"يتها البابلية، حور من البحر يرقصن حولك
حتى استاع الظمأ،
وحتى انبلاج النوارس من عتمات الغسق
وحتى تهلين من بارد المزن ما عتقته دنان الورق
للمحلين
ومن لاذ بالنار خوف الغرق."
"على الدميني" تجربة شعرية خطت مغامرتها بلغة معاصرة، وروى حاولت ان تتحرك ضمن صورها محاورة الواقع الذي نشأت عنه وانفصمت عنه في آن، تجربة امتلات بتنوعاتها، وباشراقات تلك التنوعات التي وصفها الشاعر في مجموعته "رياح المواقع" وتحديدا فيما عنونه بـ "اشارات"، حيث سردت التجربة دعاءها وايقظت غفلة الكلمات، هناك في "اشارات" آخى الشاعر ماء الذكرى بجمرها اي العنوان "رياح المواقع" الذي ترمز ابعاده الى دلالات التحرك والتنقلات والخصب وكل ذلك تجسد بلفظته "رياح" والتي كما تهب على تغيرها تشابك المكانية بمستوياتها الطبيعية /النفسية /النصية
الطبيعة: ظهور المكان بماديته، بتضاريسه، بجغرافيته، او بتعيينه، انه المكان الذي يمد تحيزه الى النص ليشير الى جهاته، كما جاء في قصيدة "الخبت":
" في الشارع الخلفي
كان المدى خلفي
والوجه في الحائط"
أو كما جاء في قصيدة "السفر وثلاث ليال في ضيافة النهر"
"نسافر نحو الجزيرة يلتفنا عطش البحر
والصحراء…"
النفسية: " ها هو الشاطيء الشتوي لقلبي" / " وكفاك على الغربة تقبض جمر القلب"، المكان النفسي هو الدال المركب من مكان معنوي معكوس من حالة الشاعر ومن مكان عاكس ربما يتمظهر بالمجسد، نطبق ذلك على الشاهدين السابقين
الشاطيء / كفاك: مجسد (مكان مجسد، عاكس)
الشتوي لقلبي/ على الغربة: مجرد (مكان معنوي معكوس)
ومن تلاقي المكانين يتركب مكان نفسي قابل للظهور، يوسع دلالاته في الصورة ليرتكز على ايقاع الكشف، مسندا هذا الايقاع في هوته ليستند بالتالي عليه.
النصية: اللامكان الذي تستقر فيه الرؤيا والحلم متهيكلا داخل اللغة، وعابرا ذاته ليقترب من المكانية النفسية،مثلا "ثوب قصيدة /في قصيدة ":
"أنشدت للرعيان ثوب قصيدة في البر" /"كانت تجربة قاسية وأنت ترى نفسك تقذف بجزء منها في قصيدة الى المحرقة".
تجربة أوضحها لنا الشاعر من عمقها حتى عمقها حين أشار.
"وكانت تجربة جميلة وأنت تقود بعيرك في صحراء العمر ذاهبا الى البدايات ".. وفي هذه القراءة سأحاول تشريح أهم محاور تلك التجربة التي بلا شك تضيف الى الزمن بياضه والى المواقع رياحها، والى اللغة حساسيتها المفارقة..
"وما بين موتين ها نحن نركض، نركض
حيث يطاردنا الآن أوباشنا:
يمدون للطير قنبلة فيبيض لهم ولدا
ويفيض الرصاص فنختار:
بين العدو المقابل
واليم خلف المراكب والأمنيات"
إنه الواقع العربي الذي يكرر لحظاته ما بين دوال الشاعر "علي الدميني" ومقولة "طارق بن زياد" البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فمن أين المفر"..
وكما نعلم بأنه عند استبطان النص الشعري لابد لنا من محاورته واستنطاقه لنستشرف حلمه المخبوء والمأهول، بغية القبض – من دواخله -على الطاقة الابداعية مساراتها، وذلك لتحقيق معادلة التفاعل بين القراءة والنص.
واذا بدأنا بعنوان المجموعتين "رياح المواقع" / "بياض الأزمنة" فإننا نلمح تداخل الزمكانية المرموز اليها والمتمحورة حولها فضاءات النصوص، تلك الزمكانية المتحركة رغم ظهورها في الثبات، فما يحوم في المجموعة الأولى وكما ذكرت المكانية بتعددياتها المختلفة (الطبيعية / النفسية /النصية)، إضافة الى ما تناولته مدلولاتها ضمن العلاقات التي أفرزتها شبكة الاتصال بالموروث، فكانت محاولة لادخال التراث عبر إغنائه بحالة الشاعر، التراث الذي اختمر في العمق النفسي والموضوعي واتخذ لون الرمز مثلا: "خولة،الأطلال، طرفة، ليل، امرؤ القيس، الفراهيدي، بلقيس ".
"أرقب ذكريات طفولة الأجداد،
رائحة الحليب ولذعة الأقط البهي،
وصوت طرفة تائها في الريح
مستمسكا بالشيح
والخاتم الأبيض"
محاكاة واستحضار ونبش للذاكرة الجمعية العربية على في ذلك إرواء لنيران الجرح وتهدئة للقادم من الرماد، فما اختلط في الصحراء من كثبان وبراكين وهبوب التاريخ، يشكر عالم المواقع والأمكنة، العالم الذي نقله الشاعر من بنيته الساكنة الى بنية الدلالات المتحركة في المعاصر، حيث تمكث رائحة البعيد خلف الحلم المحترق، وتنسل كجراح البلاد من الصورة الشعرية الى لحظة الخلق…
"أم جئت تبحث في تراث الناس عن جدث وتحفر في
الطريق ملاذة للروح،
أين مرابض العريان؟
أين مباهج الصحراء والفتيان، والرمل الذي أفردت
يا وجع العشيرة؟"
اللحظة التي جسدت علائقيات النص بالبيئة المتآزلة بالتنامي، ومن ثم وترت دراما النبض، لتفيض بالذاكرة الناخرة على النصوص، والراصدة في ذات الوقت للواقع. نشعر هكذا بأن فضاء اللغة أورق من الداخل وأحال على الوجود بكل تضادياته وذلك ليوسع الدلالة من خلال اشتباك الذات الشاعرة بالجرح، الجرح الذي يعبر زمنه الماضي، ليندرج في البوح ودون اختفاء حتى حين يخفت ذلك التوتر لينصهر بالروح المتمسرحة بين الرغبة الحالمة وتقاطعاتها، بين الفتنة وتحولاتها لنقرأ ما جاء في قصيدة
"الخبت":
غطى على عيني ماء العين
إفراد المحب، ولوعة الوسنان
القاء العشيق بباطن الأفراد
أمون التي أهوى،
وألحان البحار البيض".
وما توهج في قصيدة:
"ويسألونك عن الساعة": "أزرق… أزرق… هو الذي يضيء في الظلمة لا يضاء" هنا تظهر الروح كحامل للمتغيرات، وكمحمول لما يدور حول هذه المتغيرات، تظهر تأثيرا نابعا من الحساسية يوهج مفارقاته المحذوفة بالكتابة، ويعبر بكيفية لا تستقر الا على على التوالد من زرقة النص، والتي علينا اكتشاف بؤرة حلمها
المتداخلة مع الزمكانية المتوارية بظاهر الكلام:
"لقلبي على الماء مملكة يستريح بها المتعبون،
الكلا،
الحراح،
الأساطير؛
مملكة ينفذ الحزن من صدرها، ينفذ الضوء منها،
وما نفذ القلب
إن على الماء أوردتي وخيولي، وما يرد الظعن حول
البحيرة،
ما تشرب الطير، لي كل ما ينبت العشب"
"الماء" هذا !لرمز الأبدي والمتخالد فينا، عبر أثره المتهادل في خصب الوجود، إنه الطوفان الذي حفر أسئلة الضوء،كما حفر أوردة الحزن وشع في فعل الانبات "ما ينبت العشب"، الفعل الذي يجدد خصبه حسب دلالته ونتراءاه فيما لو داخلنا صورة أخرى:
"ارسم صوتا مخضب"
فأمطر وجه السماء نهارا مهرب.
جذورك نامت على الماء، قامت من الماء، خطت على
الماء برق كتابة
:"احبك تعويذة في دمي."
لكنه رغم كل تلك الطاقة العازفة على هدير الكلمات، فإن "الماء" يربك الشاعر ويتركه في الحيرة الرائية:
"لمن نحفر النهر؟
للمطر المتباكي على شعر الحور
للورق المتساقط في نتف الثلج
لي!
أم لعين وليدي الذي ربما مات دون الصباح؟"
تختلط دلالات الحيرة بالانبعاث والموت الذي لا تقوم بدونه الحياة، فالليل لا يكتمل إلا بالصباح،وهذا ما يضيئه الشاعر بصورة أخرى
"شهوة الموت أشرقت ألوانها من وهج الفانوس..
تصفو.. تتألق، تزرع الصحراء بحثا عن قوافلنا
القديمة.
تتنادى من خلال الريح.. تعلو تارة، تطفو كقنديل
معلق"
تتراكم في الصورة الشعرية فنية الموت، الموت الذي هو ابتداء مستمر تجاه الآتي "الذي ربما مات دون (الصباح)" وابتداء مستمر تجاه الماضي "تزرع الصحراء بحثا عن (قوافلنا القديمة)"، من ذلك، نتبين بأن الموت /الحياة، دلالة تقابلية تجلو سمات الضدين لتظهر صوت الشاعر مضافا الى رؤياه حول محورين يشكلان حياة النص وروحه المتراكمة بين الكلمات، سواء كانت هذه الكلمات تحمل صورتها المشطورة:
يا هذا العاشق"، "قم"، فأنا صوت الرمل
وهمس الماء،
وروح الطبقات الأرضية،".
الصورة التي انشطرت عن الأنا، واتخذت مما اجتمع من صوت الرمل /همس الماء/روح الطبقات الأرضية، حنجرة لاختزال التراكم أو صورتها المنقسمة على ذاتها
"أفراد البحر وجهك للموج.
أخرجه للنيازك، لكن وجهك منكفيء،
خلف ستائرك اليومية"
صورة حملت انقسام الوجه «الذات» من خلال. "البحر/الموج /النيازك" وما توحي به هذه العلامات من تيه وارتياب وتراوح تعيد بعضها الى رتابة الانكفاء وتترك بعضها قرب المخيلة.
أو صورتها التي تحشد الذوات النصية:
"واجف قرب بابك أيتها الصخرة،
انفرجي عن حرائق بيضاء
عم مدن تتهيأ للاغتسال
واقفما انتهى أيك سحبان من شدوه،
يضع الحبر والطقس والاحتمال
أيها المطر انهمر الآن.. تلك حدائقها
ولشعرك سيدتي، مثل رائحة النار في جسد البرتقال"
صورة نضجت بسحب الذات المتعانقة مع علاقاتها بالآخر وبالطبيعة، حفلت بالتشظي والانهمار، بتعرية المحجوب عن الذوات، وذلك من خلال الطقس والاحتمال وما تداعى بعد فعل الأمر «انفرجي / انهمر» حيث تبقى الفاعلية للذات الحاشدة، لكن الذوات النصية أحيانا تظهر بحلولية لامعة سيما وهي تتداخل برمزين اتحدا ليتهيكلا كصوفية خاصة بالشاعر هذان الرمزان هما (الأرض، الوطن /الحبيبة)
" إذا التف حرفي على شفتيك
متى يتحرر فينا كتابا؟
وحين تنامين في كتبي
هل تظلين عاشقتي كلما حرك الليل بحر الحنين؟
أقول إذا صار نيرون صوتا
أيهرب نهرك من راحتي؟
أم تكلين من لهبي؟
وأنت النسيم المرطب بالعشب يا غامدية
وأنت الدماء الجديدة أنت الأماسي التي يمطر الصيف فيها علي
ولكن لماذا احبك أعمق مما احبك يا غامدية؟"
استفهامات عمقت فضاءها الآخر، اختلفت لتأتلف وتعدد ما طرحته مكثفة أثرها الذي استدرج تصاعده حتى وصل الى ذررته في السؤال الأخير، اختزال أضاء ما سبقه متجاوزا دلالاته، وذلك حين انطلقت دينامية المشهد من أضدادها مكونة لا مألوفها «التف حرفي /يتحرر»، "لهبي / النسيم المرطب"، فأتت تطل كالدعاء الجديدة المغروسة في الكتاب، ما بين القيد ونقيضه، ما بين الحب والحب، وهذا الأخير لا يعرف النهاية، وكل ما لا يعرف نهاية لا يموت، فكيف به اذا اتحد بالوطن ؟
"أغرق الآن في الانتحاب
وأغرق في صوتك المتصاعد من جبل الطور"
ذاتية احتدمت بلا مألوفها الموضوعي، حرضت الصورة على الاشراق لتلقي على الكامن فيها عتمة أخرى
"انهضي قبل ان أستفيق غدا
سافري قبل أن يكمل الحلم دورته في دمي
ريثما يكبر الزهر في البحر
والجرح في النهر
والحب في المائدة"
حركية تركيبية أثارت إشكاليتها بانسجام صيروري وزع الذي خرج عن الزمان، الحلم والزهر والجرح والحب، فتحولت الرغبة المتجندة بفعل الأمر «انهني/سافري» الى نقيض ضمني تضمنه ما تتالى بعد الفعل من زمانية "قبل / ان أستفيق غدا"، «قبل لم أن يكمل الحلم دورته في دمي» «ريثما لم يكبر…» صور جردت المحسوس الى نقائه المكنون وألهبت انبثاقها بالانفتاح على لغة شفيقة وعميمة ومسريلة أحيانا: "من يغفر زمنا للسمك النائم في الأشجار" «شارع يحتمي بك في حماة الشمس ».
وصور جاءت لتعرية الواقع المراوغ بلفة نسجت تطوفها من (الواقع /ما فوق الواقع)
"لا يغفر للصحراء العربية كل حدائقها الفضية
ان تؤتي امرأة في البر
ويغشاها الطوفان،
ببابك نافذة تستقر بها الريح
ما كل عاصفة ملكت جبهة الروح،"
«الريح» وكما هو معروف، رمز يتخذ أحيانا شكل السلطة التي لا تغفر لانحناءاتها ما ترتكبه من تمزمق، وكونها كذلك فهذا لا يعنى بالضرورة، أن كل عاصفة تستطيع أن تسيطر وتقود وتقبض على الروح الشامخة والمتعالية والمدركة لأبعاد المرحلة كما هي مدركة ما وراء تك الأبعاد، أي النور الذي انبعاثه في احتراقه
" عوجاج أم ضلعها
فتق النار في الآنية
اغتيالك أم صوتها
زوج الحلم للأمنية؟
حملت حقول البن من "صنعا" وحطت طائرا في
القدس
أغراها الدخان وطائر الفينيق، هدهدها الزمان
على المريا"
ايقاع لتلاحم لا يعرف الفناء، أوقد بنبضا النار/الوطن، واشتعل الى اقامة في الرمز "طائر الفينيق" والذي يشكل فجوة الرؤيا المصعدة منذ الابتداء المشهدي الشامل للمرأة
والحلم/للو طن العربي وقلبه "القدس" للزمن الذي ستشف مراياه بالزخم الآتي.
ولا ننسى بان هناك صورا برزت فيها المحاكاة القرآنية مثل قصيدة "ويسألونك عن الساعة"، العنوان إضافة الى "واسأل اللحظة الخائفة، يوم تضحك في السر" /" كل يجادل فيك الهوى والندى والصباح"، وكذلك في قصيدة "البواخر": "قل تطلع الى "الفلك" كيف استوت".
إنها متغيرات المواقع قلبت رياحها بين الذاكرة والماء، بين شظايا الحلم وسكون اللحظة المؤقت، استندت على الأمكنة لتبعثر خفاءها عبر النصوص، وتحفر مجدها القديم لتزيح غبش الراهن، وبقدر ما عصفت بالمكانية، بقدر ما باحت بالزمانية وهذا ما يتضح على أشده في مجموعة "بياض الأزمنة" التي تمحورت بالزمان، والزمان هو ثابت من الثوابت النصية، يتحيز في الصورة ليصير متلازما مع الفضاء، الفضاء الابداعي الذي يتشكل داخله الزمان بأنواعه المختلفة، وأصواته المبعثرة والتي نراها في البياض، أيضا، في الدلالة التراكمية الملائمة، والتي علينا استخلاصها من آليات النص وبنيته حين تختزل المادة اللالغوية، هذه المادة المنسجمة والكامنة في العلائق المتكونة من الحلم /الرؤيا / طاقة اللغة المنشطرة إذن، علينا تأويل الزمان من تداخلاته ليبوح لنا ببعض أسراره، ولنصل الى ذلك، علينا التفاعل مع ما يجاور هذه الزمكانية (على اعتبار الزمن النصي تحيز في الفضاء فأضاف الى ذاته مكانية خاصة به في هذا الفضاء لا نراها إلا من خلال الاستنباط التركيبي وذلك لنملا بها الثغرات الموجودة في النص).ومن ثم التفاعل على ما يحولها من بياضها الى ميكانيزم التلون والذي بدوره يشكل مرايا الظل المتعاكسة الحاملة لآثار الحالة الشعرية الشاملة.. فكيف أشعل الزمان أصواته في مجموعة "بياض الأزمنة" وكيف توالد متحركا ضمن ذاكرته ونقيضها، ضمن مكانية ولا مكامنيته بغية انتعاش القابل للتكييف التفاعلي..؟ للوقع الزماني مخيلة نحتاج الى الاصغاء اليها، كي نتملك ما عزفته وما لا تعزفه
"ولا ظل سوى أغصانها
تنحل
ما بين المدار الى المدار"
حركة أولى للزمن تنحل بين مدارين للقلب، تلاقى فيهما مصدر الانحلال "أغصان الظل"، حيث الزمن الناتيء المتمركز في "الظل /الأغصان" والزمن المنصهر.
ما بين فضاءاته مغايرا لون الظل..
"إني وجدت الدهر في حجرها
غاف فأمنني على وحشتي
وحرر الامشاج من غيها
حتى تساوى الطير في حضرتي"
حالة ارادت أن تتحرر من الزمان، لكنها بقيت عالقة في شبان صوته، بما تملك من فاعلية كانت أكبر من فاعلية الشاعر حيث الدهر فاعل "حرر"، وفاعل "الأمان" لكن الوحشة المستمرة تغلبت على ذاتها لتن كفاعلية الذات الشاعرة "حتى تساوى الطير في حضرتي" مما حمل الصورة على تحقيق توازنها النفسي، اضافة الى هذه الصورة الناتئة الزمن، فإن المجموعة حلقت في فضائها الزمني، لتمنحه هيئات مختلفة، إحدى هذه الهيئات برقت في قصيدة "وتحبني وأحبها"
" مطر صحونا وغمام حنون، وأنا بين ليلين
من رقة وجنون"،
هيئية أخرى تلامحت في قصيدة "لك.. كما أنت ": "يا أيها الناري في الأشجار والمطري في الأمصار" صور صهرت تناقضها الذي أضاء ما بعده أي، أضاء الحلم الذي يتسلق لحظة الخطف، ولا يظهر إلا في الصورة المخفية الناتجة عن الزمانين (زمن التناقض / زمن الحلم)حيث تتماوج ما بين الصورتين انا الشاعر بحواسها الكاشفة والمتغيرة، والتي لا تستقر إلا في الزمن المخالف "بين ليلين"، وفي زمن الجنون أما في الصورة التضادية الثانية "يا أيها الناري في الأشجار والمطوي في الأمصار" فإن المخاطب او الموضوعي الآخر يظهر كحالة مشتقة من الأنا، تشمل أبعادها الخصيبة الظاهرة (النار/الأشجار المتجذرة في الطين /المطر)، أي أبعاد الوجود وعناصره الأساسية الأربعة حيث الحركة الزمنية التقابلية (زمن النار / زمن المطر) والحركية الزمنية التراكمية، زمن التشظي للزمنين السابقين (زمن النار/زمن المطر) والمتراكبة في الأبعاد الخصيبة الخفية (أبعاد الانصهار)، هذه الأبعاد الملقاة على لحظتي التجسد ويمثلهما دالي المكانية اللاحقة "في الأشجار / في الأمصار". أما الزمكانية المتحولة والتي تشكل أحيانا اتحاد الوطن والمرأة، كرمز أو كفضاء للمتحول من هذه الزمكانية فإنها تخترع أصواتها لتنثر نبرات الذوات المحتشدة في الصورة، ثم تلملمها بصوت الشاعر:
"يتها العامرية
يا ماء حواء
رأيتنا في الهجوع ورأيتنا في بكاء الزمن
يا نهار تنام الظهيرة تحت قناديله
ويسيل المكان"
غالية خوجة (شاعرة من سوريا)