فتحي عبدالله *
(1)
في زيارة (ألن جينيسبيرج) الأولى لمن تبقّوا من الطوفان
حملها بين ذراعيه
وبقهقهاته العالية سخر من أطرافها القصيرة
ووضعها على الطاولة بجوار (أوراق العشب)
وكشف عن صدرها المليء بالحشائش
لا تذكري أنّني زبدةٌ بيضاء
فأنا أعرف أنّ لك سجادةً على باب المنزل
وتكرهين الخيولَ في المنمنمات
وربما صرفوا لك الثمارَ ناقصةً دون فتحات
وأعوذ من مؤخرتي بالأغصان المقطوعة
فقد جاءت مع العاصفة
وأذهب إلى جدارٍ يبكي العابرون عليه
يا لهُ من ألمٍ يصيبهم جميعًا في لحظةٍ واحدة
وهم يرفعون قبّعاتهم السوداء لي
رغم أنّني أحبُّ الأكتاف العريضة
وأتبعها حتى في الكنائس
ولا تخرجُ أنفاسي إلا وسُرّتي على الفراش
وأغنّي لها في صراخٍ لا يسمعُه أحد
فلا تكتفي بالحرير الذي يغطي صاحبَ العشب المبلول
فاسمعي الدفوفَ التي تأتي من الصحراء
فقد ترك الملاكُ ملابسه على المقهى
ونزل وحده في المياه.
(2)
ساعي البريد لم يترك لها رسالةً في المقهى
ولا حمَل معطفها الذي يبلّله المطر
لكنه انتبه إلى صدر (جينسيبيرج)
وتمنى أن يقطف زهورَه القانية
دون أن يأتيَ إلى زيارتها في الليل
وإن رأى عنقود عنبٍ على بابها
لا ينصرفُ إلى المنازل الأخرى
فقد جاءها الملاك الذي
يكشف سُرّتَه في حجرة الطعام
ولا تردُّ له يدًا بعد أن وضعها على المائدة
وذهب مع أشباحه إلى قفص الطيور
فقد عرفوا أنّ ريشَه أحمر
وأنّ بطنه حمراء
وأنّ ظهره الذي يزوره الفتيان، لا أثرَ عليه
فمَن يملأ كفوفها بالحنّاء
ويصرخ على الطيور التي تأتي إلى النافذة
دون أن يحرق الحشائش التي
وضعها (جينيسبيرج) على سريره؟
وقد تقبض على المملوك الذي يلفُّه الحرير
في عربة قطارٍ قديمة
دون أن تترك المخطوطاتِ للقطط
أو تهملَ سروالها الفضفاض
وقد تهبط في رقصةٍ من القرون الأولى
دون أن تضع شالها الأبيضَ على النافذة.
(3)
لم يأخذ يدها إلى صدره
واكتفى بقطف الأزهار التي تأتي من النافذة
ربما ذهبت روحُه إلى الذين احترقوا
على أطراف الحقول ولم يجِد لهم أثرًا
فقد ماتوا من الهلاوس التي صاحبتهم
أثناء الهروب
بينما (إيمي)على حالها
تقرأ (أوراق العشب) وتهمس في أذنه
لم يكمل أبي زيارةَ المتحف
ووضعني بين أوراق البردي
مع الصقور واللفائف النفّاذة
وأوصى أن يأكل الطير من رأسي
وأن أخوض إلى سُرتي في المياه
ولا أرى حبيبي إلا بفانوسه
الذي ورثه عن أبيه
وهو يجري في الصحراء والنيرانُ
تأتي على بيته
ولا يسمع صافراتِ الحدود
أو الذين يصطادون الوعول
فقد هجر المنجمون بِبوصلاتهم
السفينةَ التي قبضوا على قبطانها
إذ إنّه بقبّعة القماش هذه والدلّايات الكثيرة
قد أوصل نفسه إلى الرايات السوداء
أو الحشائش التي على مؤخرة (جينيسبيرج)
دون أن ينظر إلى صندوق (إيمي)
والعاصفة التي تاخذه إلى حيواناتٍ أليفة
تشمّ عطرَها في الليل.
(4)
لم يجدها في الحانة يومَ الأحد
فخلع نظارته وأخذ يضحكُ مع النادل
ربما تسافرُ إلى الإسكندرية غدًا
وصلتها رسالةٌ من (كفافي)
يشكو من الشموع التي تؤلمُ أصابعَه
أو من الفتى الذي أخذه إلى عربة قطارٍ قديمة
وجرحه في ظهره
وينتظر الممرّض الأخرس
ليضعَ له زهرة عباد الشمس
أو يحضنَه في السرير العالي
فلم تملك دموعها في تلك اللحظة.
إنه يحب الخواتمَ الصغيرة
ويترك سريره لزائرٍ جديد أتى مع القوارب
ويضحك من صوت المؤذن
فأيُّ الفتيان يتبعُه الآن من حجرةٍ إلى أخرى
ويذكر له أنّ أشجار الكرز أنثى وتحبُّ الثلوج
وأن تمثالَه الأبيضَ حولَه قمحٌ هنا وقمحٌ هناك
حتى يصرخ الفتى ويخرج من بابٍ إلى باب
لا شيء إلا صورته على الحائط
وموسيقى ناعمةٌ تتردّد بين الدولاب والأدراج
فيخلعُ حذاءه ويهبط
تحفُّه الفراشات من كلّ جانب
الساحر وضعني في صندوقه
وقرأ على جسدي تعويذةً أحفظها منذ الصغر
وضربني على رأسي
أيها الفتى
المطرقةُ بين يديك
أنا أحبّكَ في الصباح والمساء.