منذ قرابة العامين والكاتب السعودي أحمد أبودهمان يستقطب الأضواء في الاعلام الفرنسي, فروايته التي صاغها بالفرنسية وصدرت عن دار ؛جاليمار« في مطلع هذا الصيف, لا تزال تعتبر حدث الموسم الأدبي وتثير تعليقات النقاد وإعجابهم دون تحفظ. وقد نفدت نسخ الطبعة الأولى بسرعة حدت بالناشر الى اعادة طبع الرواية أكثر من مرة خلال فترة قصيرة.
السر? ما من سر!.. كل ما في الأمر أن هذا المراسل الصحفي السعودي المقيم في باريس عرف كيف ينفذ إلى قلوب القراء الفرنسيين قافزا فوق ركام الأحكام المسبقة والصورة القاتمة التي طالما روجت لها بعض وسائل الاعلام الغربية وحفرتها في الأذهان!
نص سلس, بلغة شاعرية ومفردات بسيطة, سيرة شبه ذاتية تنطلق على لسان طفل سعودي من أسرة جبلية فقيرة, يعشق أرضه ويمتلك كنزا من المحبة للناس وللطبيعة في قريته التي تتداخل فيها الأرض بالسماء, حتى أن »المطر يصعد« عوضا عن الهبوط.
يتلقى القارئ هذه الرواية بسعادة تذكرنا بتلك التي كانت تتسلل إلى أفئدتنا ونحن نقرأ روايات المصري محمد البساطي: اندماج حلولي بالطبيعة, وفيض غامر من المحبة والغبطة ينتقلان كالعدوى من سطور كاتب أتقن مهنة الجمال والسعادة إلى قارئ يبحث عما يمنحه بعض الفرح, وثمة في هذه الرواية خيط أسطوري شفاف يقود خطى الفتى الراوي على مسافة ضيقة من الواقع تصل حد التداخل (مثل حكاية حقول قريته مع السماء), حتى ان القارئ يتساءل لوهلة, عما اذا كان أمام عمل لأول جابرييل جارسيا ماركيز عربي!
في المحصلة, لابد لنا من أن نحيي أحمد ابودهمان لـ»ارتكابه« هذه الرواية الصيفية الخفيفة والمضيئة المنسوجة من واقعية شجاعة وأسطورية محببة تخالطهما نبرة فولكلور ضرورية »للوفاء بالغرض«.
) ترجمة لصفحة من الرواية:
»بعد رحيل كل الكبار إلى العاصمة, أصبحت بمثابة الأب لجميع الباقين. يقول المثل إن ؛الأب المفلس بندقية بلا ذخيرة«, وهذه الملاحظة تزداد تحققا في المدينة, صحيح أن رحيل الكبار حملنا مسؤوليات جسيمة, لكننا بقينا في أعين الجيران أطفالا, لذلك قررنا أن نتمنطق خناجرنا كلما خرجنا من المدرسة, لقد كتبنا اسم القرية على جدران بيتنا, ولكي نؤكد للجيران استقلال إرادتنا, كففنا عن الذهاب الى المسجد برفقة الجيران. مفضلين أداء الصلاة لوحدنا, مع بعضنا البعض الى أن جاء يوم عاد فيه أحدنا الى المنزل مجردا من خنجره وحزامه, وكان معنى ذلك موت هيبته وهيبتنا كلنا. راح صاحبنا يبكي ويصرخ ويخدش وجهه, وكنا نحن نشاركه الشعور بالمذلة.
كان أحد رجال الحي قد فاجأه وهو يتحدث إلى ابنته الوحيدة التي كانت تحمل اسما مماثلا لاسم المدينة وكان الرجل قد سمى داره »مصر« لأن مصر »أم الدنيا« هذا الرجل لم يكن يخشى أحدا سوى زوجته التي كانت, أصلا, تخيف كل نساء الحي لأنها تعرف بكل أسرارهن: ذهبنا لملاقاتها (من أجل حل المشكلة). أنا وصديق لي يتميز بوسامة ملحوظة. لم تصدر عن الزوج أية ردود فعل على زيارتنا, بل اكتفى بتجاهل وجودنا. عندئذ, أدركت أن هذا الرجل كان »امرأة زوجته«! مثل هذه المشاكل يحلها عادة شيوخ القبيلة, لكن هذه المرأة تملك على ما يبدو جميع المؤهلات اللازمة لحلها على أفضل وجه. بداية, اشترطنا إعادة الحزام والخنجر الى صديقنا.
وبعد أن اعتذرت المرأة عن الإهانة التي ألحقها بنا زوجها, أصرت علينا بأن نأتي لاسترداد الخنجر والحزام بعد أن نتناول طعام العشاء على مائدتها, ولم يبح الزوج بأي تعليق على هذه الدعوة.
بعد أن جلسنا الى مائدة العشاء, قال صديقي لربة المنزل وهو يلتهمها بنظراته:
– سيدتي, إننا لن نذوق طعامك إلا بعد أن يرد إلينا الخنجر والحزام. وبالفعل, أتت بهما ووضعتهما بين يدي الصديق. بعد أن حدثت به بنظرة لا تتقنها سوى نساء المدن. غادرنا الزوج بعد أن طلب إلى زوجته أن تهتم بالأطفال (وكان يقصدنا نحن بهذه العبارة). لم تبد على وجه الزوجة أية دهشة, بدليل انها أسرت لنا بعد قليل انه اعتاد انتهاز فرصة وجود مدعويين على مائدتها للخروج من البيت«…
ترجمة: فايز ملص ناقد من سوريا يقيم في باريس