خوسيه أنطونيو غونزاليس ماريرو
تخضعُ، لا شك، ترجمة النصوص العلمية العربيّة في العصور الوسطى إلى مراجعة مستمرة؛ فالاتصال الذي بدأ في العصور الوسطى بين اللاتينية والعربية لم ينشأ، في هذا النَّوع من النصوص، من عنصر الظرفية البحتة، ولكنه اُشتُقَّ من الوضع السائد بإسبانيا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، والذي كان مناسبا حينها. إنَّها لحظة مثاليَّةٌ في التاريخ لدراسة النصوص العلمية، حيث بدأت مدرسة توليدو (طليطلة) المختصَّة بتكوين المترجمين في الظهور، التي سيكون من شأنها أن تركز على كلِّ تقدم أوروبي ممكنٍ في مجال الفلسفة والعلوم والتكنولوجيا. إنها مكان مهمّ لتعايش الثقافات، ولكنها أيضًا مكان لمرور المترجمين والنصوص العلميّة.
إنَّ تحليل الشفق هو مشكلة تمَّ شرحها بمصطلحات بصرية، وهذا هو السبب الذي جعل من تقاليد العصور الوسطى المتأخرة تنسب الأصل العربي لهذا الموضوع إلى ابن الهيثم (ت. 1039)، الوجه الأكثر بروزًا في تاريخ البصريات من العصور القديمة إلى القرن السابع عشر (فمن بين اكتشافات بن الهيثم قياس ارتفاع الغلاف الجوي على أساس بداية الشفق ونهايته). ومع ذلك، فهناك عدة أسباب تسمح لنا بتأكيد ما مفادهُ أنَّ النص العربي ورد من خلال بن معاذ الجياني (المتوفى 1093). يَشُقُّ كتاب “الشفق- Liber de crepusculis ” الذي ترجمه جيراردو دي كريمونا (1114-1187) إلى اللاتينيَّة هذه الفترة التاريخية دون الحاجة إلى مقارنته مع كتابات أخرى من هذا النوع، لأنه لم تكن توجد نسخ أخرى، مع العلم أنَّ لكتاب الغروب اللاتيني خمسة وعشرين نسخة مكتوبة بخط اليد من النص اللاتيني محفوظة بين القرن الثالث عشر والسابع عشر. يبدو لنا في الوقت الحاضر أنّ أسلوبه يستحقُّ أن يكون موضوع تحليل، لأن هناك خصائصَ في ترجمته تجعلنا نعتقد أن أسلوب عَمَلِه يقلِّل من الاستخدام المعجميّ للمفردات لهدف جعله قدر ما أمكن نصًّا سهلًا للجميع، ما يُمَكِّن من الفهم والتكيُّف مع الاستخدام العلمي اللاتيني الذي يفسِّر ظاهرة الشفق.
وسيستمِرُّ الأمر على هذا النَّحو إلى غاية عام 1542 عندما تظهر قيمته الحقيقية، فسينشر عالم الرياضيات البرتغالي بيدرو نونيس (1502-1578) كتابه “الشفق- Liber de crepusculis”، وهو كتاب مكتوب باللاتينية يذكر فيه أن التقنيات الرياضية القديمة للمؤلِّفين العرب ما تزال مستخدمة. لقد بحث نونيس كثيرًا، ولهذا السبب، فهو ينتقد كل ما يعتبره فكرة فضفاضة أو تأكيدًا مهزوزًا، ثمَّ يضيف، في نهاية عمله، النص الذي ترجمته كريمونا في القرن الثاني عشر. يقسم أطروحته إلى جزءين يقدِّمُ فيهما، من خلال شرح بعض النظريات أو الافتراضات، كل المعرفة الموجودة حول شفق الصباح والمساء. إن انتشار هذا العمل وتأثيره على الدوائر العلمية في جميع أنحاء أوروبا هو دليل على كونه يعتبر نقطة انطلاق في دراسة قياس مدَّة الشفق.