
* حاشية الحب الأبدي.
عشاق فرحون,
خلقوا ليعيشوا معا,
انصتوا لصدى قبلاتهم.
عشاق خالدون
أحدهم سيبقى إلى الأبد,
روحه تشكات
مثل فكرة واستعارة
عشاق خالدون
سبقون داخل قبلاتهم,
لكأنهم الرعد,
إنصتوا.. انصتوا
إنهم عشاق فرحون.
* قبل
قبلاتنا بالمئات
بالآلاف
حتى بالملايين,
من يعرف ذلك,
أنا أبدا لم أعددهم, فاكهتي
سناجبي
قرنفلاتي
انهاري
سكاكيني,
يمكنني النوم في فمك,
أغني
وأموت هناك,
مرات
ومرات,
ذلك الفم هو ميناء عميق,
يفرغ حمولته
بعد رحلة طويلة,
حتى الآن لا أزال أتوق اليه
لكي أبلغه
قبلاتنا كانت معارك ثقيلة,
بطيئة وصعبة, حيث الدم,
الصوت والذاكرة
كلتاهما اشتركا في ذلك,
آه
كم كنت غيورا,
أنا الماء الذي شربته,
أنا الكلمات التي نطقتها
عبر تنهداتك الزرقاء,
إنها غيرة الجائر,
إنها الفاصل الوداعي لفمينا.
* مثل أنا.
مرة
دخلت بيت الحب معك,
وغادرته عندما فقد التفاهم,
كان الطريق يتغطى
بسماء من غير نجوم,
بعدها الحجارة الأولى
سقطت في قلبي,
الآن البناء انتهى,
إذ لا نفس
بعد ذلك في الداخل.
* كان حبا.
كما لو كان حبا,
مثل نغمة, هائلة,
فخمة ورصينة من باخ,
مرة كانت حركاتنا
نرد أصولها الى النبل والأبهة,
كقطع في لعبة شطرنج,
بينما أنت هنا الآن
في إضطراب تام
مغاير للمناسك,
ليس ثمة أكثر
من جمل لفضية في فمي,
أو تربيتة على كتفي,
أنت لم تستطع
أن تضع حتى راحتيك
على جبيني المتوهج بالأفكار,
لا يمكنني أن أبدد هذا الوقت
أكثر من ذلك,
شعور قسري بالألم,
أخجلني أن أجيب,
وها أنني أتنفس عميقا:
إصغ للنغمة الثانية
تلك التي ستأخذني أعلى منك
إلى الما وراء.
* تمارين صباحية.
أنهض لأقول
من خلال فكرتي الأولى
في الفجر:
أي سبيل جميل
أبدأ به اليوم
مع هذه الأفكار القاتلة,
فكرتي الثانية تقول:
إلهي ارحمني,
وحين أكون خارج السرير,
الحياة تقول:
ليس هنالك شيء.
* سلوى.
لا أحد سيحملني,
لكي يربطني بعد الآن,
لا أحد سيعيدني إلى عموده,
لا أحد هناك
سيزيل الصدأ الذي خلفته القيود
على رسغي الأيسر,
القبل ألغيت بأمر علوي,
بينما السلوى بأقدامي-
كلبة عند نصب آشوري.
* إعدام يومي.
أحسك مثل حبة
لرجل مريض تذوب في لعابي,
سلسا
وحميما تجري في مصل دمي,
حبيبي
لن تسمعني
وسوف لن تسمعني مرة أخرى
والى الأبد,
حيث ألف واط
ترج كياني
فوق كرس كهربائي
* أنا: القصيدة تستوحي اسطورة رومانية قديمة, تتمثل بتضحية »أنا« زوجة أحد البنائين الذي أراد من خلال هذا الافتداء القرباني أن يطيل في أمد البناء الذي شيده, والقصيدة توضح ذلك على نحو جلي.
ترجمة وتقديم : هاشم شفيق شاعر من العراق مقيم في لندن