مضى صالح الحضرمي يصعدُ في الدرب المرتفع، يبدو من الوراء كنورسٍ منتوفِ الشعر، سقطَ في مياهٍ معاديةٍ وهجمتْ عليه سرطاناتٌ جائعة؛ رِجلان هزيلتان، وساقان نحيفتان، ثم مؤخرة عظمية اكتوتْ بالحصى والجوع والامساك، فظـَهرٌ توارى في ثوبٍ باهتٍ قذر، انتفخَ من الهواء، ولكن صالحاً بدا كملكٍ يحكمُ جزيرة وامتلأ عظمة وأبهة.
وراءه سار صبيٌّ يدفعُ عربةً محملةً بالخضار والفواكه والأسماك، بصعوبةٍ بالغةٍ وهو يواجهُ الهواءَ والأرض العالية. لكنه على عكس قائده الحضرمي كان ممتلئاً، وسيماً، ذا شعر كثيف، وعينين كحلاوين.
العربةُ زحلقتْ تراباً وحصىً، وراحتْ عجلتاها الحديديتان الصدئتان تغرزان أسنانهما في التراب الضاري، ونجحتا في الصعود، وانفتحتْ للعربة ساحةٌ واسعة، وبدا عشُ النسرِ، بيتُ الضابط، المتوجُ فوق صخرة عالية كبيرة، مثل رأس عملاق بشري على قاعدةِ أسدٍ رابض.
الأجسادُ المتراخية في ساحةِ السجن الواسعة، حركتها ضجةُ العجلتين المعروفتين المميزتين عن عربة البريد الأكثر السرعة والسائرة فوق أربع عجلات مُشحّمة ومتينة، ودبتْ في جثثِ السجناء المخمّرة من النوم والكسلِ واليأس حياةٌ بطيئة قبيل العصر، حيث تنتظرُ وجبةَ المساء قبل الغروب بكثيرٍ من الأسى، تلك الوجبة الهزيلة المقتصرة على أعوادٍ مجهولةٍ من النبات أو فلول هاربة من خيوط الدجاج التي تفجرُ الأمعاءَ بكثيرٍ من الأعاصير في بيتِ الراحة قرب الأشواك الحديدية وبراميل القمامة.
وصل صالح إلى قلب الساحة مثل فليب ملك الأغريق، وبدا رفيق الولد الباكستاني الذي يدفعُ العربةَ بأنوثة قوية مثل الأسكندر، واندفع السجناءُ المحظوظون إلى ملكِ الجزيرة ينحنون ويهتفون بخضوع وتقدير، وقام صالح بتوزيع العطايا على المؤثرين لديه، مثل علي البهلوان، وهو رجلٌ ضخمٌ ملاصقٌ لزنزانتهِ يحميه من أي عدوان، أو من أي تطاول على سيادته.
أو مثل جاره الآخر حسين المخرق وهو لصٌ قوي رغم ضعف جسمه الظاهر، ولكنه رهيب، يمزقُ أيَّ لحمٍ في دقائق بمطواته أو بقبضةِ يدهِ العظمية المعدنية.
لا أحد يستطيع أن يتكلم على حسين بكلمة، لأنه لو حدث ذلك، وهو لم يسمع حتى الحديث المشين الخادش لسيادته، فإنه يظهر فجأة للعائب سواء في عرض عام للسجناء، أو في لحظة إنتظار الوجبة، أو في لحظةِ مرحٍ احتفاليةٍ نادرة، فينقضُ على ذي الحظ السيء، وبعدئذٍ فإن الرجلَ لا يمكن أن تظهرَ ملامحهُ السابقة، ويتم التعرف عليه بصعوبة بالغة.
اقترب بعضُ السجناء للحصول على شيءٍ لكن الحضرمي لم يأبه لهم، ووقف حسين على الرصيف الحجري الرملي الذائب وهو يستعرضُ جسمَهُ، في حين قام الغلامُ بإدخال ثمار البستان ثم راح يشوي السمكات التي صادها صالح من البحر، بين غمغمةِ سجناءٍ غير محظوظين وتحيات الشكر والأعجاب من الآخرين.
وألقى الحضرميُّ نظرةَ رثاءٍ على السجناء المتجمعين عند ساحة المطبخ، بكتلتهم المخيفة من العضلات القوية والرؤوس الصلدة، وهتفَ فجأة بصوتٍ عالٍ: (رجال في الأغلال!)، ومضى مقوسَ الظهرِ داخلاً إلى زنزانتهِ واسترخى على السرير.
كان العصرُ مريعاً، النهارُ ينتحرُ وراءَ الأسوار، يأتي الليلُ فيسودُ الظلامُ إلا من شعلاتٍ صغيرة، وتبدو المباني الكبيرة المحيطة بالسجن كأنها عمالقة بألفِ عينٍ تحدقُ بالكائناتِ المشوهةِ المتقزمة وراء القضبان.
صالحٌ وصلَ إلى ذروة المجد؛ يتخيلُ حاجتَهِ لسفينةٍ كبيرة تبحرُ بهِ عن هذه الجزيرة الكالحة، وربما يتمكن من بيعِ بستانهِ فيها، ليسافر ويعود إلى بلاده. هو بحاجةٍ كذلك إلى حرس ذي لباسٍ ملون يعزفُ له عزفاً خاصاً ونشيداً آخاذاً. وكم مرة حاول أن يعلمَ رفيق وهو يمشي مشية عسكرية متوازنة، أخذها حين اشتغل ناطوراً. لكن رفيق غبي.
رائحةُ الشوي مسكرةٌ، والغوري الرابضُ قربَ الجمر يهتزُ ببخارهِ ويطلقُ شاياً أحمرَ مليئاً بالسكر، وعيونُ السجناءِ المترامين على عتبةِ السيد تحدقُ بهذا الكأسِ الممتلىءِ بالسائلِ الآخاذ المتوجه بهدوء إلى السرير العرش.
يرى صالح موجاتِ البحرِ الرقراقة؛ العشبَ الأخضرَ الممتد، أسرابَ الأسماك المتقلبة ببروقٍ ملونة، والبحرُ يكلمهُ ويواسيه ويمدحه، ويهمسُ له: (أنت الملك!)، فيردُ: (لم لا؟! ماذا تفعل أنت هنا غير أن تستلقي على الرمل والصخور؟! لم تعلن أي ثورة ما، وأنا اشتغلتُ منذ ما لا يخطر لكَ من زمن. أيها النذل لماذا لا تتحول لسجادةٍ كي أعبرَ إلى النساء والمدن الحرة؟!).
كانت الصخورُ سلسلةً من الجبال في الجزيرة فيما مضى من أعوام ماتت خلفه، والدروبُ لا تتسع سوى لصديقين متلاصقين، وتصعدُ مثل قذيفة للسماء وتنزلُ بقوةِ مظلةٍ ممزقة، وحُملتْ كلُ تلك الصخور بساعده ورفاقه، وانشقتْ التلالُ الحجرية الشيطانية عن طرقٍ أنسية، وانغرستْ أشجارٌ عملاقةٌ لا ثمر فيها جلبها ضابطٌ أجنبي متخمٌ، وكان عليه هو أن يفجرَ الماء وينشرَ شجرَ الرمان واللوز والنخيل لكي يشبعَ الجياعُ وأطلق العصافير بين الأغصان وفي السماء المحبوسة. لم يتركوه ينشئ ميادينَ الحمام أولئك السفلة!
يتأمل البحر وهو يغرزُ حربته في ظهور السمك المتلوي من الألم، (خذي! خذي!)، صرخاتٌ تدوي في الهواء، (سأعلن دولتي هنا. أنا أقدمُ كائنٍ عاقل منتج في هذه الحديقة الغناء الآن. مملكةٌ صنعتها بيدي، بشقاء عمري!)، ورأى قماشاً ملوناً يطفو على وجه الماء، منتفخاً قليلاً، يرتعشُ بالريح الخفيفة، ويدنو من ساقيهِ المفتوحتين الضامرتين، ينحني ويلتقطُ القماش، فإذا هو عَلمٌ! علم لدولة أخرى، ذي نجوم كثيرة.
ينحني ويصرخ: (شكراً يا إلهي، لقد استجبتَ بسرعة لأمنيتي بخلاف الأمنيات الكثيرة الأخرى. وهذا دليل على أن الدولة الموعودة ستظهر هنا، وأنك ستحميها، كما تحمي هذه الجزر والموج والبشر).
دُهش رفيق وهو يأخذُ منه السلةَ المليئةَ بالأسماك، ويراه يمسكُ شيئاً غريباً، ويعصرُ قطعةَ القماش، حتى نشفت، وراح يبحثُ عن شيء في مخزنه الكبير الغاص بالأدوات والحبال والسلال، وانتزعَ حبلاً طويلاً وأدخله في العلم، وذهبَ لصاريةٍ طويلة تزدهي بقامتها بين النخيل السامق، وصعدَ الخشبةَ برشاقةِ ضفدعة، وأدخل الحبل في الثقب وانحنت قطعة القماش المبللة، ثم ارتعشتْ قليلاً وتناثرت القطراتُ ثم رفرف العلمُ بقوة!
وقفَ باستقامةٍ شديدة وأدى تحية العلم.
جاءتهُ السمكاتُ المشوية وتلُ الأرز الأبيض والخضروات والليمون، وراح يأكل بتأن. قال بهدوءٍ مليءٍ بالعظمة: (لقد صرتم أيها الأخوة مواطنون في دولة المساواة والعزة. لقد رفعتُ العلمَ، وجاءتْ دولة الإنسان!). نهضَ ووزعَ بعضَ الأكل وتدافع السجناءُ على الكائنات السوداء الرقيقة التي تتفجرُ بالدهن والبياض. وتكسرتْ العظامُ وتحطمت الرؤوس بقوة.
فجاءته لاحقاً التبريكات، وصرخ أحدُ السجناء المطلعين بينهم: (عاشتْ دولة الحرامية!)، في حين كان علي البهلوان ينظرُ بدهشة وألم.
حين يقرأ عليه إبراهيم بودريس حكايات عنترة من كتابه الأصفر الممزق، في شحوب المصباح السقفي الأصفر الباهت، كان صالح يحلقُ مع الخيول الطائرة في السماء، ويعودُ إلى بلدهِ المتواري وراء الصحارى والجبال، ويظهرُ له اللصوصُ والجانُ والنسوة الأميرات، وفي حين كان إبراهيم يتأتئ في قراءتهِ ويقف طويلاً عند السطور الشاحبة التائهة بين شفتيه الضخمتين، يكون هو قد ملأ البحر بالسفين، وولّدَ نسلاً من العمالقة.
يقترب منه علي البهلوان بجسمه الهائل وعضلاته البارزة وطاقيته الصغيرة الموضوعة على رأسه الكبير، وكان قد طلب من الحضور تهوية المكان، فانحنى على صالح وهمس: (هذا لا يجوز يا أخي، أن ترفعَ علماً معادياً، أين نخوتك؟ عليك بإنزاله من الغد!).
كان علي على الرغم من جبروته الذي يتفجر بشكلٍ صاعقٍ على السجناء، ومن أكله الرهيب، حيث يَقذف إليه بعضُ السجناء أكلَهم المقرف، ومن حبهِ الشديد لتهريب السكر من المخزن، إلا أنه كان يُعتبرُ حكيم السجن، ثم أنه قال كلمته بشكل أخوي رقيق، محافظاً على الصلات والأعطيات.
لكن صالحاً كان قد وصلَ إلى ذروةِ الحلم، وعرفَ بأن علياً يغار منه، وهو الذي عاش سنوات طويلة يقترح على السجناء نصائح قانونية فاشلة طالما أضافت سنوات جديدة على أحكامهم، وعاش كالقطط على خيره، فنهض غاضباً وصرخ:(أجبنت يا رجل؟! ماذا تفعل بجثة الفيل هذه؟! ألا يكفي أنهم قذفوا بهذه الجزيرة في عرض البحر وتركونا على الأعشاب والصخور وما تجودُ به المياه؟ أذهب!).
كانت قرقعة الأقفال تدوي، والعساكر يعيدون السجناءَ لغيرانهم الحجرية الضيقة، وهبطَ الليلُ المخيفُ بسرعةٍ على المحارةِ الكبيرة الجاثمة في المياه، ولامسَ وجههُ القضبان وهو يدوي بكلماته الساخرة.
في الفجر لبس إزاره وأيقظ رفيقاً، وخرجَ من الزنزانة المفتوحة ليمشي بهدوء في الساحة يستقبلُ تحيات الآخرين ويرد عليها بغمغمة، وجاءت رائحةُ الخبز المدهون المحمص من المخبز، لذيذة منعشة في هذا الفجر الجائع، دائماً، كانت بطونهم تصطك مع ظهورهم، وهم يقذفون أشلاءَ الكوابيس والأحلام والسوائل اليابسة على التراب، ولم تحدثْ أي مشاجرة في الفجر، لكن الظهائر والأمسيات المغموسة بالحر والبعوض، فجرتْ الكثير من الدماء.
انتبه صالح للعريف المسرع نحوه، يعزل ويقوض تجمعات السجناء وهم يبحثون عن أدواتهم ويشربون آخر قطرات شايهم، حتى انهار عليه مثل عمود ملح، (أنت لن تذهب للبستان يا صالح، أنت ستكون منظفاً في ساحة السجن. انتهت جنتك!)، وراح يضحك عليه بتشفٍ ساخر.
حدقَ فيه السجناءُ بنظراتٍ مثل معرض كثير المرايا، شماتة وابتسامات متشفية، وأسى، ورجاء، وغضب، وحيرة، وعزاءات حارة شفافة تدفقت، ونداءات متشفعة للإله العادل، ولعنات على ابليس الملعون.
ولكنها كلها كانتْ خارجهُ مثل أيديهم الممدودة، وقبلاتهم المعزية، وانفجرتْ في نفسهِ كومةٌ من الأسئلة المشتعلة المتدحرجة، وأطارت جسمهُ في زوبعةٍ من الشظايا والكائنات الشريرة التي تلسعه في كل مكان، وبدا البستان مثل عرش روما وهو يحترق، وعنترة سقط في فخ التراب، واندفع وراء العريف وبين صفوف السجناء وفؤوسهم المعلقة وراء ظهورهم، ونثار كلماتهم المذهولة، فكأن زلزالاً وقع في الجزيرة الضائعة في البحار، واطلقَ موجاتٍ من الماء المجنون، وصرخ (لماذا، لماذا؟ ماذا حدث؟ هذا بستاني..)، رد العريف: (الضابط وصلته إخبارية. رفعتَ علماً أجنبياً على الأرض. جاءتْ مروحيةٌ في العصر وصورتْ. جاءت برقياتٌ غاضبة. الضابط اندفع وقطع السعفَ الطويل الذي أحطتَ به البستان..).
تجمد على التراب، أشار العريف لإبراهيم بودريس لكي يأخذ البستان، لكنه رفض، فعين آخر مجهولاً فسار رفيق وراءه بحياد غريب.
وجاءتْ الجملةُ الأخيرةُ مقطوعةً عن سياقِ الهواء والجمع: (وأنزلَ الضابطُ العلمَ، الخرقةَ التي رفعتَها في الجزيرة!). انفجرتْ ضحكات. وتدفقتْ الأرجلُ والترابُ وراءها مثل تيار لافح، واندفع صالح هائجاً. صارخاً، وأستل فأساً من على أحد الظهور، وتقدم بغضب، (من يأخذ أرضي سأقتله!)، وبعثرَ السجناءَ بقوة غريبة، وركض نحو باب سور الخروج، وحاول أن يضرب الشرطي الحارس، لكنه ضربه بقوة بالعصا، وكاد أن يشق جبهته، سقط على الأرض. يمسكُ الترابَ الآن بقوة، فيما النعالُ تمضي، ورفعهُ إبراهيم بحب، ورأى صالح جراداً يأكلُ عينيه، وحدق في جسمه الضئيل الذي سقطَ من عليه الإزار، وأبصرَ خدوشَ الأحجارِ وأسماكِ القرش، التي كانتْ تدافعُ بضراوةٍ عن مياهِها وصيدها، وبدتْ الليالي الطويلة مثل خرزِ النجومِ المشتت في السماء، ومشى تائهاً، مقترباً من سجناء آخرين لم يذهبوا للشغل، وتناثرتْ جملهُ مطراً تائهاً عن الأرض الخضراء، (يا أخوان أنتركهم يستولون على رزقنا؟ هذه أرضي، تعالوا لنمضي لتلك الصخرة العالية.. سنوات طويلة.. سنوات أكثر من شعر ذلك الضابط الصغير. توحدتْ عظامي بهذه الصخور، وهو لم يُخلقْ بعد في بطن أمه)، تأمل جلسته على الرصيف الرث، قطة جاره البلهوان كانت ترمقه بدهشة.
لم يدرِ بالظهيرة، شوتهُ الشمسُ وهو يرسمُ نخلَ بستانه، موعدُ الغداءِ حل، وجاء حشدُ السجناءِ يهزُ الأرض، وظهرتْ الصحونُ ومُدت لتلك الكتل الهزيلة من الأرز، وسمعَ ضحكات رفيق مع الرجل الذي استولى على أرضه.
جاء أبوه من النخل البعيد، وجد نفسه حمالاً في الأسواق، يساعده ذلك الغلام الذي قتله فيما بعد، كان يشتغلان ويعملان ويأكلان معاً، وينامان في تلك الحجرة وسط السوق، قتلهُ بقسوةٍ وهو يحضنهُ باكياً، صارخاً (لماذا خنتني؟!)، ثم لوّعتهُ تلك الصرخة سنوات طوال، وكان يريد وقف ذلك الفيلم الدامي، لكن الشريط يدور والبكرة تتساقطُ على رأسهِ أحجاراً ودهساً في الظلام وعملاً ضائعاً، حتى وجد حبَهُ ورفع قلبَهُ رايةً للعصافير والبركة.
ينهضُ معفراً بالتراب، أيدٍ كثيرة تنفضُ الرملَ عن جذعه المتهاوي، يصرخ: (لستُ الملك الوحيد الذي فقدَ عرشه!)، يلوحُ بذراعهِ غاضباً:(ابعدوا أيها الجبناء، لن أعيشَ مثلكم في هذه الحفرة الحقيرة!)، سارَ كأنه يتدحرج وتوارى عن الأنظار.
غُسلت الصحون، وشُرب الشاي، وتدافعت بعض الأقدام نحو أعمالها، رفيق سار وحده يلهو مع الظلال، ويتذكر القصص الكثيرة التي رواها له صالح، والمحبة الغريبة التي يغمرهُ بها، وأحسَّ مع العامل الجديد في البستان بالأسى، وتذكر صرخات صالح ونكاته وألاعيبه وطعامه.
في أولِ خطوةٍ داخل الأرض الخضراء رأى جسماً معلقاً، في تلك الصارية الشماء نفسها، والتي كان يرفرفُ فيها العلمُ الغريب، الآن يرى صالحاً يتطلعُ إلى الأرض وقد صار هو الراية، بملابس عسكريةٍ رثةٍ ممزقة ارتفع نحو السماء، لم يستطعْ أن يؤدي تحيتَهُ العسكرية الدائمة، لكنه وقف بصرامة، شامخا،ً تدلتْ يداهُ وما زالتا تهتزان في ارتجافاتِ الجسمِ التي طالتْ، وعيناهُ تحدقان بشجاعةٍ في التراب.
عبدالله خليـــــــــفة
قاص وكاتب من البحرين