تتحدث «حكاية هايكي» (هايكي مونوجاتري) المتنوعة على نحو ثري في الحدث والمناخ النفسي عن قسوة طاغية وغطرسته المفرطة، مصرعه والدمار المطلق الذي حاق بداره. ولم يقدر لعمل من أعمال أدب اليابان التقليدي أن يؤثر على نحو أكثر ذيوعاً من هذا العمل في فن القرون التالية وأدبها وأعمالها الدرامية. حيث تعد «هايكي» رائعة الثقافة اليابانية الأصيلة.
كان الطاغية هو تايرا نو كيوموري (1118-1181). و«هايكي» التي تنطق «هاي – كيه»، تعني «دار تايرا» وبصفة خاصة (وإن لم يكن بشكل حصري) عائلة كيوموري الممتدة. وفي زمنه هيمنت هايكي على خصومها الكبار، قبيلة جينجي «دار ميناموتو»، وقد كانت جينجي هي التي علا شأنها في النهاية لتقضي عليهم. ويهيمن زعيم جينجي، ميناموتو نو يوريتومو (1147) وهو شخصية أخرى بارزة في التاريخ الياباني، من بعيد على الأقسام الأخيرة من العمل.
لقد تركت رائعة أقدم عهداً، هي «حكاية جينجي» (أوائل القرن الحادي عشر) لليابان مناخاً من الجمال والبهاء لايزال يسحر قراء لاحصر لهم. ويتألف تراث «حكاية هايكي» بصفة خاصة من وقائع دراماتيكية، مؤثرة أو مأساوية. وربما كانت الواقعة الأكثر شهرة من هذه الوقائع تتمثل في الصدام بين كوماجي وأتسوموري (الكتاب 9: الفصل 16). وتتعلق وقائع أخرى بالراقصتين جيو (الكتاب 1: الفصل 6) وكوجو (الكتاب 6: الفصل 4)، يأس شونكان المنفي (الكتاب 3: الفصل 2) التقشف المفرط من جانب الكاهن مونجاكو (الكتاب 5: الفصل 7)، إحراق معابد نارا العظيمة (الكتاب 5: الفصل 14)، موت كيسو نو كوشيناكا وكانيهيرا (الكتاب ب 9: الفصل 4)، انتصار يوشيتسوني المتألق في إيتشي – نو – تاني (الكتاب 9: الفصل 12) وعمل ناسو نو يويتشي البطولي في ياشيما (الكتاب 11: الفصل 4). وقد ألهمت هذه الوقائع والكثير غيرها قروناً من المسرح (النو، البونراكو، الكابوكي) والفن التشكيلي (التصوير، الأعمال المطبوعة)، وتبعتها أخيراً السينما، التلفزيون، إعادات السرد الحديثة، المانجا، الأعمال الخيالية من كل الأنواع المتعلقة بالمحاربين. وقد تلقى الوعي بسرعة الزوال، الذي غالباً ما يتم إيراده باعتباره الموضوع الحاكم في الأدب الياباني، الطرح الأكثر شهرة له في الأبيات الاستهلالية للحكاية.
أصل الكتاب والنصوص
من الذي ألف «حكاية هايكي»؟ يحدد كتاب «مقالات في الكسل» (تسوريزوريجوسا»، حوالي عام 1330 من تأليف يوشيدا كينكو) المؤلف بحسبانه شخصاً يدعى يوكيناجا. وقد علم يوكيناجا هذا رجلاً ضريراً يدعى شوبوتسو أداء ما قام بتأليفه، ثم قام شوبوتسو بتوسيع نطاق العمل اعتماداً على نفسه، وجعل يوكيناجا يسجل إضافاته. وما من شيء آخر يؤكد هذه الصورة، ومن الجلي أن تطور الحكاية كما هي لدينا قد سلك درباً أطول وأكثر تعقيداً من ذلك، ولكن المسار موح، وذلك لأمر محدد وهو أن عملية الأخذ والعطاء هذه التي ورد ذكرها بين كاتب مثقف ومؤد ضرير تشير إلى تفاعل بين الأصول المكتوبة والشفوية يبدو جلياً في طابع نصوص «هايكي» الباقية وفي العلاقة بين العمل وجمهوره.
لقد وصلت إلينا صياغات عديدة لـ «هايكي». بعضها أكثر قصراً، وبعضها أطول. وهي تندرج تحت عنوانين: الصياغات التي تُقرأ (يوميهوان) والصياغات التي تؤدي (كاتاريبورن) وربما كان نص «القراءة» الأكثر أهمية هو مخطوط «إنكايو – بون» (مخطوط إنكايو [يقرأ أيضاً مخطوط إنجايو])، وهي نسخة عُملت في 1419 – 1420م من مخطوط مؤرخ في 1309 – 1310م. وأفضل نص أداء هو «كاكويتشي – بون»، وهو النص المترجم في هذا الكتاب، وقد أملاه أكاشي نو كاكويتشي، رئيس عائلته من المؤدين العميان لـ «هايكي»، على تابع له في عام 1371م، قبل ثلاثة أشهر من وفاته.
يُقدر المؤرخون مخطوط «إنكايو –بون» الاستطرادي على نحو ممتد، لأنه يتضمن ثروة من المادة ليست موجودة في صياغات الاداء. وبالمقابل فإن الاقتصار النسبي لنصوص الأداء، مثل نص «كاكويتشي يون» يبدو أنه قصد به الاستئثار باهتمام الجمهور، أو بالفعل الاستئثار باهتمام قارئ صامت، حيث أنه حتى صيغة «كاكويتشي» أصبحت بمرور الوقت أكثر قراءة مما هي مسموعة. ومعظم القراء في اليابان المعاصرة لا يعرفون صيغة أخرى.
هكذا فإن نص «كاكويتشي»، بالمقارنة مع مخطوط «إنكايو – بون»، يشير إلى تحرير ممتد وفعال. وتقدم قصة كوماجي نموذجاً في هذا الصدد، ففي «إنكايو – بون» يبلغ كوماجي أتسوموري: «يوريتومو أصدر مرسوماً بأن أي رجل يطيح برأس عدو له قيمته سيحصل على سبيل المكافأة على أرض مساحتها ألف تشو». وقد كانت الاطاحة برأس خصم جليل تسجل رسمياً في ميدان المعركة، وكان المنتصر يُكافأ حقاً بالأرض. غير أن هذه الكلمات لا تناسب النغمة الأكثر رقياً لصورة «كاكويتشي»، التي لهذا تحذفها. وهي تسقط أيضاً كلا من «تشوكا» («قصيدة طويلة») من نظم أتسوموري حول مفاتن الطبيعة ويقينه بالموت في المعركة هذا اليوم، وفقرة ممتدة حول إعادة كوماجي لرأس أتسوموري، مع رسالة إلى والد أتسوموري. وأخيراً فإن أتسوموري في «كاكويتشي» يحمل ناياً، يؤدي اكتشافه إلى التأثير بعمق في كوماجي. غير أنه في «إنكايو – بون» يحمل «هيتشيركي». وقد كانت هذه الآلة الموسيقية المتخدة من القصب ضرورية بصورة مماثلة للفرقة الموسيقية في ذلك العصر، ولكنها أقل جاذبية بكثير بصورة عامة.
ربما شكل حسن التمييز التحريري كذلك صورة «كوكويتشي» لموت المحارب سينو – و كانياسو (الكتاب 8: الفصل 8) في «إنكايو – بون» يبقر كانيا سو بطنه أولاً، ثم يأخذ أحد أتباعه طرف سيفه في فمه ويلقى نفسه على السيف. ولا يسلب موت التابع الدراماتيكي بعضاً من جلال موت كانياسو فحسب، وإما يقوض بهاء موت إيماي كانيهيرا ورعبه في الكتاب التالي. وبعض المؤثرات تعد أقوى من أن تستخدم بشكل فعال أكثر من مرة في العمل نفسه. وتجعل «هايكي» كاكويتشي كانياسو يلقى حتفه مقاتلاً، ورفيقه الجريح يظل على قيد الحياة حتى اليوم التالي.
غير أنه في المقام الأول يعد الكتاب الأول و«كتاب المكرسين» (كانجو نوماكي) هما اللذان يجعلان «هايكي» كاكوينتشي فريدة. والصياغات الأخرى تبعثر فحوى هذا الكتاب، فصلاً فآخر، في ترتيب زمني بصورة تقريبية، عبر المادة التي يغطيها كتاب كاكويتشي الثاني عشر. ومن هنا فإنها تنتهي بإعدام روكوداي، السليل الأخير لــ «هايكي». وهذا هو ما تفعله «إنكايو – بون»، بغض النظر عن فصلين ختاميين حول موت الإمبراطور المتنسك جو – شير كاوا وحول حسن الحظ الذي واكب ميناموتو نو يوريتومو. وحده نص «كاكويتشي» هو الذي جمع هذه المادة فحولها إلى قصة منفصلة ومتواصلة تنهي صيغته وهكذا تصبح علامته التجارية، إن جاز قول ذلك. وقد كان «كتاب المكرسين» بمثابة «قطعة سرية» لا يؤديها إلا الأكثر اقتداراً من أعضاء رابطته. ومن المفترض أن «المكرسين» المشار إلهيم في عنوانه هم أولئك الذين تلقوا «كانجو» («التكريس»، وهو اصطلاح ديني بالمعني الصحيح) باعتبارهم مبدعين في سلالته.
اللغة، الكتابة، الأداء، الترجمة
يمكن لنص «هايكي» أن يسجل بطرق مختلفة. وأحد المخطوطات مكتوب بصورة حصرية بحروف صينية «كانجي»، وهناك مخطوط آخر مكتوب كلية تقريباً بخط النظام الصوتي (كانا). ومعظم المخطوطات تقع في مكان ما بين هذين النموذجين. وعلى أي حال فإن اللغة تظل كما هي. وهي أقرب قليلاً إلى اليابانية الحديثة من لغة الأدب الأقدم عهداً. والقراء اليابانيون اليوم يمكنهم تتبع «هايكي» في الأصل بسهولة أكبر مما يمكنهم القيام بذلك في حالة «حكاية جينجي».
يختلف الصيغة والأسلوب على نطاق كبير، فهناك مقاطع غنائية بشكل مكثف، توظف مفردات الشعر الياباني وصوره، بينما لمقاطع أخرى طعم صيني قوي. وهناك مقاطع سردية للمعارك ووثائق رسمية. وهناك أيضاً قصائد في القالب التقليدي. المؤلف من واحد وثلاثين مقطعاً (واكا، «قصيدة يابانية») جنباً إلى جنب مع الأغنيات العرضية (إيميايو). غير أن النقاد الموثوقين يجمعون، صراحة أو ضمناً، على أنه بغض النظر عن القصائد والاغنيات فإن «هايكي» عمل مكتوب نثراً. وفي اللغة اليابانية يبدو النص نثرياً، وجميع الترجمات إلى لغات أجنبية كُتبت بنثر متواصل، والمناقشات للعمل باللغة الانجليزية تصفه باعتباره نثراً، فلماذا إذن تبدو هذه الترجمة على النحو الذي تظهر به؟
يخاطب الرد ضربين من التمييز: التمييز بين النثر والشعر، والتمييز بين القراءة والأداء.
وحده نص «الأوديسة» يبقى. وكل من يتقن اليونانية القديمة يمكنه أن يقرأه، وقد قام الكثيرون بذلك على مر القرون. وعلى الرغم من أنه ما من أحد يعرف كيف بدت «الأوديسة» عندما كانت تؤدى، فإن النص شعري، والشعر يشير إلى الإنشاد، ولاشك في أن هوميروس قد أنشدها على نحو ما، مصحوبة بعزفه على آلة وترية.
تلك هي الكيفية التي أدى بها كاكويتشي ورفاقه «هايكي». وقد صاحب أداءهم عزفهم على البيوا، وهي آلة موسيقية من عائلة الناي، وكان يُقال لهم «بيوا هوشي» («كهنة البيوا»). وكانوا جميعاً عمياناً، ويرتدون أزياء بوذية. وقد ارتحلوا طويلاً، وقدموا عروضهم لعلية القوم وأكثرهم تواضعاً.
هل أدوا حقاً عملاً طويلاً على هذا النحو بأسره؟ تذكر السجلات عمليات أداء كاملة (إتشيبو هايكي)، ولكن من غير الواضح كم كان طول هذه العمليات وكيف كانت مألوفة. وأقدم دليل مكتوب، والذي يتألف من مواد في ثلاث يوميات تعود إلى أوائل القرن الثالث عشر، يشير إلى أنه بحلول ذلك الوقت نادراً ما كان بمقدور راع نبيل أن يستمع حتى إلى سلسلة كبيرة متتابعة، دع جانباً العمل كله. ويبدو أن كتابين كاملين في جلسات يفصل بينها شهر كانا شيئاً ندراً. وغطت معظم عمليات الأداء فصلاً أو فصلين، وفي حالات أقل ما يصل إلى خمسة فصول أو ستة (يدعوها المؤدون «كو»، ويدعوها الباحثون «شودان») من كتاب كامل. ولم يكن بوسع الراعي بالضرورة اختيار البرنامج، ولابد أن الجمهور، على أي حال، غالبا ما طلب مقاطع أثيرة، وهكذا شجع على الإهمال النسبي للباقي. وحتى في وقت الذروة بالنسبة لـ «بيوا هوشي»، فإن من يرغب في معرفة الحكاية بأسرها ربما اضطر لقراءتها أيضاً، إذا كان هذا ممكناً.
لكن ما الذي سيكون عليه الأداء إذا كانت «هايكي» مكتوبة نثراً؟ إن الإجابة تبدأ بافتراض أن النص ليس نثرياً على الاطلاق حقاً.
ذلك لا يعني أن ندعوه شعراً بدلاً من ذلك، وإنما بالأحرى القضية هي أنه في اللغة الانجليزية واللغات الأخرى المماثلة يفترض «النثر» ضمناً إمكانية الشعر. وتسمية نص «هايكي» بالنثر تعني ضمناً أنه كان يمكن أن يكون مكتوباً شعراً، مثل «الأوديسة». ولكن الأمر ليس كذلك، فالسرد الشعري المتواصل، في قالب متطابق مع الشعر في الانجليزية أو اليونانية القديمة هو أمر مستحيل بلغة الحكاية، فالتعريف الياباني التقليدي للشعر محدود النطاق للغاية.
يستبعد التقليد الشعري من الشعر معظم الألفاظ وغالبية الموضوعات التي تمس إليها الحاجة من أجل قصة متواصلة، وهو يتخذ أيضاً قالباً واحداً وجيزاً: «الواكا» ذات الواحد والثلاثين مقطعاً. و«تشوكا» النادرة والأكثر طولاً (مثل قصيدة أتسوموري في «إنكايو – بون») تتجاوز صيغة «الواكا» بقليل، ولم يكن بالوسع أن تخدم على نحو أفضل في سرد الأحداث. وباختصار، فإن «هايكي» ليست في قالب نثري لأنه لم تكن موجودة آنذاك إمكانية مقابلة من الشعر أو حتى أي تصور شعري مناسب على نحو بعيد، فهي حقاً ليست شعراً ولا نثراً.
إن هذا يفتح إمكانية ترجمة الحكاية إلى شيء آخر بخلاف النثر، بفرض أن من الممكن العثور على سبب وأصل مناسب للقيام بذلك. والسبب هنا هو رغبة في تعديل قراءة صامتة بنقل إيماءة للأداء الصوتي المنوع الذي يسمع في الأداء. والأصل أو الحجة في ذلك هو سجل أداء «هايكي» العائد إلى القرن الثامن عشر (هايكي مونوجاتري فوشيتسوكي) الذي اختاره ياماشيتا هيراوكي لطبعته للحكاية (هايكي مونوجاتري، مجلدان، ميجي شوين، 1975 و1979). وهذا السجل يصف النمط الصوتي لكل فقرة. غير أنه بالنسبة للنص نفسه تعتمد الترجمة على كاجيهاراماساكي وياماشيتا هيراوكي، محرران، «هايكي مونوجاتري»، مجلدان، إيوانامي، 1991 -1993، وإتشيكو تيجي، محرر، طبعة «هايكي مونوجاتري»، مجلدان، شوجاكوكان، 1994. وينسب الفضل أيضاً إلى الترجمة الدقيقة على نحو فائق، التي أنجزتها هيلين ماكلو («حكاية جينجي، مطبعة جامعة ستانفورد، 1988).
تقسم هذه الترجمة، استرشاداً بـ «هايكي مونوجاتري فوشيتسوكي»، النص إلى ثلاثة أشكال كبرى: «الخطاب» (شيراكوي)، «الالقاء الملحون» (كودوكي) و«الأنشودة»، وهذه يمكن تصورها باعتبارها متطابقة مع الحوار المنطوق والسرد المنغم والغناء في موشح ديني أو أوبرا.
«الخطاب»، الذي يلقيه المؤدي بلهجة خطابية دون تجميل، يطرح هنا باعتباره نثراً مبرراً يوضع قبالة الهامش الأيمن للصفحة. والوثائق مثل الالتماسات، المراسلات الرسمية والصلوات الرسمية تدرج بالطريقة نفسها، بالحروف المائلة. و«الالقاء الملحون»، النمط الصوتي الأكثر ذيوعاً في الحكاية، كان ينشد في إطار نطاق موسيقى مقيد نسبياً. وهذه المقاطع تدرج في سطور غير منتظمة إلى حد كبير تبدأ عند الهامش الأيسر وتمتد بين الحين والآخر عبر العرض الكامل للصفحة. و«الأنشودة» تغطي دزينة من الأساليب المسماة من الأداء الصوتي المجمل إلى حد كبير، التي تعد التمييزات بينها مما يتجاوز النطاق الذي تصل إليه الكلمة المطبوعة وهذه الفقرات تقدم كشعر. وقصائد «الواكا» واغنيات «الإيمايو» وهي فئة خاصة من «الأنشودة، قُصد بها أن تكون أكثر عمقاً من الشعر، في سطور («الواكا» مكتوبة بحروف مائلة) تعادل البحر المقطعي للأصل.
بالنسبة لقارئ في أرض ولغة أخريين، بعد كل هذه القرون، فإن «الخطاب» و«الإلقاء الملحون» و«الأنشودة» ربما يبدو غالباً أنها تتداخل في الشكل والمضمون. وبين الاثنين الأوليين بصفة خاصة، قد لايكون واضحاً لماذا تندرج فقرة ما في أحدهما وليس في الآخر، بخلاف الحاجة إلى تنويع الإلقاء للحفاظ على اهتمام الجمهور. وبعض فقرات «الإلقاء الملحون» تستدعي معالجة محلقة في اللغة الإنجليزية، ولكن البعض الآخر، على الرغم من حسن النوايا، لا تستدعي مثل هذه المعالجة. وعلاوة على ذلك فإن مضمون بعض فقرات «الأنشودة» قد يبدو بعيداً عن أي شيء يتحمل أن ينشد في اللغة الإنجليزية. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك بصفة عامة فوارق واضحة بين الفئات الثلاث. ومعالجة موضوع ما في «أنشودة» غالباً ما تشير إلى ترتيب هيكلي للقيمة.
تخدم «الأنشودة» بصورة طبيعية غرض نقل الانفعال المحتدم أو الصراع المثير، وهي تبرز عندما يكون الموضوع إمبراطوراً، أو عندما يركز السرد على نظير صيني كلاسيكي – عملياً سابقة مكرسة – للموقف الياباني موضع التناول. ومثل هذه المعالجة تؤكد المكانة السامية للأباطرة ودورهم كمثل مهذبة للتسامح والتهذيب. وهي توحي أيضاً بالمكانة الرفيعة، بالنسبة لليابان، التي يتمتع بها الزمن الصيني القديم والتجربة التاريخية الصينية، وهي تضفي مكانة مماثلة على نظيريهما اليابانيين. وهناك نوع آخر من فقرة «الأنشودة» (على سبيل المثال الكتاب 4 «الفصل 3») يندرج قوائم بأسماء المحاربين وألقابهم وهكذا يبرز الأسماء النبيلة والمناصب التشريفية التي تمنح لهذه الفقرات مكانة سردية وثقلاً خطابياً.
«هوجين وهايجي»: التاريخ والأرواح الغاضبة
يتمثل مجال بارز للاهتمام في «حكاية هايكي» في الدفاع عن العرش ضد العصيان والتمرد. ويظهر سجل لأعمال التمرد التاريخية في التو (الكتاب «الفصل 1») تتبعه سجلات أخرى كاملة بشكل أو بآخر في موضع لاحق. وفي مقدمة الجناة الذين يتم ذكرهم تايرا نو ماسا كادو (المتوفى عام 940، الذي تمرد قمع انتفاضته في شرقي البلاد على يد ساداموري، أحد أسلاف كيوموري، فوجيوارا نو سوميتومو (المتوفى في عام 941) الذي تمرد في الغرب، والأخوان آبي نو ساداتو (1019-1062) ومونيتو الذي تمرد في الشمال.
بحلول القرن الثاني عشر، وقفت قبيلتان ممتدتان من المحاربين على أهبة الاستعداد لقمع مثل هذه الاضطرابات، وهما قبيلتا هايكي (تايرا) وجينجي (ميناموتو). وبينما انتمى عدد محدود من أعضائهما إلى التسلسل الهرمي للبلاط في العاصمة، فإن الغالبية اتخذت من المقاطعات مقراً لها. وعلى امتداد قرون دعموا الحكومة المركزية عسكرياً، بحسب الحاجة، في مواجهة التحديات الخارجية والآتية من المقاطعات. غير أنه في عام 1156م (صراع هايجي) اجتذب التنافس بين أجنحة البلاط محاربي هايكي وجينجي إلى صدامات داخل العاصمة نفسها.
أطلق صراعا هو جين وهايجي العنان لضراوة لم تعرف في اليابان، على امتداد مئات السنوات، وتركا ندوباً لا تمحى. وتوضح «حكاية هوجين» (هوجين مونوجاتري) و«حكاية هايجي» (هايجي مونوجاتري) القصيرتان نسبياً خطورة هذه الأحداث. وتؤكد «حكاية هايكي»، التي ترد فيها الكلمات «هوجين وهايجي» كلازمة متكررة هذه الخطورة مطولاً. وقد أغضب صراعا هوجين وهايجي الخاسرين للغاية بحيث ان أرواحهم الغاضبة بدا أنها تهدد قبيلة هايكي المنتصرة أو حتى أنها تفسر سقوطها الفعلي.
بدأ الأمر كله قبل أربعين عاماً، في عام 1141، عندما عانى الإمبراطور سوتوكو (المولود عام 1119، والذي حكم خلال السنوات 1123-1141) من إذلال كبير، حيث أجبره الإمبراطور المتقاعد توبا (المولود عام 1103، والذي حكم خلال السنوات 1107 -1023) على التنازل عن العرش لطفل صغير أنجبه توبا من محبوبته بيفوكومون – إن (فوجيوارا نو ناريكو، 1117-1160). ثم أصبح هذا الطفل الإمبراطور كونوي (المولود عام 1139، والذي حكم خلال السنوات 1141-1155).
عندما مات كونوي في مقتبل العمر، علق سوتوكو الآمال على أن يخلفه على العرش، على الأقل لكي يرى ابنه وهو يصل إلى سدة العرش. وبدلاً من ذلك فإن توبا عين بصورة تعسفية أحد أخوة سوتوكو غير الأشقاء، وهو الإمبراطور جو – شيرا كاوا (المولود عام 1127)، والذي حكم خلال السنوات 1155-1158). وفي غضون ذلك، فإن بيفوكومون – إن، الأثيرة عند توبي كانت تتهم سوتوكو بأنه لعن كونوي حتى الموت، بالتواطؤ مع فوجيوارا نو يوريناجا (1120-1156). وكان يوريناجا، «وزير الميسرة المتعجرف» أو «وزير ميسرة أوجي» في الحكاية، قد انتصر في صراع على السلطة في قبيلته وأصبح نائب الإمبراطور بحكم الأمر الواقع. وفي عام 1155 طرده توبا، وقام بترقية منافسه في قبيلة فوجيوارا، ثم توفي توبا في منتصف عام 1156، وفي التو اندلع صراع هوجين.
بدأ عهد هوجين قبل أشهر قلائل من وفاة توبا، واستمر حتى أوائل صيف عام 1159. وانتهى عهد هايجي القصير الذي أعقب ذلك في أوائل عام 1160. ويعود مقاتلو جينجي في «حكاية هايكي» بأنظارهم إلى الوراء على نحو مرير ومتكرر إلى «هوجين وهايجي»، وهم يتقدون بالرغبة في محور عار هزيمة أسلافهم.
هذا هو ما حدث: مع موت توبا، تحرك سوتوكو يوريناجا للإطاحة بجو – شيريكاوا من سدة العرش وإعادة سوتوكو إليه. ومن أجل الدعم المسلح، استعانا بتاميوشي (1096 -1156)، والدمينا موتو نو يوريتومو وبتايرا نو تاداماسا (المتوفى عام 1156)، وهو عم كيوموري. وللتصدي لهم قام جو- شيريكاوا بتجنيد يوشيتومو (1123-1160)، أكبر أبناء تاميوشي وكيوموري نفسه.
انتصر يوشيتومو في صراع هوجين، لصالح جو- شيريكاوا، ثم أُجبر على الإشراف على إعدام أبيه وخمسة من إخوته الأصغر. وأعدم كيوموري تاداماسا. وكانت تلك هي الإعدامات الأولى في اليابان في غضون ما يزيد على ثلاثة قرون. وقتل يوريناجا في غمار الهرب. ونُفي سوتوكو إلى مقاطعة سانوكي في جزيرة شيكوكو، حيث قام (وفقاً لـ «حكاية هوجين ومصادر أخرى») بلعن المنتصرين. عزا الرأي السائد صراع هايجي وغيره من المتاعب إلى سخطه. وفي القرن التاسع عشر، كان المفكر البازر هيراتا أتسوتاني لا يزال يرد إلى نفوذ ساتاكو المهلك انتقال السلطة الذي حدث في أواخر القرن الثاني عشر من البلاط الإمبراطوري إلى المحاربين. ودعا أتسوتاني، بطل العودة إلى الحكم الإمبراطوري المباشر، إلى استرضائه من خلال إعادة رسامة المزار في كيوتو الذي كان جو – شيراكاوا قد بناه هناك أصلاً في عام 1184. (الكتاب 10: الفصل 13). بعد صراع هوجين، تحالف كيوموري مع أقرب مستشاري جو – شيراكاوا، شينزي (فوجيوارا نو ميتشينوري، 1106 – 1159) بينما تعهد يوشيتومو بالعناية أشد أعداء شينزي لدداً، وهو فوجيوارا نوميتشينوري (1133-1159). وفي أوائل عام 1160، كان كيوموري بعيداً في رحلة حج، عندما تحرك يوشيتومو ونابويوري ضده، وهكذا استهلا صراع هايجي وأسرا جو – شيراكاوا وابنه، الإمبراطور نيجو (المولود عام 1143، والذي حكم خلال السنوات 1158-1165) وقتلا شينزي. ونهب كيوموري الطريق عائداً إلى العاصمة. وقام أكبر أبنائه، شيجيموري (1138-1179)، وآخرون بمهاجمة القصر، وسحقوا المتمردين، وقتلوا نوبويوري.
قُتل يوشيتومو خلال هربه شرقاً، وواجه ابنه يوريتومو، الذي كان صبياً آنذاك، الأعدام، ولكن زوجة والد كيوموري، السيدة آيكي (آيكي نو ريني) أقنعت شيجيموري بالتدخل لصالحه. واستجاب كيوموري بنفيه فحسب إلى مقاطعة إيزو. ومن هناك شنَ يوريتمو بالفعل الحملة التي دمرت دار كيوموري. وفي غضون ذلك كان جو – شيراكاوا قد تنازل عن العرش في 1158، وتنكر للدنيا ظاهرياً في عام 1169. وتركته هذه الخطوات حراً في أن يلعب دوره النشط، المؤثر والغامض إلى حد كبير في وقائع الحكاية.
كان يوكيناجا، الذي نُسب إليه في كتاب «مقالات في الكسل» تأليف «حكاية هايكي» مبكرة حاكم مقاطعة أدبي النزعة، يبرز أبوه، فوجيوارا نو يوكيتاكا، في الحكاية نفسها. في اليوم الخامس من الشهر الخامس من جويي 3 (1184)، قام يوكيتاكا الذي يشغل المنصب الذي أسنده إليه كيوموري في السابق (الكتاب 3: الفصل 17) بزيارة نائب الإمبراطور كوجو كانيزاني (1149 – 1207). ولا تأتي الحكاية على ذكر هذا اللقاء، ولكن كانيزاني سجله في يومياته المستفيضة (جايوكويو)، وهو مصدر بارز حول هذه الفترة. وكان جيش جينجي يندفع نحو العاصمة في ذلك الوقت.
سأل كانيزاني عن إعادة صب بوذا تودايجي العظيم، حيث كان يوكيتاكي مكلفاً بالإشراف على العمل (نهاية الكتاب 6: الفصل 9). وتطرق سؤاله إلى جريمة هايكي التي تتناولها الحكاية باعتبارها جريمة شائنة فوق كل شيء: إحراق ناراً وتدمير بوذا العظيم (الكتاب 5: الفصل 14) في الشهر الثاني عشر من جيشو 4 (1180). وأكد يوكيتاكي لكانيزاني أن الأمر يمضي على نحو جيد، ثم انتقل إلى ما كان بالنسبة إليه موضوعاً قريباً عن كثب، حيث قال:
«ابني وابنتي خاضعان لاستحواذ روحي. وهو يحدث دوماً في وقت الأزمة. والروحان المستحوذان هما روحا الإمبراطور المتقاعد سوتوكو ووزير ميسرة أوجي (يوريناجا). وعرافوهما يتسمون بالدقة على نحو لا يعرف الخطأ. الأمر غريب للغاية. لا تبلغ أحداً، لطفاً».
وذكر أيضاً مطالبة الروح، التي سُلمت من خلال ولديه، بمزار عند قبر سوتوكو في سانوكي وصلاة بوذية هناك من أجل سكينته.
ليس من الصعب تصور يوكيناجا، وهو شاهد على عصره، شاعراً بأنه طُلب منه أن يكتب الصيغة الأولية لقصة تنقل بصورة متكررة القلق حول الأرواح ذاتها التي (وفقاً لما قاله أبوه) تتملكه أحياناً. وعندما تقترب ابنة كيوموري، الإمبراطورة زوجة الإمبراطور تاكاكورا، من فترة حملها (الكتاب 3: الفصل 1) تغزو الأرواح الغاضبة جسمها. وفي مقدمتها روحا ساتوكو ويوريناجا، تتبعها روحا ناريتشيكا وسايكو اللذين أعدما حديثاً. وفي التو يقوم كيوموري باسترضاء سوتوكو ويوريناجا عن طريق منحهما لقبا تكريميا بعد الوفاة (سوتوكو) ورتبة أرفع في البلاط (يوريناجا). غير أنه عقب ولادة ابنته لوريث إمبراطوري يجبر والد الصبي على التخلي عن العرش لصالح حفيده (الكتاب 4: الفصل 1)، الإمبراطور الطفل أنتوكو. ويخيف التوازي الواضح مع إذلال سوتوكو الشعب، على الرغم من التبريرات والتسويفات اللبقة من جانب سادة هايكي. ويشير النص إلى أنه: «نعم، الموتى الغاضبون يثيرون الخوف».
السلطة في عالم الحكاية
الطاغية كيوموري، الذي استندت سلطته التعسفية على القوة، كانت لديه شخصيات رئيسية أخرى يتعين عليه أن ينافسها. وقارئ «هايكي» ربما يتساءل في بعض الأحيان أين تكمن السلطة الحاسمة حقاً في عالم الحكاية.
تولى كيوموري زعامة قبيلة هايكي، كما تزعَم يوريتومو قبيلة جينجي. وضمن كل منهما تعاون المحاربين المحليين المرتبطين بهما بصلة القرابة أو صلات الخدمة والمكافأة المكرسة منذ زمن طويل. غير أن يوريتومو شن حملته ضد هايكي من قاعدته في كاما كورا (قرب طوكيو المعاصرة) بعيداً عن أي نفوذ مفسد أو منافس من العاصمة. وبالمقابل فإن كيوموري حاز السلطة في العاصمة نفسها، من داخل عالم الأرستقراطية المدنية والإمبراطورية القديمة. وفي بعض الأحيان تصدى بضراوة لهذه الأرستقراطية، ولكنه لم يُطح بها قط. وقد جعل هذا مسألة السلطة في ذروة عنفوانه معقدة بشكل خاص.
في الماضي البعيد، حكم الأباطرة حقاً (في بعض الأحيان) الجزء الصغير نسبياً من اليابان الواقع تحت السيطرة المركزية، ولكن الحكم الإمبراطوري المباشر ظل مثالاً متواتراً وصولاً إلى الأزمنة المعاصر، وذلك على وجه الدقة لأنه كان نادراً. وقد سعت شخصيات قوية حول العاهل إلى الوصول إلى سلطته الفعلية، تاركة له مكانة غير ملموسة فحسب. وقبل ذلك بقرون عدُة فإن قبيلة فوجيوارا غير الإمبراطورية قد فرضت بنجاح ممثلها الأقدم باعتباره «نائباً للإمبراطور» على كل إمبراطور تقريباً، بحيث أن الصلة بين الإمبراطور ونائبه أصبحت مكرسة في أسطورة مقدسة. والأمر كما يعبر عنه تايرا نو شيجيموري في خطاب مفعم بالانفعال موجه إلى أبيه، كيوموري (الكتاب 2: الفصل 6):
«نعم أرضنا هذه نائية، حبات ذرة قليلة متناثرة،
غير أنه هاهنا تحكم سلالة ربة الشمس العظيمة،
التي يحكم نسل أمي – نو – كويني البلاد لها».
لقد عقدت ربة الشمس، أصل السلالة الإمبراطورية، حلفاً جليلاً بهذا المعنى مع أمي – نو- كويني، ربة أسلاف فوجيوارا. ومن هنا فإن كلمات شيجيموري تعلي من شأن مثال أعلى لا سبيل للتصدي له. غير أنه على الرغم من الخطاب الذي عامل الإمبراطور باعتباره عاهلاً ملهماً، فإن الإمبراطور المنتمي للقرن الثاني عشر لم يحكم إلا قليلاً. ودور نائب الإمبراطور «الحاكم» تقلص بدوره، وفي بعض الأحيان أفصح كيوموري عن الازدراء لشاغل المنصب. (الكتاب1: الفصل 11).
فرض نائب الإمبراطور نفسه تقليدياً من خلال تزويج الإمبراطور المتربع على العرش من ابنته ومن خلال أن يصبح الجد من ناحية الأم (من العامة) للإمبراطور المقبل. وربما لا تمضي الأمور بمثل هذه السلاسة في غمار الممارسة العملية، ولكن هذا النمط تم تكريسه، وأصر كيوموري على اتباعه. وقد زوج ابنته من الإمبراطور تاكاكورا، ثم نحاه جانباً ليضع حفيده على العرش. وهذا النجاح الباهر على نحو صارم (منظوراً إليه من منظور الحكاية) كرر نجاح نائب الامبراطور، غير أنه ترك نائب الامبراطور الاسمى في مكانه، فهو بحكم كونه نظرياً خادم الامبراطور والمدافع عنه فحسب، لم يمس التسلسل الترانتبي الرسمي للبلاط.
كان التحكم في امبراطور بالغ الصغر من ناحية السن أيسر من التحكم في إمبراطور ناضج، ولكن واجبات المنصب الإمبراطوري على الرغم من أنها مراسمية بصورة خالصة، كانت لاتزال تشكل عبئاً ثقيلاً، ومن هنا فإن كلاً من الإمبراطور والقابض الحقيقي على زمام السلطة كان لديهما شيء يكسبانه من التنازل المبكر عن العرش، حيث أن الإمبراطور المتخلي عن العرش يصبح «إن».
لما كانت اللغة الانجليزية لا تقدم معادلاً لكلمة «إن»، فإن هذه الترجمة تلجأ إلى التقريب المكرس المتمثل في اصطلاح «الإمبراطور المتقاعد» فإذا أراد إمبراطور متقاعد مزيداً من الحرية وتتطلع إلى الورع، فقد كان بوسعه أن يصبح كاهناً اسمياً، ثم يمضي عقب ذلك للعيش في داره، مرتدياً ثياباً كهنوتية، وكان بوسعه من بين أمور أخرى أن يمضي للحج. وفي معرض ترجمة ذلك فإنه يصبح عندئذ «الإمبراطور المتنسك». وجو – شيرا كاوا الوارد في الحكاية هو مثال بارز في هذا الصدد، فهو قد أمضى عامين أو ثلاثة أعوام باعتباره امبراطوراً، ثم تنازل عن العرش، وبعد سنوات قلائل ارتدى مسوح الكهنة، وقد تركه هذا حراً في متابعة اهتمامات عديدة. حقا إن أي سيد مهذب كان بمقدوره أن يصبح كاهناً من النوع نفسه، فيقيم في الدار، ويغدو حراً بشكل أو بآخر في القيام بما يطيب له. وعندئذ يُقال له «نايودو» «كاهن مبتدئ». وبعض المحاربين في الحكاية هم «نايودو»، وقد أصبح كيوموري كذلك في سمت قوته، لكي يبعد عنه مرضاً ألم به. ولم يفعل كونه «نايودو» شيئاً لتقليص طغيانه.
بعد أواخر القرن الحادي عشر، توصل الأباطرة المتقاعدون إلى تأكيد سلطة خاصة بهم، ولهذا السبب فإن معظم القرن الثاني عشر عُرف بــ «عهد الحكم من قبل الأباطرة المتقاعدين» (إنساي جيدي) ولأن الإمبراطور المتقاعد (أو «المتنسك») كان بمقدوره اتخاذ قرارات حقيقية في مجالات معينة، على نحو لم يكن بمقدور الإمبراطور الحاكم القيام به، فقد كان يُشار إليه في بعض الأحيان على أنه «العاهل ذو السيادة على البلاد» (تشيتين نوكيمي). وهذا التعبير لايرد في «هايكي»، ولكنه ينطبق على جو – شيريكاوا. وهذا هو السبب في أن هذه الترجمة غالباً ما تشير إليه، كما تشير بين الحين والآخر أيضاً إلى الامبراطور الحاكم باعتباره «العاهل»، وليس من الواضح على الدوام أي الاثنين هو المقصود.
تقلص حظوظ جو – شيريكاوا المتقلبة في ظل كيوموري أي مفهوم لـ «الحكم» كان بمقدوره فعلاً أن يحظى به، ولكن بعض القرارات التي لها معناها ظلت في متناول قبضته. وتشمل القرارات الأكثر أهمية تحديد من الذي كان «عدواً للبلاط» (تشونيكي): وهو ما يعني تحديد من هو المدافع عن الإمبراطور ومن هو المتمرد عليه.
كان الدور الحقيقي لكل من قبيلتي جينجي وهايكي هو قمع أي من «أعداء البلاط»، والافتراض هو أن مثل هذا العدو سوف يظهر في المقاطعات. وقد نشأ صراع هوجين وهايجي بسبب قضايا قسمت البلاط (السلالة الإمبراطورية التي مدها نواب الأباطرة من دار فوجيوارا) على نفسه. وقد نظر كل جانب آنذاك إلى الجانب الآخر باعتباره عدو البلاط. وفي الحكاية يشدد كيوموري بصورة متكررة على الأثرة التي دافع بها عن البلاط (جانبه المنتصر) ضد أولئك الذين عقدوا العزم على القضاء عليه. وعلى الرغم من ذلك فإن جو – شيريكاوا (بمساعدة من الكاهن مونجاكو) يفلح في ظل ظروف يائسة في جعل التوازن ينقلب ضد قبيلة هايكي بتحديد هويتهم باعتبارهم أعداء البلاط. وهو يبعث إلى يوريتومو المنفى «مرسوم إمبراطور متقاعد» (إنزين) يطلب منه، انطلاقاً من الولاء إلى البلاط، أن يقمع قبيلة هايكي (الكتاب 5: الفصل 10). وهذا المرسوم على وجه اليقين تقريباً من صنع خيال دراماتيكي (يظهر مرسوم مو – شيريكاوا التاريخي على نحو أكثر احتمالاً، والذي يعين يوريتومو لقيادة القوات الإمبراطورية في الكتاب 8: الفصل 5) غير أنه لذلك السبب فحسب يبرز السلطة التي تعزي على نطاق واسع لإمبراطور متقاعد (أو «متنسك»).
تراتبية البلاط
كما تابع زعماء الحرب مصالحهم وراء قناع خدمة العرش، فإن الخدمة المفعمة بالولاء كانت المثال المرتبط بالمشاركة الطموحة في الحكومة التي يتولى الإمبراطور رئاستها إسمياً، بمساعدة نائبه. ومنصب القمة في هذه الحكومة هو منصب المستشار (دايجورايجين)، وهو منصب وصل كيوموري إلى شغله. ويأتي عقب ذلك ثلاثة وزراء، هم وزير الميسرة (سادايجين)، وزير الميمنة (يودايجين)، ووزير القصر (نايدايجين). ويشكل استشاريو الحكومة الأعلى مستوى كيان «النبلاء الأكبر» (كوجايو). ويجيئ تحتهم «السادة المهذبون الخصوصيون» (تنجوبيتو)، الذين أطلق عليهم هذا الاسم لأنهم تمتعوا بامتيار دخول «القاعة الخصوصية» المجاورة لغرف معيشة الإمبراطور. ويعد الحصول على هذا الامتياز من جانب أسلاف كيوموري قضية مهمة في صدارة الكتاب الأول من الحكاية.
قامت ثلاث وحدات حرس بتأمين مجمع القصر، هي حراس القصر (كونويفو)، الحراسة (هايوفو) وحراسة البوابة (إيمونفو). وكانت لكل وحدة فرقة ميمنة وميسرة. وكانت قيادة فرقة في حراس القصر شرفاً خاصاً. وأشرفت مكاتب الحكومة على مجالات من قبيل المراسم، الشؤون المدنية، العدل، الحرب والخزانة. وكان هناك استشاريون، مراقبون، أمناء سر، وبالطبع حكام يعينون للمقاطعات. وكان النبيل الناجح يحتمل أن يحظى بتعيين مزدوج في التراتبين المدني والخاص بالحرس. وكان لكل منصب مكانه في نظام من الأقدمية. وحظي شاغل المنصب كذلك بمرتبة مرقمة، من واحد نزولاً إلى تسعة، وقسمت كل مرتبة إلى درجتين أو أكثر (على سبيل المثال الأصغر والأكبر). وختاماً، فإن هناك منصباً رفيع المستوى ورد ذكره مراراً في الحكاية، هو منصب «نائب دازايفو» (دازايفو نوسوتشي)، ممثل الحكومة في مقرها النائي في كيوشو.
تبرز التراتبية الحكومية نفسها في «حكاية جينجي» التي تم تأليفها قبل قرنين من الزمان. وفي طبعة بنجوين من «حكاية جينجي» فإن كل منصب ولقب يتم ذكره يترجم، لأسباب تم إيضاحها في مقدمة الكتاب، ولكن الأمر لم يكن كذلك في طبعة بنجوين من «حكاية هايكي»، فهناك الكثير للغاية منها. وعلاوة على ذلك، فإن رواية «جينجي» تتحدث من داخل العالم الذي أضفت عليه هذه التراتبية شكلاً حيوياً، بينما راوية «هايكي» لا يفعل ذلك.
و«هايكي» أوسع في النطاق، وبؤرة الاهتمام تقع في مجال آخر، وبعد مائتي عام فإن التراتبية فقدت الكثير من جوهرها.
غير أنه حيثما تُرجمت الألقاب والمناصب، فإنها تتبع بقدر الإمكان الممارسة التي تم تبنيها في طبعة بنجوين من «حكاية جينجي».
إن ما يهم حقاً هو المغزى، بالنسبة لكل من الشخصية المعنية وجمهور الحكاية المقصود، المتعلق بالانتماء إلى هذه التراتبية المبجلة على الاطلاق.وهذا واضح على نحو مؤلم من الطريقة التي لايزال السرد يشير بها إلى زعيم هايكي، حتى بعد أن لاذت القبيلة بالهرب من العاصمة، فقط بلقبه الرسمي الذي لم يعد أحد يحمله الآن، فاللقب لايزال هو الرجل. وفي الكتاب 9: الفصل 7 يمضي الهايكي الهارب قدماً بجولة من الترقيات والتعيينات، التي يصفها واحد ممن شملتهم، في قصيدة، بأنها «حلم». والترجمة تحدد هوية هؤلاء السادة بالاسم وليس باللقب، حيث ان القارئ سيعجز، لولا ذلك، عن تتبعهم. ولكن الألقاب هي حقا التي تدعم حلم أبناء قبيلة هايكي باستعادة كل ما فقدوه. وعندما يُطاح برأس تايرا نو مونيموري (نجل كيوموري وخلفه) أخيراً (الكتاب 11: الفصل 18)، فإن ابنه كيوموري يواجه المصير نفسه، ولكن قبل أن يهوي السيف، فإنه يتوق إلى معرفة أن أباه مات ميتة جيدة. والفقرة ترد على هذا النحو باللغة الإنجليزية:
«How was my father when he died›.› Kiymune pathetically inquired».
«تساءل كيومون على نحو مفعم بالشجن: كيف كان أبي عندما مات؟». غير أن الأصل يحدد هوية كيوموني ليست بالأسم، وإنما باعتباره «مراقب حراسة البوابة اليمنى» ويجعله يتساءل ليس عن أبيه، وإنما عن «معالي الوزير». تلك هي الكبرياء التي تعلي من شأن الرجل حتى النهاية.
الدين في الحكاية
تتخلل أشكال متباينة من اليقين والممارسة الدينيين «حكاية هايكي»، وتلعب المؤسسات الدينية دوراً كبيراً في قصتها. وتشمل هذه المؤسسات المعابد أو مجمعات المعابد الكبرى المكرسة لدراسة البوذية وممارستها والمزارات الكبرى المشيدة لتكريم الآلهة الذين ينتمون بشكل أو بآخر إلى اليابان. وعلى الرغم من أن هذه المعابد والمزارات غير متماثلة بشكل مطلق في معظم الجوانب، على الصعيدين المذهبي والمعماري، فإنها كانت متصلة على نحو وثيق في عهود القرون الوسطى، فقد كانت للمعابد البوذية مزاراتها المرتبطة بها، وللمزارات معابدها، وتداخلت الآلهة على الجانبين أحدها مع الآخر بطرق متبدلة وذات خصوصية. وبأوسع المعاني يمكن القول إن الآلهة المحلية كانت تحظى بالإجلال باعتبارها تجليات محلية، ملموسة لكيانات إلهية بوذية، كلية، تجاوزية، بينما كانت هذه الكيانات تحظى بالتوقير يحسبانها الجواهر الخالدة لآلهة محلية تتجلى بطرق محددة وفي أماكن بعينها في اليابان.
المؤسسات البوذية الرئيسية الواردة في «حكاية هايكي» لاتزال قائمة وتظل شهيرة اليوم، مهما كان تقلصها عما كان عليه يوماً. والمؤسسة الأكثر بروزاً جيل هايي، وهو مجمع معبد هائل القوة على الجبل الذي يحمل ذلك الاسم، إلى الشمال الشرقي مباشرة من العاصمة. والمعبد الرئيسي هناك هو إيزايكوجي، ولكن الحكاية تذكر أيضاً ثلاثة مراكز كبرى للمجمع الديري الممتد: القاعة المركزية، المعبد متعدد الأدوار الشرقي والمعبد متعدد الأدوار الغربي. وقد برز جبل هايي بروزاً كبيراً في حياة العاصمة إلى حد أنه كان يكفي عادة تسميته «الجبل» فحسب. وهو يعلي من شأن بوذية تينداي، التي جُلبت إلى اليابان من الصين، في أوائل القرن التاسع، وهو يشدد أيضاً على الإيمان بسوترا اللوتس وبوذا أميدا. وكان رئيس رهبان جبل هايئ شخصية بارزة، وضم المجتمع الممتد القاطن أسفله الألوف من الكهنة، في تراتبية امتدت من الباحثين نزولاً إلى العمال والمقاتلين. وفي سفح الجبل انتصب مايديرا، وهو معبد تينداي آخر قوي. وكما توضح الحكاية بجلاء بالغ، فإن إنرايكوجي ومايديرا كانا خصمين مريرين وعنيفين، في بعض الأحيان.
كانت البوذية التي جرى تعليمها في جبل هايي «ظاهرية» (كينجايو) لأنها من حيث المبدأ لم تقتصر نقلاً سرياً، تكريسياً. غير أنها بحلول القرن الثاني عشر تأثرت بالبوذية (الباطنية) أو التنترية (ميكايو) التي ترتبط عن قرب بالغ بجبل كويا. وعلى سبيل المثال، فإن مايو، رئيس كهنة تنادي قد تملك ناصية الاثنين (الكتاب 2: الفصل 1). ويعود جبل كويا زمنياً إلى الفترة نفسها التي يعود إليها جبل هايي ولكن نظراً لكونه بعيداً عن العاصمة، فقد كان أقل انخراطاً من جبل هايي في شئون العاصمة. وقد أسسه الكاهن والبطل الثقافي العظيم كوبو دايشي، الذي ينسب إليه تقليدياً ابتكار الكتابة الصوتية اليابانية – أسسه عندما جلب بوذية شينجون (كما تعرف التعاليم الباطنية بصفة خاصة في اليابان) من الصين. وقد تلقى تايرا نو كيوموري هدية إلهية على جبل كويا (الكتاب 3: الفصل 5) ومضى حفيده كوريموري إلى هناك ليتخلى عن الدنيا (الكتاب 10: الفصلان 9 و10).
كان معبدان أقدم عهداً، يتمتعان بأهمية بالغة، هما كوفوكوجي وتودايجي، يقعان في العاصمة القديمة نارا. وكانا كلاهما مجتمعين ديريين كبيرين وقويين يضمان سكاناً أقوياء من الكهنة المحاربين. ويعود تاريخ كوفوكوجي، وهو معبد أسلاف قبيلة فوجيوارا، إلى أوائل القرن الثامن، وناصر البوذية الهوسوية، التي كانت آنذاك جديدة بالنسبة لليابان. وقد أعلى تواديحي، حيث كرسي الإمبراطور شومو، في عام 752، بوذا برونزياً عظيماً كان بالنسبة لليابان أعجوبة عصره – أعلى من شأن مدرسة بوذية معروفة باسم سانرون. وقد احترق المعبدان كلاهما، عندما قام تايرا نوتشيجيهيرا بإشعال النار في حملته ضد كهنة نارا، وانصهر بوذا العظيم وقد لازمته فظاعة هذه الجريمة بعد ذلك، إلى أن وقف كهنة نارا وراء إعدامه (الكتاب 11: الفصل 19).
المزارات الأكثر بروزاً في الحكاية هي آيسي، إيواشيميزو، إتسوكوشيما، كاسوجا، كومانو ومجتمع المزار في جبل هايي. ويضم آيسي، إلى الجنوب من ناجويا المعاصرة، إلهة الشمس (أماتيراسو)، مصدر السلالة الإمبراطورية. وقد جعلت أرملة كيوموري الإمبراطور الصغير أنتوكو، حفيدها، يحيى آيسي، قبل أن تغوص معه في البحر (الكتاب 11: الفصل 9). وتبرز إلهة الشمس وآيسي في الكثير من فقرات الحكاية.
يضم إيواشيميزو، الواقع على تل يدعى أوتوكو ياما، إلى الجنوب الغربي من العاصمة، وهو إله مهم في كل مكان في اليابان، ويشكل أكثر خصوصية الإله الراعي القبيلة جينجي. وقد لعب إيواشيميزور الذي يدعى أيضاً ياواتا في الحكاية لأن الحروف المستخدمة في كتابه «هاتشيمان» يمكن أن تُقرأ بتلك الطريق أيضاً، – لعب دوراً ممتداً في الحياة الدينية للمدينة. وفي المقاطعات أقام كيسو نو يوشيناكا صلاة رسمية لمزار هاتشيمان المحلي قبل انتصاره المدمر في وهدة كوريكارا (الكتاب 7: الفصلات 5 و6).
كانت الآلهة الراعية لقبية هايكي مودعة في إتسوكوشيما، وهي جزيرة (تعرف الآن بمياجيما) قبالة الساحل القريب من هيروشيما مباشرة. ومباني المزار الجميلة، التي تبدو كما لو كانت تطفو على الماء، لا تزال هي المباني التي شيدها كيوموري منذ وقت طويل إطاعة لأمر إلهي (الكتاب 3: الصل 5). وفيما يتعلق باسم الآلهة فإنه يتضمن نوعاً من التعقيد يعد أمراً عادياً في مثل هذه المزارات. و«إلهة إتسوكوشيما» هي بالفعل ثلاثية. وفي هذه الحالة فإن الربات، وكل منهن لها هوية وتاريخ مميزان، هن إناث. والاسم «هاتشيمان» أيضاً يختصر آلهة ثلاثية، بينما الحضور الإلهي في سوميوشي وكاسوجا هو حضور رباعي. وباستثناء هاتشيمانو فإن اسم الآلهة على نحو ما يظهر في كل من الحكاية (إتسوكوشيما، سوميوشي، كاسوجا.. إلخ). وفي الاستخدام المألوف على مر القرون هو اسم المكان الذي يقع فيه حرم المزار، وليس أي إلهة مودعة هناك.
هذه القضية جديرة بالذكر بصفة خاصة بسبب الدور الذي لعبته في الحكاية المزارات المختلفة على جبل هايي، وكذلك المزارات المختصرة تحت اسم المكان «كومانو». ومزارات هايي عديدة، وأسماؤها (هايوشي، جوزينجي، مارولو، هاتشيوجي.. إلخ) تثير الحيرة، ولكنه تعني الكثير بالنسبة للكهنة (على سبيل المثال الكتاب 1: الفصل 15). ويثير الحيرة كذلك اسم الإله «سانو» (ملك الجبل)، الذي لا يتطابق مع أي من هذه المزارات على الصعيد الفردي. وفي الكتاب 1: الفصل 14، يتحدث سانو عن الحضور الإلهي للجبل بأسره من خلال وسيط.
يبرز كومانو، وهو إقليم في الطرف الجنوبي لشبه جزية كايي، في الحكاية على نحو دراماتيكي ومتكرر. وكان في القرن الثاني عشر مركز حج كبيراً. وكان كيوموري هناك، عندما اندلع صراع هايجي. وقام ابنه شيجيموري بحج رائع إلى هناك قبيل وفاته (الكتاب 3: الفصل 11). ولما كان الحج إلى كومانو يقتضي زيارة ثلاثة مزارات كبرى (وكذلك دزينات من المزارات الصغرى)، فقد كان في بعض الأحيان يُقال له («كومانو الثلاثي») (مي- كومانو). وقد شمخ كومانو هونجو («المزار الرئيسي»)، الأول في نظام الأقدمية، على ضفة نهر بعيداً عن البحر، ثم يجيء شينجو («المزار الجديد») على الساحل عند مصب النهر، وأخيراً شلال ناتشي على مبعدة من البحر. وقد أدى مونجاكو طقوس تقشفه المدهشة والمتألقة في ناتشي (الكتاب 5: الفصل 7) وإلى ناتشي يجيء كوريموري في رحلته الأخيرة (الكتاب 10: الفصل 11) بعد تخليه عن الدنيا على جبل كويا، وهو في البداية يحيي الشلال المقدس، المرتبط بالبوذايساتفا الرحيم كانون، ثم يواصل المسير إلى الشاطئ وينطلق أخيراً في زوراق ليسعى إلى البعث في الفردوس (الكتاب 10: الفصل 12).
هذا الفردوس، أو الأرض النقية، هو فردوس أميدا، بوذا النور والحياة اللامتناهيتين. وتحدد الكتب المقدسة البوذية مكانه باعتباره على مسافة لا سبيل إلى تحديدها باتجاه الغرب، اتجاه الشمس الغاربة. وفي كومانو، ربط أميدا بصفة خاصة بهونحو، إله كومانو، ولكن الوصول إليه كان شاملاً. ويتخلل الإيمان بخلاصة الحكاية. وشأن قلائل آخرين في يابان القرون الوسطى، فإن كوريموري، الذي استبد به اليأس، يسعى إلى البعث في الفردوس من خلال إغراق نفسه، ولكن مثل هذه النماذج كانت نادرة. والإيمان باميدا لا يقتضي شيئاً كهذا، فهو بسيط جداً.
تذكر الحكاية مراراً وتكراراً شخصاً يردد أو يُهاب به أن يردد «الاسم»، أي اسم أميدا في الدعاء المستمد من السنسكريتية في نهاية المطاف «نامو أميدا بوتسو» (السلام لك يابوذا أميدا!). والاسم يتعين ترديده بصوت مسموع، وذلك على الرغم من أن المقطع الأخير كان يتم إسقاطه بصورة جزئية. وكان المرء يردده ليس كصلاة لدخول الفردوس، وإنما كتعبير عن الإيمان بأن ولوج فردوس أميدا أمر مؤكد، وفقاً لقسم أميدا الأصلي (هو نجان) بإنقاذ أي كائن رقيق الحس يدعوه بإخلاص. وعلى امتداد قرون تجادل المؤمنون حول كم من مرات ترديد الاسم تعد ضرورية، وكان رد مقبول على نطاق واسع يتمثل في عشر مرات، ولكن ما من أحد كان بمقدوره أن ينكر فعالية نداء واحد يردد بإيمان كامل. وكان المؤمنون يرددون الاسم بصورة مستمرة.
أصبح ترديد الاسم أمراً عاجلاً مع مقدم الموت، وتايرا نو تادانوري المهزوم يطلب السماح له بالقيام بذلك في ميدان المعركة، قبل قيام خصمه بإعدامه (الكتاب 9: الفصل 14). وقد يرغب شخص محتضر في مواجهة أيقونة لأميدا وأن يمسك بحبل خماسي الألوان يتصل بيدي الأيقونة، بحيث يتمكن أميدا من اجتذاب الروح الراحلة إلى الفردوس. وشيجيهارا يقوم بذلك قبيل إعدامه (الكتاب 11: اللصل 19)، وكذلك أيضاً كينريمون – إن عند موتها (الكتاب 13: الصل 5). وهذه الممارسة تفترض تصور ترحيب أميدا بالروح الذي يتضح رسمه (الكتاب 13: اللصل 5) بخط أثيري: يقبل أميدا ليحيي الروح، مصحوباً بالبوذيساتفا كانون والبوذيساتفا سايشي وبحشد من القديسين والموسيقيين السماويين. وقد عرف الشهود أن الروح مضت إلى الفردوس، لأن عطراً غير أرضي قد بقى في الهواء بعد رحيل الحشد السماوي والسحابة الأرجوانية التي انطلق عليها لا تزال طافية في السماء.
العاصمة، المقاطعات، وطريق توكيدو
كانت هناك، في زمن «حكاية هايكي»، مدينة واحدة في اليابان، هي العاصمة (كايو أو مياكو، غالباً ما يشار إليها باعتبارها «المدينة» فحسب في هذه الترجمة). وقد أسست عام 794، عندما انتقل الإمبراطور كانمو من نارا. وهي الآن مدينة كيوتو. وكانت العاصمة هي المقر الإمبراطوري (وهو بالتقريب معنى كلمة مياكو) ومركز الحضارة. وأي شخص من أي مكان آخر كان ريفياً بشكل أو بآخر، وهي الكيفية التي نظر بها سادة قبيلة هايكي إلى محاربي قبيلة جينجي من مناطق الشرق النائية. وفي تلك الأيام كانت منطقة كانتو، موقع طوكيو المعاصرة، نائية، خشنة وغير متحضرة والمناطق الواقعة وراءها أكثر نأياً. وربما كانت المقاطعات الواقعة إلى الغرب أقل إيغالاً في ذلك، بفضل حركة المرور على امتداد البحر الداخلي، ولكن جزيرة كيوشو (التي كانت معروفة آنذاك بتشينزي أوتسوكوشي) كانت لاتزال بعيدة للغاية.
وقد خططت شوارع العاصة وجاداتها في نمط شبكة متصالبة مستمدة من عاصمة صين التانج. وأطلقت أسماء على الشوارع الممتدة من الشمال إلى الجنوب، بينما أطلقت أرقام على الجادات (جو) الممتدة من الشرق إلى الغرب. وهذه الترجمة تحدد «جو» الشرق – الغرب بأسمائها اليابانية: إتشيجو (الجادة الأولى)، نيجو (الثانية)، سانجو (الثالثة)، شيجو (الرابعة)، جوجو (الخامسة) روكوجو (السادسة، سيتشيجو (السابعة)، هاتشيجو (الثامنة)، كوجو (التاسعة)، وجوجو (العاشرة). وتحدد الحكاية موقع مسكن ما بتسمية أقرب تقاطع للشوارع. ومن الأمثلة في هذا الصدد «ناكا – نو – ميكادو وهيجاشي – نو- توين» و«هاتشيجو – كاراسومارو». ويمضي نهر كامو باتجاه الشمال – الجنوب على امتداد الجانب الشرقي من المدينة، بين ضفتين متسعتين من الحصى. ويصبح ذكر ضفة نهر كامو عند روكوجو منذراً بالخطر بصورة متزايدة، مع إيغال الحكاية في مسيرتها، لأن العديد من الإعدامات نفذت هناك.
كانت نارا (العاصمة القديمة» أو «العاصمة الجنوبية») المقر الإمبراطوري طوال معظم القرن الثامن، ولكن قبل ذلك كانت العاصمة قد انتقلت من مكان إلى آخر، غالباً مع كل عهد جديد. وكان قرار تايرا نو كيوموري بنقل العاصمة إلى فوكوهارا (الكتاب 5: الفصل 1)، في موقع مدينة كوبي المعاصرة صادماً لأنه انتهك قروناً من الاستقرار المفعم بالفخر. وكانت فوكوهارا آنذاك ميناء برز في التجارة التي سيطرت عليها قبيلة هايكي مع صين السونج. وتصور الحكاية بطريقة مفعمة بالحياة الموقع باعتباره غير مناسب لعاصمة لأئقة، ولكنها تسلم بأن نقل العاصمة لم يكن بدون سابقة في المنظور الأطول مدى للتاريخ، ثم تورد قائمة بهذه الانتقالات. وسرعان ما برهنت فوكوهارا على أنها فشل في هذا الصدد، واضطر كيوموري إلى التخلي عنها (الكتاب 5: الفصل 13).
تدور الأحداث في الحكاية على امتداد اليابان بأسرها تقريباً، ولكن امتداداً واحداً طويلاً من الأرض يستحق ذكراً خاصاً: طريق توكيدو (طريق البحر الشرقي) من العاصمة إلى الشرق، وبصفة خاصة كاماكورا. وكان المسافرون الذين يسلكونه يصلون أولاً إلى حاجز أوساكا، وهي نقطة تفتيش قديمة، كرمها شعر الواكا طويلاً على الممر الخفيض بين المدينة وشاطئ بحيرة بيوا. وهناك قام سيميمارو، وهو في الأسطورة الابن المنفى للإمبراطور ديجو (الذي حكم بين عام 897 – 930) بالعزف على آلة البيوا الخاصة به بجوار غدير شينوميا. وكان المسافر يهبط إلى بحيرة بيوا وما وراءها، ماراً بالمزيد من البقاع الشهيرة في الشعر. ويقر العديد من فقرات «حكاية هايكي» بشهرتها، ولكن ما من فقرة أكثر امتلاء من (الكتاب 10: الفصل 6) الذي يصور بطريقة مفعمة بالحياة رحلة شيجيهيرا إلى كاماكورا في قالب ميتشيوكي (أنشودة ترحال) كاملة، وهي الأنشوطة الوحيدة من نوعها في الحكاية.
أداء «حكاية هايكي» بعد القرن الخامس عشر
ظلت اليابان مستقرة نسبياً على امتداد مائة عام بعد موت كاكويتشي، وتمتع «بيوا هوشي» آنذاك ربما بأعظم شعبية لهم على الإطلاق في كل مستويات المجتمع. ومن الطبيعي أن القرن وأكثر من الحرب الضروس الذي جاء بعد ذلك قد تحداهم، ولكن زعماء المحاربين استمروا في تقدير «حكاية هايكي» لاستحضارها لماض مضطرب. وكان القائمون بأداء «حكاية هايكي» يدعون إلى اللقاءات الفنية، ولاشك في أنهم ظلوا نشطين على مستوى القرية كذلك. وبمرور الوقت بدا أن البعض قد وسعوا نطاق مخزونهم ليمتد إلى مجالات أخرى من الموسيقى الشعبية، وبدأوا كذلك في توظيف آلة الشامسين ذات الثلاثة أوتار، التي كانت آنذاك قد أدخلت حديثاً إلى اليابان.
خلال عهد إيدو (1600- 1868)، قام شوجونات توكوجاوا برعاية أداء «حكاية هايكي»، وتبنوه كشكل من أشكال الموسيقى الاحتفالية. وفي ظل مثل هذه الرعاية، ازدهرت رابطة القائمين بأداء «حكاية هايكي» على امتداد اليابان، وظهرت مدارس جديدة في أدائها. وخلال القرن السابع عشر، انتشرت الاهتمامات الثقافية من كل الأنواع بين السكان بشكل عام، وبصفة خاصة في المدن، وازدهرت الطباعة. وأصبحت طبعات من «حكاية هايكي» (ليس بالضرورة صيغة كاكويتشي) متوافرة في يسر، وبدأ الهواة في دراسة إلقاء «حكاية هايكي». وأسفر تطوير نظام لكتابة الموسيقى للعمل عن الصياغة الموسيقية المذكورة بالفعل، والتي بلغت ذروتها في «هايكي مابوشي» ذائعة الانتشار (1776)، التي تدعم سلالة من القائمين بأداء «حكاية هايكي» حتى اليوم.
إنهارت رابطة المؤدين بعد وقت قصير من اصلاح ميجي (1868). ومع تدفق فيضان الأفكار والممارسات الجديدة إلى اليابان من الخارج والمنافسة المحتدمة من فنون أخرى، اضطر معظم الأعضاء إلى الانتقال إلى أنواع أخرى من الموسيقى، أو حتى إلى مهن تقليدية بالنسبة للعميان، مثل التدليك أو الوخز بالإبر. وعلى الرغم من ذلك فإن قلة من القائمين التقليديين بأداء «حكاية هايكي» قُدر لها البقاء.
في كيوشو، في الجنوب، توفي يامشيكا يوشيوكي، آخر مغن بمصاحبة العزف على البيوا، في عام 1996. ولم يكن قد تلقى نقلاً رسمياً لــ «حكاية هايكي»،ولكن مخزونه المتنوع، شأن مخزون رفاقه، شمل مادة مستمدة من «حكاية هايكي». وشأن «بيوا هوشي» قبله بزمن بعيد، فقد قام بأداء هذه الأعمال السردية لرعاة في ظل ظروف علمانية، وأنشد كذلك نصوصاً مقدسة في جلسات احتفالية وطقوسية.
في ناجويا، في وسط اليابان، يعد إيماي تسوتومو (المولود عام 1958) آخر خلف معترف به للقائمين بأداء «حكاية هايكو» من العميان المنتمين إلى عهد إيدو. ويشمل مخزونه الذي حازه رسمياً ثمانية اختيارات: «فرخ البحر» (الكتاب 1: الفصل 3) وجزءا من «مجد رجل» _(الكتاب:1 الفصل 5)، «(اسطبات تلقى في البحر» (الكتابة 2: الفصل 16)، «وريقات الخريف» (الكتاب 6: الفصل 2)، «الحج إلى تشيكو بوشيما» الكتاب 7: الفصل 3)، «آيكيزوكي» (الكتاب 9: الفصل 1)، «الأول عبر نهر أوجي» (الكتاب 9: الفصل 2)، «يوكوبوي» (الكتاب 10: الفصل 8)، و«ناسو نو يويتشي» (الكتاب 11: الفصل 4) وقد سجل هذه المختارات على شرائط مدمجة.
في الشمال، برزت سلالة تسوجارو في أواخر القرن الثامن عشر، وهي تظل نشطة اليوم. وهؤلاء المؤدون، الذين هم مبصرون، ينحدرون فنياً من هواة مبصرين، وليس من محترفين فاقدي البصر، والأصل النهائي الذي يرجعون إليه هو كتاب، وليس معلماً، وهو «هايكي مابوشي» الكامل، والقابل للأداء. ومن هنا فإن من الممكن بالنسبة لهم، على الأقل نظرياً، القيام بأداء الحكاية بكاملها. وفي عام 1998، تعهدت المؤدية المنحدرة من سلالة تسوجارو المدعوة هاشيموتو توشي بالقيام بذلك في غضون عشر سنوات.
يستمر أداء المقاطع الشهيرة في «حكاية هايكي»، أو المادة المستمدة منها، بصفة خاصة في مدارس البيوا الحديثة (أواخر القرن التاسع عشر وما بعدها) المعروفة باسم ساتسوما – بيوا وتشيكوزين – بيوا. وهناك نماذج من هذه التفسيرات الجديدة، المؤثرة والدراماتيكية غالباً، متوافرة على شرائط مدمجة. وبالإضافة إلى ذلك فإن موقع يوتيوب يقدم لمحات من أداء البيوا بالعديد من الأساليب. ومعظمها يتألف من أبيات الحكاية متزايدة الشهرة (استهلال الكتاب 1: الفصل 1) المعروفة باللغة اليابانية بــ «جيون شوجا». وقد قام إيماي تسوتومو، الذي لم يتلق هذه الفقرة من خلال الانتقال التقليدي، لأن السلالة التي انتمى إليها اعتبرتها أكثر ثقلاً من أن يقوم بها أي أحد إلا الدارس الأكثر تقدماً في دراسته – قام بتسجيل إعادة بناء أنجزها باحث موسيقى اختصاصي (كومودا هاروكو). غير أن الجميع حر الآن في أدائها على الانترنت، بأي أسلوب، أمام العالم بأسره.
الوقت في الحكاية
الأعوام: تحسب اليابان الأعوام ليس من نقط أصل، مثل ميلاد المسيح، وإنما داخل «عهد» أو «مرحلة سنوية» (نينجو) تنتمي إلى تتابع عهود مماثل. وفي الأزمنة المعاصرة فإن هذه العهود تتوافق مع عهد إمبراطوري (ميجي، تايشو، شوا، هيسي) ولكنها لم تكن تتوافق في الأوقات السابقة. ويمكن أن يعلن عن عهد جديد في أي وقت. وهكذا فإن كيوموري قد نقل العاصمة إلى فوكوهارا في جيشو 4 – (1180) وتوفي في يوا 1 (1181). ويتوافق هذان العامان بصورة تقريبية فحسب مع عامي 1180 1181 لأن التقويم الياباني آنذاك كان تقويماً قمرياً، وليس شمسياً. وكان الشهر القمري (مثل العام القمري) يبدأ بعد الشهر الشمسي المرقم المقابل له. ولهذا السبب فإن إحراق نارا (الكتاب 5: الفصل 14) الذي يؤرخ تقليدياً بنهاية 1180 ربما حدث في الأيام الأولى من عام 1181.
يظهر التاريخ الميلادي المقابل لكل عام أو عهد إمبراطوري مذكور في النص ببنط صغير إلى يمين سطر «أنشودة» أو «إلقاء ملحون» وحيثما كان مناسباً في فقرة من «خطاب» وبهذه الطريقة فإن القارئ يُتاح له مدخل جاهز للإطار التاريخي الذي يشترك فيه شخصيات الحكاية والجمهور الأصلي. الساعات: قُسم اليوم إلى اثنتي عشرة «ساعة»، ست ساعات للنهار وست ساعات لليل، كل منها يسمى باسم حيوان من الحيوانات الأثنتي عشرة في دائرة البروج. وهذه «الساعات» قصرت أو طالت كما يتغير الطول النسبي لليل والنهار من موسم إلى آخر. ومن هنا فإنه عند الاعتدال الربيعي أو الخريفي توافقت «الساعة» مع ساعتين. وتوقيتات الساعة المقابلة يُشار إليها بالطريقة نفسها المتبعة مع التواريخ. وكل توقيت يتوافق مع النقطة الوسيطة للساعة المسماة.
الأسماء وكتابة الحروف الاستهلالية
تعد أسماء الشخصيات رفيعة المقام من قبائل تايرا، ميناموتو وفوجيوارا في الحكاية بسيطة نسبياً. ومن الأمثلة في هذا الصدد تايرانوكيوموري، ميناموتو نو يوريتومو وفوجيوارا نو موتوميتشي. وفي هذه الأسماء فإن العنصر الأخير هو «الاسم المعطي» الذي يربطه العنصر «نو» باللقب. غير أنه في حالات أخرى فإن ما يبدو لقباً قد يشير بدلاً من ذلك إلى موطن الرجل. وعلى سبيل المثال، فإن إيماي نو شيرو كانيهيرا وهيجوتشي نو جيرو كانيمتسوهما أخوان. والعنصران شيرو («الابن الرابع») وجيرو («الابن الثاني») يشيران إلى ترتيب الميلاد، ويخدمان أيضاً كاسمين شخصيين في ظل الظروف غير الرسمية. ومن قبيل هذه الاحتمالات تادو («الابن الأول»)، سابورو (الثالث)، جورو (الخامس) وهلمجرا. وغالباً ما يظهر البطل ميناموتو نو يوسيتسوني في النص الأصلي ببساطة باعتباره كورو («الابن التاسع»). ومن أجل التبسيط والاتساق، فإن هذه الترجمة تشمل عادة (أو توجد بديلاً) للاسم المعطي الأكثر رسمية.
أسماء النساء أكثر مراوغة. وتسجل أشجار الأنساب الرسمية اسماً شخصياً لامرأة رفيعة المحتد فحسب، وإلا فإنها تذكر ببساطة «إبنة». وعلى أي حل، فإن رسم المرأة الشخصي نادراً ما كان يستخدم علناً. وتعد سيدة ورد ذكرها في الكتاب 12: الفصل 5 مثالاً في هذا الصدد. وربما كان اسمها الشخصي يُقرأ «نوريكو»، ولكن اسمها في الاستخدام الفعلي كان كايو – نو – تسوبوني، وهي تسمية كانت تومئ إلى حيث كانت تعيش، أو عاشت يوماً. وهناك نسوة أخريات في الحكاية يُشار إليهن بتسميات تربطهن بأقارب من الذكور شاغلي المناصب. والمثال الذي يرد في هذا الصدد هو اسم ديناجون – نو – سوكي، وهي زوجة تايرا نوشيجيهيرا وحاضنة الإمبراطور أنتوكو. ومن شأن امرأة من أرفع مقام – أم إمبراطور، إمبراطورة، أو أميرة كبرى – أن تحظى بـ «لقب إن» السامي (إنجو)، الذي يغدو عندئذ اسمها. وابنة كيوموري، والدة الإمبراطور أنتوكو، أصبحت كنريمون – إن. ومن الأمثلة الأخرى بيفوكومون – إن وجوتومون – إن. وقد استخدمت راقصات مثل جيو (الكتاب 1: الفصل 6) اسماءهن المهنية.
اتخذ الكهنة البوذيون والرهبان أسماء دينية ذات حرفين، تُقرأ بالأسلوب الصيني. وهذه الأسماء تومئ إلى الكتب المقدسة البوذية، الفضائل أو المثل العليا.
تضرب الكتابات والممارسات البوذية جذورها في الهند، ولكنها امتدت إلى اليابان عبر الصين. وتلقت اليابان أسماء الآلهة وما إلى ذلك في ترجمة صينية أو بنطق صيني مكتوب باليابانية، ثم تم استيعابها بحسب تقاليد اليابان في النطق. ومن الناحية النظرية فإن مثل هذه الأسماء ينبغي أن تُستعاد في اللغة الانجليزية إلى أصلها السنسكريتي، إذا وجد غير أنه على الصعيد العملي فإن الخلط كبير للغاية بحيث أن الاتساق يغدو مستحيلاً. وهذه الترجمة لا تحاول تحقيقه.
وبعض الأسماء تظهر في شكلها السنسكريتي، والأسماء الأخرى الأكثر شيوعاً تظهر كما تنطق في اليابان.
تتبع القراءات المعطاة في هذه الترجمة بالنسبة لمعظم الأسماء في الحكاية تلك القراءات المشار إليها في الطبعات المرجعية المذكورة. غير أن قلة من هذه القراءات تعد غير مألوفة بالنسبة للقارئ المعاصر، الذي يعرف التاريخ الياباني.
وفي هذه الحالة تم تبني القراءة المعروفة بشكل أكبر:
القراءة المتبناة
————————————–
بتسوجي
ديجنسوي
داكيني
دوي
جينجو
كان
كينبوسين
كيزو، نهر كيزو
كوماجاي
شينزي
سوسانو – و
تاكيدا
تشيجاهارا
القراءة الأصلية
————————————–
هتسوجي
تيجنسوي
داجيني
توي
كينجو
(الامبراطور) كاسان
كينبوزين
كوتسو، نهر كوتسو
كوماجي
شينزي (فوجيوارا نو ميتشينوري)
سوسانو – و
تاكيتا
تسشيجاهارا
في الأسماء التي كُتبت بالحروف الرومانية في هذه الترجمة بحرف «أو» مزدوج، فإن حرفي «أو» قد فصلا احدهما عن الآخر بشرطة، لتجنب الخلط فيما يتعلق بكيفية نطقهما، ومن الأمثلة على ذلك سوسانو – و، سينو – و.
أخيراً، بُذل جهد في هذه الترجمة لتقليص الحروف الاستهلالية إلى الحد الادنى، لتخفيف النص بقدر الامكان.
الهوامش:
لا يحتاج كل قارئ للهوامش. وقد كتب ريتشارد هنري دانا في مقدمة كتاب «عامان أمام الصاري» يقول:
«قد يكون هناك في بعض الأجزاء الكثير مما يستعصي على الفهم بالنسبة للقارئ العام، ولكنني وجدت من خلال تجربتي الخاصة وما سمعته من آخرين أن الأمور البسيطة المتعلقة بالحقيقة والمتصلة بعادات الحياة الجديدة علينا وأوصاف الحياة في ظل ظروف جديدة تؤثر على من يفتقرون إلى الخبرة من خلال الخيال، بحيث أننا لا نعي بحاجتنا إلى المعرفة التكنيكية. لقد قرأ الكثيرون (هرب الفرقاطة الأمريكية عبر القناة البريطانية).. باهتمام لاهث الأنفاس، وهم لا يعرفون اسم حبل في السفينة، وربما بإعجاب وحماس لا يقلان بسبب الافتقار إلى معرفة التفاصيل المهنية».
البعض سيرغبون في قراءة «حكاية هايكي» بتلك الروح. وسيرحب آخرون بالهوامش أو حتى يطلبونها. وربما سيجدها هؤلاء الآخرون مفيدة، بينما يجدها الفريق الأول مما يحتمل في نهاية المطاف.
الصور الايضاحية
الصور الإيضاحية في هذه الترجمة هي من «هايكي مونوجاتري زوي»، وهي إعادة سرد شعبية للحكاية (النص بقلم تاكاي رانزان 1762 – 1838) نشرت في إيدو في جزءين، في 1829 و1849. وهذه الصور الايضاحية من إبداع تيساي هوكوبا (1770- 1844) وهو تلميذ متألق لفنان المطبوعات العظيم هوكوساي (1771- 1844) ويُعاد تقديمها هنا من نسخة في مجموعة المترجم. وقد قدمت «هايكي مونوجاتري زوي» كلاً من النص وثلاث صور إيضاحية (أعيد رسمها) بفقرات «هايكي» الأولى التي نشرت في أي لغة أوروبية. وقد ظهرت ترجمة فرانسوا ترتيني لعدد محدود من الفصول الأولى إلى اللغة الفرنسية في جنيف، في عام 1871.
? هذا النص الماثل بين يدي القارئ لا يعدو أن يكون المقدمة التي كتبها بروفسور رويال تايلر، استاذ اللغة اليابانية المتقاعد من الجامعة الاسترالية الوطنية، لترجمته لنص «حكاية هايكي»، القصة الملحمية الهائلة العائدة إلى القرن الرابع عشر، التي تصور الحروب الضروس بين قبيلتي هايكي وجينجي اليابانيتين في القرن الثاني عشر، والتي تعد إحدى أبرز روائع الأدب الكلاسيكي الياباني وأكثرها غنى بمشاهد المعارك والحروب بين محاربي الساموراي، التي تستحضر جوهر الدراما الانسانية عبر موضوعات الألم، المعاناة، الفقدان، الحب والولاء.
والقراء الذين قرأوا، بحب وتعاطف، ترجمتي للنص الكامل لـ «حكاية جينجي» الذي يقع في ألفي صفحة، الصادر عام 2012 في أبوظبي، يعرفون أن الأمر قد اقتضى خمس سنوات كاملة بين بداية ترجمتي لذلك العمل ورؤيته للنور مروراً بغابة المطابع العربية.
الآن وقد بدأت رحلة انتظاري صدور ترجمتي للنص الكامل لــ «حكاية هايكي» الذي أتوقع أن يقع في ألف صفحة من القطع الموسوعي، فإنني أود الاعتذار من القارئ العربي عن الشوط الزمني الطويل الذي سيقطعه هذا النص في غابة المطابع العربية، وآمل أن يعتبر نشري لهذه المقدمة بمثابة تلويحة وداع أخرى للأدب الياباني، تضاف إلى الرسالة الوداعية التي سبق لـ «نزوى» الغراء أن نشرتها لي بعنوان «الأدب الياباني.. وداعاً!».
1