لا يستنفد الكلام على المسائل المتعلقة بالعناوين الحضارية والمطالب الوجودية، كالسعادة والحقيقة أو الرب والعقل أو الحرية والعدالة… وسواها من العناوين التي هي قضايا خِلافية، إشكالية، ملتبسة، لا تنفك عن توليد الأسئلة المربكة أو المحرجة، لكي تبقى محلاً لإعادة النظر والبناء، على سبيل التوسيع والاغناء، أو التغيير والتجديد.
وحدها الأخبار والمعلومات يجري فحصها بمنطق المطابقة واليقين، صدقاً أو كذباً، صحةً أو خطأ. وأما الأفكار التي هي عناوين وجودية، فبرهانها هو رهانها على أن تفعل وتؤثر بحيث تسهم في تغيير المشهد فيما هي تقرأ الحدث، أو تشكل وقائع معرفية خارقة بقدر ما هي أدوات فعالة للفهم والتشخيص. ولذا فهي تعامل بمنطق الخلق والتحويل، بوصفها شبكات من العلاقات والتأثيرات المتبادلة. هذا شأن قضايا كالتنوير والعقلانية والنقد والنزعة الإنسانية.
1- التنوير
والتنوير، بمفهومه الحديث، هو حمل الانسان المسؤولية عن نفسه وممارسته لاستقلاليته الفكرية، باستخدامه عقله في تدبر وجوده وإدارة شؤونه، من غير مصادرة او وصاية من جانب مرجعية لاهوتية أو سلطة مقدسة. إنه خروج الانسان من قصوره وبلوغه رشده العقلي، كما عرّفه الفيلسوف كنط الذي هو أول مَن افتتح عصر النقد، في الأزمنة الحديثة، بوصفه نقد العقل لذاته بالدرجة الاولى.
أما اللاهوت فهو إقرار بالعبودية والتبعية تجاه سُلطة الهية خارجية. وهذا ما تشهد به الرواية الدينية بالذات، حيث أن ابليس طرد من بين الملائكة لأنه استكبر على الامر الالهي بقياس العقل، كما يقرأ البداية الشهرستاني في كتابه «المِلل والنحل»، مما يعني ان مشكلة ابليس مع ربه تمثّلت في كونه قد شغّل عقله في المساءلة والاعتراض والمحاججة، في حين أن الدين هو خضوع وتسليم. بالطبع هناك وجه آخر للمشكل، وهو أن إبليس يمثل مصدر الوسوسة وسلطة الغواية على العباد، على ما جاء في خطاب الوحي. ولكن الله مع علمه بذلك، أمهل إبليس إلى يوم الدين. وتأويل الرواية بوجهيها، أن العالم لا يسير من دون مساءلة أو معارضة عقلانية، وأن الهوى والغواية والفتنة هي الأصل والمحرك، وليس العقل.
بهذا المعنى يتعارض التنوير مع اللاهوت، وربما ينسف من الاساس الموقف اللاهوتي، حيث الإقرار بالعبودية والتبعية تجاه السلطة الإلهية، وحيث الامتثال والتسليم لما هو غير بشري، متعالٍ او ماورائي. وقد قال ابو العلاء، قبل العصر الحديث، وفي زمن التنوير العربي: اثنان أهل الارض: ذو عقل بلا دين وآخرُ دَيْن لا عقل له.
2- الشيطنة
لا يعني ذلك أن الناس لا تستخدم عقولها في تدبير شؤونها. فالعقل هو افضل الاشياء قسمةً بين الناس، كما جاء في بعض المرويات الاسلامية لدى الكليني الرازي، وكما جاء على لسان ديكارت في ما بعد. ثمة افراد هم اكثر شيطنة، في هذا الخصوص، من الشيطان نفسه. وهذا شأن بعض رجال الدين، سواء في الدفاع عن عقائده بأدلة العقل، او في تحصيل معاشه، أو في إقناع أتباعه بالتخلي عن عقولهم لكي يصبحوا طوع أمره أو أسرى سلطته ونزواته وتشبيحاته، كما فعل ذلك الأبله الثقافي والإرهابي التكفيري الذي طعن نجيب محفوظ بالسكين، تنفيذاً لفتوى شيخه على أمل الفوز برضوان ربه.
ولا عجب، فالعقل هو حيلة الانسان. حتى عندما يحاول الواحد التقليل من شأن عقله لحساب قوة عليا تندّ عن العقل، فإنه يستخدم أدوات العقل، كما نجد في المحاججات الكلامية واللاهوتية التي يدافع اصحابها بالبراهين العقلية عن المواقف الايمانية التسليمية. ومن المعلوم أن هناك علماء كلام مبتكرون في حقل عملهم، في الاسئلة والعُدّة، هم مجدّدون أكثر من الفلاسفة الذين يتعاملون مع أفكارهم بصورة تقليدية أو اصولية. بل هناك مارقون في الحقل الفلسفي نفسه، كما نجد نماذج ذلك بدءاً من نيتشه وصولاً الى ميشال أونفراي، إذا اقتصرنا على الأزمنة الحديثة. بهذا المعنى فالفلسفة تسعى باستمرار إلى التحرر من إرثها الأصولي بقوالبه الجامدة وأنماطه المحنطة ومناهجه العقيمة…
في أي حال، إن ابتكار الحل الديني للمشكل البشري، حيث خضوع البشر لكائن أسمى خالق ومشرّع أو مدبّر، بقدر ما هو قاهر يراقب ويعاقب، يمثل عند اول من فكّر به من الانبياء والرسل، ذروة الشيطنة، بمعناها الايجابي والعقلاني: الذكاء الخارق والتخييل الخلاق لاجتراح الإمكان وابتكار الوسائل أو المخارج. ولا غرابة: فالانسان يستنكر أحياناً ما يمارسه بالذات، بأن يتهم به سواه، تغطيةً لما يفعله هو نفسه، تماماً كما يحجب الخطاب ما يتأسس عليه. وتلك هي المفارقة.
لا شك أن الصيغة الدينية، كتركيبة وجودية يختلط فيها الإيهام والخداع مع الخشية والتقى، قد شكلت نمطاً فعالاً وناجحاً في ضبط البشر وتنظيمهم، وذلك بقدر ما شكّل النصاب الديني، بقيمه وشرائعه، حداً رادعاً بين النظراء والانداد يلزمهم بإتقاء بعضهم البعض في حقوقهم وكراماتهم. ولكن الصيغة الدينية، التي كانت شغالة طوال قرون، تكاد تفقد مصداقيتها، فيما يتحول الدين على يد حماته إلى آلة لسفك الدماء وإحداث الخراب أكثر من أيّ يوم مضى. ولذا لم يعد الدين أفيون الشعوب كما قال ماركس، ولكنه ليس فيتامين الضعفاء كما يفهمه ريجيس دوبريه، بل أصبح يمارس كفيروس قاتل على يد حُماته.
ولا غرابة في ذلك. فالأشياء لا تعود كما كانت عليه، من غير تحويل خلاق أو تأليف بناء تجدد به العلاقة مع المعنى، إلا بصورة كاريكاتورية أو مرعبة، كما يعود الدين الآن عبر فتاوى الباروكة والرضاعة، أو ملامسة الانثى بقصد الاستمتاع ولو رضيعة، أو قتل المخالفين في الدين والمذهب، فضلاً عن فتوى (العوراء) التي قضت بأن لا تبدي المنقبة سوى عين واحدة كي لا تكون محل إغراء وإثارة، وكلها فتاوى بائسة أو مضحكة أو قاتلة تشوه سمعة العرب في العالم.
3- الروحانية
وفي أي حال، إن المقدسات والمطلقات والثوابت لا تترجم إلا على سبيل الانتهاك على أرض الواقع الحي، حيث لا وجود في عالم الكون والفساد، إلا لما هو ناقص أو نسبي أو متغير أو عابر… فالأحرى أن تعامل الكتب والنصوص الدينية بوصفها محصّلة خبرات وجودية وتجارب فذّة تركها السلف تجدر قراءتها وتدبرها، قراءة توليدية تحويلية، لاستثمارها في بناء الذات وصناعة الحياة، فضلاً عن رعاية الارض ومخلوقاتها. فالقراءة الخصبة والخارقة هي التي تتعاطى مع النصوص كمساحات للتأويل، نقرأ فيها ما لا يُقرأ من قبل، من أجل تجديد المعنى واعادة بناء الذات، على نحوٍ أغنى وأقوى، وإلاّ تحوّلت الى متاريس عقائدية وخنادق رمزية.
والأجدى أن يتوقف البشر عن نسبة اعمالهم وصنائعهم وحروبهم الى الله. ففي ذلك طعنٌ في الذات العليا وانتهاك لأسمائها الحسنى. ثم انه من الظلم والخداع للنفس، لدى العرب، ان يطمسوا الانجاز التاريخي والحضاري، الوحيد، الذي انجزوه، مع الحدث القرآني، على سبيل الاختراع والابداع، بالتعامل معه كتنفيذ لمشيئة ربانية او تجسيد لوحي الهي؛ كما انه من الظلم والخداع للغير، ان يقدم العرب انفسهم بوصفهم مجرد رسل للسماء، فيما هم فتحوا العالم بلغتهم وشريعتهم وسيوفهم، لكي يقيموا امبراطورية شاسعة وغنيّة، بثرواتها وأسواقها وعائداتها وجواريها ومتعها.
لقد أثبت الإنسان بأنه أدنى شأناً مما يحسب أو يدعي، من حيث صلته بالصُعد والعوالم والحقائق الربانية أو القدسية والمتعالية. لقد أخفق في هذا الخصوص، على غير جبهة، وبالأخص الجبهة الدينية، كما تشهد الخرائب والحرائق والفظائع من حرب صفّين الى الحروب الدينية في اوروبا، ومن الحروب العالمية الى مجازر العراق الحديثة. من هنا ما عاد يُجدي التمييز بين النص المقدس وتفاسيره. هذه اللعبة تنتج المزيد من القيود بقدر ما تعطي مصداقية لفتاوى الرِدّة والإساءة. فالأنفع والأسلم، والأقل خطراً أن نقتنع بالتعامل مع أنفسنا ككائنات أرضية، دنيوية، محايثة، ملازمة، خلقنا من صلصال بطاقته وذراته وكواركاته، سيما وأن الرب، بحسب منطق الخلق، بل بحسب قانونه، لم يستطع أن يخلق سوى المواد بأشكالها وألوانها وموجاتها وأضوائها. ولكننا في الوقت نفسه خالقون فاتحون صانعون مهندسون بانون… وبالطبع لا ننسى أيضاً أننا عدوانيون وسفاكون أو مفسدون ومخربون… وربما نحن أشرس من أبناء عمومتنا الحيوانات بوحشيتنا المضاعفة، كوننا نمارس عنفاً مزدوجاً، طبيعياً وثقافياً.
لنعترف بذلك حتى نعرف كيف نسوس نفوسنا ونقود ماكينة رغائبنا. فأبلسة الدنيا والجسد مآلها أن تجتاحنا أهواؤنا المخاتلة من غير أن نحسب، لكي نمارس التشبيح والتهويم والتضليل، ونمعن طعناً فيما نقدسه ونعلي من شأنه. بكلام آخر لنعترف بحدودنا وتناهينا، لعلنا بذلك نفتح أفقاً لبناء علاقات بشرية أقل عنفاً وعدوانية أو قهراً وظلماً، وأكثر عقلانية أو تواصلاً وتضامناً، وربما أكثر روحانية. ولا غرابة. فالأقل روحانية والأكثر دنيوية هم أهل الإيمان المطلق والتسليم الأعمى واليقين الجازم، ذوي الفكر الواحد أو الأحادي، من الذين يريدون للناس أن يكونوا عبيداً أو آلات لأصل مقدس أو سلطة مطلقة. هؤلاء يقوضون الروحانية، إذ هم يقبلون على الدنيا ويتصارعون على حطامها، بقدر ما يدعون رفضها أو التقليل من شأنها.
من هنا فإن نفي الدنيا ينتج أسوأ أنواع الروحانية، وأنا أقصد بالروحانية، على ما أتأولها، علاقة المرء بالمعنى والقيمة أو بالحرية والكرامة، بقدر ما هي علاقته بذاته وجسده أو بالآخر أو بالطبيعة والعالم. بهذا المعنى فالروحانية هي تجسيد لاستقلالية الإنسان الفكرية ولحيويته الوجودية، بقدر ما هي تعبير عن كينونته المزدوجة، التي هي مصدر الخلق والإبداع والتحول، بفجواتها وتوترها والتباساتها، كما بشكوكها وتناقضاتها ومفارقاتها وشقوقها…
4- النكوص
إذا كان التنوير قد تحول الى مفهوم مركزي في العصر الحديث، وغدا شعاراً من شعارات الحداثة، فإن ذلك لا يعني انه لا تنوير قبل كنط. فمن العسف الاعتقاد بذلك. لأن كل من يمارس استقلاليته الفكرية ويشغّل عقله، إنما يصدر عن موقف تنويري، أكان فيلسوفاً أم غير فيلسوف. والتفلسف هو منزع عقلي فطري لدى الانسان.
هذا على مستوى الفرد. أما على مستوى الادبيات العقلية، فنحن نجد الآن بأن كل ثقافة حية وخلاقة لها انوارها كما لها حجبها وعتماتها. وهذا شأن الثقافة العربية في عصر ازدهارها الحضاري. يكفي أن نذكر بأن الفارابي قد اعتبر العقل مبدأ الكون بقدر ما عقلن الله. ومرة اخرى يحضر ابو العلاء بقوة، في هذا الخصوص، من خلال قوله الذي يسبق فيه تنويرية كنط: «أيها الغرُّ قد خُصِصْتَ بعقلٍ فاستشرْه كلّ عقلٍ نبيّ». ومع ذلك، فأبو العلاء مارس التقى المعرفي، من حيث علاقته بعقله، لأنه لم يزعم أن بإمكانه بلوغ اليقين في ما يعرفه. من هنا قوله: «واما اليقين فلا يقين، وإنما اقصى اجتهادي أن اظن وأحدسا». صحيح أنه أنكر النبوات (ولا تحسب مقال الرسل حقاً ولكن قول زورٍ سطّروه)، وصحيح أنه ايضاً خالف ربّه معترضاً على مشيئته مجاهراً بزندقته (فلا ذنب يا ربّ السماء على امرءٍ رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا)؛ ولكن المعرّي، وإن تزندق بالمعنى الديني والغيبي، فإنه كان على المستوى الفكري والوجودي الأتقى، قياساً على رجال الدين الذين يدعون امتلاك الحقيقة واحتكار اليقين، لتأجيج عوامل النزاع بين الناس وزرع بذور الفتنة بين الجماعات، بما يشكّل عودة الى ما قبل عصر النهضة والاستنارة، عصر محمد عبده وشبلي شميّل.
فقد كان الشيخ محمد عبده يقول: بعد وفاة النبي لا وصاية على العقل لأحد. وهذا موقف تنويري من الشيخ. في حين نجد اليوم عماية ونكوصاً الى الوراء، إذ بوسع اي داعية من الدرجة الدنيا، بل اي متخرج من مدرسة دينية قد حفظ عن مشايخه بعض الاحاديث التي لا يُحسن قراءتها، أن يُنصِّب نفسه مرجعاً للفتوى او وصياً على المسلمين، فيكفر من يخالفه الرأي، او يفكر بإقامة امارة اسلامية، لكي يعلن حرباً جهادية تورط البلاد والعباد في حرب تقود الى الهلاك والخراب.
من هنا، فإن أقل مَن نحتاج اليهم اليوم هم الدعاة القدامى والجدد، ممّن اشتغلوا أو يشتغلون بالتأسيس والتشريع للفتن أو بإنتاجها وتصديرها (إبن بابويه وابن تيمية)، أو نسخهم المعاصرة، كما تشهد الحروب الرمزية بين القرضاوي والتسخيري.
ثمّة فائض في الدعوات، ولكن ثمة نقص في الافكار الخلاقة والخصبة التي تترجم الى صيغ حضارية ومعادلات وجودية تتيح استعادة المبادرة التاريخية وممارسة الحضور والفاعلية على الساحة العالمية بصورة بنّاءة ومثمرة. وما يمكن فعله في هذا الخصوص هو انتاج معارف حول الدين والتراث والهوية، بصورة تحدث تغييرات بنيوية في الثقافة والسياسة. ولذا فإن أكثر مَن نحتاج اليه في تراثنا، على الاقل لبناء الصيغ الحضارية والسلم الأهلي، هم من نستبعدهم بالذات، من الأدباء والمفكرين، من ذوي العقول المنفتحة والرؤى النسبية والمنهجيات المتعددة والهويات المركّبة، أمثال المعرّي والفارابي او ابن رشد وابن عربي.
5- عودة العقل
ما يدور من جدل حول العقل والنقد هو وجه آخر لسجال أعم يدور بين أتباع التراث وانصار الحداثة، منذ افتتاح الزمن العربي الحديث، بفعل الاحتكاك بالثقافة الغربية.
ولا مراء ان رجال الدين المحدثين قد تأثروا، بشكل او بآخر، بالحداثة الفكرية بتقاليدها التنويرية وشعاراتها المختلفة كالعقلانية والحرية والتقدم والعلمانية والنزعة الانسانية. ولذا فهم، بمعنى ما ثمرة للحداثة، بوعي منهم او غير وعي، اعترفوا بذلك أم يعترفوا. ولا غرابة. فمن نعارضه او نساجله، قد يخترقنا من حيث لا نحتسب، خاصة اذا كان صاحب افكار جديدة، خلاقة وخصبة، غنية وخارقة. والمهم في ذلك طبيعة هذه الثمرة: كيف توظف الحداثة في دعوات رجال الدين ومشاريعهم وخطاباتهم؟
بالطبع تختلف المواقف بينهم. فمنهم انفتح على الفكر الحديث بمختلف تياراته ومدارسه، معتبراً أن لا مناص امام الفكر الديني، اذا اراد الإحياء والتجديد، من ان يفيد مما انتجته الثقافة الغربية في مختلف فروعها المعرفية وأنساقها القيمية.
ولكن هذا هو موقف القلة النادرة. اما الاكثرون فلهم مسالك اخرى مختلفة ايضاً. فمنهم من يسطو على المعارف العلمية لنسبتها الى القرآن من غير حياء خلقي او تقى ديني. ومنهم من يقول، في مواجهة العقل الحديث، بأن الاسلام هو دين العقل، لكي يشهد على نفسه بجهله المركب بالدين والعقل، وبنفسه في آنٍ، اي بأنه لا يعرف معنى ما يقول. وهذه الآلية الفكرية، آلية الالتفاف على الحقيقة، لم ينجُ منها حتى الشيخ محمد عبده الذي بهرته المدينة الغربية الحديثة، فحاول أن يعزو أهم انجازاتها الى الاسلام.
هناك فريق ثالث يرفع شعارات حديثة، من غير قناعة اصيلة، ولكن فقط من اجل ركوب الموجة وتلميع الصورة، شأنه بذلك شأن كثير من الحداثيين الذين يكررون شعارات العقلانية والاستنارة والديموقراطية بصورة خاوية.
وهناك آخرون يدعون الآن الى اعمال العقل النقدي في كل المسائل، بعد ان افنوا الشطر الاكبر من حياتهم بالاشتغال بلغة الغيب والنقل والفتوى والتنظير للحكومة الإسلامية، فإذا المآل هو الفتن المذهبية التي تمزق جسد الأمة وتفكّك عراها الواهية اصلاً، كما تشهد حروب الجوامع والمراقد. ولا عجب أن يكون المآل كذلك، لأن طرح شعار الاسلام كحلّ وبديل، لا يُجْدي في مواجهة التحديات الحضارية والاستحقاقات الوجودية التي تحتاج الى تجديد العناوين والمفاهيم.
وأخيراً هناك بين رجال الدين، مَن يدعون الآن، ولكن بعد خراب البصرة، الى اعتماد العلمانية في مواجهة الخطر الطائفي الزاحف. وهؤلاء يأتون بعد فوات الاوان، كما هو شأن الكثيرين من المثقفين العرب، الذين يرفضون الشعارات، ثم يعودون اليها، ولكن بعد استنفادها. وهذه حال دعاة العلمانية، فيما نحن نتجاوز الآن، بعد أزمة الحداثة والتنوير، العلمانية الى ما بعدها، وعلى نحو يكسر ثنائية العلمانية والدين، بإخضاع المعسكرين الى النقد والتحليل والتفكيك.
هذا ما تشهد به التجربة التركية، حيث المسألة تتجاوز مجرد الجمع بين العلمانية والدين، كما تتجاوز منطق المقايسة العقيم على سبيل المماهاة والمطابقة، لأنها تتعلق بفكر تركيبي يرى الى الواقع بتعدّد وجوهه ومستوياته أو أشكاله وأنماطه. هذا ما دعا اليه الرئيس التركي ابراهيم غُل في الخطاب الذي ألقاه بعد فوزه في انتخابات الرئاسة. والوجه الآخر للفكر التركيبي هو العمل بمنطق تحويلي خلاّق على سبيل التغيير وإعادة البناء، وبصورة تتجاوز منطق الماهيّات الثابتة نحو شبكة العلاقات والتأثيرات المتبادلة.
.6- تشريح الاصول
ومع ذلك، ليس لنا إلا أن نقول: حسناً أن يثوب بعض الدعاة الى عقولهم النقدية في ضوء المصائر البائسة والمدمرة للمشروع الديني بمختلف نسخه ونماذجه، على ما تشهد تداعياته على ارض الواقع، وذلك حيث الدين يتحول الى تجارة ودكاكين كما شخّص المشكل أحد أكبر الدعاة، او حيث الفتوى تدمر التقوى وتحيل اسم الرب الى بعبع وجلاد، او حيث منطق الفقه يسمّم صيغ التعايش بين المسلمين، ثم بينهم وبين اهل الديانات الاخرى. وتلك هي الثمرة السيئة لاعتماد المرجعيات الدينية في تنظيم العلاقة بين الطوائف والمذاهب: تقويض مفهوم المواطنة الجامع او تدمير السلم الاهلي، ليس فقط على مستوى العلاقات بين المذاهب، بل ايضاً داخل المذهب الواحد. والساحة الشيعية تقدم الشاهد الفاضح: فقد هوجم بشراسة احد العلماء البارزين من جانب جمهور «العلماء» الاعمى، فقط لأنه أراد التخفيف من الغلواء في التعاطي مع رمز تاريخي من رموز طائفته.
مرةً أخرى، حسناً أن يعودوا الى لغة العقل والنقد، اي الى ما كانوا يرفضونه لدى الغير، ثم عادوا لكي يتبنوه او ينسبوه الى أنفسهم. ولكن العقلانية النقدية، هي نقد الذات بالدرجة الاولى.
وهذه هي الآن مهمة الدعاة والمرشدين الذين احتلوا الشاشات والساحات والجامعات: أن يرتدّوا الى أصولهم ودعواتهم وبرامجهم، بالدرس والتحليل، وأن يعملوا على تفكيك النماذج التي صنعها المشروع الديني وصدّرها الى العالم: (1) الداعية الذي يطلق فتاوى تجعلنا أضحوكة العالم؛ (2) الجهادي الارهابي الذي يريد انقاذ الأمة بشنّ حرب على العالم من خلال اعتماد نماذج وأحكام وتقاليد مستهلكة او بائدة؛ (3) المفسر المشعوذ الذي يسطو على معارف الغير بدلاً من أن يُنتج معرفةً جديدة بالدين والعالم؛ (4) الأبله الثقافي الذي يسدل الستار على عقله لكي يصبح آلة بيد شيخه، ينفذ اوامره لكي يفوز برضوان الله في جنة الفردوس، فيما يفوز شيخه ها هنا بالجنة بمتعها وثرواتها وسلطاتها.
هذه هي النماذج التي نقدّم انفسنا من خلالها، الى العالم والآخر بصورة بائسة فقيرة، عدوانية، كاريكاتورية… والثمرة أننا نتهم الغير بتشويه سمعتنا، في ما نحن لا نفعل سوى ذلك.
7- الاعتراف والاعتذار
من هنا فإن الاساس في الموقف التنويري والنقد العقلي بدايته الاعتراف بالأزمة وتشخيص العلّة، ثم الاعتذار عمّا جرته الدعوات والمشاريع من الاخطاء والمساوئ والكوارث. فقد طرح الدعاة شعار «الاسلام هو الحل والبديل»، بعد انهيار المشروع القومي، وفشل النموذج الاشتراكي الذي ولد أصلاً ميتاً، فكانت النتيجة أن استجمعوا مساوئ المشاريع السابقة على ما يشهد اليوم تحالف القومي واليساري والاسلامي تحت راية المرشد الديني والمجاهد الالهي، لكي تزداد المجتمعات فقراً وتخلّفاً واستبداداً، او لكي نصدّر الارهاب الى العالم. من هنا فإن أقلّ ما نحتاج اليه هو الدعوة والوعظ والتبشير، وأكثر ما نحتاج اليه هو إنشاء مراكز للبحث العلمي والفحص العقلي والدرس المعرفي، لتشريح أمراضنا الثقافية والدينية، على سبيل الفهم والتشخيص. بهذا المعنى فإن غير المتدين، الذي يشتغل على النصوص والممارسات الدينية لتجديد الأفكار والمفاهيم والقيم، يمارس دوراً إيجابياً وبناءً في مجتمعه وعالمه أكثر بكثير من المؤمن المتعصب الذي ينصب الحواجز والخنادق بين المذاهب والطوائف.
أزمة العقل الكوني
إن نقد الذات، بما هو عمل تنويري، إنما يصدر عن «تواضع وجودي» و»تُقى فكري»، على ما أصوغ المسألة، وعلى نحوٍ يحمل الواحد من الناس على الإقرار بتناهيه والاعتراف بحدوده ونسبية آرائه وافعاله.
وهذا النقد لا يقتصر على الحقل الديني والعاملين فيه من حراس النصوص وعبدة الاصول وشرطة الفتاوى، وإنما هو نشاط ذهني مركّب ومتعدّد يشتغل على المحورين: جبهة التراث بديناصوراتها ومتحجراتها العقائدية، وجبهة الحداثة بكهولها ومقولاتها المستهلكة.
فمن علّل الحداثة التي تعاني اليوم من مأزقها، تأليه العقل، وحلول الانسان محلّ الله، والتعامل مع الشعارات والعناوين كحقائق مطلقة وأقانيم مقدسة، كما تعامل معها لاهوتيو الحداثة والتنوير. هذا داء من أدواء الحداثة التي عملت بنفس منطق الدين القائم على التأليه والتقديس وخلع صفات الاطلاق والتعالي على الاحداث والاشخاص، أي على ما هو نقيض ذلك.
من هنا فالأزمة هي وجودية وشاملة، بمعنى انها تطال العقل الكوني بمختلف نماذجه وأنماطه، القديمة والحديثة، الدينية والعلمانية، اللاهوتية والفلسفية. والفكاك من المأزق يحملنا على التخفف من ادعاءات التيقن والقبض والتحكم، سواء من جانب الفلاسفة الذين يدعون بأنهم ملاك الحقيقة وشهودها وحاملو مفاتيحها، أو من جانب اللاهوتيين الذين يزعمون بأنهم خلفاء الله ونوابه وآياته وحاملو اختامه.
هذا هو الداء الذي يفتك بالمجتمعات والثقافات: (1) المركزية البشرية التي تدمر البيئة والطبيعة؛ (2) النرجسية العقائدية التي تلغم صيغ العيش بين الناس؛ (3) النظرة الأحادية التي تختزل الواقع المعقد الى بعد واحد من أبعاده؛ (4) عبادة الاصول والتمترس وراء النصوص للانقلاب على القضايا والتعلق بالاشياء حتى أضدادها؛ (5) حراسة المقولات بتحويلها الى قوالب متحجّرة ونماذج بائدة تشلّ الطاقة الحيّة على الخلق والابتكار؛ (6) وكل ذلك ينبع من الداء الأعظم كما يتجلى في ظاهرة الألوهة بوجهها المزدوج: ارادة التأله التي تسهم في صنعها الحشود والجماهير التي تمارس طقوس العبادة والتقديس لزعمائها وقادتها وابطالها وأئمتها، ولكن لكي يتحولوا بدورهم الى عبيد لنزواتهم وألقابهم وسلطاتهم وأساطيرهم. على هذا النحو تمارس الألوهة، على يد الانبياء الجُدد، لكي نحصد كل هذه المساوئ والكوارث.
ومن المفارقات في هذا الخصوص، أن الدُعاة القدامى والجُدد الذين رفعوا سيف التحريم والتقديس، واشتغلوا بمنطق التكفير ضد الغير، قد ارتدّ عليهم سلاحهم، فباتوا يشتغلون بإلغاء بعضهم البعض، تكفيراً وتنابذاً وتنازعاً وفتناً مذهبيّة تندلع في غير ساحةٍ عربية. ومن المفارقات أيضاً أن الخارجين على الاطر الدينية، ممّن يعُدّهم المتدينون مارقين أو ملحدين، يقبلونهم جميعاً، إمّا مؤمنين (مسحيين ومسلمين)، أو مسلمين (شيعةً وسنّة)، وذلك بسبب رؤيتهم المركبة، وربما لإيمانهم الواسع، فيما أهل الايمان الديني لا يحسنون سوى تكفير بعضهم البعض.
ولعلّ هذا ما دفع بعض رجال الدين الى طرح العلمانية كحلّ للكارثة. ومع ذلك لن نقول بأن الله يكفي المستقلين وغير المتدينين شر أهل الإيمان الديني الذين يقتتلون فيما بينهم، لكي نحصد هذا الخراب على يد الأنبياء الجدد.
وفي أيّ حال لم تعد المشكلة هي مجابهة لاهوتية كما يطرحها العلمانيون الذين فشلوا على مدى عقود في هذه المجابهة ضد أهل اللاهوت. وبالعكس لم تعد المشكلة تنحصر بتوجيه تُهم التكفير والاساءة، من جانب أهل الفتوى، الى هذا المفكّر او الى ذلك الكاتب او الفنان، وإنما هي تتعدّى الآن ثنائية العلمانية واللاهوت، في ما تغرق بعض البلاد العربية في أتون الحرب الأهلية التي يشعلها أهل الإيمان وأمراء الجهاد فيما بينهم. فليستيقظ من سباتهم الحداثيون والتراثيون. فبعد فشل المشاريع القومية واليسارية والإسلامية التي استجمعت مساوئ بعضها البعض، فإن الرهان الآن هو الانخراط في فتح أفق جديد لتنظيم العلاقات بين المجموعات البشرية، قِوامه البُعد المتعدّد للقِوى والتكتّلات والطوائف والتيّارات والأحزاب والأنماط والأشكال…
8- عُدّة فكرية جديدة
والنقد، بما هو إحساس بالتواضع الوجودي، وبما هو ممارسة للتقوى، مهمة دائمة لا تتوقف. لأن الأصل لدى البشر ليس العقل او التعقل، بل الميل والهوى او النعرة والعصبية. فالانسان هو شهواته ونزواته وهواجسه وخرافاته وقلقه وتوتراته والتباساته ومفارقاته، التي تجعله ينتهك دوماً ما يدعو اليه او يمارس ما يعلن الحرب عليه. من هنا حاجته الدائمة الى نقد الذات، بتعهدها وسوسها بالدربة والمراس او بالجهد والاجتهاد. انه وعي مضاد بالهوية، ومسافة نقدية من الذات، واشتغال دائم على الافكار والمؤسسات والسلطات، للتخفيف من المنازع النرجسية والاصطفائية والمركزية، اذ هي الداء الأعظم الذي يولّد ما نفاجأ به من الدمار والهلاك، للبشر والطبيعة والحجر… بما أسميه «تواطؤ الاضداد على صناعة الخراب».
إن العصر الذي نلج فيه، لا يُبقي شيئاً كما هو عليه: لا الدين ولا الحداثة، لا المجتمع ولا الدولة، لا الأصولي ولا العلماني، لا الإسلامي ولا اليساري، لا الداعية ولا المثقف… بل كل شيء، أكان ذاتاً أم فعلاً، يحتاج في مفهومه ومعناه إلى أن يُوضع على طاولة الدرس والتشريح، من أجل إعادة التجميع والتركيب أو التوظيف والتشغيل…
من هنا فإن الشعارات التي يعود اليها، الآن، الدعاة من رجال الدين، بعد أن استهلكها الحداثيون، سواء تعلّق الأمر بالعقل والنقد والتنوير أو بالحرّية والديموقراطية والنزعة الانسانية او الكونية، كلها شعارات قد فقدت فعاليتها، وباتت بحاجة الى التجديد واعادة البناء في ضوء التحوّلات والثورات التقنية والحضارية والثقافية، وعلى وقْع الاخفاقات والانهيارات الاديولوجية والسياسية والخُلُقية والاقتصادية.
أخيراً، هل أنا أجرؤ، في نقدي، على المساس بالمقدسات والثوابت؟ إن الجرأة الفكرية، وإن قست، ليست هدفاً بحدّ ذاته، كما ليس القصد منها النفي او الادانة، وإلا انقلبت إلى نقيضها أو انتفت الفائدة منها؛ وإنما هي تكتسب أهميتها من كونها محرِّضاً من أجل تجديد المفاهيم والمعارف، سواء في المجال الديني او في المجالات الاخرى، وبصورة تسهم في كشف الأخطاء والمساوئ، أو في فتح الأبواب لاجتراح الحلول التي تساعد على الخروج من المآزق. وفي أيّ حال، ما يجرؤ عليه، أحدنا، في نقده وافكاره، لا يساوي شيئاً قياساً على ما يجرؤ عليه الذين يحتكرون مفاتيح الصعود الى السماء، من أعمالٍ قتل للابرياء يستفظعها المؤمن الذي رُبِّيَ على التقوى، بقدر ما تصدم إيمانه وتزعزع قيَمه.
ولذا أجدني أستدرك لأقول بأن هذا النقد لا يعني نفي الدين الذي هو بعد من أبعاد الهوية أو مرجعية من مرجعيات المعنى، وإنما يعني اجتراح إمكانات جديدة للعمل والبناء. فالكرة الآن هي في ملعب رجال الدين، أقصد منهم بشكل خاص قادة العمل الديني الميداني الذين ينتهكون بصورة مضاعفة المبادئ والثوابت التي يتّهمون الغير بانتهاكها او المساس بها، بعد أن حولوا الدين إلى ما يشبه محاكم التفتيش، واتخذوا من النصوص الدينية وتفاسيرها متاريس لإطلاق النار على المختلف في الداخل والآخر في الخارج. فالأولى ممارسة التقى الذي هو رأس الفضائل القرآنية، بحيث يتخلى العاملون في الحقل الديني عن بعض ادعاءاتهم وتهويماتهم: امتلاك مفاتيح الحقيقة، احتكار المشروعية الإيمانية، التفكير بمنطق الضد والإقصاء، محاولات أسلمة الحياة بكل جوانبها وتفاصيلها، لإقامة نظام شمولي يحول المجتمعات إلى معسكرات والحياة إلى جحيم لا يطاق.
خلاصة القول: ماذا تنفع دعاوى الحقيقة المطلقة والنصوص المقدسة وخير امة والفرقة الناجية وأشرف الخلق، وسواها من المقولات التي تشكل اعتداءً رمزياً على الآخر، بقدر ما تسمم أجواء التعايش وتدمر جسور التواصل بين الناس والجماعات. فالحقيقة هي في المحصلة ما نقدر على خلقه من الوقائع، أو ما نحسن انجازه وأداؤه، مما هو قابل للتداول مع الآخر على سبيل النفع أو الاغناء المتبادل، وعلى نحو نتغير به، بقدر ما نسهم في تغيير الآخر والواقع.
الأجدى إعادة الأمور إلى نصابها، وذلك بالتعامل مع المجال الديني بوصفه مشروعية تتفاعل مع المشروعيات الأخرى العائدة لمختلف حقول المجتمع وقطاعاته، بغية فتح آفاق جديدة أمام النمو البشري. ليست المشكلة الآن من يمثل الإيمان الصحيح أكثر من سواه، ولا من كان أحق بالخلافة، ولا التبشير من جانب أتباع هذا المذهب على ساحة المذهب الآخر. القضية هي أن يحمل الإنسان «الأمانة»، التي يهرب من حملها، لمواجهة التحديات الجسيمة والأخطار المحدقة التي تتهدد الأرض بمن عليها ومن فيها، كما يتجسد ذلك في انتشار العنف وتلوث البيئة وتبديد الموارد وتزايد الفقر، أي ما يخلق حالة طوارئ دائمة على الساحة العالمية، من جراء إرادة الجشع والفحش والتكالب أو منطق الاصطفاء والصدام حتى الخراب والحطام. فلم تعد تصلح إدارة العالم بالعقليات السائدة، أصولية أو امبراطورية، شمولية أو استبدادية، جهادية أو إنجيلية، كربلائية أو تلمودية…
وهذا ما يحمل على إجراء تحويلات مفهومية، بنيوية، خلاّقة وخارقة، لاعادة بناء العناوين بصورة تطال جغرافية المعنى ببداهاته ومسبقاته وتطال مرجعيات الفكر بمقدساته وثوابته، بقدر ما تطال أولويات العمل واستراتيجيات التدخّل والتوسّط. من هنا يحتاج تدبر الشأن البشري والكوكبي، الى استراتيجية فكرية جديدة في ادارة الهويات والقضايا والدول والعلاقات بين البشر، من الفكر التركيبي والمنطق التحويلي والعقل التداولي، فضلاً عن التواضع الوجودي والتقى الفكري.
عـــلي حـــــرب
مفكر من لبنان