الشاعر (مخاطبا نفسه ): بربك يا صديقي ، أو ليس من نراه في هذه الجهة من الهايدبارك هو جلجامش ملك أوروك ،ام أن عيني الضعيفتين تصوران لي ذلك ؟ ماذا تفعل هنا أيها الملك العظيم جلجامش ؟
جلجامش : من يناديني
الشاعر : أنا فلان ابن فلانة
جلجامش : مستحيل ليس بين رعاياي من يحمل اسما كاسمك أو اسم أمك ، أهذه أسماء أوروكية ؟ الشاعر: بلى يا سيدي، لكن الزمن بدل أسماءنا.
جلجامش : سمعت أن في هذا الميل من الجزيرة يتجمع بعض أحفادي ورعاياي؟
الشاعر : نعم يا سيدي وأنا واحد من هؤلاء.
جلجامش : وما الذي حملكم على ترك أوروك العظيمة ؟
الشاعر : الحرب ، يا سيدي، والظلم .
جلجامش : حرب في أوروك ؟
الشاعر : في أوروك وبابل وسامراء، وظلم في المدينة والجبل وفي ضفاف الأنهار، الانسان ينزف دمه وكرامته ، لا حرمة لبيت ولا رأفة بحق امرأة أو طفل . عنق الانسان كعنق الشاة .
جلجامش : من فعل هذا بأوروك هل البشر؟
الشاعر : الجميع يا مولاي.
جلجامش : واحزن قلبي عليك يا أوروك . إن العار ليفوح من ثيابي.
الشاعر : ولكن قل لي يا سيدي، كيف وصلت الى هذه الجزيرة البعيدة عن مشرق الشمس ؟
جلجامش : كيف يصل المرء الى جزيرة إن لم يكن ذلك في زورق ؟
الشاعر : مفهوم ، لكن أما كنت في رحلتك الأسطورية بحثا عن عشبة الخلود :
جلجامش : بلى ، وبعد فشلي في العودة بعشبة الخلود لأخي وحبيبي المريض أنكيدو، لم يبق أمامي إلا أن أختفي عن وجه كل بشر عرفني، همت على وجهي في البحار. كم كنت يائسا وخجولا من فكرة العودة الى أوروك وقد انتصرت علي الحية . قلت لي ، قلت لجلجامش : كيف لملك عظيم مثلي أن يعود الى صديقه المريض خائبا وأنا الذي عرض صدره تسعة أشبار وطول قامته أحد عشر ذراعا.. لا تذكرني
بمأساتي فأنا ملك حزين وما ضاعف من حزني اجتماعي بشخص كان يترنح وراء هذه الحديقة ، قال إنه من أبناء أوروك ، وأن غرباء طردوه من المشرب لأنه قال إن البلاد الواقعة بين النهرين هي بلاد عظيمة لمجرد أنها أنجبت جلجامش . وأنه يحن الى العودة الى أوروك فقالوا له اصمت ، فليس هناك في وادي الرافدين غير الموت . من جرؤ على إهانة شعبي أنا الذي أخضعت بلادي الممالك القوية ؟! واحزن نفس انا الذي تركت هناك انكيدو مريضا، أخشي أن يكون مات إن لم يكن من الحمى فمن الجوع أو الحزن .
الشاعر : أو ربما بقذيفة من قذائف الحرب ، فلن يكون انكيدو أعز على الغزاة من بدر شاكر السياب الذي ثقب الرصاص تمثاله كما ثقب المرض جسده .
جلجامش : من هذا ؟
الشاعر : شاعر من البصرة .
جلجامش : أهذا مدينة مصرية ؟
الشاعر: بل عراقية ، يا سيدي.
جلجامش : أي بلادي ، يا لحسرة قلبي عليك !
هل كان ينبغي علي أن أبقى في أوروك حتى لا تقع فيها كل
تلك المصائب . هل قلت إنك من أوروك ؟
الشاعر : بل من بابل .
جلجامش : وما هو شغلك في هذه البلاد؟
الشاعر : أنا من رعايا الأمم المتحدة .
جلجامش : لم أفهم ، ألم تقل إنك من بابل ؟
الشاعر : بلى ، لكنني هارب من بلادي وأحمل وثائق الأمم المتحدة .
جلجامش : اخص ، ومم أنت هارب ؟
الشاعر : من الخوف .
جلجامش : وما يخيفك ؟ هل شح النهر وجاءت سنوات عجاف ، فجذبت الأرض ولم تعد تنبت إلا الشوك ؟ الشاعر : كلا.
جلجامش : هل اجتاحت البلاد جيوش غريبة ، ودار الطعان ، واعتلى عرش البلاد ملك غريب راح جنوده يطاردون أبناء البلاد الأحرار؟
الشاعر : وقعت الحرب .. نعم ، ودار الطعان .. نعم ، ودخلت البلاد جيوش غريبة .. نعم وقتل العراقيون أطفالا ونساء ورجالا شيبا وشبانا.. نعم . أما أن يكون وصل الى العرش ملك غريب ، فهذا لم يحصل .
جلجامش : ما الذي حصل ، إذن ؟
الشاعر : شيء أغرب من الخيال ، ولا طاقة لي أو لقصيدتي على تصويره . وأنا على رغم أني شاعر سوريالي ، إلا أن الوقائع كانت أكثر سوريالية ، بحيث لم يعد لقصيدتي مبرر. بل إن المذهب الدادائي نفسه سوف يعجز عن ابتكار صيغ فنية معادلة لها، لذلك تجدني في الفترة الأخيرة أتخلى عن السوريالية ، وأميل الى شعر الوقوف على الأطلال .
جلجامش : ويح نفسي ، هل قلت إنك عراقي؟
الشاعر : بلى وربة الشعر.
جلجامش : ولماذا لا أفهم ما تقول ، إنك تقول كلاما يصعب علي فهمه على رغم حبي للكملة . هل بات كل العراقيين مثلك (لنفسه ) لابد إن ذريتي سلكت طريقا غريبا (الشاعر) لعمري إنك ثاني عراقي ألتقيه ولا أفهم ما يقول . كأن كلامك يطلع من لغة أخرى لا قبل لي بها!
الشاعر : لعله فارق العصر.
جلجامش : أي عصر ! هل قلت إنك شاعر؟!
الشاعر: بلى وربة الشعر.
أشك في ذلك !
الشاعر : أنا شاعر ولدي عشر مجموعات شعرية مطبوعة وعشرات المقالات المنشورة في الصحف ، وأنا الآن أكتب مذكراتي للأجيال المقبلة .
جلجامش : كيف تكون شاعرا وأنت تتحدث عن الزمن كما لو كنت أصغر منه . وتتحدث عن الزمن كما لو لم يكن شيئا واحدا متصلا.. أو ليس الزمان الماضي هو الزمان الآتي وكل الزمان .
الشاعر : إنك تقول ذلك ، ربما لأنك لمست بيدك ماء الموت ولأنك خارج من نهر الأسطورة .
جلجامش : ماء الموت هو نفسه ماء الزمن وماء الحياة ولا يغرنك ما يتشدق به الناس الذين يشعرون بضالتهم أمام الزمن ، كن صانع الزمن لتكون شاعرا، والا فلن تكون لك كلمة في حجر ولا صوت يردده المنشدون . هكذا يكون العراقيون أولا يكونوا أبدا.
الشاعر : هذا كلام أجداد موتى وأنا شاعر من القرن العشرن !
جلجامش : وما الفرق ؟
الشاعر : القرن العشرون هو قرن الشاعر الصغير
جلجامش : هل قلت إنك عراقي؟
الشاعر : عراقي من بابل وشاعر قصيدة حديثة ، ولا غبار علي .
جلجامش : أشك في الأولى وأجهل ما تعنيه بالثانية . بابل مدينة أبدية ، وكذلك أبناؤها ، وليس لدي مزيد من الوقت أضيعه في كلام فائض ، وبما أنني وطئت بقدمي رياضا خضراء ، فلسوف أنعم هاتين القدمين بحضرتها قبل أن أعود الى زورقي وهيامي.. لمن هذه الرياض ؟
الشاعر: للملكة .
جلجامش : ما ماذا؟ ملكة !
الشاعر : هل تسمح لي بمرافقتك في هذه الجولة ، فأنا خبير بهذه الحديقة ، أعرفها شبرا شبرا لكثرة ما تسكعت فيها أيام الشمس .
جلجامش : لست في مملكتي ولا أستطيع أن أتصرف هنا كملك ، لذلك لا أستطيع أن أمنعك من مرافقتي ، على رغم شكي في أن تكون بابليا. شرطي الوحيد عليك الا تتكلم إلا إذا سألتك الكلام .
-2-
جلجامش يلتقي عبدالزهرة في الهايدبارك
جلجامش : ما هذا الحيوان الصغير الواقف على قائمتين ويداه ممسكتان بجوزة خضراء؟
الشاعر : إنه السنجاب الانجليزي.
جلجامش : أهو متوتر، هكذا، دائما؟
الشاعر : ربما إنما قد يكون خائفا من عبدالزهرة .
جلجامش : من يكون عبدالزهرة ، أهو الملك ؟
الشاعر : كلا، يا سيدي ، إنه خطيب يعتلي هنا، في السبوت والآحاد برميل قمامة ويخطب دفاعا عن الديكتاتورية . أنظر اليه إنه هناك حيث يخفق ذاك البيرق وتجتمع ثلة من الخلق .
جلجامش : تعال نستمع اليه .. لعله يقول كلاما حكيما يخرجني من حيرتي وكابتي .
الشاعر : أخشي عليك منه ، يا سيدي فهو شخص مجنون .
جلجامش : جلجامش أحكم من أن يوقع به مجنون .
عبدالزهرة : أنتم لا تفقهون شيئا مما يجري هنا في هذه المملكة ، أو يجري هناك في أرض الجمهورية . قلت لكم في الأسبوع الماضي أن (الهيئة العليا) المسيطرة على العالم ومركزها شلومو كينغ اتخذت قرارها النهائي باختطاف العلماء والعباقرة وتسميم عقولهم ، ثم اطلاقهم في بلادهم ليعيثوا فيها فسادا، ولماذا يفعلون هذا؟ لم تسألوني لماذا يفعلون هذا؟
أصوات :
الأول :لماذا .يا عبدالزهرة ؟
الثاني : لماذا، يا عبدالزهرة ؟
الثالث : لماذا.يا عبدالزهرة ؟
عبدالزهرة : لئلا تقوم قائمة لممالك أو جمهوريات أخرى غير تلك التي تقوم في بلاد (الهيئة ). انظروا كيف تغرق هنا قطعان الماشية في المطر، بينما يهلك في الشرق العظيم الماشية والآدميون ، حتى المطر جرى اخضاعه ، بينما يخرج علينا في هذا الهايد بارك خطباء من الجوار يبشرون بأفكار ضبابية .
ما هذا! على الوضوح أن يكون سيد الموقف . والآن قولوا لي : من الذي اعتدى على الآخر!
أصوات :
الرئيس القوي في البلاد القوية احتل الأرض المتاخمة له ، وطرد جيشها وحكامها من البلاد وعطل ثروتها وجعل أعزة قومها أذلة .
عبدالزهرة : كذب . هذا لم يحصل ، ولكنكم سمعتموه في الأخبار . أين سمعتموه ؟
أصوات : في الأخبار.
عبدالزهرة : أرأيتم .. إذن فهو لم يحصل !
أما الرئيس القوي.. اخواني ، فهو ما يزال قويا .. وقبل أسابيع احتفلت البلاد بعيد ميلاده العظيم فأقيمت الزينات والأفراح وانطلقت المسيرات ، فهو ديكتاتور حقيقي وليس مزيفا. المجد للديكتاتوريين الأقوياء من جلجامش والى الأبد ثم ، يا اخواني…
جلجامش : إنه ينطق باسمي، ماذا قال ؟
الشاعر قل إنك أنت الديكتاتور الأول .
جلجامش : لم أفهم !
الشاعر : قال إنك كنت أول حاكم مطلق اليد على وجه الأرض
جلجامش : وهل هناك حاكم غير مطلق ! على الحاكم أن يقسم جسمه في جسوم كثيرة وأن يدخل كل بيت . فيفرح ويتألم ، وعليه أن يشبك يده بيد غريمه وأن يقتتل ومنافسيه أمام (بيت العرائس الجميلات ) فيدحر الشر وينتصر للخير، ليكون جديرا بأن يكون أول من يفتضهن ، فيكون له كل شيء ، أو لا يكون له شيء ، لأنه إن لم يكن له كل شيء فهو لن يكون نصف بشر ونصف إله ولن يكون في وسعه أن يرى شيئا. على الحاكم أن يعرف بعينه ويعرف بقلبه ويعرف بعقله ، حتى ينجو هو وشعبه من شر البشر وشر الآلهة .
الشاعر : هذه أفكار قديمة .
جلجامش : (لم يسمع الملاحظة ) .. بعينه يختار أجمل الأرض ، ويعقله يبني المنزل ، ويقلبه يحب المرأة والصديق ، وبيديه القويتين يرفع الفريضة للاله . هذا هو الحاكم المطلق اليد، فهل هذا هو ما يقصد عبدالزهرة بالديكتاتور؟
الشاعر : لست أدري
جلجامش : وما رأيك أنت ؟
الشاعر : ما زلت أفكر.
جلجامش : وما رأي من تعرف من الناس ؟
الشاعر : مازالوا يفكرون .
جلجامش : ما الذي تعنيه بـ«مازالوا يفكرون ، وهل هناك حكام يمكن أن يتنزهوا ويباهوا بأيديهم المغلولة ! عبدالزهرة : انظروا حولكم .. ماذا ترون ؟
صوت : خضرة يهطل عليها مطر، وناس يتنزهون .
عبدا لزهرة : كلا ليس هذا ما قصدت .
صوت : شوارع تسلكها عربات سوداء وباصات حمراء ذات طابقين .
عبدالزهرة : كلا.
صوت : أطفال يسيرون وهم يدفنون رؤوسهم في الأرض .
عبدالزهرة : كلا.
صوت : نساء يمشين مسرعات ويحملن أكياس نايلون فيها رؤوس أزواج قضوا في المشارب . عبدالزهرة : كلا ، ليس هذا ما عنيت .
صوت : محال مضيئة بأبوابها أناس يتساءلون .
عبدالزهرة : وصلنا ، عما يتساءلون ؟
صوت : إنك تغير الموضوع .
صوت ثان : لا يهمنا أمرهم .
صوت ثالث : ينقبون بين الأسطر.
عبدالزهرة : عما ينقبون ؟
صوت : عن الفروق في الأسعار.
عبدالزهرة : وما يحيط بهم ؟
صوت : لصوص .
صوت ثان : متسولون يستعطون .
صوت ثالث : باعة صغار وكلمات مغرية .
عبدالزهرة : كلا، فهذا ظاهر الأمر أما باطنه فشيء آخر.
أصوات :
وما هي حقيقة الأمر؟
عبدالزهرة : عبث في عبث ،كما قال شموئيل ، والجميع يزجي الوقت في انتظار موعد القطار، هذه هي قصتهم الكاملة ، انتظار القطار. وليس لقصتهم قيمة ماداموا سيبقون خاملين ، أما أنتم فماذا تنتظرون ؟ أصوات : الديمقراطية لعموم الشرق .
عبدالزهرة : فلتهلكوا في المطر إذن ، لأنكم كذابون وما أنتم غير أناس محاربين من زوجاتهم . لمن تركتم زوجاتكم أيها الحمقى، للفراعنة ؟ لمن تركتم بيت العرائس لجلجامش ؟ ا
لباحث البعثي: جلجامش أصيب بالضجر وخرج من أوروك مدعيا البحث عن عشبة الخلود لصديقه انكيدو طريح الفراش . وأنا من موقعي كباحث منفي في شؤون التاريخ أستطيع أن أؤكد ذلك بالبراهين العلمية .
عبدالزهرة : ثوبوا الى رشدكم أيها الضالة . واذا كان جلجامش فر من أوروك فعلا، فهو مخطيء ، بل إنه خائن لكونه ترك بلاده وهي في محنة .
جلجامش : هل قال انكيدو وقالوا جلجامش ؟
الشاعر : بلى
جلجامش : وماذا قالوا . إنني أكاد لا أفهم ما يقولون . كأني بهم يتكلمون لغة أخرى؟
الشاعر : قالوا إنك ضجرت من نساء أوروك ، وأنك هربت منهن مدعيا البحث عن عشبة ليست غير وهم ، وان انكيدو في الفراش يموت ، وأنك كنت تعرف كل ما يخبئه المستقبل لشعبك لذلك اخترت طريق الهروب وأنك في النهاية خائن .
جلجامش : لأنني أحب انكيدو اخترت قضيته عنوانا لرحلتي. هل أستطيع أن أكلم هذا العبدالزهرة لعله يملك جوابا عن سؤال ظل يحيرني.
الشاعر : إنه مجرد مجنون ، يا مولاي.
جلجامش : ما المجنون إن لم يكن هو نفسه سيد العقل ؟ دعني أكمله : يا عبدالزهرة ، أنا جلجامش ، وتستطيع أن تكلمني دون أن تخاف .
عبدالزهرة : أنا لا أخاف إلا الله والرئيس . ولكن كيف لي أن أتأكد من أنك جلجامش فعلا .. هناك كذبة كثيرون في العالم وأخشي أن تكون واحدا منهم .
جلجامش : لك اسم جميل فلا تكن أحمق وتفقده
عبدالزهرة : فقدت زوجتي ومرتبي وأولادي ، وما يهمني أن أفقد بعد ذلك اسمي. ماذا تريد مني؟
جلجامش : أنا جلجامش ملك أوروك .
عبدا لزهرة : السابق .
جلجامش : حيرتي من وجودي حملتني على مفارقة أوروك وضياعي هو الذي رمى بزورقي الى شواطيء هذه الجزيرة التي لا تكاد تسطع عليها الشمس .
عبدالزهرة : هذه ليست جزيرة إنها لغم في الأرض .
جلجامش : في أوروك كانت ذراعي تطال كل طلب ، تخضع الصديق وتخضع العدو. والأن صوتي غريب وفؤادي مكسور وأخشي الا يكون هناك معنى من بقائي في الزمن يا عبد الزهرة .
عبدالزهرة : صوتك صوت يائس !
جلجامش : ملكت ولهوت وكنت طفلا وكان العالم دهشتي. ثم لما حقق قلبي في جسد أخر شعرت به واهنا.
الشاعر : لا أستطيع أن أتخيل جلجامش في هذه الصورة .
الباحث : هذه صورته العارية .
صوت : ثيابه تشبه ثياب جلجامش .
صوت : ملامحه كملامح أجدادنا في ألواح سومر المحفوظة في متحف لندن .
عبدالزهرة : جلجامش كانت في ذراعه نجمة مضيئة .
جلجامش : إنها هنا ما تزال في ذراعي.
عبدالزهرة : آمل الا تكون نجمة مزورة .
جلجامش : مزورة .
عبدالزهرة : كل شي ء يمكن استنساخه في هذه الآونة النساء والأطفال والحركات السياسية والأصدقاء والجيران ، وحتى الأمهات ، ليس هناك ما يمنع أن تكون نسخة مزورة من جلجامش والنجمة التي في يده
جلجامش : عندما صعدنا الى غابة الأرز. كان في وسعنا أن نرى البحر من هناك ، وكان البحر أزرق . والليالي التي صرفنا في الصعود تجمعت في مكان ما من السماء وراحت ترقبنا. لم يكن هناك وحش لكننا ضربنا الأ شجار بالفأس ليتردد صدى عبورنا في تلك الأنحاء
(صمت )
في الأعالي كانت الأعالي والشمس تتمطى على رؤوس الأ شجار.
صوت : أما يمكن أن يكون هذا المتزيي بأزياء غريبة جاسوسا أرسله الرجل القوي ليقول فينا كلام الشك ! عبدالزهرة : أيا يكن هذا الشخص فهو عراقي. هو منا وفينا، وما علينا، فليس ثمة ما يدعو الى الخوف (….) والله إني لاشك فيكم ، والله إني لا شك في كلامكم في جرأتكم وخوفكم ، وفي غمزكم ولمزكم وايماءاتكم ، وفي غضبكم ودعتكم . والله إني لأرى (لنفسه ) دعني من هذه فقد كررتها مرارا.. والله إني لضجر، ولكن خوفي على هذا العلم هو ما يحرك الدم في عروقي. هيا انصرفوا الى شؤونكم ودعوني أقضم تفاحتي (يجلس على برميل ويقضم تفاحته ثم يتناول طرف العلم وينظف فمه ) مللت منكم . جلجامش : هذا شخص غريب !
الشاعر : أما قلت لك إنه مجنون .
(يبتعدان وسط انقضاض الجمع )
صوت : ما لعبدالزهرة اليوم ؟
صوت آخر : لعله يريد أن يكون آدم ؟
-3-
جلجامش والشاعر في بوابة الحديقة يقصدان الخروج
جلجامش : (لنفسه ) لقد تسلل البلى الى أطرافي وسكنت المنية حجرة نومي. وحيثما قلبت وجهي أرى الموت . أيها الشاعر، الى أين نمضي في هذا الغبش ؟
الشاعر : أنت الملك ، فلنقل أيها الملك الذي رأى أين يمكن أن نذهب .
جلجامش : من قال هذا ؟ (يقصد لمن هذا القول ).
الشاعر : الطين … الرقم الطيني المشوي في اللهب الأزرق . في أفران أوروك .
نوري الجراح(شاعر من سوريا يقيم في قبرص)