محمد بنعمر*
من الظواهر الثقافية والفكرية التي تستوقف الدارس والباحث ، والمتابع لمسار التراث العربي الإسلامي في تطوره التاريخي ، هو ذلك التداخل القائم بين العلوم التي نشأت وتطورت في أحضان التراث العربي الإسلامي.
حيث إن العلاقة التداخلية والتكاملية ،كانت هي السمة البارزة والعلامة الغالبة ، والوصف المهيمن على النسق الابستمولوجي المعرفي المحمول في جميع العلوم العربية الإسلامية……(1).
وهذه التداخلية القائمة بين العلوم الإسلامية، كشف عنها كثير من العلماء، وأقرها عدد من الباحثين، وأثبتها المشتغلون والمتابعون للتراث العربي الإسلامي.
ومن ابرز المفكرين اشتغالا وإثباتا لبعد التداخلي في معارف ونظم التراث العربي الإسلامي الدكتور طه عبد الرحمن.
وهذه الورقة هي مسعى أولي منا للتعريف بالمنهج التداخلي التكاملي عند الدكتور طه عبد الرحمن ، وبيان أهميته وإظهار قيمته العلمية والمعرفية والمنهجية في قراءة التراث العربي الإسلامي.
-طه عبد الرحمن قارئا للتراث العربي الإسلامي
من أهم الإشكالات الثقافية التي استحضرها المثقفون العرب اليوم ،هي مشكلة قراءة التراث العربي الإسلامي،بحيث كان موضوع قراءة التراث العربي الإسلامي من ابرز المداخل المعرفية والفلسفية لكل عمل فلسفي، أو مشروع فكري أو عمل نقدي في المشاريع الفلسفية المعاصرة “ومن ثم كانت المسالة التراثية هي المدخل الأولي في جميع المشاريع الفكرية و الحضارية العربية و الإسلامية..(2).
ويعد مشروع الدكتور والمفكر طه عبد الرحمن من ابرز المشاريع الفكرية التي اختارت قراءة التراث العربي الإسلامي بمنهج تداخلي تكاملي.
ما يدل أن طه عبد الرحمن من ابرز الباحثين الذين اختاروا الاشتغال على مرجعية التداخلية في فحص آلية العلوم العربية الإسلامية ، دافعه وحافزه هو مقاربة وقراءة وفحص النص التراثي العربي الإسلامي لمعرفة النسق والبناء الفكري والمعرفي المتحكم في هذا التراث.
إذ صرح الدكتور والمفكر طه عبد الرحمن بأن التداخلية بين العلوم ،كانت من ابرز الآليات التي اتخذها واستند عليها واعتمدها في مقاربته وقراءته للتراث العربي الإسلامي سواء في مضامينه العامة ،أو في آلياته المنتجة لهذه المضامين ، أوفي ما يتعلق حتى بفحصه للجهاز المفاهيمي المشكل لتلك المضامين ،وقد صرح المفكر طه عبد الرحمن في أكثر من مناسبة وموضع بالتزامه وتقيده بمنهج التداخلية من حيث هو منهج جامع ومرجع معتمد ، في دراسة وقراءة التراث العربي الإسلامي.
فالخاصية المميزة لهذا المشروع الذي أرسى دعائمه المفكر طه عبد الرحمن انه لم يقتصر في هذا الفحص والقراءة على المضامين والمحتويات المحمولة في العلوم التراثية.
وإنما تعداه ليشمل ويغطي هذا الفحص حتى الآليات المنهجية المنتجة لتلك المضامين ،والحاملة والمركبة للمحتويات والمعارف والأفكار.
بحيث لاحظ أن قراء التراث لا سيما الجدد يحملون ضعفا منهجيا كبيرا يتحدد في “ضعف قدرة هؤلاء القراء على امتلاك ناصية الأدوات المنهجية العقلانية التي توسلوا بها في قراءتهم للتراث…”.(3)
فأغلب نقاد التراث اختاروا التوسل بأدوات البحث التي اصطنعها المحدثون من مفاهيم ومناهج ونظريات، وقد توهموا بهذا أنهم استوفوا شرائط البحث العلمي الصحيح.(4)
وما يخلص إليه المفكر طه عبد الرحمن أن القصور المنهجي في التمكن من المناهج الجديدة كان المشترك عند قراء التراث المعاصرين “الواقع أن التمكن من هذه المناهج لم يكن من نصيبهم ولا لتفنن في استخدامها كان طوع أيديهم…..”.(5)
وكانت الرغبة التي تحدو المفكر طه عبد الرحمن في هذه الملاحظة هو السعي نحو التقاطع مع المناهج التجزيئية التي كانت تسعى إلى قراءة التراث باعتباره قطعا مجزأة ومعارف مقسمة لا تحمل التداخل ولا التكامل ولا الانسجام في مكوناتها ولا في عناصرها ،علما أن القصد في المناهج التجزيئية هو الوصول إلى نتيجة المفاضلة بتفضيل بعض المعارف على حساب البعض الآخر…
بموازاة مع هذا فلقد سعى المفكر طه عبد الرحمن إلى إنشاء نظرية تكاملية في قراءة التراث، تسعى هذه النظرية إلى تخطي الرؤية الجزيئية التفاضلية للتراث،مع السعي نحو إحداث التقاطع مع القراءات التي اختارت المفاضلة بين المعارف والعلوم التراثية….
والذي أهل الدكتور طه عبد الرحمن بان يكون من ابرز الباحثين والدارسين هو استحضاره للمنهج التكاملي في قراءته وتقويمه للتراث هو اطلاعه الواسع والكبير على المناهج الغربية ذات الصلة بتحليل الخطاب وبعلم اللسانيات المدونة في لغتها الأصلية التي بها دونت ، وهذا الاطلاع هو الذي يسر له وأهله للوقوف على الخلل المعرفي وعلى العطب الابستمولوجي المحمول في تلك المناهج التي ظلت لصيقة بالفلسفات الغريبة.
إضافة إلى هذا كان المنطلق المعرفي للدكتور طه عبد الرحمن هو الأخذ بهذا المبدأ المعرفي الراسخ الذي ظل يشكل هدفا وقناعة ثابتة وجامعة في أعمال المفكر الدكتور طه عبد الرحمن ،وهو أن الخطاب القابل للفهم والقراءة والفحص والتحليل والتركيب هو الخطاب الذي يوضع في سياقه ومقامه.
-الجامع في المشروع الفكري عند المفكر طه عبد الرحمن
إن ما يجمع هذه القراءة التي دشنها وأصلها أن الجامع في المشروع الفكري عند المفكر طه عبد الرحمن هو وصف الاعتزاز بالتراث العربي الإسلامي،وانتقاد دعاة الانقطاع عن هذا التراث،لأن الانقطاع عن التراث غير ممكن ولا متيسر مادام التراث العربي الإسلامي حاضرا بقوة في ذاكرتنا وفي وجداننا، ومتأصل في سلوكنا وفي حياتنا اليومية. (6)
بحيث خاض المفكر طه عبد الرحمن معركة الدفاع عن أصالة التراث ،ودخل في معترك الرد على أهل التقليد الجامدين على الموروث ، وأهل التغريب الطاعنين في قيم التراث العربي الإسلامي.
فرغم هذا الدفاع على التراث فان المفكر طه كان على تمكن كبير من آليات المناهج المعاصرة الجديدة ، قارئا ومطلعا عليها في مصادرها وبلغتها الأصلية المحررة بها.(7)
وقد تجسد هذا الاشتغال والاعتزاز بالتراث في ما تركه من مؤلفات فكرية وانجازات فلسفية ،وفي ما أنتجه من مساهمات ،وما قدمه من مطارحات ومداخلات رائدة ،تصب جميعا في محور مشترك ،وهو قراءة التراث قراءة علمية نقدية ، ونقد القراءات العدمية التي اختارت المصادرة،والتقاطع مع التراث.
بحيث تركت مشاريعه الفكرية والفلسفية حول التراث أسئلة مفتوحة ،وإشكاليات مركبة عميقة ستظل مفتوحة للمشتغلين على الحداثة والمتابعين والداعين للتحديث في المجتمع العربي الإسلامي.
وهذه الأسئلة الفلسفية العميقة التي يحملها مشروع الدكتور والمفكر طه عبد الرحمن هي التي حاولت الملتقيات الدولية ،والمؤتمرات الأكاديمية العلمية والفكرية التي تعقد بين الفينة والأخرى حول فكر ومشاريع الدكتور طه عبد الرحمن أن تجيب عليها ،وتعمق الإجابة على مختلف الأسئلة والإشكالات التي طرحتها مشاريعه الفكرية في قراءة التراث العربي الإسلامي. مع اختيار العمق والتحليل في قراءة أفكاره من اجل الدخول والتفاعل مع اللحظة الراهنة ، ومعرفة السبل المفضية إلى بناء المستقبل —–(8).
ومن ابرز هذه المؤتمرات المؤتمر الأول الذي كان بموضوع :”الإبداع الفكري بين النظرة التكاملية للعلوم والمنظور التأثيلي لاستشكال المفاهيم” وهو من تنظيم كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر أغادير فبراير 23-24-فبراير:2014.
وكذا المتمر الثاني :”تجديد المصطلحات وبناء المفاهيم في الفكر الإسلامي المعاصر”، وكان من تنظيم رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية وكلية اللغة العربية بمراكش يومي: 6 – 7 ماي 2015.
المنهج التداخلي :السياق والمرجع
إن السياق الذي كان من وراء حضور المنهج التداخلي في قراءة التراث العربي هو سياق التراكم الذي تحقق في قراءة التراث العربي الإسلامي.
فالذي يستوقف الدارس، ويحضر الباحث والمتابع لمسار التراث العربي الإسلامي في تطوره التاريخي ، هو ذلك الكم الكبير من القراءات والدراسات والبحوث التي مورست على قراءة التراث العربي الإسلامي بمنهجيات مختلفة، وأحيانا متباينة ومتباعدة و متقاطعة ، تسعى هذه القراءات في وجهة مشتركة جامعة إلى الاشتغال على القراءة عامة ،وقراءة التراث العربي الإسلامي بصفة خاصة.
لكن الغالب والمهيمن على القراءات التراثية هو غلبة المناهج التجزيئية التفاضلية التي كانت تسعى دائما إلى قراءة التراث باعتباره قطعا مجزأة ومعارف منفصلة لا تحمل البعد التداخلي ولا المنحى التكاملي وغير مطبوعة بالانسجام ، والعمل على اختيار المفاضلة بين هذه المعارف ، بتفضيل البعض على حساب البعض الأخر…
بحيث كان الغالب والمهيمن على القراءات التراثية هو سعيها إلى تقسيم التراث إلى أقسام متعددة وتفضيل أو تبخيس هذه الأقسام بعضها على بعض ،ثم الانتهاء والخلاص إلى هذه النتيجة وهي الرفع من قسم على حساب قسم آخر…(9).
بحيث لاحظ المفكر طه عبد الرحمن أن الغالب على الأعمال الفكرية التي اختارت قراءة التراث العربي الإسلامي هو النزوع إلى تقسيم معارف التراث إلى أقسام متعددة وتفضيل بعضها على البعض الآخر ، ثم الانتقال إلى قسم بذاته بدعوى أن هذا القسم هو الذي ينسجم مع متطلبات واحتياجات اللحظة الراهنة.
ومما تحفظ به المفكر طه عبد الرحمن هو إدخال آليات ومنهجيات غربية دخيلة
على قراءة التراث لا تنسجم مع طبيعته وهويته ، إذ صرح: “فقد اجتهدت في أن لا انزل على النص التراثي أدوات انقلها من تراثات أخرى ،بل طلبت تلك الأدوات من داخل التراث حرصا على استيفاء المقتضى المنطقي الذي يوجب أن يكون المنهج مستمدا من طبيعة الموضوع لا مسلطا عليه وقد سميتها الآليات المأصولة في مقابل الآليات المنقولة…(10).
بالمقابل دعا إلى الأخذ بالمنهج التكاملي ،فهو من مقتضيات البحث العلمي ،وأحد عناصره الأساسية المشكلة له وهو المنسجم مع هوية ومضامين التراث العربي الإسلامي.
فمن القضايا المعترف والمسلم به بين اغلب الدارسين والباحثين والمشتغلين بدراسة وقراءة ومتابعة التراث العربي الإسلامي في معارفه المتعددة، ونظمه المختلفة أن أعمال المفكر طه عبد الرحمن تعد عملا رائدا ومشروعا كبيرا في قراءة التراث العربي الإسلامي ،فهو مشروع متكامل يشكل مرجعية كبرى في قراءة التراث العربي الإسلامي….
يجد الباحث والدارس في المشروع الفكري لطه عبد الرحمن مجالا علميا شاملا وجامعا لخصوصيات الدرس التراثي العربي الإسلامي.
بحيث اختار التعمق في مضامين التراث لاستخراج الأسس المركبة له والمشكلة له وتجميع والوقوف على الآليات التي يرجع إليها في بنائه وتركيبه.
في هذا الإطار كان اختيار ومسعى الدكتور طه عبد الرحمن تقديم بدائل منهجية في قراءة هذا التراث ،لتكون هذه البدائل المنهجية منسجمة وموافقه مع طبيعة وهوية التراث العربي الإسلامي من حيث السياق واللحظة والزمن، لأن أي خطاب قوته وتميزه من السياق الذي يتفاعل معه ومن حيث المقتضى الحضاري والفكري التي تطلبه وتقتضيه المرحلة المعاصرة.
فهو مشروع يحمل الإبداع والتجديد على مستوى القراءة وعلى مستوى المنهج المستثمر في هذه القراءة.
طبيعة البناء التداخلي
إن البناء التداخلي التكاملي في قراءة التراث يتحدد في اعتبار العلوم في التراث العربي الإسلامي وحدة متكاملة ومنسجمة، وهو ما يعني بأن النظرة التكاملية في العلوم تعني “النظرة التي تتجه إلى البحث في التراث باعتباره وحدة معرفية متكاملة ومنسجمة،ومتجانسة لا تقبل التفرقة بين أجزائها، اضافة أنها وحدة معرفية مستقلة لا تقبل التبعية لغيرها……(11).
وعليه فلقد صرح المفكر طه عبد الرحمن علنا باشتغاله ودفاعه على التداخلية بقوله : “نقول نحن بالتداخلية، والتكاملية بين العلوم ،ويقول خصمنا بالتقاطعية والتفاضلية في علوم التراث..”.(12)
وفي موضع أخر اختار الدفاع على هذا المنهج بقوله:” ولقد نحونا في تقويم التراث،منحى غير مسبوق ،ولا مألوف ،ولا معهود.فهو غير مسبوق، لأننا نقول بالنظرة التكاملية.وحيث يقول غيرنا بالنظرة التفاضلية، وهو غير مألوف.لأننا توسلنا فيه بأدوات مأصولة ،وحيث توسل غيرنا بأدوات منقولة…”(13).
فهو يعلن صراحة على ضرورة نقد الرؤى التجزيئية والتفاضلية في قراءة التراث مؤكدا “أن التقويم الذي يتولى استكشاف الآليات التي تأصلت وتفرعت بها مضامين التراث لا يتيسر إلا بالأخذ بنظرة تكاملية..”.(14)
-أقسام التكاملية في العلوم
قسم الدكتور طه عبد الرحمن ،هدا التداخل الحاصل بين العلوم في التراث العربي الإسلامي ،إلى قسمين أساسيين اثنين :
1 – التكامل الداخلي الذي يحصل بين العلوم التراثية الداخلية بعضها مع بعض،دون تأثير للعلوم المنقولة إليها من ثقافات أخرى….
ومثاله علم أصول الفقه في مرحلة الإمام الشافعي لم يتأثر باليات المنقولة، بل ظل محافظا ومستحضرا للعلوم الدخيلة خاصة علم اللغة العربية الذي تداخل بشكل قوي وكبير مع علم أصول الفقه،وهو ما يحضر في المباحث الكبرى المؤسسة لهذا العلم.
ولعل هذا البعد المميز لعلم أصول الفقه ، هو الذي جعل الدكتور طه عبد الرحمن يقر، ويعترف، بشكل صريح ، يرد بقوة على من استصغر هدا العلم، أو قلل من شأنه ،أومن قيمته العلمية ، والفكرية ،والمنهجية ،لأن القضايا والمباحث والإشكاليات الكبرى التي استحضرها ، وأثارها علماء هذا العلم ،لا يستطيع استحضارها الباحثون المعاصرون اليوم….(15).
كما يكشف المفكر طه الرحمن المؤسس لهذا العلم هو الإمام الشافعي وأراد منه أن يكون علما مسددا لفهم النص الشرعي وخادما للاستدلال.
.
2 – التكامل الخارجي، وهو الذي يحصل بين العلوم المأصولة الأصلية ، والعلوم المنقولة، الوافدة عليها من حضارات وثقافات أخرى،من ذلك تداخل علم أصول الفقه مع علم المنطق، وعلم النحو مع علم المنطق في القرن الخامس الهجري….(16).
وهذه المرحلة هي المسماة بمرحلة المتأخرين، لأن المجال التداولي لهذه المرحلة كان بحاجة ماسة إلى استثمار علم المنطق،والعلوم الدخيلة.
– انتقال ورحلة المفاهيم:
من آثار هذا التداخل بين العلوم ،هو انتقال كثير من المفاهيم، والمصطلحات من حقولها المعرفية الأصلية التي نشأت فيها، إلى حقول معرفية أخرى مستقبلة ومحتضنة لها.
وهذا الانتقال مرده أن تداخل المعارف التي تضمنها التراث على اختلاف مجالاتها وانواعها تشترك في الآليات التي أنتجت وبلغت بها تلك المضامين المعرفية (17).
،بحيث إن انتقال المفاهيم ، والمصطلحات من حقولها الأصلية التي نشأت فيها إلى حقول أخرى ، مستقبلة لها ، ،شكلت إحدى المسلمات بين المشتغلين بالمفاهيم في التراث العربي الإسلامي….(18).
من ذلك أن مفاهيم، ومصطلحات الأصوليين التي كانت متداولة بينهم، فقد انتقلت هذه المفاهيم إلى علماء اللغة مثل القياس، والعلة، والنسخ ،والاستحسان ،والوضع والحمل ، والاستعمال…وأخذت في هذا النقل استعمالا مغايرا، ومفهوما جديدا، وخاصا، ومتميزا عند النحويين ،يختلف عن المفهوم الذي كان عليه متداولا في السابق ، ومستعملا في أصله الأول ،وأعني استعماله في علم أصول الفقه…(19).
ومن المفاهيم التي انتقلت من المنطق إلى الفقه مصطلح التمثيل ،فالتمثيل هو المسمى بالقياس عند الفقهاء،ورد الغائب إلى الشاهد عند المتكلمين،ومعناه أن يوجد حكم في جزء معين واحد، فينقل حكمه إلى جزئي آخر، كما يستعمل التمثيل للدلالة على القياس البرهاني… (20)
كما أن بعض مفاهيم اللغويين ومصطلحاتهم ،انتقلت وهجرت أصلها التي نشأت فيه وتكونت فيه،وأخذت في تداول الأصوليين، وفي استعمالاتهم، وفي بحوثهم اللغوية مفاهيم جديدة ، خاصة ،غير مسبوقة، ولا معهودة ، ولا مألوفة بينهم ، مما أهلها إن نكتسب معاني جديدة. لم تكن تلك المفاهيم معهودة بينهم مثل: الكلمة ، والترادف ، والاشتراك، ، والحمل ، والوضع ،والتباين. والمعنى الأصلي، والمعنى التبعي والسياق ، والقرائن. وهذا العبور المصطلحي من علم إلى آخر نعته البعض وسماه برحلة المصطلحات والمفاهيم….(21).
هذا التوجه في رحلة المفاهيم ،واكتسابها لمفاهيم جديدة ،غير ما كانت عليه في حقولها الأصلية ،التي نشأت فيها ينبغي استحضاره ، والوقوف عنده ،في أية مقاربة أو مدارسة لأي حقل معرفي معين في التراث العربي الإسلامي خاصة الحقل اللغوي والبياني.
وهو الحقل الذي استثمرت فيه كثير من المفاهيم ، ورحلت إليه ، وتداخلت فيه ، منتقلة من أصلها الأول ، ومتوجهة ومنتقلة إلى أصل آخر….(22).
من هنا نقول أن انتقال المفاهيم ،والمصطلحات من حقولها المعرفية الأصلية التي نشأت فيها إلى حقول معرفية أخرى ،هي من الأساسيات ،والمميزات ،والمواصفات التي طبعت التراث العربي الإسلامي.ومن ثم لا ينبغي التنكر، أو التغاضي ، أو التقليل من اثر هذا العبور، ومن هذا الانتقال في أية مدارسة ،او مقاربة لهذا التراث.
وهذا المقتضى هو ما حاول المفكر طه عبد الرحمن إثباته وتأصيله في أعماله الفلسفية.(23)
خاتمة
إن مفهوم التداخلية بين العلوم كان من ابرز المفاهيم التي أخذ بها المفكر طه عبد الرحمن في قراءته للتراث العربي الإسلامي، و في فهم الآليات المنتجة لمضامين التراث العربي الإسلامي.
وعليه فانه من الضرورة العلمية ،والمقتضى المنهجي ، هو استحضار هذا المعطى والبعد لكل قراءة تهدف إلى مقاربة النسق العلمي والمعرفي المركب والمشيد للعلوم التراثية.
وعليه لا بد من الاعتماد على هذا المنهج في قراءة التراث العربي الإسلامي في مجالاته ومكوناته وقطاعاته المعرفية.
1 – : منهجية التكامل المعرفي:مقدمات في المنهجية الإسلامية للدكتور حسن ملكاوي.منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي: “2012.
2 -قراءة في التجارب الفكرية المعاصرة للدكتور يوسف بنعدي: 90
3 -حوارات من اجل المستقبل لطه عبد الرحمان14:
4 -تجديد المنهج في تقويم التراث : لطه عبد الرحمان10-ط:-2-السنة2000:
5 -نفسه:10
6 -طه عبد الرحمان قارئا للجابري لمحمد همام مجلة الازمنة الحديثة عدد مزدوج:10-11السنة:2011.
7 -سؤال المنهج لطه عبد الرحمان :33
8 -من ذلك الملتقى الدولي السنوي الذي يعقد في المغرب في ربيع كل سنة من اجل مقاربة المشروع الفكري عند الدكتور طه عبد الرحمان.
-مؤتمر الإبداع الفكر ي بين النظرة التكاملية والمنظور التاثيلي لاستشكال المفاهيم جامعة ابن زهر كلية الآداب 28/02/2014.
-المؤتمر الذي عقد هذه السنة :كان في تحديد المصطلحات وبناء المفاهيم في الفكر الإسلامي المعاصرمراكش6-7 ماي 2015.
9 -حوارات من اجل المستقبل:21
10 -نفسه
11 -حوارات من اجل المستقبل:28
12 -هده العبارة تكررت عند الدكتور طه عبد الرحمان في مؤلفاته.
13 -تجديد المنهج في تقويم التراث :12
14 -نفسه:21
15 -الفكر افقأ للحوار :162
16 -تجديد المنهج في تقويم التراث:76.
17 – سؤال المنهج لطه عبد الرحمان:64
18 -مقدمة كتاب : انتقال النظريات والمفاهيم :76 ندوة مشتركة منشورات كلية الآداب الرباط العدد رقم :67.
19 -للوقوف على مفاهيم الأصوليين،في انتقالها إلى علماء اللغة. يراجع دراسة :تمام حسان في كتابه الأصول.
20 -معيار العلم:156
21 -المفاهيم الرحالة من علم إلى أخر لمحمد حمدوش. ضمن ندوة : قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية.العدد:12.السنة:2001.
22 -مفهوم المصطلح ووظائفه للدكتور عز الدين البوشيخي.ضمن أعمال ندوة : المدخل إلى الدراسة المصطلحية.الشارقة المنتدى الإسلامي ماي 2013.
23 – إشكاليات تجديد المصطلح في الفكر الإسلامي. لطه عبد الرحمان من مداخلة لطه عبد الرحمان في مؤتمر تجديد المصطلحات وبناء المفاهيم في الفكر الإسلامي المعاصر”، كلية اللغة العربية بمراكش يومي: 6 – 7 ماي 2015.