* فالكيفية التي وقع حسبها تلقف مقولة »موت المؤلف« في الراهن النقدي العربي تعبر, في حد ذاتها, عما مارسته تلك المقولة من جاذبية وفتنة في الدراسات التي استعارتها ووقعت في دائرة سحرها. لم تستقدم المقولة باعتبارها مفهوما له كثافته, وله حمله المعرفي, بل وقع التعامل معها على أنها لقية فريدة, لقية نفيسة, لقية لم تتولد عن النظر في النصوص الإبداعية والإصغاء إلى ما يعتمل في أقاصيها وأصقاعها من تنابذ بين رغبات المؤلف وشروط الفن , بل جاءت نتيجة ضربة حظ . فلا جهد ولا كد .لا تعب ولا رشح جبين.
يجسد كتاب عبد الله الغذامي ثقافة الأسئلة مثلا هذه الظاهرة. فلقد تشكلت المقالات التي ضمها كتاب الغذامي مأخوذة إلى حد الهوس بمقولة »موت المؤلف«. لذلك حفلت بمفاهيم من نوع »التفكيكية« وسالتشريحية سو »موت المؤلف« و»البنيوية« و»السيميولوجية« و»النصوصية«. ولذلك أيضا توهم المقالات بأنها منخرطة في الجدل النقدي العالمي, وبأنها لا تستقدم المفاهيم فحسب, بل تسهم في إثرائها وتأصيلها. لكن الناظر في كيفية تعامل المقالات مع تلك المفاهيم يلاحظ, في يسر, أن خطاب الغذامي يمحو كثافتها وي فقرها. فالمفهوم يستقدم ويحول عن مقاديره. وإذا الحرص على تأصيله يصبح محوا لكثافته وتعطيلا لدلالاته. وطبيعي, بعد ذلك, أن يصبح حديث الخطاب النقدي العربي عن »موت المؤلف« في نصوص ترجع أغلب أسباب وهنها وضعفها إلى ما يمارسه المؤلف من سطوة على المتلقى ومن تعسف للكلام وامتهان للفن , محملا بالدلالات. إنه أمارة على أن المفاهيم تشرع, لحظة استقدامها من أوطانها, في حبك مكائدها. وهو, في الآن نفسه, علامة على أن عملية نقل المفاهيم من ثقافة إلى أخرى لا يمكن أن تحصل على الت مام إلا متى حدث فعل تحويلها. (…….)
***
** كتب عبد الله الغذامي في مقاله »تأنيث القصيدة: قصيدة التفعيلة بوصفها علامة على الأنوثة الشعرية« (مجلة فصول, المجلد السادس عشر, العدد الأول, 1997ص67-68): سكان أول رد فعل مضاد وأبرزه هو إنكار الأولوية على نازك, وقد ك تبت بحوث كثيرة ودراسات متعد دة, كتبها رجال فحول ينكرون عليها الأولوية وينفون عنها الريادة… المهم عندهم هو منع هذه الأنثى من شرف الريادة. يوهم خطاب الغذامي أنه ينتصر للمرأة ويبجل الأنوثة في مجتمع ذكوري مرده بذكوريته. لكن الكلمات التي يستخدمها تمكر به مكرا. فالغذامي يستخدم عبارة »منع هذه الأنثى« بدل منع هذه المرأة. ولما كانت كلمة الأنثى إنما تطلق على البهيمة عادة أي على أنثى الحيوان, فإن استخدامها على هذا النحو يظل يشير إلى أن الخطاب يوهم في الظاهر بأنه ينتصر للمرأة وقضاياها فيما هو يمارس عليها أعتى أنواع الإفقار. إذ يسلبها انتماءها إلى الجنس البشري.
لا يتفط ن الغذامي في غمرة دفاعه عن أطروحته إلى أنه استسلم إلى تصو ر ذكوري خالص عندما كتب: ؛ومن الواضح أن قصيدة التفعيلة قد ولدت أنثى في حضن ماما نازك«. فما ينبني عليه الكلام من استلطاف لا يخلو من سخرية, وهو استلطاف يكشف من قبيل الإيماء أن منتج الخطاب لا يزدري الأنوثة. لكن ه لا يتور ع من معابثتها والتند ر بها. لذلك تكف نازك الملائكة عن كونها شاعرة أنتجت شعرا وتصبح ؛ماما« وفي حضنها بني تها (قصيدة التفعيلة). وبذلك تجر د من صفتها باعتبارها شاعرة وترد ردا ماكرا إلى ما يجعل منها أنثى وعاء.
—
محمد لطفي اليوسفي
* فتنة المتخيل, المجلد الثالث: فضيحة نرسيس وسطوة المؤلف, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت ,2002 ص 237, ص 285-286.