في بداية القرن الحادي والعشرين (2000 – 2003)، نجد الأعمال الأدبية المغربية المكتوبة بالفرنسية النثرية منها كثيرة نوعا ما، خصوصا ذات النمط السردي، سواء التخييلية منها، أوغير التخييلية، وقد نشرت في فرنسا أو في المغرب على الخصوص، ومع ذلك نسجل أيضا أعمالا بدأت تنشر، شيئا فشيئا في كندا، وبلجيكا، وسويسرا… دون الحديث عن كتابات مؤلفين مغاربة بلغات أخرى: الإسبانية، الإنجليزية، الألمانية، الهولندية.
مقـدمة:
ومن وجهة نظر الجنس الأدبي، فلا نلاحظ اختلافا كبيرا بالنسبة للماضي، رغم ظهور أسماء كتاب جدد (مثل أحمد إسماعيلي، مجيد بلال) أو أولئك الذين تكرسوا (ماحي بنبين فؤاد العروي، خير الدين مراد، يوسف أمين العلمي، رشيد). وتميزت نساء كاتبات مثل فاطمة المرنيسي، بهاء طرابلسي، نادية شفيق، سهام بنشقرون، ياسمين شامي- كتاني، رجاء بنشمسي، بثينة أزمي تاويل، حورية بوسجرة (هذه الكاتبة هي قاصة أكثر مما هي روائية ولها كتابة وموضوعات أصيلة، ومع الأسف توفيت في سن مبكرة). لكن هناك إشكاليات، وفي بعض الأحيان، اتجاهات شكلية بدأت تميز نصوص بعض الكتاب الشباب، خصوصا في الأنواع السردية المهيمنة، سواء في الكتابة النسائية أو الذكورية. ومع ذلك ليست هناك قطيعة واضحة ما بين الجيلين الأول والثاني من الكتاب، بالإضافة إلى ذلك استمر الكتاب المشهورون، خلال العقود الأولى من الاستقلال، في إنتاج أعمال ذات موضوعات وأشكال مختلفة (باستثناء محمد خير الدين الذي توفي في سن 54، سنة 1995، غير أن بعض كتاباته هي أعمال طبعت بعد وفاته، ونشرت بعد سنة 2000). والأعمال الأخيرة للكتاب المكرسين ركزت على محكيات، وشخصيات مستوحاة من الواقع المعيش، مدمجة بدرجات متفاوتة، أحداث من حياتهم الخاصة، كما لو أن العمل الأدبي أصبح وسيلة لإعادة قراءة الحياة الماضية: وهذه محكيات تدرج في السيرة الذاتية، وفي السيرة؛ وهما معا تمزجان، في الغالب، الواقع بالتخييل بنسب مختلفة.
وتلك حالة آخر أعمال محمد خير الدين وإدريس الشرايبي وعبد اللطيف اللعبي، وعبد الحق سرحان.
وقبل أن نتوقف أساسا عند بعض المنشورات الجديدة الخاصة بالرواد نقترح أن نقدم، في عجالة، إسهامات الكتاب الشباب: فهذا الجيل من الكتاب، الذي ظهر، خصوصا في العقد الأخير، أغنى، فعلا، الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية بشخصيات وموضوعات من نمط جديد. وسنقدم الخطوط العريضة التي تميز الأولين قبل أن نقف أساسا عند بعض الأعمال الحديثة العهد بالنسبة للاحقين. وكما سبق أن قمنا بذلك بالنسبة لتحليل الأعمال إلى الآن، سنوضح الخصائص الموضوعاتية والجمالية لهذه النصوص الجديدة.
1 – الجيل الجديد:
للنساء في جيل الكتاب المغاربة الجديد حضور واضح. لكنه سواء بالنسبة للرجال والنساء، أقل أصالة فيما يتعلق بنوعية كتابته:
فرغم بعض التجديدات المهمة، مع أنها تتطلب صياغة أحسن (مثلا، الالتجاء إلى المراسلة الإلكترونية، مثلما عند نوفيسة بالفقيه أو استلهام الرَّاب (Rap) عند يوسف العلمي)، يتميز هؤلاء الكتاب باستكشاف موضوعات جديدة، غالبا ما تكون جريئة.
فبالنسبة للكتابات النسائية، فأغلبية النساء «الكاتبات» بدأن النشر بعد 1990، ومنذ سنة 2000 وصل بعضهن إلى كتابها الثاني أو الثالث، وفي بعض الأحيان الرابع (بهاء طرابلسي، نادية شفيق، سهام بنشقرون، رجاء بنشمسي…) ويواصلن استكشاف حياة النساء بخلاف ما قدمه الأدب الذكوري، مع تركيزهن على الإحباطات المعيشية. ففي هذه النصوص وصفت النساء باعتبارها كائنات تعاني في إطار علاقة الأزواج التي تفشل غالبا، وتنتهي بالطلاق أو الفراق. والجديد هنا، هو النظرة المركزة على مصيرهن وعلى مسؤولية الرجال. ونرى أيضا، في هذه النصوص ظهور شخصيات مغيبات الوجود مثل الخادمات والعاهرات والمثليين الجنسيين والسحاقيات والمختلات عقليا، النساء العازبات أو المطلقات، والأزواج المختلطة الجنسية، فبهاء طرابلسي تحكي في روايتها «الحياة ثلاث» la vie à trois : «حكاية آدم بورجوازي شاب من الدار البيضاء يقع في حب جمال؛ ولكن يخفي هذه العلاقة، يقبل الزواج بريم إرضاء لوالديه، مع استمرار حياته الجنسية مع جمال. تعالج المؤلفة موضوعا محرما، يعاش بنفاق في مجتمع يبقى متحفظا فيما يخص المسألة الجنسية على العموم، والمثلية الجنسية على الخصوص. وهذه الموضوعة مسألة حساسة، نادرا ما يتم التطرق إليها في الأدب المغربي؛ وإلى حد الآن، فرشيد هو الوحيد الذي عالج بجرأة هذه المسألة باعتبارها تجربة شخصية في نصوصه. وتهتم نادية شفيق ورجاء بنشمسي بالجنون النسائي في أسلوبين مختلفين: الأولى حسب كتابة تفجيرية تعكس هذيان الشخصيات؛ والثانية، في روايتها الأخيرة «مراكش، نور المنفى» «Marrakech , lumière d’exil»، تفضل الاستكشاف الحميمي الممزوج بشعر يُلامس الذات. ورواية رجاء بنشمسي هذه، شأنها شأن انكسار الرغبة (Fracture de désir) (قصص) تتميز بشخصياتها النسائية الإيجابية، التي تبدو بجوارها الشخصيات الذكورية باهتة، والرؤية الداخلية إلى الأجساد والعواطف النسائية، والتي وصفت بإيحاء ورهافة فنية. ونشرت سهام بنشقرون، بعد روايتها الحادة «الجرأة على العيـش» (Oser vivre) التي تعبر عن التمرد على الإذعان للتقاليد في الحياة الزوجية، مجموعة قصصية ذات مواضيع مختلفة بعنوان «الأيام ههنا» (les jours d’ici): تبتدئ بنص حول الملذات الأبيقورية الخاصة بالأكل المغربي، لكن بهجة هذه البداية سرعان ما غيبتها القصص الأخرى الأكثر قتامة التي تدور حول استغلال النساء في العمل وحالة البنات – الأمهات والتسول النسائي، وخصوصا ضجر النساء. وتُضفِر سمية زاهي في روايتها «ربما لن نعود إلى بيوتنا أبدا» (On ne rentra peut-être plus jamais chez nous) الحياة الشخصية والعائلية بالأحداث الوطنية التي هيمنت على عقدي الثمانينيات والتسعينيات (الفقر والقمع وصعود الأصولية). فعملها، من وجهة النظر هذه، المكون من مشاهد ولوحات، يشبه كتابات أخرى لنفس المرحلة، لكن الذي يميزها هو التلفظ الروائي الذي تكلف به الطفل السارد؛ وتأملات الطفل السارد تذكرنا بـ»أحلام نساء» (rêves de femmes) لفاطمة المرنيسي، ولغته تشبه شيئا ما لغة بطلة جورجيت (Georgette) لصاحبتها فريدة بالغول، وتبين هذه الأمثلة القليلة، جرأة النساء على معالجة مسائل مكتوبة غير مستثمرة أو تم التطرق إليها لحد الآن انطلاقا من رؤية خارجية؛ فتضفي عليها ألقا جديدا، لأنها تتعلق بالحميمية النسائية. ورغما عن القيمة المتواضعة لهذه الكتابات (مع أن بعضها جاء في أسلوب مميز ذي قيمة)، مثل حالة نصوص رجاء بنشمسي، ياسمي شامي كتاني، بثينة أزمي تاويل في روايتها «ذاكرة الزمن» (la mémoire du temps) و«عناق» (Etreint) الموسومة أيضا بالبؤس العاطفي النسائي، وبالجنون). فكل هذه الأعمال مباينة للرؤية المتشائمة غالبا، والمغرضة والشبه كاريكاتورية عن المرأة المغربية في أغلب كتابات المؤلفين الذكور، مثلما هو الأمر عند أكثرهم إنتاجا ونعني الطاهر بنجلون: فأعماله الأخيرة تكشف لنا مظهرا آخر من موهبته، موهبة قصاص لا تحول الدعابة وفن الحكي عنده دون رؤية غالبا ما تكون تبسيطية عن المرأة المغربية «جاعلا منها ضحية» أو «شيطانة» بشكل مفرط، والعلاقة بين زوجين (couple) غالبا ما تكون مبنية على الحيلة والخديعة والجنس (وهي موضوعات تجذب القارئ، لكنها تصبح أكثر تكرارية من عمل الآخر). وهذا لا يعني أن كل الكتابات النسائية أقرب من معيشهن الحقيقي أو من معيش النساء اللواتي يستحضرنهن. فالكتابة مرآة يمتزج فيها الواقعي والمتخيل بدرجات متفاوتة حسب المؤلفين. لكن في هذا التحول، تتبدى الرؤية النسائية غالبا، مختلفة عن الرؤية التي قدمها المؤلفون الرجال في إدراكهم للمرأة.
وبالنسبة للكتاب الرجال من الجيل الجديد، نلاحظ أن فؤاد العروي، يروي بنفس الطريقة الدعابية المستعملة في رواياته السابقة (مع أن هناك تبسيطية ما في بعض الأحيان) حيوات متفردة ومشوقة كما هو الحال في روايته الأخيرة «نهاية فيلومين المأساوية بهرجة» (la fin tragique de Philomène tralala). فبعد «المهاجرون السريون» (les clandestins) ليوسف أمين العلمي، في حكايته الانفجارية، والشاعرية في الوقت نفسه، ورواية «أكلة لحم البشر» (Canibales) لماحي بنبين، يعالج محمد ترياح في «الحراكة أو قوارب الموت» (les Harragas ou les barques de la mort)موضوعة المهاجرين السريين. ونجدها أيضا في قصة قصيرة لموحى صواج «الرحيل الأكبر» (le grand départ) التي كتبت في نفس السنة، وفي التجربة الشخصية لرشيد نيني في «يوميات مهاجر سري» (عمل سيرذاتي روائي مكتوب بالعربية). ويهتم أحمد إسماعيلي في «عشاق مراكش» (les amants de Marrakech) بحياة الأزواج المختلطة الفرنسية-المغربية وبوسط المبعوثين الفرنسيين في إطار التعاون بالمغرب. فبعض صفحات هذا المحكي لا تخلو من الدعابة ولا من الغنائية، لكن البناء العام فيه عيوب، والرؤية إلى الأزواج المختلطة الجنسية فيها تشاؤم: فالابتعاد، والظروف المادية، والاختلافات الثقافية للعائلات يبدو أنها تحكم بالفشل على كل علاقة بين زوجين، ولو كانت مبنية على الحب، مثلما هو الحال في العلاقات بين ليز lise ورشيد، بطلا هذا المحكي. وقد كتبت روايته السابقة «سرعة جنونية» (train d’enfer) بكثير من الدقة، لكن بنبرة أكثر تراجيدية أيضا. واهتم ماحي بنبين أيضا في روايته «لقاحات» (Pollens)، بحكاية شخصية فرنسية مغاربية Franco maghrébin وهي بييرو (Pierrot)، الذي قرر أن يعيش مع صديقته صونيا، في كتامة؛ غير أنها محبوسة من لدن فيودالي من المنطقة. أما هو فيعيش مع أهالي هذه المدينة التي تبنته، ويدمن «زريعة الربيع» (الحشيش). فغرق في الهديان والجنون جراء صدمة فراقه عن صونيا (Sonia) وتألمها. ورغم مساعدة النساء اللواتي التقى بهن في هذا المجرى الجحيمي، سينتحر في المستشفى حيث سُعِيَ إلى معالجته. ولن نعرف مدى صدق هذه الحكاية التي يغلب عليها الهذيان، لأنها محكية في معظم أجزائها من زاوية رؤيته. ويروي مجيد بلال في «المرأة وطنا» (une femme pour pays) الذي يمزج الجد بالتخيل آمال مهاجر مغربي في كندا وخيباته، وهو في عمر الأربعين، وبعد فشل زواجه بكندية، يريد أن يتزوج بطالبة من بلده تنحدر من نفس منطقة نشأته (ميدلت). وبعد عطلة رائعة قضاها بالمغرب صحبة مراديا (Maradia)، يتزوج أنجدي (Injdi) بها، ويعود إلى كندا، ليحضر الوثائق الضرورية اللازمة لهجرة زوجته، وعند عودته علم أنها قررت الطلاق لأنها، فيما يبدو فضلت العيش في المغرب، رغم قسوته، على المنفى. لقد جاءت هذه الرواية لتذكرنا بأنه ليس كل الشباب المغربي مفتونا بالمنفى. وهذه الرواية التي نشرت في كندا، تنفتح على إشكاليات أخرى جديدة: الإشكاليات الخاصة بالمواقف والتصورات حول المغرب من لدن الجيل الجديد من المهاجرين المغاربة الذين يعيشون في القارة الأمريكية حيث يختلف سلوكهم عن الجالية المغربية في أوربا، وعلى الخصوص في فرنسا.
إجمالا، فإنتاج الجيل الجديد من الكتاب المغاربة في القرن الجديد يتميز، قبل كل شيء، بالانفتاح على تجارب وعلى حيوات لم يتم التطرق إليها بما فيه الكفاية بعدُ في الأدب المحلي: تجارب بعض الأفراد المنظور إليها باعتبارها هامشية أو أجنبية، لكنها من حيث الوجود، هي مرتبطة، شيئا فشيئا، بصيرورة المجتمع المغربي. ولاقتحام هذه الأوساط، لابد من العيش فيها وإدراك خصوصيتها، وخصوصا التسامح معها. وفي زمن العولمة وفي الوقت نفسه، ويا للمفارقة، زمن إغلاق الحدود والتعصب والحروب العدوانية. فالجيل الجديد، باهتمامه بهذه العوالم، يفتح أفقا مليئا بالأمل (لاستكشاف أكثر).
الأعمال الحديثة للكتاب المُكَرَّسين
لنقترب الآن من الأعمال المكتوبة حديثا من لدن بعض الكتاب الذين لهم شهرة تاريخية كبيرة، وهم:
– إدريس الشرايبي: «العالم المجاور» (le monde à côté)
– عبد اللطيف اللعبي: «قاع الخابية» (le fond de la jarré)
– عبد الحق سرحان: «الأزمنة السوداء» (les temps noirs)
– محمد خير الدين: «كان في قديم الزمان زوجان مسنان سعيدان» (Il était une fois un vieux couple heureux)
فأغلب هذه الكتابات ذات طابع سيري أو سيرذاتي، تخييلي أو واقعي. والتسمية المشتركة التي تناسب المجموع ستكون هي «محكي الحياة» (في معناه الواسع). وسنرى أن استكشاف هذه الحيوات يختلف من عمل لآخر، لكنها تركز كلها على تجارب فردية مغربية. وبعد عرضنا للتركيب الحكائي الدال على الموضوعات المهيمنة في الأعمال، نقترح معالجة مظهرين اثنين يحددان الجنس الأدبي:
علاقة المؤلف بالمحافل السردية؛
البناء الزمني للمحكي.
وسنخرج بخلاصات لهذا الاشتغال حول وضعية المحكي.
2 – 1 – التركيب الحكائي
2 – 1 -1 – إدريس الشرايبي: «العالم المجاور»
يبدأ هذا المحكي الذي يتألف من 12 فصلا بإشارات زمكانية (كريست، 24 يوليوز 1999): ففي محل سكناه بفرنسا يعلم المؤلف من الجرائد بوفاة الحسن الثاني. وينتهي باستحضار لقاء مع محمد السادس بصالون ليليزي (L’Elysée)، إبان أول سفر رسمي للملك الجديد إلى فرنسا، متبوعا بجرد سريع في صفحة واحدة لمآسي القرن العشرين، وبتأمل حول قبر أمه وبتغني للحياة.
وفيما عدا البداية والنهاية اللتين تقعان معا في حاضر حديث العهد، فإن إدريس الشرايبي يستكشف على طول هذا المحكي الأحداث الكبرى في حياته منذ ظهور «الماضي البسيط» إلى آخر إبداعاته. فهي سيرة ذاتية جزئية، اختيارية، مكتوبة باطمئنان: يتوقف عند بعض الأحداث من حياته الشخصية، لكن بإيجاز ودقة وبهجة، وعند بعض الوقائع الاجتماعية، بتجرد وتلقائية غالبا، وعند الظروف التي أحاطت بهذا الإبداع أو ذاك والمعنى الذي ينبغي أن يعطاه. والمجموع يمكن قراءته باعتباره محكيا حرا يدمج مختلف أنماط النصوص، والخطابات، والاقتباسات: استشهادات، محاورات، مقالات صحفية، كلمات متقاطعة، نوتات موسيقية… هذا التنوع يعيد النظر في ترتيب الشفرات والتلفظات، ويجعل الأفكار والوقائع المعيشة الأكثر جدية تتصادم مع ردود الأفعال الساخرة، والأفكار الوهمية، ذات الطابع الدعابي أو نقد لاذع لنفسه، والناس والمسؤولين السياسيين بالمغرب أو خارجه. وقد حكيت بعض اللحظات بانفعال (الآثار التي أحسها بعد عودته للمغرب، بعد 25 سنة من الغياب، خصوصا أمام استقبال الشباب الطلابي) وبشعرية (الحنين إلى أماكن الطفولة أو المشاهد الطبيعية).
2 – 1 – 2 – عبد اللطيف اللعبي: «قاع الخابية»
يبدأ العمل بمشهد يوجد فيه السارد بفاس رفقة أبيه، وبعض أفراد عائلته (الأم متوفاة)؛ يشاهد التلفاز، يوم سقوط جدار برلين. لكن المناقشة تركز أساسا على الأخ سي محمد، الابن البكر، الذي يبدو أنه أهمل عائلته. وانطلاقا من صورة لهذا الأخير، وهي التي تؤثر على السارد مثل مادلينة بروست، يعود أربعين سنة إلى الوراء، حين كان عمره سبع سنوات: والصورة الأولى هي بالضبط حادث اعتقال الأخ، وكان موظفا بالبريد، بسبب ثورته على ممثل الإدارة الاستعمارية، لكن بفضل التضامن العائلي المقرون بالفساد الاستعماري، سيطلق سراح سي محمد. إنها، إذن، مجموعة الذكريات التي بصمت طفولة السارد، والتي ستظهر وتشكل لحمة هذا المحكي. فناموس هو الاسم الذي يطلقه كل الأقارب على هذا الطفل الصغير، اليقظ والفضولي، وهو الذي سيكون بؤرة السرد، ومن خلاله تتم تصفية الكائنات الأساسية، والوقائع التي ستحتفظ بها الذاكرة. والسياق السوسيوسياسي هنا متوتر (نحن على أقل من عشر سنين على استقلال المغرب، وهي مرحلة الأزمة في العلاقات الفرنسية-المغربية)؛ والأحداث الفردية، والعائلية، والاجتماعية والوطنية التي احتفظ بها ناموس في الأفراح والأحزان التي تولدت عنها، هي مناسبة لإحياء شخصيات شديدة الألوان: ففي العائلة، الأم، غيثا خصوصا هي التي تذهل بحيويتها، ودعابتها الصادقة، وتقلبها المزاجي، ووطنيتها. أما الأب الأكثر رزانة فهو ملطف هذا المزاج الحاد؛ وهما معا يرمزان إلى المجتمع وثقافة عائلات الصناع التقليديين والتجار المنتمين للبورجوازية الفاسية. وقد وُصِفَت وجوه أخرى في هذا النزول إلى «قاع الخابية»: وبالضبط صورة سي محمد في صراعاته مع زوجته الشابة (منذ ليلة الزواج!) وصورة العم طويسا (Touissa) الظريف، البشوش، الشديد اللطف مع الأطفال؛ والصناع التقليديين الموهوبون والتجار الثرثارون والمهمشون الذين يشكلون روح المدينة وضميرها الحي، مع اندماجهم الكامل في الوسط الاجتماعي الفاسي؛ وأصدقاء الطفولة في الألعاب والخصومات مع أطفال الأحياء الأخرى، هذه الأماكن المتاهية، النشطة بالحياة اليومية القوية، تُهَيَّج في اللحظات الحاسمة للمقاومة ضد الاستعمار، وتهدأ إلى حد الفتور خلال شهر رمضان حين يأتي في الصيف، وهو فصل شاق جدا في هذا المنخفض الذي توجد فيه مدينة فاس. وبعيدا عن هذا الإطار الحضري، وناسه، وأحداثه التي تبعث الحياة في هذه المدينة ومجتمعها، يستحضر ناموس مصيره الخاص حيث للمدرسة دور حاسم: الانفتاح على لغة الآخر، ثقافته، حضارته المختلفة، عالمه الجديد الذي خلخل رؤيته للزمن وللمكان وللإنسان. فحينئذ سيعي حضارة إنسية راسخة في تقاليد عريقة، لكن حتما وضرورة مهددة بالتحولات السريعة التي تحدث في الإكراه، وأيضا بالجاذبية وبالفتنة عند الاتصال بالمحتل، وهذا تحول في الأشياء الثقافية (اللباس، الأثاث، الراديو، السينما، الصحافة…) وأيضا في سلوك النساء والشباب على الخصوص؛ وسيعي أيضا رفض تحقير المحتل له الذي رغم الأشياء التقدمية التي أتى بها، رفضه المجتمع برمته: فنضال الوطنيين والمقاومة السليمة التي يقوم بها الشعب في صلواته توحد الأمة ضد المحتل، إلى حد أنها رأت في توقها الصوفي، صورة محمد الخامس في القمر. وسنلاحظ أن عبد اللطيف اللعبي، مثل أحمد الصفريوي في «صندوق العجائب» أول عمل في الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية عن فاس في عهد الاحتلال، لا يمنح مكانا للشخصيات الفرنسية، باستثناء استحضاره السريع للمدرسين والعسكريين الذين يحاصرون المدينة وقت الاعتداءات؛ ويظهر مثله، رغم بعض المقاومات الجلية في هذا المحكي، في كل صفحة، فنا رقيقا في وصف العادات والتقاليد الحية، مع نماذج نمطية في هذا المجتمع الراسخ في حضارته الثرية التي ستفسدها التقلبات السوسيواقتصادية والسياسية، دون أن تفقدها مع ذاك الروح. ولئن كان عبد اللطيف اللعبي قد نجح في إثراء الأدب المغربي بعمل من خلال إحياء مدينة فاتنة، وقاطنيها… فقد قام في نفس المناسبة، بالتصالح مع ماضيه، بعد أن وجد «الهدوء» والصفاء الضروريين للتعبير الكامل عن ذاته.
2 -1 – 3 – عبد الحق سرحان: «الأزمنة السوادء»
يموقع هذا النص الحكاية قبيل استقلال المغرب، لحظة الصراع ضد الاحتلال الفرنسي؛ ويمزج الأحداث الواقعية بتخييل أبطاله هم، أولا وقبل كل شيء السارد «أنا» وصديقه موحى أوحيدا، يقتنعان معا، بالمقاومة ضد المحتل الفرنسي، الذي أحسا بهمجيته وعنصريته وضرورة خدمته عسكريا، واستنكرا ذلك. ومع ذلك وصفت بعض الشخصيات الفرنسية وصفا إيجابيا: ومنها على الخصوص، المعلمة في المدرسة، ملقنة لغة الآخر وثقافته (وهي في الوقت نفسه موضوع كل الاستيهامات)؛ أو نادين (Nadene)، ابنة أخ المعمِّر مارتان (Martin)، التي تسعى بشدة إلى مساعدة الشابين، وخصوصا موحى أوحيدا الذي وقعت في غرامه. ورغم المجهودات التي قامت بها هذه الأخيرة لتقريب عمها من عماله، وخصوصا من موحى أوحيدا، فالهوة واسعة جدا بين الاثنين؛ وسيقتل موحى أوحيدا مارتان لأنه أهانه، وسيناضل في السر، وسيقضي عليه، في الأخير جيش الاحتلال.
وستطعم هذه الحكاية المهيمنة بمحكي عن عبد الكريم المقاوم الريفي، ترويه إحدى الشخصيات المقبوض عليها، كما قبض على السارد وموحى أوحيدا، ونقل في باخرة أخذتهم إلى مارسيليا (Marseilles) لمحاربة الألمان المحتلين لفرنسا. وحكاية عبد الكريم المتضمنة، هي نفسها، دائما مخترقة بحكايتين متوازيتين: حكاية حياة السارد «أنا»، الشخصية والعائلية والاجتماعية من جهة، وحكاية موحى أوحيدا من جهة أخرى. ونحن نرى هنا، طريقة تشابك المحكيات التي يستعملها كثيرا عبد الحق سرحان في رواياته الأخرى. وتنتهي الحكاية بالألم، وفي الوقت نفسه بافتخار أم موحى أوحيدا التي تخبر بموت ابنها مرفقا بزغاريد النساء، أمل غد أحسن.
2 – 1 – 4 – محمد خير الدين:
«Il etait une fois un vieux couple heureux»
هذا المحكي، المنشور بعد وفاة صاحبه محمد خير الدين، يبدو مثل حكاية شعبية (وذاك مصدر عنوانها) عن زوجين عجوزين أمازيغيين يعيشان في اتحاد وثيق مع الطبيعة الجبلية بجنوب المغرب، بعيدا عن مدن الشمال حيث يبدو أن الحداثة تغير الناس ووسطهم إلى ما هو سلبي.
ونظام الحكاية هو تقريبا كله خطي، موجه بإيقاع الفصول وتطورها. وبتركيزه على حياة الزوجين العجوزين، تهيمن عليه تأملاتهما وتتخللها محادثة هذا الثنائي الهادئة والمتواطئة حول الحياة البسيطة للناس والحيوانات (في تناقض مع دوامات المدينة) والطبيعة المتقلبة وولية النعمة والحلم (خصوصا الحلم الملح لشجرة اللوز المزهرة التي تسببت في سقوطهما كلما أرادا أن يصلا إليها)، والشعر: فالعجوز يكتب قصيدة منقبية، وعجائبية، متأثرا بفلسفة الحكمة التي تتغلب على رعب الحياة الواقعية؛ وكان يحللها مع زوجته ويقرأها عليها.
والفضاء المهيمن هو مسكن الزوجين العجوزين، وبعض الأماكن النادرة لتحركاتهما، مثل السوق أو المطحنة. وعلاقاتهما الإنسانية هي أيضا منحصرة في الإمام الذي سيشجع الشاعر العجوز على نشر قصائده وإذاعتها في الكاسيت،حيث بفضلها ستعرف نجاحا باهرا عند الأمة المغربية، في داخل البلاد وخارجها. ويستضيف أيضا الصديق المهاجر الذي جاء ليزوره بعد ثلاثين سنة من الفراق. لكن الأصدقاء الدائمين هم القط والحمار والعصافير التي تبهج حياتهما اليومية.
وأنشطة هذا الزوج هي البستنة للرجل والمطبخ للمرأة. فالحكي كله هو إذن تغن بسعادة العيش البسيط في اتحاد وثيق مع الطبيعة، بعيدا عن الضجيج وعن عنف المدينة التي تستهوي شباب البوادي ولا تدمجهم، جاعلة منهم كائنات عدوانية وهامشية. وفي تأملات العجوز ومحادثاته مع زوجته، يعبر عن قلقه فيما يخص الحياة في المدينة (وقد عرفها، في الماضي قبل أن يقرر الزواج بابنة العم، ويرجع إلى أرض أجداده)، وأيضا عن التأثير الذي بدأت تمارسه المدينة حتى في القرية النائية التي يستقر بها؛ ولئن كان يؤكد بشدة تحفظه من الحداثة التي تهدد، فإنه يقبل بعض التطورات التي تسهل أو تبهج الحياة، مثل المطحنة، ومسجل الصوت (Magnétophone) الذي يسمح له بتذوق شعرائه المفضلين مثل [الحاج] بلعيد.
2 – 2 – المقاربة الجمالية
2 – 2 – 1 – علاقة المؤلف بالمحافل السردية
يلعب المؤلف على العلاقات التي يربطها مع المحافل السردية، في كل عمل أدبي: فيتطابق مع السارد والشخصيات الرئيسية، أو يشوش على العلاقات مع هذا، و/أو ذاك. وهذه العلاقات هي التي تحدد طبيعة الأجناس. فالعلاقات في المحكيات التي قمنا بتركيبها، ليست واحدة، سواء تعلق الأمر بالنصوص ذات الخاصية السيرذاتية (إدريس الشرايبي، «العالم المجاور» عبد اللطيف اللعبي، «قاع الخابية») أو بالسيرة التخييلية (عبد الحق سرحان «الأزمنة السوداء»، محمد خير الدين «Il était une fois un vieux couple heureux»).
ففي «العالم المجاور»، يحيل المؤلف، والسارد الرئيسي والشخصية إلى نفس الشخص، لكن في مراحل مختلفة؛ وكل واحد يتكشف انطلاقا من وظيفة معينة:
فإدريس الشرايبي، باعتباره مؤلفا، يتمظهر خصوصا من خلال تعليقاته المختلفة، حول تصوره للكتابة، والمعنى الذي يجب أن يعطى لأعماله، والتفاوت المحسوس بينه وبين قرائه، والآثار التي خلفتها كتاباته على وجوده، وخصوصا خطابه الساخر أو الدعابي أو الخيالي أو النقدي عنه وعن الآخرين.
وباعتباره ساردا، فهو يحكي الأحداث المفاتيح التي كونت حكاية حياته. وفي هذا الدور، يبتكر عالمين سرديين أساسيين: ففي صفحات الفصلين الأول والأخير، يستحضر عالم الشخص الراشد حاليا الذي عاش حدثين سوسيوسياسيين أساسيين، وفاة الحسن الثاني في 24 يوليو 1999، التي علم بها من الصحافة وهو بكريست (Creste) (في الفصل الأول) والحوار مع الملك محمد السادس بعد ذلك بأشهر قليلة، إبان دعوته الرسمية إلى قصر ليليزي (L Elysée) وبين هذين الحدثين، الذكرى الحقيقية، منذ نشره لروايته الأولى «الماضي البسيط»، إلى روايته الأخيرة. فالمحكي إذن يمتد بوصفه هو شخصية ماض بعيد نسبيا».
إن إدريس الشرايبي لا يحس بالحاجة إلى وضع أقنعة على هويته، ولا أيضا على تلك الكائنات التي يذكرها: اسم زوجاته، ووالديه، وأفراد عائلته، وأصدقائه، والفاعلين السياسيين سواء المغاربة أو الفرنسيين… لكن خصيصة السيرة الذاتية الأساسية هذه لا تمنعه مع ذلك من إدخال هنا وهناك شخصيات تخييلية في محكي ذي أحداث معيشة حقيقة: مثلا، اقتحام المفتش علي ضريح محمد الخامس لمساءلة الملك الحسن الثاني عند قبره حول نتائج سياسته، عبر عنها بقوله «دعابة مصدرها خيال المفتش علي الواسع وهو «شخصية الرواية «»، لكن لا يمكن أن يشهد عليها إلا المؤلف الواقعي.
أما عبد اللطيف اللعبي مؤلف «قاع الخابية» مع أنه محكي ذو منزع سيرذاتي، يتظاهر بالفصل بين سارده وشخصيته:
فبانحصاره، غالبا، عند وجهة نظر الطفل الذي كانه، يعطي الانطباع بأن هذا الأخير هو الذي يحكي حياته، منطلقا من إدراكه، وجاعلا منه البؤرة المركزية للسرد؛
وبتلقيبه بناموس، يصبح هذا الأخير شخصية مستقلة، تتعين هويتها انطلاقا من رؤيتها، وتعبيرها، وخيالها الخاص، وتصف ما أثر فيها أكثر، مثل لغة غيثا المجازية، اللاذعة الدالة على مزاجيتها إذ هي الأم التي كانت قريبة منها؛ أو أيضا أناشيد الطفولة أو التعابير الدينية الشائعة أو الأحلام والكوابيس. غير أن تلفظ المؤلف الراشد ينبثق من وقت لآخر من خلال نضج الحكم، والخطاب الميتاسردي، وخصوصا في الخاتمة المخصصة لدلالة المحكي العميقة وعنوانه. فالمؤلف، هنا، خرج من عالم الذاكرة ليتوجه إلى قرائه.
وعنوان عمل محمد خير الدين (Il était une fois un vieux couple heureux)، يتوجه نحو التخييل الخاص بالأسطورة أو الحكاية الشعبية. فعلا، فهذا المحكي السيري عن زوج أمازيغي من جنوب المغرب كتب بضمير الغائب: فالمؤلف لا يتطابق بتاتا مع شخصيته. فبوشعيب، الرجل العجوز الذي اشتغل لمدة طويلة في شمال المغرب وفي الخارج، تزوج ابنة عمه، ويعيش في قرية بالجنوب، وليس تلك حالة المؤلف. ومع ذلك فمحكي الحياة هذا، الذي يبدو أنه تخييلي تماما، لا يعني أنه ليست له أي علاقة مع شخصية المؤلف: فالتلفظ السردي ذو الطابع الأكثر كلاسيكية من الأعمال الأولى لمحمد خير الدين، يذكر في الكتابة والموضوعة البيئوية. والمضادة للحداثة بـ»أسطورة أغنشيش وحياته». فالمحكي هو تغن بالسكون والهدوء، وبطمأنينة شبه دينية؛ ويبدو أنه يستجيب لحاجة عند المؤلف في لحظة اشتد فيها المرض عليه، قبيل وفاته. وفي الأخير، فهذه الشخصية، رغم اختلاف الأعمار، لها بعض سمات محمد خير الدين: فهي مثله، شاعر يطمح للوصول إلى «أعلى شجرة لوز مزهرة»، في حلم يتكرر ويلاحق شخصيته. فهذه السيرة التخييلية منظور إليها من هذه الزاوية هي جزئيا سيرة ذاتية.
وتلعب «الأزمنة السوداء» لعبد الحق سرحان، على التخييل واللاتخييل. فالمؤلف غير حاضر ظاهريا كشخصية في هذا المحكي بضمير المتكلم، وعلى أي حال فهو غير مصرح بوصفه كذلك، وبالمقابل حكيت، بشكل جزئي، حياة كائن واقعي هو عبد الكريم الخطابي، قائد المقاومة الريفية. وبالإضافة إلى ذلك، ففي المحكي التخييلي نفسه، يتمظهر المؤلف بطريقتين:
بآراء السارد وأحكامه، ويبدو أن المؤلف يشاطره أفكاره؛
باللازمات التي تحيل على أعمال سرحان الأخرى: مثل النقد اللاذع للسلط، وبطولة الشخصيات الرئيسية في عالم من خصائصه النذالة والخضوع والوضعية المتميزة للمرأة الضحية أو المثالية، وديداكتيكية بعض المقاطع (خصوصا حكاية عبد الكريم مرفوقة بخطاب أخلاقي ووطني). ومع ذلك مهر المؤلف في تركيب شخصيات تخييلية ولاتخييلية، ليشهد على مرحلة أساسية من التاريخ المغربي.
2 – 2 – 2 – البناء الزمني للمحكي:
تروي محكيات الحياة، خصوصا السيرذاتية أو السيرية، التخييلية أو الواقعية، الأحداث، غالبا، حسب نظام زمني تعاقبي. وكل واحدة من هذه الأعمال الأربعة يعتمد هذا النظام بطريقة تقريبا معلنة، لكن يتصوره في بنية عامة مختلفة.
ففي «قاع الخابية» لعبد اللطيف اللعبي، وهي المحكي الأكثر خطية على مستوى البناء، يستخدم بداية الفصل الأول (ص ص 11 – 14) باعتبارها المحكي الإطار للحكاية الأساسية عن الطفولة. وهذه الصفحات لها وظيفة مزدوجة:
تبيان أن إطلاق العنان للذاكرة هو لحظة أساسية، كما لو أن أهميتها تشبه أهمية سقوط جدار برلين: ففي هذا التاريخ، وبمشاهدة هذا الحدث في التلفاز، تبين لعبد اللطيف اللعبي الحاجة لاستحضار طفولته في فاس.
والمناقشة حول أخيه سي محمد، الذي هو مستعمل باعتباره مطلقا عنان الذاكرة، تمر في جو اجتمع فيه أفراد العائلة كلهم. وحين نفكر في الماضي القريب والمأساوي لعبداللطيف اللعبي، يمكننا اعتبار جو الهدوء هذا، والضيافة العائلية قد ساعد على تذكر أولى سنوات حياته.
أما الخاتمة فتصلح لختم ما بدأه بشكل مزدوج:
الرجوع إلى الصلة بحكائيته المتوقفة بسنوات الغليان: بحيث يصير ناموس «الجد والابن» لعبد اللطيف اللعبي (ص240).
إزالة الغموض عن عبارة «قاع الخابية» التي استخدمت في العنوان، مع المحافظة على ما في التباسها من معنى إيجابي، أي الرجوع إلى المنابع اللغوية والثقافية لأمته، مع صورة الأم في الوقت نفسه، وهي رمز هذا الرجوع إلى الأصول.
وفي الأخير، لئن كان محكي الطفولة يحترم التعاقبية، فإن الأحداث المستحضرة ليست لها نفس المدة ولا نفس الحمولة، نعم، تقع في استمرارية، لكن الذاكرة تختزل، أو تمدد، أو تقفز على الوقائع، حسب أهميتها بالنسبة للمؤلف الراشد الذي يتدخل، فضلا عن ذلك، مباشرة في السرد لكي يستبعد ما قد يكون (من وجهة نظره) ذا طبيعة إثنولوجية أو «غرائبية».
وفي هذا المستوى، فالمحكي الآخر ذو الخصيصة السيرذاتية، «العالم المجاور» لإدريس الشرايبي، هو أكثر حرية في التعامل مع التعاقبية. فالصفحات الأولى من الفصل الأول (ص9 –14) لا تنتمي إلى سرد الذكريات: فإدريس الشرايبي يقيم مع أسرته في كريست، في 24 يوليو 1999. ويعلم من الصحافة وفاة الملك الحسن الثاني. أو ذكرى سيثيرها هذا الحدث هي عودة المؤلف إلى المغرب، سنة 1985، بعد 25 سنة من المنفى: فالإحساس الذي شُعر به بالقرب من الشعب، خصوصا من الطلاب، تتخلله نوادر مختلفة تبين الاندهاش والابتهاج بإعادة اكتشاف البلد. وبعد هذا الاستحضار، نعود في نهاية الفصل إلى 25 يوليوز 1999، اللحظة التي يشاهد فيها إدريس الشرايبي مع أسرته على التلفاز، مراسيم جنازة الملك الحسن الثاني، وسيتخيل لها تتمة على شكل حوار بين بطله المفتش علي والملك الراحل. لكن منذ الفصل الثاني، يرى إدريس الشرايبي نفسه في سنة 1953، عندما قرر التخلي عن دراسته، ليصبح كاتبا مع صدور روايته الأولى «الماضي البسيط»، مذ ذاك، يتبع المحكي توجها تعاقبيا في إجماله، مميزا بتواريخ، وفي الأغلب الأعم، بأحداث شخصية (زيجات، ولادات، أسفار)، أو مهنية أو بصدور مؤلفاته. ومع ذلك فالمحكي يُقطَع غالبا بتدخلات المؤلف على شكل فتح أقواس، أو نوادر، أو استباقات، أو انتقادات أو دعابات أو تأملات… بل أكثر من ذلك، يحدث له أن يعود إلى المرحلة التي كان يكتب فيها كتابه، كما هو الحال في الصفحة 158، حيث يطلب من القارئ وقفة، في هذا الفاصل الذي حدده بتاريخ 28 مارس 2001. وبعد ذلك بصفحتين يعود إلى الأحداث الذكرى ويستأنفها انطلاقا من جزيرة يو (LIle dYeu) سنة 1979 (ص 159). وآخر الصفحات هي استحضار أعم، وتغن بسعادة العيش (هنا المؤلف يمر إلى الواجهة).
وعلى المستوى الزمني فـ (Il était une fois un vieux couple heureux). ليس له أهمية خاصة، مع أنها الأقرب إلى بناء محكي الحياة. فبداية المحكي حول بوشعيب، الشخصية الرئيسية، يلخص ماضيه، والمحفزات التي أدت إلى الزواج في جنوب المغرب، وباستثناء صفحات التقديم هذه، فعموم المحكي يروي الحياة الهادئة للزوجين متبعا المجرى الطبيعي لدورة الفصول والأحداث الطبيعية الحاسمة مثل سنوات الجفاف، وفرص المواسم النادرة، أو الزيارات إلى السوق، وفيما عدا ذلك، وبالرغم من التحولات البطيئة، لكن المحسوسة التي يمارسها تأثير الحياة المعاصرة والمدنية على القرية، فالزوجان العجوزان يعيشان في غبطة، كأنهما في زمن أسطوري، وهو ما تلخصه هذه الفقرة الأخيرة من الكتاب:
«سعيد هو الذي، مثل الكاهن، عاد من كل شيء، يبقى هادئا، ينتظر ما وعده به الله، ويعمل لكي يعيش، حيث يوجد، لأن الحياة في كل مكان، حتى في الصحراء القاحلة».
وزمنية «الأزمنة السوداء» لعبد الحق سرحان شذرية، فلهذا السبب، رغم إدماج عناصر تاريخية واقعية (الصراع من أجل استقلال المغرب بعد الحرب العالمية الثانية، حرب المقاومة في الريف بقيادة عبد الكريم)، يعتبر هذا المحكي هو الأكثر روائية: فالمحكي يبدأ بالنهاية (موت موحى أوحيدا، المناضل لأجل القضية الوطنية)، لكن ظروف قتله ودواعيها، وكذلك هويته لم يتم الكشف عنها: ولمعرفتها، لابد من قراءة الرواية كاملة. فالحكاية المروية تبرير لهذا الموت، هي نفسها مبنية انطلاقا من محكيين متوازيين، يقطع أحدهما الآخر: الحكاية الأساسية الصراع من أجل الاستقلال، وبطلاها هما السارد وخصوصا صديقه موحى أوحيدا؛ وحكاية عبد الكريم يرويها مواطنه على متن سفينة. لكن هاتين الحكايتين الرئيسيتين اللتين تتناوبان، هما معا سيتم تعطيلهما من خلال استحضار طفولة كل واحد من الشخصيتين الرئيسيتين للمحكي، الشيء الذي يكسر خطية السرد بكامله، خالقا التشويق والانتظار. وهذه التقنية الزمنية في بناء المحكي تفيد إذا، في توسيع معنى الحكاية: فهي تغن بالكفاح الوطني مدعوما «بخطاب مرافق» حول قيم المقاومة والخيبات التي تلت الاستقلال. فمن خلال تشابك هذه الخطابات المختلفة (التخييلي والتاريخي والإيديولوجي) التي يُدخل كل واحد منها تلفظه الخاص وزمنيته، فـ «الأزمنة السوداء» مع أنها تذكرنا بالجمالية الروائية لأعمال عبد الحق سرحان الأخرى، هو العمل الذي يتميز أكثر عن محكي الحياة كما يظهر في النصوص الثلاثة الأخرى.
خلاصة: وضعية الجنس الأدبي
بالموازاة مع كتابة أعمال مؤلفين شباب، يبحثون عن أنفسهم باستكشاف موضوعة جديدة، ولغة أقل تشكلا. تتميز محكيات الحياة الأربعة التي جئنا على تقديمها بعدد من الخصائص التي نريد تركيبها هنا.
فبعضها أقرب الى السيرة الذاتية (وهما محكيا إدريس الشرايبي وعبد اللطيف اللعبي)، في حين أن المحكيين الآخرين أكثر انتماء إلى السيرة التخييلية. ومع ذلك، لا يطابق تمام المطابقة أي واحد من الأربعة الجنس المتفق عليه الذي نسبناه إليه.
فكل المحكيات الأربعة، تمزج بدرجات متفاوتة، السيرة بالتخييل، والشخصي باللاشخصي والتاريخ بالمتخيل، وصوت الشخصيات التخييلية بصوت المؤلف.
ففي السيرذاتية، نلاحظ بأن الجنس المشار إليه على الغلاف لا يعكس بشكل كامل ما اضطلع به العمل: فـ»العالم المجاور» لإدريس الشرايبي يعتبره الناشر محكيا وهي تسمية محايدة، لكن تلعب على التباسه وعلى تعدد معانيه، لجذب أكبر عدد من القراء. ومحكي
(Il était une fois un vieux couple heureux) لمحمد خير الدين، حيث العنوان يستدعي الحكاية الشعبية، نُعِت هو أيضا، «محكيا» على الأرجح للأسباب نفسها. والأكثر مفاجأة هو الجنس الذي نُسِب لـ «قاع الخابية» لعبد اللطيف اللعبي، المعروض بوصفه رواية، مع أنه أقل الأعمال الأربعة «روائية». وهنا أيضا يبدو أن الانتساب إلى هذا الجنس يفسر بالاستراتيجية التجارية: إذ سيكون للقراء فضول قراءة عبد اللطيف اللعبي باعتباره روائيا، في حين أنه معروف أساسا باعتباره شاعرا وكاتب مقالات (مع أنه سبق له أن كتب بعض الأعمال اعتبرت «روايات»: «تجاعيد الأسد» مثلا) ووحده عمل عبد الحق سرحان «الأزمنة السوداء» يطابق أكثر مع التسمية التي وضعها الناشر، مع أنه، مثلما رأينا، يدمج أحداثا وشخصيات تاريخية معروفة: وقيمة عبد الحق سرحان باعتباره روائيا معروفة عند قرائه، فلم يكن إذن ضروريا خلق التباس لا جدوى منه.
وبعيدا عن هذه الفروقات بين الطبيعة الواقعية للمحكي، وتسميته الرسمية، فهل تختلف هذه المحكيات، ولو نسبيا، عن تعريف الأجناس الجاري بها العمل؟
وإذا ما تشبثنا بتعريف الجنسين الأدبيين المعتمدين هنا (انطلاقا، على الخصوص، من تأملات فليب لوجون)، فالسيرة الذاتية كما عرفها التقليد الأدبي الغربي، تفترض:
التطابق بين المؤلف والسارد والشخصية.
عرض المحكي في الماضي على مدة طويلة (فأشهر السير الذاتية، على العموم، كتبت في سن الكهولة).
التطابق بين المحكي المكتوب والحكاية الواقعية (وهذا الشر الأخير غير موثوق به، لأن كل محكي يحول عن وعي أو عن غير وعي، على الأقل جزءا من الواقع).
والسيرة ليست متطابقة مع الشرط الأول: فالمؤلف يحكي حياة شخص آخر، وإذن لئن أمكنه أن يكون هو السارد (وقد لا يكونه، فيضطلع بالمحكي السيري إحدى الشخصيات مثلما هو الحال بالضبط، في المحكي عن عبدالكريم في «الأزمنة السوداء»، لعبد الحق سرحان)، فلن يكون أبدا الشخصية التي تروى حياتها. لكنها تخضع للشرطين الآخرين.
وحين نتفحص المتن المدروس، نلاحظ بعض الاختلافات بالنسبة لما تم قوله قبل قليل: ففي «العالم المجاور» لإدريس الشرايبي، يحيل المؤلف، والسارد والشخصية على نفس الشخص (وهذا أول شروط السيرة الذاتية)، لكن إذا كانت مدة الحياة المروية طويلة، كما يريدها الشرط الثاني، فهذا المحكي لا يبدأ إلا عندما يصبح إدريس الشرايبي كاتبا؛ وليس هناك أي استحضار لطفولته ولمراهقته، في حين أنه في الأعمال السيرذاتية ذات المرجعية الغربية (أعمال كل من جان جاك روسو، جان بول سارتر، سيمون دوبوفوار…) يكون محكي الطفولة جوهريا، لأن الأهم، وكما تبين ذلك إضاءات التحليل النفسي، يقع في السنوات الأولى من الحياة، ويحدد بشكل كبير توجه الحياة. وإدريس الشرايبي لم يكتب بعد عن هذه المرحلة، حتى في نطاق التخييل (فـ«الماضي البسيط» كتب عن مراهقته وليس عن طفولته). ربما سيقوم بذلك ذات يوم*، هو الذي اهتم كثيرا بالتحليل النفسي (وتأثيره واضح جدا خصوصا في «الماضي البسيط»، ولا يمكننا القول بأن الشرط الثالث مستوفى، لأن العمل الأكثر رصانة عند هذا الكاتب لا يمكن أن يستغني عن الشخصيات التخييلية، أو عن التحول التخييلي للشخصيات وللأحداث الواقعية: وتلك خاصية جوهرية لجمالية إدريس الشرايبي الأدبية.
و«قاع الخابية» لعبد اللطيف اللعبي هي أيضا تنحرف نسبيا، عن جنس السيرة الذاتية: إذ يتظاهر المؤلف بأنه يتحدث عن شخصية أخرى غيره. إنه يجعل الطفل الذي كانه يحيى تحت اسم مستعار: «ناموس»، يعني انطلاقا من رؤية الآخرين إليه، لكنه يقبلها. ولهذه المسافة دلالة، لأن حكاية الراشد الخطيرة (مرحلة النضال على الخصوص) قد غيرت بالتأكيد الشاب، اليقظ، والنشط، الذي كانه؛ وبالحكي بضمير الغائب، ينسى الكاتب وضعية الراشد التي بلغها ليرجع الطفل الذي كان يفقده بسبب مصادفات الحياة؛ ومثل بروست، سيجد ذاته الأخرى في الكتابة فعبد اللطيف اللعبي يستحضر مادلينة بروست، التي ستصبح في السياق الفاسي، «الفجلة الصغيرة». ومن جهة أخرى، فإذا تذكر المؤلف طفولته، عكس إدريس الشرايبي، فإن المحكي يقتصر على بضع سنوات عن هذه المرحلة (وهي ما لا يتطابق تماما مع الشرط الثاني في جنس السيرة الذاتية). كما فعل ذلك من قبله أحمد الصفريوي في «صندوق العجائب»، «الرواية» المغربية الأولى، وهي هنا أيضا أقرب إلى السيرة الذاتية، منها إلى الرواية بالمعنى الدقيق. أما فيما يتعلق بالشرط الثالث، فنلاحظ أن بعض الشخصيات الواقعية في هذا الاستحضار للحياة الشخصية والعائلية قد وصفت مثل شخصيات تخييلية، كالأم، والعم طويسا وشخصيات مدينة فاس الهامشية.
أما محكيات الحياة ذات النمط السيري، فنلاحظ بشأنها أن (Il était une fois un vieux couple heureux) لمحمد خير الدين هي قريبة من التخييل المنقبي الأسطوري، عن طريق الحياة التبريرية الأليغورية، وشبه الأسطورية في المحكي، ولئن كان المؤلف بعيدا شيئا ما عن الوجود التخييلي لشخصياته (مع أننا أحيانا نكتشف إسقاطا للمؤلف على شخصيته الرئيسية، باعتبارها شخصية مثالية يطمح أن يكونها)، كما يقر ذلك الشرط الأول في السيرة، فزمنية المحكي مدته قصيرة شيئا ما: قد يتولد عندنا انطباع أننا نشاهد نوعا من حياة لا زمنية؛ حياة الطبيعة الأبدية، وشبه الفردوسية، التي يحلم بها المؤلف المنهك. وبالنسبة للواقع الموصوف، فلئن كان راسخا بعمق في الجغرافية الجنوبية للمغرب، فهو في نفس الوقت فضاء حلمي، ونوستالجي للأزمنة الإنسانية الأولى كما تستحضرها النصوص الدينية والشعرية.
وفي «الأزمنة السوداء» لعبد الحق سرحان، فما يهيمن هو شخصيات التخييل وإطارها الزمكاني، حتى ولو كانت الشخصية التاريخية وصراعها مأخوذة من الواقع، لكنها إنما تُستحضر في محكي شخصية روائية. وبالإضافة فحكاية عبد الكريم تأخذ مكانة مختزلة في نص عبد الحق سرحان، ووحدها بعض أحداث هذه الحكاية هي التي رويت.
يمكننا القول إذن، بأن محكيات الحياة هذه، علاوة على الخصوصيات السوسيوثقافية والنفسية والرمزية واللغوية في بعض الجوانب (وهو ما يتطلب دراسة أخرى حول هذه المسألة) تعيد النظر في معايير الأجناس الغربية التي تقترب منها أكثر، وتجدد إذن المسألة الأجناسية.
ورواية عبد الكبير الخطيبي الصادرة حديثا: «حج فنان عاشق» (Pèlerinage d’un artiste amoureux) هي العمل الأدبي الذي يعيد النظر في فجر القرن الحادي والعشرين، في مفهوم الجنس الأدبي بطريقة جذرية، فهي أوديسة حقيقية تروي حياة شخصية تخييلية (الرايسي) رغم أنها مستوحاة من حياة جد المؤلف، ويتميز هذا العمل بسرد ملحمي غنائي عن الحياة الإنسانية والثقافية للمغاربة خلال مرحلة طويلة جدا (من نهاية القرن التاسع عشر إلى حوالي 1960). فهذه رؤية جمالية جديدة حول التاريخ: ما قبل الاستعمار، وما بعد الاستعمار، وهي تبرز، لكن على مستوى التخييل، الإرث ونسب الأفكار المتفتحة والمتسامحة التي بصمت الثقافة المغربية: ويستحق هذا العمل دراسة خاصة.
إن البحث في جزء من الإنتاجات الأدبية لروائيي القرن الحادي والعشرين، مع أنها خير ممثل للكتابات الروائية والسردية، لا تسمح باستخلاص نتائج مهمة عن الآفاق الجديدة للرواية المغربية في بداية القرن الحالي: فالمرحلة قصيرة، فهذه إحدى الأسباب التي تفسر عدم معالجتنا. هنا الروايات والمحكيات المكتوبة بالعربية. ففي هذه المدة الزمنية القصيرة، لم تكن التغيرات دالة بما فيه الكفاية: وليست كذلك حتى بالنسبة للنصوص المكتوبة بالفرنسية، بل هي أقل من ذلك حتى بالنسبة للكتابة الروائية العربية التي سبق أن أشرنا إلى أن وجودها متأخر شيئا ما ويجب انتظار نهاية العقد 2000 – 2010، على الأقل، وهي مسافة ضرورية للحكم على التحولات والتوجهات الجديدة في الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية وبالعربية. وربما، أيضا، باللغات الأم: وهذا فراغ كبير يجب ملؤه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: عبدالله العلوي المدغري: مظاهر الرواية المغربية: مقاربة تاريخية، موضوعاتية، جمالية
منشورات زاوية، الرباط 2006 (بالفرنسية).
عبد الله العلوي المدغري ترجمة: إبراهيــم أولحيـــان
كاتب من المغرب ناقد من المغرب