جورج ضرغام
يدي آثمة..!
حين قطفتُ فراشة من الهواء المعبأ برائحة القتلى
لأقبلها، ثم أعلقها وشما يحيا على صدرك، كمساحة
خضراء صالحة لزراعة القصائد
تحول المشهد في الخارج إلى أبيض وأسود..
يدي آثمة.. صادرتْ الألوان، وأبقتْ خرافة أصابعي!
أخرج الآن شاحبًا كتجاعيد الحلم آخر الليل
أفتح التابوت الغارق في نحيب البحر،
وألقي شفاهي وردة ذابلة!
أفسِّر أرقي المفاجئ، وكوابيس المرايا:
شاختْ المرأة حين أصيب الشعراء بالإحباط!!
– أنت شاعر؟
– كلا أيّها العجوز الخرف.. أنا جثّة تحلم بأن تصير كمنجة.
– أنت كمنجة؟!
– كلا أيها العجوز الخرف.. أنا سحابةٌ تحلم بأن تصير
بائعة حليب!
الطائرة التي رسمتها على الحائط
لأجيئكِ باكرًا
رحلتْ من دوني..
إلى اللقاء أيتها القبلات الإسمنتية.
موتى يفرون من شرخ في دمعة قديمة،
ليزرعوا عورة البحر مراكب من عظام النسيان..
وموتى تركوا أجنحتهم الورقيّة في جيبي
لأشتري امرأة لوردتي
من بائعي الذباب!
أصل الوردة كف عاشق ميت!
[قبل أن تصبح كوابيس الأصابع
أعواد كبريت تنزع فساتين الفراشة]
أكتب..
أنّي مجرد لص كوابيس،
كان يسرق الكحل من عين حمامة الأشواق!
أو قديس
يجمع اعترافات الموتى
حين يقومون من القبر باكرًا
بثياب العيد!
وكنتُ أعمى، وأخرس، وميتًا.. وتسكنني أرواح
شجرة مذعورة.. عائدة من الحرب حافية بخفي غراب،
وسيرة حفيدها الأولى:
كرسي المقهى المفلوج!
خذ عيني، وارجمني بها
ينفجر ريش الذكريات:
تسقط تفاحةٌ من وشم الخطيئة
تسقط جثةٌ من رائحة ترنيمة مسمومة
تسقط جريمةٌ باكية من شهوة سكين
تسقط قبلةٌ ميتة من شفاه الغبار
تسقط ابتسامةٌ عرجاء
من أسنان متحف الكراهية
تسقط تجاعيد اللغة
على نافذةٍ متشاعرة
تسكب صراخها على رؤوس العدم
تسقط عيون الشيب
سرابًا عابسًا
وتسقط بكارة وردة المجاز!!
أكره الصور..
آلةُ التصوير حمقاء!
لم تقدم شيئًا في الألبوم غير أصنامٍ تضحك
ثم تبكي عندما تدخلُ شفاهٌ
إلى عزلتها بين البراويز،
وتنتحرُ كالورد المهزوم..
تماثيلٌ للروح هشةٌ،
مغطاةٌ بوشاح من رمادِ قُبلةٍ مكسورة
حين يمسها حنين الأصابع، ومناقيرُ طيورِ الرحمة
تتفتت كدقيقِ الذكريات..
أيقوناتٌ مهجورة خَبَأت موتانا خلفَ زجاجِ العتمة،
واستسلمتْ لذباب الحائط [مخالب الفراغ الأسود]
أو ذكريات ملونة بتفجيرِ فراشةٍ في المخيلة..
أكرهُ الصورَ بالأبيضِ والأسود،
وأريد عينَ حبيبتي خضراء كثيابِ الحديقة.
ألقتْ رأسها في النسيان فانفجر!
ودون مبالاة منها لبستْ في رقبتها الحافية
حذاء بكعب عالٍ،
ورقصتْ على ضحايا الذاكرة
رقصتْ حتى تلاشى خصرها
سألتها: هل أنت شاعرة؟
فابتسمتْ وقالت:
لا.. أنا شجرة بالمقلوب!!
الشجرةُ سيدةٌ لا تمل الانتظار!
الشجرة “دولابُ الحكايات العابرة”:
[علِّق ملابسك.. مناديلك.. ظلك الذي سند سره، ونام ليحلم
بأن يكون معطفًا لحبيبة تكره الحرب والمطر الذي يذكرها
بالرصاص!.. قصائدك التي لا تعجبها.. شفاتك التي أصابها
الجفاف من ندرةِ القبلات “كفراشة يتيمة على غصن”..
علِّق أسماء من تحب، وأسماء من هجروا العصافير بلا أسماء
فصارت طائراتٍ حربية تقذفُ هيامَ العابرين.. علِّق عين حبيبةٍ قديمة كفاكهةٍ لا تذبل، كهدايا الكريسماس.. وعلِّق ضحكات أطفال الشوارع].
الشجرةُ رايةٌ لانتصار العصافير،
الشجرةُ مظلةٌ قديمةٌ للروح،
نبتتْ من تزاوجِ دمعة عابر،
وقرطٍ سقطَ من أذن سيدةٍ مجهولة
الشجرة قبلة ذيلها طويل
الشجرةَ ورقٌ حائر على زفير أغنية مكسورة
الشجرة حارسة الرصيف من ظل الحزن المالح
الشجرة ريشة خضراء لشاعر نتف لذة الريح .. ونساها
الشجرة وشم هادئ على كفي الطريق
الشجرة جداريةُ الحبِ الأخضر،
وبقيةٌ من ساق امرأة غامضة
مرتْ على رصيفِ المُخيّلة.