1
تبهرني تلك الغافة
التي تبتسم حنانا كلما تلاقت نظراتنا
ذات صدفة عابرة
تستيقظ ذاكرتي بين يديها
وتعلي وقع حديثها الدافئ
كجدة حنون حكيمة
واقفة تحيا
واقفة تموت
شامخة رفيعة
تغازلها الغيوم والطيور
وتعصف بها الريح
وتهتف بها المسافات
عميقة راسخة
تذهب جذورها في البعيد
وبتقدير عظيم أنحني لثباتها
وأنا ألمح شجر الزينة ينتصب بسخاء
ويذوي سريعا على حافة الطرقات
2.
أريد أن أنام يا الله
فقط أريد أن أنام
أبعد عني كل تلك الأحلام التي تهجم علي مثل نسور شرهة
لأطفال بلا رؤوس يسيرون زرافات
وأمهات بلا أرجل يزحفن خلفهم
ورجال بلحى طويلة يحملون مطارق وأكفانا يركضون في خلفية المشهد
والزبد والدم يسيل
على جوانب أفواههم
وكل منهم يريد أن يأخذني معه
أريد أن أنام يا الله
فقط أريد أن أنام
أبعد عني تلك الصور البشعة لمقتل
شابة على يد شقيقها
لأنها ارتجفت قليلا بنسيم الحب
كزهرة في مطلع الربيع
وطفلة تصرخ في أمها (حرام عليكم) إذ تقتلع بتلة من زهرة جسدها
باسم الدين والطهر
وأطفال يحلقون بكراريسهم البيضاء
فوق رؤوسنا كالطيور المهاجرة
والسيوف التي تلمع من فرط الرغبة
والسكاكين الملطخة بدم الخطيئة
والأسلحة الصدئة
والقلوب المتآكلة كجدران معابد قديمة
والعقول التي ران عليها الصدأ
كسفن غارقة في الصحراء
أريد أن أنام يا الله
فقط أريد أن أنام
أبعد عني تلك الأفكار المدببة
التي تخترق رأسي
بمساميرها الطاعنة
عن الخير والشر
والثواب والعقاب
والوجود والعدم
والشك واليقين
3
امرأة من كوكب آخر تطرق بابي
كصديقة قديمة
تجلس لقلبي لتجس نبضه
تتبادل معي الشكوى والفناجين
والضحكات
امرأة بملامح مختلفة
لا أستطيع أن أعطيها صفة القبح أو الجمال
فهمت لغتها التي لا أعرفها
عيناها الغائرتان كانتا تخترقان
صدري تماما
فمها المزموم على لحظة غيظ
كان يخبئ كلاما موجعا
قلبت يديها وهي تتحدث كامرأة
تقلب خبزا بين يديها
أو أم تلف صغيرها في القماط بخفة
تمايلت كراقصة لينة مأخوذة باللحن
ثم ضحكت بغنج يشبه غنج نساء الأرض
في لحظة عشق
وهي تغلق الباب على الحلم
وتتركني لحيرتي
ماذا كانت تريد أن تقول لي؟
كانت امرأة برائحة الخدر
تشبه كل النساء وهن يرفلن في جراحهن
ويخضبن الأرض في الأعياد بالفرح
ويتصاعدن في مواسم الخصب والحصاد
وفي كل خريف يتعرين بلا وجل
ويعشن في لهفة التفاصيل والقلق
ويمتن واقفات كالشجر
4
تتمايل روحك خفة على مدارج الرؤيا
أنت المثقل بأوزار الشك والمجهول
وفحيح الأسئلة في رأسك الثقيل
تتبصر حفيف القوم وهم يدوزنون نشازهم
خارج أرواحهم بلا تماس مع الحقيقة
محملين باللهفة الوارفة للأخذ والتصيّر
متلحفين صدارات الكذب المزركشة
متصنعين أدوار البطولات
كسيحة أحلامهم
يعبرون كل ذلك الزيف بيقين العارف
وما ضر لو تريثوا قليلا؟!
لعلهم يدركون
أن المعجزات تحدث في الداخل
وأن للخفة ميراث الفرح
وأن الجمال صنعة الرب
وأن الصدق رسالة الأنبياء
5
يا بحر
أيها العدمي الأكبر
أيها المجنون الأعظم
المتوحد في العشق
المتصاعد في الخفة
ما أوسع احتمالاتك والفيض
إذ لا تكتم صرخاتك
في الغضب
وتعبث ماشاء لك الحب
وحين يعوي داخلك الحزن
تسند رأسك للظل، وللملكوت الأعلى
وتبكي
أيها الأكثر.. والأكبر ..والأقرب
قلبي يتعشق صوتك .. لونك
أحاديثك الراعفة بالشجن الأوهى .. صمتك
يذوب في وهج الفتنة
يتلمس خطواتك العجلى
وترفعه الهدأة للأعلى
يتمايل في دل بين يديك
كمراكب من زبد أبيض
أو كمعشوق أمرد
ويضج من لهفته فيضحك ..يضحك
وأدرك بلا فطنة
أنه دله بك
هائم في غايات الرؤيا
وفي برزخ الزرقة يتحد ويتوحد
يتهيأ ويتلاشى في حفيف الموج
وفي اكتمالات الفرح ،
وارتجاع النحيب
ينقص ويزيد
وأنه كالبحر قلبي
أزرق وسعيد.
فاطمة الشيدي