جورج ضرغام *
أتذكر:
يوما.. دفنتُ قطة جارتي المسنة
فقامتْ حبيبتي من قبرها، وأهدتني ذيل فستان الزفاف!
ويوما دفنتُ أبي..
سلاما يا أبي..
خيول بيضاء من دخان زاجل
تخرج من فمه.. لتأكل عصاه،
وتعلق حذاءه قلادة من صهيل صوفي على رقبة الأشجار!!
سلاما يا أبي..
حمامتان من نسل نوتة موسيقية،
تجران التابوت عربة نبوءة
تاج من إكليل شوك المسيح [على الرأس]،
تاج من عنب أمي،
وتاج من غبار..!
[ ألا تعلموا أن غبار الموتى
يشفي من الأمراض النفسية]؟!
– أبي.. ماذا قلتَ للمسيح حين رأيته؟
– تشبه ابني..
حين تقاعد عن الشعر!
– ومتى يفتح الموتى شباكهم،
ويقفزون وحيا، أو مطرا ملونا؟!
– حين تُغلق
رائحة الذكريات والقهوة
الباب على أصابع
دمعة جائعة.
– أبي.. كيف أرسل للأرواح نقودا
كي تشتري قطع حلوى ؟
– ضعها في جيب
قطة شاردة،
وهي تعرف كيف تتصرف!!
انظر للسماء:
الطائرات أحذية الموتى..
والمطر عرق أبي!
أتذكر:
رحل أبي في منتصف الليل دون استئذان..
دون أن يلبس عباءة النبوة..
دون أن يضع كرسيه المتحرك على عرش مملكة الطيبين..
دون أن يكمل بقية الحكاية..
[حين كنتُ أستمع إلى حكاياته،
كنتُ أجلس تحت قدميه،
كي أرى ساقيه المشلولتين..
أعمدة معبد!]
رأيتُ أبي صاعدًا كالبرق،
مبتسما يجمع في جيبه
نصف نجوم السماء
ذهب أبي مبكرا ليفحص خرائط الفردوس،
ولم يعد.. ليرد ما في الحقيبة
من ذكريات:
نسي زجاجة دوائه،
عسلاً للذباب
نسي الألم، نقودًا قديمة
في جيب الطبيب
نسي سريره، مرتبًا لبيض الحمام
نسي فنجان قهوته، بئرًا فارغًا
لحكاية أخرى ليوسف،
والذئب المحنط صديق العائلة!
وتذكر موعدًا مع الله عند المطر!
لا أعلم لماذا أراد أبي مقابلة الله
بثياب المشفى الخضراء؟
هل جثث الطيبين ستنبت شجرة؟!
هل السحاب قطن إلهي
يضمد النزيف إلى الأبد؟!
…سوف يجيب الله
عن الأسئلة الصعبة
التي خبأها الفلاسفة
في جيوبنا!!