بداية الطريق.. السينمائي طويل.. لكن، الهوى والهواية يقودان الى ما يمكن أن نسميه تحول تلك الرغبات والأهواء الى حب وإلى اشتغال متشكل في الشريط «الفلم» الذي هو الولادة الفعلية..
الشريط السينمائي العُماني أو ما نسميه ببداية تشكلات سينمائية عُمانية ما زال الطريق أمامه طويلا.. لم يضع بعد نقطة بداية (حقيقية) مؤثرة. وفيلم «البوم» وهو أول شريط سينمائي روائي عُماني طويل، حوله كلام ليس مجال نقاشه هنا.
والمهرجان السينمائي العُماني السنوي كذلك يحتاج هو الآخر الى رؤى وتصورات واقتراحات للخروج من وضعه الحالي، وذلك للدخول الى الفعل السينمائي الإبداعي الحقيقي، حتى لا يتكرر المتكرر ويستمر المشهد كما هو عليه الآن.
المراهنة الآن هي لصالح التخصصات الجديدة التي تم افتتاحها في كليات العلوم التطبيقية وكلية الاعلام بجامعة السلطان قابوس وبعض الكليات الخاصة، فَتحتَ المجال، لمجموعة من الشباب بالدراسة المتخصصة في مجالات تقرب من مجالات الاشتغال السينمائي وتحويل الهواية او الدراسة الى الممارسة لهذا الفعل الإبداعي.. فهؤلاء الشباب ستكون المراهنة لصالحهم وذلك:
أولا: لديهم الرغبة وهم يدخلون مجالاً جديداً بروح شابة طموحة تنشد المعرفة والاستفادة وفي سن صغيرة دون ادعاء وكلام مرسل.
ثانيا: هؤلاء الشباب أرجو ألا يخيب ظني بانطفائهم مبكراً، على عاتقهم ستشكل ملامح السينما العُمانية (وهنا – استخدم السينما العمانية للتبْيان والتوضيح وليس كمصطلح.. ).
إذا، الجيل الشاب قادم، والتكنولوجيا أيضاً قادمة، وهي في تطور مستمر والتقنيات الرقمية لا حدود لمجال عملها، دخلت حتى الهواتف المحمولة بمستويات عالية الجودة والدقة.
مشاركة الطلبة العُمانيين الدارسين خصوصاً في كليات العلوم التطبيقية وما حققوه، بداية طريق لمستقبل واعد بالدفع بما يسمى هاجس الحب لخلق صناعة أشرطة سينمائية وتشكّل ذائقة مزاجية وهمّ سينمائي. والأهم من ذلك ان العمل السينمائي مهما كانت بدايته، هو اشتغال جماعي والكليات المذكورة توفر الدراسة (النظرية والتطبيقية) وتشارك في حلقات عمل الأفلام، وهذا مهم لمراحل التأسيس لمستوى جديد من العلم السينمائي واشتراطاته وظروفه، والكليات توفر الى جانب ذلك ما ينقص هذا الاشتغال من كوادر (ممثلين، مصورين، مخرجين، منتجين او ممولين) حسب الامكانيات.
وهنا تسمح هذه الكليات بإبراز التجارب الفردية وصقلها ومعرفة التباينات في المستويات والقيم.
إذا، مشاركة هؤلاء الطلبة في مهرجان الخليج السينمائي في دبي بدولة الامارات العربية المتحدة في دوراته الثلاث، وحصولهم على مراكز متقدمة في خانة الأفلام القصيرة وأفلام الطلبة والوثائقية هو دليل على أهمية الحدث والمناسبة.
ففي المهرجان الثالث – الأخير- الذي أنهى دورته في منتصف ابريل الماضي 2010 حقق شريط «تسريب» المركز الأول في خانة «الأفلام القصيرة» للمخرجين أمجد الهنائي وخميس أمبوسعيدي. كذلك حقق شريط «نقاب» للمخرجة مزنة المسافر المركز الثاني في نفس الفئة.
وفي هذه الدورة أيضا للمهرجان قدم الطلبة العُمانيون ثمانية أشرطة نالت الاستحسان والتشجيع رغم انها لم تفز الى جانب الشريطين الفائزين.
كذلك حقق شريط «الواقعية أفضل» الجائزة الأولى في الدورة الأولى 2008 عن نفس فئة الأفلام القصيرة للمخرجين الأخوين داود وياسر الكيومي. وفاز شريط «القنت» بالجائزة الثانية في الدورة الثانية للمهرجان 2009 للمخرج المعتصم الشقصي.
نشير هنا الى ان تلك الأشرطة هي من اشتغالات الطلبة للأشرطة القصيرة. فالأشرطة المذكورة قصيرة تتراوح مدة عرضها من أربع دقائق الى ست دقائق ومصورة بكاميرات فيديو رقمية واشتغالها (في معظمها) يدور حول ثيمات المكان العُماني ومتغيرات الحياة وذلك عبر ترميز واضح أو متخفٍ، كذلك وهذا الأهم ان تلك الأفلام تميزت رغم قصرها باشتغالها على الوحدة الموضوعية وهذا هو ما منحها هذا القدر من التماسك بوضوح الفكرة المراد توصيلها لدى المتلقي.
هناك أيضاً مشاركات أخرى لمخرجين عُمانيين شباب (ليسوا طلبة) بعضها حاز على جوائز وبعضها لم يفز لضعف الاستفادة من تقنيات الصوت والصورة، ولكن – هناك – أشرطة فازت منها: شريط «بياض» بحصوله على جائزتي التحكيم والموسيقى في مهرجان الشرق الأوسط في أبوظبي للعام الفائت 2009 للمخرج خالد الكلباني.
وهناك شريط «بيلوه» وهو شريط مهم بالنسبة للسينما العُمانية.. وهو شريط روائي قصير مدته ست دقائق أخرجه باقتدار المخرج عامر الرواس وقدمه لمهرجان دبي السابق ذكره في عام 2008 وحاز به على الجائزة الثانية.
فخلال شهر ابريل الماضي شاهدت الأشرطة الفائزة في مقر جمعية الكتاب والأدباء والحقيقة- تقال- ان الأشرطة المذكورة قد أبانت عن جهد واضح بالخروج من سكونية الحالة وذلك ما عبرت عنه تلك الأعمال المشار إليها، وان هناك طاقات ابداعية عُمانية قادرة على العطاء رغم كل الظروف والعوائق وان أولئك الشباب لديهم الرغبة بالتجديد والعمل الجماعي والتعلم والاستفادة وهو دليل صحي لمن يشتغل في حقل جديد وهو صناعة الشريط السينمائي سواء باجتهاد شخصي أو ضمن مجموعة.
إذاً.. شريط «بيلوه» الذي سأختم به مقالي يختلف عن الأشرطة الأخرى كما قلت كون المخرج المذكور له بصمته الخاصة في هذا الشريط.
أتمنى أن تكون «قطرة (أو قطرات) الدم التي سالت على (الحطبة) تلك التي في الشريط كما هي مُفاجئةُ بداية نقلة حقيقية للشريط العُماني مستقبلاً وكفاصلة (كما أرادها المخرج) بين زمنين وعمرين.
تلك قطرة الدم بما تحمله من معانٍ ودلالات في بعديها الرمزي والحقيقي، تلك نقطة الدم التي نحتاجها في مثل اشتغالات قادمة بما تملكه من طاقة تعبيرية لتقول بأن دورة الحياة مليئة بالشقاء والظلم والعبث، وأن الحياة تتمفصل عندها تلك الأعمار والتقاطعات.
وما التعبير عن تلك القطرة أو قطرات الدم وانسيابها على العمود الخشبي إلا دليل على قوة النظرة، وأن اللقطة الحقيقية يمكن صناعتها ورؤيتها وتشكيلها كفعل إبداعي مؤثر.
طالب المعمري