إذا كان "لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ يرسم الخطوط الكبرى لسيرة محمود درويش، ويعيد التأمل في ملامح خطابه الشعري، ويتساءل عن ماهية ذلك الخطاب، ويحدد بعض مكوناته، وطبيعة تحولاته فإن ( سرير الغريبة) الصادر عام 1999، يعود الى الذاتي في ذلك الخطاب ليرسم أفاقه وشخوصه، وإشكالاته، بعيدا عن الاشتباك المألوف في شعر درويش بين الذاتي والجمعي، بكل ما ينطوي عليه هذا الاشقباك من رموز ودلالات وآفاق.
إن قراءة (سرير الغريبة) طي مستوي التكوين والبنية تتطلب أن نسير في اتجاه ين يفضيان الى تحديد ماهية المنظور في خطاب درويش الشعري،في الاتجاه الأول سيجري تتبع الخيوط والمنحنيات التي أوصلت درويش الى هذا المسار، من خلال تحليل بعض جوانب خطابه الشعري ذات العلاقة بمنحى الديران الأخير، أما الاتجاه الثاني فتتم قراءة (سرير الغريبة) من زاوية اتصاله بذلك المسار، وانفصاله عنه وتجاوزه له على صعيدي التشكيل والدلالة.
يلفت الانتباه في هذه المجموعة الجديدة عنوانها، فهذا العنوان يتشكل في فضاء مغاير تماما لعنوان المجموعة السابقة (لماذا تركت الحصان وحيدا؟) فإذا كان الحصان، وهو بؤرة العنوان، يتشكل في سياق جملة استفهامية يوجهها الطفل الى والده، ليعبر السؤال عن تاريخ شخصي وجمعي يعكس القلق والخوف في لحظة من لحظات الانهيار فر التاريخ العربي الحديث، فإن السرير، الذي ينضاف الى الغريبة، يعبر فر سياق الجملة الاسمية التي تقوم على إسناد افتراضي غامض عن دلالات جمالية، تتولد من معطيات تغاير تماما ما يثيره حضور الحصان في ذلك السياق.
ولكن إدراك ما ينطوي. عليه (السرير) من دلالا ت وتجليات، يتطلب تتب اللفظة في مستوياتها المختلفة في شعر درويش، فقد اعتاد خطاب درويش الشعري. أن يقوم بتنمية نصية للكلمة أو الصورة أو الرمز،وينتقل بها من خلال تلك التنمية من مستوى الى أخر. فإذا كانت الصورة ترتبط في بداياته الشعرية بغنائية بسيطة عذبة، وبدلالات واضحة، فإن تشكيلها في المراحل اللاحقة، يفارق أبعاد العلاقة المنطقية فر وضوحها، لتخل دائرة أخرى تخرج على البساطة، وتسعي لتشكيل القصيدة. بما تحتوي عليه من صور وإيقاع ورموز وعلاقات ضمن منظور فني متنام، ينشد إلى الإطار الكلي للنص، ويسهم في إكسابه مزيدا من الكثافة والفنى والعمق.
يمكن تحديد استخدام درويش للفظة (السرير) في خطابه الشعري بتقسيم ذلك الاستخدام الى مراحل ثلاث تبدأ من التعميم وتمر بالتحديد وتنتهي بالترميز.
في المرحلة الأولى كانت اللفظة تتولد في سياق واضح الأبعاد ودلالات، ثم صارت، في المرحلة الثانية، تأتي في خضم مبنى شعري تتلاحم فيه عناصر متعددة تقوم على التوافق تارة، وعلى الصراع تارة أخرى، لتجيء أخيرا في إطار رامز يتأسس على بنية شعرية ذات توتر وجداني عال، وأبعاد جمالية خالصة.
يعود استخدام لفظة (السرير) في شعر درويش إلى بداياته المبكرة، فقد وردت في. (أوراق الزيتون) و(عاشق من فلسطين) و(حبيبتي تنهض من نومها) وهي مجموعات صدرت، بين عامي 1966 و 1970 أي قبل خروج درويش من فلسطين المحتلة عام 1971م.
ان تحليل تلك اللفظة يبين أنها كانت تجيء ضمن دلالاتها العامة، ويتم التعبير عندما ضمن سياقات مباشرة، فهو يقول فر قصيدة بعنوان (سونا):
أحكي لكم عن مومس… كانت تتاجر في بلادي
بالفتية المتسولين على النساء
أزهارها الصفراء، نهداها مشاع
وسريرها العشرون، مهترئ الغطاء.(ا)
من الواضح أن كلمة (السرير) تجيء متسقة مع لحظة الابتذال العامة التي تتصف المومس بها، فإذا كانت أزهارها صفراء، ونهداها مشاعا، فينبغي أن يكون سريرها مهترئ الغطاء، وأن يحمل الرقم عشرين، لأنها كانت تكثر من تغييره، كاشفا بذلك عن ملامح تلك المومس الحسية والنفسية، ومبينا، رغم تعاطفه الخفي مع مأساة تلك المومس، كيف بدا السرير في خطابه الشعري عاما، فاقدا للخصوصية والملامح، لينتهي في ( سرير الغريبة) نقطة انطلاق نحو تشكيل المنظور الشعري الخاص، لهذا لم يكن مستغربا أن يجيء الاستخدام التالي للفظة نفسها، متصلا بالجو الشعري السابق كما في قصيدته (رباعيات):
لا أحد أين أنام
لا سرير أرتمي في صفتيه
مومس مرت وقالت دون أن تلقي السلام:
سيدي! إن شعت عشرين جنيه (2)
إن ثمة تقابلا خفيا بين القصيدتين، ولكن هذا التقابل يشف عن مأساوية المناخ، ويبين عمق الاغتراب الزي كان درويش يعيشه، فإذا كانت المومس قادرة على أن تجد السرير، ويسمح لها دخلها بتبديله عشرين مرة، فإن على المخاطب في القصيدة، وهو الشاعر في الأغلب، أن يدفع عشرين جنيها مقابل أن ينام مرة واحدة:
ولا شك أن عناصر النفي التي بدأ بها درويش مقطعه الشعري، وغياب التحية، ووجوب الدفع، كانت تدفع به إلى اليأس، والاغتراب، وإن كان هذا الاغتراب لا يأخذ أبعادا ميتافيزيقية بقدر ما يسعى لاقتناص الخلل في الحياة، وما تنطوي عليه من أزمة، لهذا تصنع (الرباعيات) في مجموعها جوا أليفا يتوق الشاعر اليه، ويجهد في الوصول إلى أعماقه.
أما فر قصيدة (نشيد) فيبدأ السرير يخل حيز الخاص ويفارق إطاره العادي، المرتبط بالأبعاد العامة حيث يقول محمود درويش:
لأجمل ضفة أمشي
فإما يهترئ نعلي
أضع رمشي
ولا أقف
ولا أهفو إلى نوم وأر تحف
لأن سرير من ناموا
بمنتصف الطريق
كخشبة النعش (3)
إذا كانت لفظة السرير في النصفين السابقين متصلة بمتطلبات الجسد، فإن السرير يتشكل منا نقيضا لتلك المتطلبات، ويغدو متصلا بمسائل عامة، ذات طابع وطني، ومن الواضح أن حضور لا النافية هنا مناقض لحضورها في السياق السابق. فعبارة (لا أهفو إلى النوم) تناقض (لم أجد أين أنام) لأنها تخرج من عالم الحس إلى عالم الرؤية، وتشير الى أن ثمة تغيرا قد طرأ على نوعية العلاقة بين السرير والجسد، فإذا كان السرير مرتبطا بالنوم، ولفظة النوم في شعر درويش تجيء هي الأخرى، ضمن تحولات متعددة، فإن هذا النوم لم يعد مطلبا، لأنه يقود إلى الموت. لذا يوحد درويش بين السرير وبين النعش وتجيء عبارة (من وقفوا بمنتصف الطريق)، دالة على نوعية من البشر مرتبطة بنوعية محددة من الاسرة، فهؤلاء هم المترددون، الذين خذلتهم قدرتهم علي المشي والحركة. من هنا يصبح المشي وليس النوم، رمزا للحيوية، ووسيلة للوصول الى الوطن.
بدأ درويش، بعد خروجه من فلسطلين بتحرير لفظة السرير من أفاقها السابقة، لتبدأ اللفظة بالتشكل على نحو يصنع سياقات جديدة، لقد بدأ درويش يستخدم اللفظة ضمن بنية مراوغة رامزة فر إطارها العام، تثير أكثر المراجع التي كانت تشغله يومها، ومي جدلية الحضور والغياب، ففي قصيدته (خطوات في الليل) يقول درويش: ظلك الأزرق من يسحبه
من سريري كل ليلة
الخطي تاتي وعيناك بلاد
وذراعاك حصار حول جسمي
والخطي تأتي
لماذا يهرب الظل الذي يرسمني
يا شهرزاد؟( 4)
يتحدث درويش في القصيدة عن واحد من الهواجس التي أرقته، وهو هاجس الخروج من الوطن، فيبدو السرير أسطوريا، قادرا على احتواء الظل الأزرق، وهو ظل البحر المتوسط، وما يحمله هذا الظل من ذكريات وأبعاد.
إن مجيء الظل، الذي ينوب عن الأصل ولكنه لا يغني عنه، مرتبط بلحظة حية، ويجيء تلاشي الحلم من ثم تعبيرا عن لحظة حزن عميق يعبر عنه الديوان (أحبك أو لا أحبك)، الذي يثير اشكالية الحضور والغياب من زوايا متعددة، وهي إشكالية ستتكرر في (محاولة رقم 7) لأن الفاصل الزمني بين صدور الديوانين لا يزيد على سنة، يقول درويش في قصيدة (النزول من الكرمل).
تركت ورائي ملامحها واسمها كان يمشي أمامي
يسمي ملامحها وانفجاوي، تركت سرير الولادة
تركت ضريحا معدا لأي كلام
تركت التي أوجعتها ذراعي، تركت التي أوجعتني يداها
تفتش عن عاشق بعد خمس دقائق من هجرتي( 5)
يلفت الانتباه تكرار الفعل ترك مضافا الى ضمير المتكلم، خمس مرات، وهو فعل يشير الى الانفصال من جهة، ولكنه يؤكد عمق الصلة الوجدانية من خلال تراكم الفعل الذي يرسم عالم الولادة، ومسقط الرأس وما فيهما من أحزان وذكريات. كما يلفت النظر اختلاف الاسلوب بين القصيدتين، ففي النص السابق يمزج درويش بين المتكلم والمخاطبة، في حين يميل الى تقليب ضمير المتكلم المغرد في النص الثاني، لتظهر المحبوبة أو لتتجلى من خلال تنامي الحديث عنها، وليكون حديث درويش عنها يأخذ شكل الوجد الصوفي الذي يسعى للوصول الى محبوبة، يتعذر الوصول اليها لأنها في الأسر. أما السرير فغير قابل للنسيان، فهو ذو خصوصية واضحة تماما، فهو مرتبط بلحظة الولادة، ليكون هذا الارتباط مؤشرا على مرحلة كاملة، ويتبلور الحديث عنها من خلال مزيج معقد يجمع بين الشعور بالذنب وفرحة الخروج من الأسر.
أما في ( أعراس) فيعود درويش وهو يرسم أبعاد السرير إلى شخصية من أكثر الشخصيات أهمية في شعره وهي شخصية ريتا وان كان الحديث عن طبيعة هذه الشخصية، وإشكالاتها في خطاب درويش الشعري يحتاج الى تتبع دقيق، وتحليل نصي، لأن درويش ظل يسعى كي تخرج (ريتا) من اشتباكها بالرمز، وما يحمله من ا دلالات متباينة، الى إطار المرأة – الأنثى.
وإذا كانت (الحقيقة النائمة) المنشورة في (أعراس) تعد بداية تحرير شخصية ريتا من سطوة الرمز وتداخلاته، فإن هذه الشخصية ستظل قابلة للتطور في خطاب درويش الشعري، عبر مستويات شعرية متعددة، تتصاعد فيها النغمة الايروسية، وتصل الأبعاد الجمالية الى ذررتها كما فر (شتا، ريتا) في ديوان (أحد عشر كوكبا)، ومن المعروف أن درويش افتتح الحديث عن ريتا في قصيدته (ريتا والبندقية)(6)، في (أخر الليل) الصادر عام 1917، وأعاد الحديث عنها من المنظور الشعري نفسه في (ريتا أحبيني)(7) في (العصافير تموت في الجليل) الصادر عام 1969.
يتشكل السرير في قصيدة (الحديقة النائمة) رمزا للذة، وكن هذه اللذة مؤقتة ومشوبة بالكثير من العوامل التي تسعي لتكديرها، لأن العلاقة بين المرأة والرجل في إطار تلك العلاقة ليست فردية، بل هي مشتبكة بالصراع وتجلياته، وما ينطوي عليه هذا الصراع من مواقف ورؤى، لهذا كان من الطبيعي أن يتم التعبير عن تلك العلاقة من خلال إيقاع شعري حزين، وإن ظل هذا الايقاع يحتفي بالجسد ويقدمه من خلال مشاهد بصرية، يسيطر عليها منظور حسي، يتلاشى تدريجيا لصاه البعد الرمزي في القصيدة الذي يكاد يجعل من ريتا أميرة أسطورية نائمة تحتاج الى من يبعد الشر عنها، ويوقظها برفق وحب:
سوقت يدي حين عافقها النوم
غطيت أحلامها
نظرت إلى عسل يختفي خلفه جفنين…
انحنيت على نبضها المتواصل
شاهدت قمما على مرمر ونعاس
بكت قطرة من دمي
فارتجفت
الحديقة نائمة في سريري(8)
وإذا كان درويش قد أنهى (الحديقة النائمة) بسؤال مرجأ، فإن هذا السؤال سيحمل بين طياته عنوان القصيدة الشعرية التي أرجأ السؤال عنها ثلاثة عشر عاما، وإن كانت قد تحققت بعد ذلك بسنتين في (شتاء ريتا)، في (أحد عشر كوكبا).
يقول درويش في خاتمة (الحديقة النائمة):
سأسأل بعد ثلاثة عشر شتاء
سأسأل:
أما زلت نائمة (9)
أم صحوت من النوم ؟…
يفتتح درويش (شتاء ريتا)، بمقطع شعري يغاير من حيث الأسلوب مفتت (الحديقة النائمة)، فإذا كانت (الحديقة النائمة لم تفتت المشهد على لحظة النوم، وترسم ريتا بوصفها رمزا للبراءة والجمال، فإن (شتاء ريتا) تفت المشهد على حضور ريتا الحي، وجسدها اليقظ
ريتا ترتب ليل غرفتنا: قليل
هذا النبيذ
وهذه الأزهار أكبر من سريري
فافتح لها الشباك كي يتعطر الليل الجميل ( 10)
ثمة تناقض بين صورتي السرير في القصيدتين السابقتين، وهو تناقض لا يقود الى التضاد، بقدر ما يقود الى الاختلاف.
فاذا كان السرير في (الحديقة النائمة) يستوعب مفاتن الحديقة وزهورها، ورياحينها ونباتاتها، فإن الزهور تغدو هنا أكبر منه، وهو مؤشر على تراجع الجسد، الذي ظل يحتل في (الحديقة النائمة) البعد الأمم، لتغدو مفاتنه حاضرة، ولكنها لا تقع في بؤرة الاهتمام، فإذا كانت ريتا تنام في السرير وتوصف بـ:
الحديقة نائمة فر سريري
فإنها مشغولة، هذه المرة، باعادة ترتيب عالم الشاعر وغرفته لهذا: (تنام ريتا في حديقة جسمها).
ومع ذلك فإن السرير لم ينفصل عن رموز درويش الكب ى، بل ظل يتداخل معها، ليأتي في تحولاته بعيدا عن النمطية.
لقد كان من اللافت للنظر الا يرد السرير في قصيدة درويش التسجيلية الطويلة (مديح الظل العالي) غير مرة واحدة، رغم حديث درويش المتكرر فيها عن النوم المتعذر في ابان تلك المواجهة (لهذا يكثر درويش من استخدام فعل الأمر: نم / نامي وهو فعل لا يمثل أكثر مز رجاء حزين ويبين استحالة النوم الذي وصل حد الأمنية). وإذا كان غياب السرير في تلك الأجواء مبررا، فإن درويش يعود اليه في إطار حواره المستمر مع الذات. وهي تنبثق في العاددة في لحظات المواجهة مع الأخر، وهي مواجهة حرص فيها درويش على أن يتخلص من الانساق الايديولوجية على مستوى الرمز والتعبير، يقول درويش: وطني حقيبة
في الليل أفرشها سريرا
وأنام فيها
أخدع الفتيات فيها
أدفن الأحباب فيها
أرتضيها لي مصيرا
وأموت فيها.( 11)
لقد عبر درويش عن العلاقة بالوطن في إطار جدلية البقاء أو الرحيل من خلال لحظات متعددة، تتميز بالاختلاف، ولكنها في مجموعها تنبئ. عن دينامية درويش. وقدرته على التحرر من ماضيه، دون إحساس بعقدة الذنب، مثلما تنبئ عن قدرته على النظرة الى ذلك الماضي بروح انتقادية، فإذا كان درويش يعلن في أواخر الستينات في (يوميات جرح فلسطيني):
أه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
انني العاشق والأرض حبيبة (12)
فإنه يصدر في قصيدته (تلك صورتها وهذا انتحار العاشق) الصادرة عام 1975 عن موقف مغاير للحظة الشعرية السابقة. مما يؤكد أن حساسية اللحظة الشعرية عند درويش مي التي تعيد تشكيل الواقع، وبلورة مسألتي الحضور والغياب أو الاقتراب أو الابتعاد عن الوطن، ضمن اطار فني يغاير الاشرطة التسجيلية او الوثائقية فر العلاقات مع المكان، ويدخل في إطار تشكيل المكان – الحلم:
جاء وقت الانفجار
وعلى السيف قمر
وطني ليس جدار
وأنا همت حجر( 13)
إذا كان درويش قد كرر عبارة (وطني حقيبة) في قصيدة (مديح الظل العالي) عدة مرات قاصدا بذلك نفي العبارة الشعرية القديمة ذائعة الميت (وطني ليس حقيبة) وهي تقابل عبارة: وطني ليس جدار، فإن بروز السرير في تلك اللحظة، يؤشر على رغبة الخطاب الشعري الدرويشي في تدمير مرجعياته واثبات قدرته على التحول من دلاله الى أخرى. ولا شك أن تحول الحقيبة الى صرير ذي قدرات سحرية متعددة، يؤشر على نوعية اغتراب أخر صار يعيشه درويش في سياق نوع أخر من المواجهة بين الذات والأخر.
لهذا يوظف درويش السرير في إطار ثنائية متشابهة في قصيدة (المساء الأخير على الأرض) فر ديوانه (أحد عشر كوكبا). تتولد تلك الثنائية من جدل العلاقة بين الذات والأخر في الموضوعة الأندلسية. ولكن ذلك التوظيف يؤكد غنى الرمز وتحولاته في خطاب درويش الشعري. فإذا كان النوم مستحيلا في (مديح الظل العالي) نظرا لطبيعة الصراع الدائر، فإنه في (المساء الأخير على الأرض) يجيء سهلا، طبيعيا لا يحتاج الى معجزة.
تقوم القصيدة كذلك على أفعال الأمر، ولكز أفعال الأمر تجيء هنا في إطار التمني، والرجاء المنكسر الذي يوجهه المهزوم للمنتصر، فالمنتصر يمتلك الواقع ويسعى إلى التحكم فيه، أما المهزومون، المترفون فيضعون انضمهم في خدمة المتنمر، ليصبحوا خارج التاريخ:
(فادخوا أيها الفاتحون مناولنا، واشربوا خمرنا
من موشحنا السهل، فالليل نحن إذا انتصف الليل، لا
فجر يحمله فارس قادم من نواحي الأذان الاخيرة
شاينا أخضر ساخن فاشوبوه، وفستقنا طازج فكلوه
والأسرة خضراء من خشب الأرز، فاستسلموا للنعاس
بعد هذا الحصار الطويل، وناموا على ريش احلامنا)(14)
يستخدم درويش السرير، للمرة الاولى بصيغة الجمع، ويصفها بأنها خضراء، وإذا كان الجمع يخرج المسألة من إطارها الفردي إلى.إطار الجماعة المستسلمة الخائفة، فإن الخضرة تعكس مستوى الرفاهية التي كانت تلك الجماعة تحياها، وهي رفاهية غافلة عن تحولات العصر، واختلال موازين القوى فيه، ولكن رؤية درويش للمسألة تكاد تنبثق من حواف الأسطورة، وتجيء في سياق مسالة ابحث عن الخلاص الإنساني، في ظل قوانين الصراع بين الغالب والمغلوب، صحيح أن هذا البحث محدد على المستوى التاريخي باللحظة الأندلسية، ولكن درويش يعيد إنتاج تلك اللحظة، لتعيش اللحظة التاريخية خارج تاريخها، وتشتبك بالحاضر وما يحتوي عليه من أبعاد. غير أن انطلاق درويش من أبعاد الصراع تلك، لا يعني خفوت الوجداني في صورة السرير، فهذه الابعاد تتداخل مع العام، ولكنها تجيء ذاتية كما في (اربعة عناوين شخصية) المنشورة في ديوانه (هي أغنية، هي أغنية) الصادر عام 1986م، ففي هذه القصائد يرتبط اسرير بلحظة المرض، ويكون اللقاء معه اضطراريا، محاطا بالرعاية الطبية، لهذا صار من الممكن أن يكون السرير نقطة انطلاق باتجاه مغادرة العالم الى العالم الأخر:
شعرت بمليون ناي يمرق صدري
تصببت ثلجا، وشاهدت قبري على واحتي
تبعثرت فوق السرير، تقيأت (15)
وقد يكون السرير تجسيدا للقاء عابر، ليفقد السرير ثانية خصوصيته، ولكنه يجسد لحظة من لحظات الالتفات الى الجسد، بعيدا عن هوية الجسد، لأن هذا الالتفات تجسيد للتمسك بالحياة، ونفي للحظة المرض:
(ولسنا سوى رقمين ينامان فوق السرير المشاع، المشاع يقولان ما قاله عابران عن الحب قبل قليل، ويأتي الوداع سريعا، سريعا)(16).
وفي هذا الإطار تأتي الكلمة في قصيدة (سنة أخرى فقط) وهي قصيدة يرثي درويش فيها أصدقاءه الشهداء على نحو يغاير شروط الرثاء التقليدية، فالشاعر مفتون بالحياة، حريص عليها، وهؤلاء الشهداء، عشاق الحياة والمدافعون عنها، يفسدون بموتهم المتكرر متعة الحياة ! لهذا يحرص درويش على أن يصور بطولتهم ضمن رؤية مغايرة، وهي بطولة مرتبطة بالضعف الإنساني، أكثر من ارتباطها بالقوة المبالغ فيها، لهذا يعلن درويش في قصيدة أخرى أنه سيتولى حراسة هؤلاء الشهداء (من هواة الرثاء) الذين يسندون قاماتهم الشعرية المتواضعة، عبر الكتابة عن موضوع نبيل:
أصدقائي، شهدائي الواقفين
فوق تختي….
اذهبوا عني قليلا
فلنا حق بأن نحتسي القهوة بالسكر لا بالدم (17)
من هنا يغدو السرير في خطاب درويش الشعري، تبيانا لقدرة الشاعر على تأسيس أنماط متحركة من الدلالة للفظة الواحدة، يتعذر تحليلها من حلان رؤية معجمية أو دلالية ثابتة، بل تغدو احتمالا يفسره السياق الشعري.
(2)
إذا كانت استخدامات السرير في شعر درويش تعود الى البدايات، وترسم تحولاتها طبيعة نصه الشعري، فإن لفظة الغريب، ومشتقاتها تتعافى مع السرير على مستوى الحضور، فهي تعود إلى البدايات، ولكنها تسير في منحنى مغاير، فلفظة الغريب تؤشر في نص درويش الشعري على وضع مأزوم فر لحظة زمنية معينة، وضمن علاقات إنسانية معقدة.
إن تحليل هذه اللفظة ينبئ أن استخدام درويش لما كان يجيء ضمن مسار يتحول من البساطة اللغوية والفكرية الى الغموض والعمق.
ومن التعميم الى تبلور المفهوم، وهي تأتي في كل الأحوال تعبيرا ومن التعميم الى قبور المفهوم، وهي تأتي في كل الأحوال تحبيرا عز إشكالية العلاقة بين الذات والأخر، وتجسد أزمة الذات في تحولاتها المأساوية (الذات الفردية أو الجماعية) وتبين فقدان اليقين في خطاب درويش الشعري بأحادية المعنى، والميل الى التعدد والغموض بكل ما ينطوي عليه من أفاق.
يمكن التمييز في شعر درويش بين مستويين من مستويات الاستخدام لهذه الكلمة، على المستوى الأول تجيء الكلمة مفردة، مذكرة أم مؤنثة، مثناة او مجموعة، أما على المستوى الثاني فتجيء ضمن صيغة تبرز فعاليتها ودلالاتها الرمزية او المجازية المتحولة، يحفل خطاب درويش الشعري باستخدامات شتى للفظة الغريب، ولعل أول استخدام لها يعود إلى (وعاد فر كفن) في ديوانه (أوراق الزيتون) الصادر عام 1964:
أما وأيتم شاردا
صمه فوا لا يحسن السفر
راح بلا زوادة، من يطعم الفتى
إن جاع في طريقه
من يرحم الغريب
كان استخدام هذه اللفظة واضحا، فهي تجيء مرادفة لطبيعةاستخدامها في الحياة اليومية، وكن هذا الاستخدام سيشهد تحولا واضحا في قصيدة (لا مفر) في ديوانه (أخر الليل) الصادر عام 1967و حيث تبدأ الكلمة تتخلص من أفاقها اليومية، وظلالاتها الشعبية، لتدخل حيز المفهوم، وليكون لما نسيجها الدلالي الفلسفي:
وطني! عيونك أم غيوم ذوبت
أوتار قلبي في جراح إله
هل تأخذن يدي؟ فسبحان الذي
يحمي غريبا من مذلة أه
ظل الغريب على الغريب عباءة
تحميه من لسع الأسى التياه (19)
بعد ذلك أخذ مصطلح الغريب يخرج من هذا الاطار الفلسفي ليتجه صوب تخوم أخرى، وإن لم يتخل في تلك الأثناء عن الاشتباك بالمفهوم المعرفي الذي يثيره المصطلح في ذهن المتلقي دلاليا وجماليا. وستكتفي هذه الدراسة بالإشارة الى أكثر تلك الدلالات بروزا وأهمية.
تتحدد هذه الدلالات في أعمال درويش الثلاثة الأخيرة، حيث يتم توظيف هذا المصطلح في إطار تجربة جمالية، تنبثق دلالاتها من بؤرة التجربة نفسها، التي تحتوه عناصرها ومنظورها، ففي قصيدة (لي خلف السماء سماء)، في (أحد عشر كوكبا) يقول درويش:
مر الغريب حاملا سبعمائة عام من الخيل، مر الغريب
ههنا، كي يمر الغريب هناك، سأخرح بعد قليل من
تجاعيد وقتي غريبا عن الشام والأندلس ( 20)
أما في قصيدة (عود اسماعيل) الصادرة في (لماذا تركت الحصان وحيدا؟) فيقول:
كان اسماعيل…
يهبط بيننا ليلا وينشد: يا غريب
أنا الغريب، وأنت مني يا غريب فترحل
الصحراء في الكلمات (21)
وفي قصيدة (عندما يبتعد) من الديران نفسه يقول:
سلم على بيتنا ياغريب
فناجين قهوتنا لا تزال على حالها، هل تشم
أصابعنا فوقها؟ (22)
واضح آن هذا الاستخدام يرتكز على رؤية تضمن انتظامه في مستوى متماثل من الدلالة، تسمح بقدر معقول من الاطراد والتماسك، لا تشتت المتلقي أو توقعه في الحيرة والابهام.
إن أبرز مقومات هذه الرؤية تتجسد في كيفية تكوين الأنا الحضارية لصورتها عن نفسها وعن الآخر، فهما يتبادلان الموقع، في ضوء قوانين الصراع وإشكالاته ورؤاه، فتكون الأنا هي الغريب تارة، ويكون الآخر، هو الغريب تارة أخرى.
ويصرف النظر عق رؤية درويش لهذه المسألة على مستوى المنظور الفكري والوعي التاريخي، إلا أن حركة العلاقة في أبعاد تلك الرؤية تقوم على قدر من التغير والتوازن أحيانا، فمرور الغريب في الأندلس يوازيه مرور الغريب فر بلاد الشام، دون أن يكون مرور أحدهما سببا في الأخر، وقد تقوم على الفواصل بين الداخل والخارج، وانشطار الأنا في صميم كينونتها، كما الحال في (عود اسماعيل) وقد تكون كما في (عندها يبتعد) تجسيدا لصورة الأخر في لحظة من لحظات الصراع معه، لتجيء كلمة لم غريب) مرادفة لكلمة عدو فر مطلع النص الشعري نفسه:
للعدو الذي يشرب الشاي في كوخنا
فرس في الدخان (…)(23)
ولكن درويش وهو يستخدم هذه الكلمة (الغريب) يحرص على أن تجيء ضمن سياق غير خطابي، لهذا يجزئ المشاهد الشعرية، ويوزعها على فقرات تعتمد التقابل والتناقض، بحيث تتولد منها صورة تكسر البعد النمطي للأخر، وتؤكد استمرار الصراع، ولكن ضمن تقنية شعرية تختبئ خلف الكثير من الأقنعة الفنية.
ومن المهم أن يشار إلى أن كلمة ( الغريبة) لم ترد مفردة، مؤنثة الا في الأعمال الشعرية المتأخرة لدرويش، ولعل أول استخدام لها على هذا النحو يجيء في قصيدة (ليل يفيض من الجسد) في ديوانه قبل الأخير، حيث يقول درويش:
من أنا بعد عينين لوزيتين ؟يقول الغريب
من أنا بعد منفاك في ؟ تقول الغريبة (24)
من الواضح أن استخدام الغريبة في هذا المقطع، يتماثل مع طبيعة الاستخدام للكلمة في (سرير الغريبة)،حيث تنبئ العلاقة بين الكلمتين: الغريب / الغريبة عن هالة من العشق غير قابلة للاستمرار ويجيء حضور الغريبة بمثابة الشيفرة المفسرة لنوعية العلاقة ومستقبلها وتحولاتها.
من الملاحظ أن سرير الغريبة وهو عنوان الديران، لم تجيء عنوانا لأية قصيدة فيه، كما درجت العادة، ولكنه جاء في سياق أحدى القصائد (سوناتا 1) وكاد وروده يكون امتدادا للمقطع الشعري المشار اليه سابقا في (أحد عشر كوكبا):
ففي سوناتا 1يقول درويش:
ما اسم القصيدة؟
أمام ثنائية الحلق والحق، بين السماء البعيدة
وأرز سريرك، حين يحن دم لدم، ويئن الرخام (25)
ولكن هذا التماثل في اطار المعجم الشعري، لا يفضي الى تشكيل شعري متشابه، بقدر ما يقود إلى تنمية للمصطح واستنباته في حقل جديد. ففي حين كانت عبارة (والأسرة خضراء من شجر الأرز) تحدد مناخا مترفا في سياق الانهيارات الكبرى، صار يستخدم في (سرير الغريبة) في إطار وجداني خاص، وصار التماثل بين عدم تسمية المحبوبة، وعدم تسمية القصيدة باعثا على التفتيش عن متغيرات وثنائيات، تتوزع القصيدة في إطارها، ويقدر العشق أن يجمعها، وفي كل الأحوال فإن درويش قد استخدم الغريبة في سياقات متعددة وقيما يلي أبرز تلك الاستخدامات:
أنا أدري منك بالانسان بالأرض الغريبة (26)
ولأني أحمل الصحو وداء الحب والشمس الغريبة ( 27)
تنامان حلف الصفاف الغريبة (28)
اختلطت في أزقتها الكلمات الغريبة (29)
ذات يوم سأجلس فوق الرصيف، رصيف الغريبة ( 30)
من أنا بعد ليل الغريبة:(31)
في النزول إلى حفرة الكلمات الغريبة (32)
أرض الغربية أرض السكينة (33)
فكن يا غريب سلام الغريبة (34)
صرنا صديقين للكائنات الغريبة (35)
ومن الواضح أن (سرير الغريبة) لم يستخدم من قبل فر تلك السياقات،لان درويش يرغب في أن يجعل من السرير في هذا الديوان فضاء يتموضع فيه الخطاب الشعري، وتتجلى فيه وقائعه، عبر عناصر متنوعة تتخللها إشارات ورموز وتحولات ترتبط بذلك الفضاء وتنبثق عنه.
(3)
يتشابه (سرير الغريبة) من حيث البناء الكلي العام مع سابقه (لماذا تركت الحصان وحيدا؟) ففي هذا الديران قصيدة افتتاحية تقع خارج المشاهد، تعقبها ستة مشاهد، يضم الواحد منها عددا متفاوتا من القصائد يتراوح بين الأربع والست، وهذه القصائد تنبثق من عنوان المشهد، وما يشيعه من أجواء، وهي جميعا تشترك في تكوين مناخ شعري عام يقوم على الاسترجاع والتأمل في الماضي، وبنا، صورة للذات تبدأ منذ الطفولة إلى نهاية الكهولة.
يتبع درويش أسلوبا متشابها في (سرير الغريبة) فثمة قصيدة افتتاحية تقع خارج السونيتات اضافة الى ست سونيتات Sonnet (36) يعقب كل سونيتة من السونيتات الخمس الأولى ثلاث قصائد. وهذه القصائد تصنع كلها مناخا شعريا عاما يبحث عن الحب، ويتأمل أبعاده، ويشتبك مع مفرداته، ويرسم أفاقا الكبرى، وإذا كان مجموع القصائد الذي يعقب السونيتة الأخيرة يخالف الاعداد السابقة، فذلك يود إلى خروج المسألة هن الحب وإشكالاته إلى الفضاء التاريخي للحب ورموزه وسياقاته في ثقافات متعددة.
ولكن التشابه في البناء العام لا يعي تماثل حركة الزمن فيهما،فاذا كانت هذه الحركة تتجه نحو الماضي في (لماذا تركت الحصان وحيدا؟) فإنها تتجه صوب الحاضر في الديوان الحالي، وتعيد قراءة تاريخ العشق من منظور اللحظة الحاضرة، وتطوراتها وصيرورتها.
ولعل هذه الحركة تتضح جليا في القصيدتين الافتتاحيتين فر الديوانين كليهما، فهي بعنوان (أرى شبحي قادما من بعيد) في الديوان السابق، أما في الديران الحالي فهي بعنوان: (كان ينقصنا حاضر) وهذه الحركة المتجهة نحو الماضي مناك والمشتبكة مه الحاضر هنا تمد أفاقها وخلالها على اللحظة الشعرية وتحدد مداها، وتتحكم برموزها واشاراتها.
إن هذا التشابه في البناء العام لا يحدد كذلك جوهر الخطاب الشعري ولا طبيعة الياته، فإذا كان درويش يتحدث بضمير المتكلم المفرد الذي يتأمل ماضيه وأشياده وتغيرات العالم من حوله، في افتتاحية الديوان السابق، فإنه يستخدم التثنية فر افتتاحية الديران الحالي، من أجل تشكيل علاقة حب متبادلة تقوم على التكافؤ في جوهرها. يجيء الحديث عن علافا الحب في (كان ينقصنا حاضر) مسكونا بهاجس الانفصال، وتأتي النهاية على شكل قرار غير قابل للاستئناف:
لنذهب كما نحن
ولكن هذا القرار، يحرص على إبراز فردية العاشقين، وتبيان الجوانب الإنسانية في شخصية كل منهما، فانتهاء علاقة الحب بين اثنين لا يقود بالضرورة إلى تدمير المستوى الإنساني للعلاقة، أو في الشخصية، كما أن علاقة الحب هذه لا تتكئ على منظور أحادي، ولا تصدر عن عاشق نرجسي، لأن الصوت الشعري يتكئ على عملية تبادل الأدوار بين طرفي العلاقة، مثلما يقوم على تحول مستويات هذا الصوت، وتوزعه بين العاشقين، وبين الماضي والحاضر، وبين الأسطورة والواقع.
تعتمد القصيدة مقطعا شعريا يأخذ شكل اللازمة في تكراره ولكن تكرار ذلك المقطع لا يعني تماثل دلالاته، فهو يجيء علي النحو الأتي:
1- لنذهب كما نحن.
سيدة حرة
وصديقا وفيا
2- لنذهب كما نحن
انسانة حرة
وصديقا وفيا لناياتها
3- لنذهب كما نحن
عاشقة حرة
وشاعرها
4- لنذهب كما نحن
إنسانة حرة
وصديقا وفيا
5- لنذهب كما نحن
إنسانة حرة
وصديقا قديما.(31)
يستخدم درويش هذا التكرار لتبيان القدرة على تخطي السلبي في ماضي العلاقة الى الإيجابي فيها، فانتهاء العلاقة لا يقود إلى تدمير أفاقها الإنسانية، أن الطرفين ينطويان على وعي صادق فيما يخص هذه المسألة.
ولا شك أن تحولات العاشقين لا تغير من كينونة كل منهما، بقدر ما تبين حالات مختلفة تؤدي مجتمعة الى تجسيد تلك الكينونة، فالمرأة المعشوقة تحولت من سيدة إلى إنسانة الى عاشقة.
وكان هذا التحول مقرونا بالحرية دائما، والعاشق يتردد بين الصديق الوفي أو القديم وبين الشاعر، وهذه التحولات تعبر عن الرؤية المتسامحة التي يصدر العاشقان عنها، وبخاصة أن ثمة مقطعا شعريا آخر يكاد ينهي الفقرات في القصيدة وهو:
فلنكن طيبين(38)
الذي يتكرر في القصيدة أربع مرات، ويأتي حلا للخروج من مأزق النهاية، والتحول الى بداية جديدة، إضافة إلى فعل الأمر: ابتسمي الذي يرسم مناخا متفائلا لأفاق التحولات الجديدة.
ولكن المناخ العام الذي يشيع في (كان ينقصنا حاضر) يشير إلى أزمة ذات ظلال حضارية. فلم يكن عبثا أن يكون هذا المناخ غربيا على صعيدي المكان والطقس، وعلى مستوى الإشارات والرموز. ولكن العاشقين عربيان، يثقلهما المنفى بالكثير من الإشكالات.. ولكن أكثر هذه الإشكالات خطورة يتمثل في مسألة اكتشاف الذات وتحديد جوهرها، وطريقها للخروج من الأزت، لهذا تنشل هذه الذات في ظلال الأساطير، وقصص الحب لاكتشاف معنى الحب، ودلالاته ومكامن القوة والضعف فيه، لأن هذه الذات، وبخاصة ذات المرأة، تحرص على الا يلفي هذا الحب شخصيتها أو فرص الاختيار أمامها:
(ليس هذا طريقي إلى أوض حريتي
ليس هذا طريقي إلى جسدي
وأنا لن أكون (أنا) مرتين
وقد حل أمس محل غدي
وانقسمت إلى امرأتين
فلا أنا شرقية
ولا أنا غربية
ولا أنا زيتونة ظللت أيتين (39)
(4)
سمى درويش القصيدة التي ذكر فيها السرير للمرة الأولى (سونا). وقد جاءت محك القصيدة في (أوراق الزيتون) الصادر عام 1964م، وإذا كان درويش يعني بالعنوان هناك ما صار يعنيه في (سرير الغريبة) بكلمة (سوناتا) المقابلة , Sonnet فإن الفرق بين العنوانين والقصيدتين من حيث البناء والمستوى اللغوي يبين التطور الفني الهائل بين لحظتين يفصل بينهما على المستوى الزمني، ثلاثه عقود ونيف.
إن من الضروري أن نبدأ أولا بتوضيح السمات الفنية الكبرى للسونيتات في (سرير الغريبة) على المستوى الفني، ولعل أبرز هذه السمات هي:
أولا:
تسير هذه السونيتات على تفعيلة البحر المتقارب، وذلك على النحو الأتي (كما يتضح من الأبيات الأربعة الأولى للسونيتة رقم (1):
فعولن، فعول، فعولن، فعولن، فعولن، فعو
فعول، فعولن، فعولن، فعولن، فعولن، فعو
فعولن، فعولن، فعول، فعولن، فعول، فعو
فعولن، فعولن، فعول، فعولن، فعولن، فعول
ثانيا:
تشتمل كل سوناتا، كما هو الحال فر هذا اللون من الشعر، على أربعة عشر بيتإ، ولكن درويش لا يتبع نظام التقنية المتعارف عليه في هذا النمط الشعري الأوروبي، ويمكن لهذه الخريطة أن تبين هدم اطراد نظام القوافي في سونيتات درويش الست:
سوناتا: 1
أ، ب، ب، ج، ج، د، د، ج، ج، هـ، د، و، ز، ج
سوناتا: 2
أ، ب، ج، ب، د،هـ، ج، ب، و، ز، ج، ب، ج، ب
سوناتا:3
أ، أ، أ، ب، ح، ج، ج، ب، د، د، ب، هـ، هـ، ب
سوناتا: 4
أ،ب،ب، أ، ج، د، د، ج، هـ، و، و، ز، و، و
سوناتا: 5
أ، ب، أ، ب، ج، د، ج، د، هـ، هـ، و، و، أ، أ
سوناتا:6
أ، ب، أ، ب، ج، ج، د، ب، هـ، هـ، و، ب، ب، ب
ثانيا: إن تتأبع السونيتات يشير في العادة الى مراحل الحب المتعددة، غير أن هذا التتابع عند درويش لا يشير الى مراحل، بقدر ما يرسم حالة عشق متنامية، تحضر المحبوبة فيها عن طريق مخاطبتها المباشرة بضمير المخاطب المؤنث المفرد، باستثناء السوناتا الثالثة التي تخاطب المرأة عن طريق التثنية، وتربطها ببدايات الليل، وإن كانت السونيتات جميعا تصدر عن هذه التثنية وترسم حركة الحب في خضمها، وهي حركة تتناغم مع القصيدة الافتتاحية وتشكل جوهر الايقاع، وأبعاد التجربة الجمالية لهذا الديران. لذا تتكرر صور التثنية في السونيتات التي تجسد حالة العشق وتجليا ته، وتبدو هذه الثنائية منظورا جماليا يشكل مدخل الشاعر إلى رؤية الحب والعالم، فنزول المحبوبة (ودرويش يستخدم مصل النزول للإشارة إلى تحولات في عالم العشق تقربه من منظور ابن سينا في نزول النفس من المحل الأرفع) كان "نزول نون الأنا في المثنى" وحبه لها يشبا "ليل المهاجر بين معلقتين وصفي نخيل " ومجيئها يتناغم مع بدايات الليل التي تتوحد معها، وهي تضيء جسدها بزوجي يمام، ويتحدث إليها على نحو يشبه أخر الكلمات التي قالها بدوي لزوجي حمام، أما نومها فيشبا "نهرين في جنة الحالمين ".
رابعا: تؤسس السونيتات لمعجم شعري تتوزع حقوله الدلالية على المجالات التالية:
1- كلمات تتصل بالأشجار كاللوز والأرز، والنخيل والصنوبر والصفصاف والتوت والتين والرمان أو بالأزهار كالأقحوان والياسمين.
2- كلمات تتصل بالحيوانات كالغزال وابل والفرس، والذنب أو بالطيور كالقطا واليمام والسنونو والحمام والعصافير أو بالزواحف كالأفعى.
3- كلمات تتصل بمظاهر الطبيعة كالسماء والقمر والكواكب والجبال والغيوم والأنهار والندى أو بالأمكنة كجلعاد ومصر وسومي وبابل أو الأمكنة غير المحددة، أرض البعيد، مكان قديم – جديد البساتين المغلقة، الغابة، ضفة النهر.
4 – كلمات تتصل بالعالم المحس مثل: السرير والرخام والثوب، واللؤلؤ والماء والحليب والسيف والحرير والكمان والعطر
5 – كلمات تتصل بمفاهيم مجردة، لفظ الجلالة والحق والانجيل والروح والملائكة والمنام أو بأبعاد شعرية كالأسطورة والقافية والنشيد والقصيدة والوزن والشعر والصورة والمجاز والرحيل.
إن تحليل هذا المعجم، قد ينته عبر المقارنة بين مفرداته ومفردات "لماذا تركت الحصان وحيدا؟" وبخاصة القصيدة الافتتاحية فيه.
إن تلك المفردات تشكل هي الأخرى، مجموعة من الدوائر تبدأ بالذات وتمر بالأخر، وبالطبيعة وطيورها وحيواناتها وبالفن والتاريخ والفكر وعدد من الشخصيات الفاعلة، وبما وراء الطبيعة، ولكن الفارق النوعي بين طبيعة المعجمين يتمثل في صدور الديوان الأول عن رؤية ذاتية مفردة، تسعي لرسم أفاق السيرة في تحولاتها المتعددة، في حين يصدر الديوان الأخير عن منظور مختلف، فهو ثنائي الأبعاد والتجليات، مشغول بهذه الثنائية، وهو يقدم عبرها صورة لمحبوبة، تمد ظلالها على الخطاب الشعري، وتصنه أسطورتها كما يتمثل في النبرة الشعرية الأليفة التي تسعي إلى التصالح مع العالم، والمسكونة بحرز شفاف، وأخيرا في قدرة النص الشعري على تجميع تلك العناصر والرؤى والاحالات في اتساق فني، عبر لغة تصويرية ترسم تحولات الحب والمحبوبة من خلال منظور جمالي يكاد يقدس المحبوبة ويرفعها إلى المستوى تشكل فيه، نقطة التوازن بين الاشياء.
ولكن السؤال الأمم فيما يخص بنية هذا الديران، يتمثل في طبيعة العلاقة بين السوناتا وما يليها من قصائد، وسنتوقف فر البداية عند السونيتات الخمس الأولى، في محاولة تبيان ما تنطوي عليه تلك القصائد من أفاق.
يمكن القول إن النص الشعري في "سرير الغريبة " مسكون بمسألة الحب وتجيد-، ويبدو أن درويش وهو يبني الديوان، كان يخضعه لتصور فني محكم يقوم على التنامي والاقتراب من المسألة،وإن كانت ايقاعات الانتقال لديه هادئة، وعلاقات الصور ممتدة ورائقة، ولا تنطوي على مفاجأت حادة. تنشغل قصائد السونيتة الأولى الثلاث بأنواع الحب، وماهيته وتسعي إلى تحديد زمنه، ففي "سماء منخفضة " حديث عن أنواع الحب، وهذه الأنواع تتحدد من خلال حالات متنوعة:
– هنا حب حب يسير طي قدميه الحريريتين.
– هنالك حب فقير يحدق في النهر.
– هناك حب فقير ومن طرف واحد.
– هنالك حب فقير ومن طرفين.
– هنالك حب يمر بنا دون أن ننتبه.
– هنالك حب فقير يطيل التأمل في العابرين.
– هنالك حب…( 0 4)
إن الحديث عن الحب لا يأتي فر خطاب درويش الشعري عملا تجريديا خالصا، بل يمتزج هذا الحديث أو على الأدق ينبثق من التجربة الذاتية التي يحرص "سرير الغريبة " على بلورة أفاقها وصياغة رؤاها الجمالية، لذ ا تتبع نصوص الديوان تقنية شعرية تقوم في اطارها العام على المزاوجة بين رؤية تنتج دلالات الحب وبين تأملات تستبطن التجربة الخاصة وتسعي إلى تشكيل رموزها وصورها ومذاقها وشخوصها وتحواتها، لكن هذه المزاوجة تسهم في صياغة منظور شعري، يجعل من الحب مدخلا أو مفتاحا لرؤية العالم وتفسيره. فإذا كانت قصائد السونيتة الاولى تستشرف أنواع الحب وماهيته وزمنه المثالي، فإن قصائد السونيتة الثانية تستشرف تجليات الحب، أما قصائد السونيتة الثالثة فترسم المحبوبة كما يردها العاشق، في حين تنشغل قصائد السونيتة الرابعة بصورة المحبوبة كما ترى نفسها، إضافة إلى تحولات العشق من فردانية مرتبطة بالعاشقين، إلى زفاف يخرج المسألة إلى حيز الجماعة، أما قصائد السونيتة الخامسة فتوسم العلاقة بين العاشقين، كما تتجلى على لسان المحبوبة، وأخيرا فإن قصائد السونيتة السادسة، وعددها سبع قصائد، تشتبك مع رموز العشق سواء أكانوا عشاقا كجميل بثينة أم قيس ليلى، أم كتبا مثل كاما سوطرا وطوق الحمامة. وهي تصنع من كل ذلك أعلى من الدلالة يحقق قدرا من التجانس بين تلك الرؤى المتعددة.
لهذا تتعدد مستويات الكلام فر الخطاب الشعري، فتارة يتحدث العاشق، وتارة أفري تتحدث الحبيبة،وتاوة ثالثة يتحدثان معا، وفي بعض الأحوال يتحدث سارد محايد، وقد تجيء أبنية الزمان في القصيدة منطقية، تسير كما يسير الزمن التاريخي، في حين تجيء في بعض القصائد حكمية، قادرة على أن تتجاوز سير الزمن التاريخي من أجل صناعة زمان جديد، أما المكان فهو يتوزع بين أماكن جغرافية محددة، بعضها مشتبك بالتاريخ والاسطورة كبابل وقرطاج وجلعاد وحدائق قيصر وسدوم وسمر قند وبعضها مرتبط بجغرافيا سياسية كالأندلس والشام ومصر وأريحا ومؤدب أو بين أماكن متخيلة، غير محددة الدلالة كالنهر والجسر والبلاد القديمة، والبحر وحديث المنفى وأرض الغريبة، وأرض السكينة.
ولكن خطاب العشق في "سرير الغريبة " لا يتبلور الا من خلال اكتمال جوانب العلاقة بين المرأة والرجل فيه، وقد سعى نص درويش الشعري كي يحرر المرأة من أبعادها الرمزية. وإن لم يحررها بطبيعة الحال هن إيقاع العصر، بكل ما ينطوى عليه هذا الايقاع من أبعاد واشكالات، يشتبك فيها الشاعر والعاشق والمرأة، دون أن تكون المرأة نتيجة حتمية لتلك المعطيات، لهذا تقدم المرأة نفسها على النحو الأتي:
أنا امرأة، لا اقل ولاأكثر
أعيش حياتي كما هي
حيطا فخيطا
وأغزل صوفي لألبسه، لا
لا أكمل قصة "هومير" أو شمسه (41)
فهذه المرأة تسعي لتحرر نفسها من الرموز والأقنعة الأسطورية، وتقدم نفسها بوصفها سيدة تعيش واقعها، وتنسج خيوط هذا الواقع، من غير أن تسعي إلى ربطا بالماضي ورموزه وأفاقا. في حين يقدمها العاشق على أنها جنوبية، ومذهبة ومسافرة وسماوية ومجازية، وعلى
الرغم من أن هذا التقديم يكاد يكسر صورتها الواقعية ويربطها بالنموذج المثالي، إلا أن درويش يعود ليقدم تلك المرأة من منظور يحررها من النمذجة، ويعيد تشكيلها فر إطار العلاقة الإنسانية القائمة على الضعف:
لك أنت التي تقرئين
الجريدة في البهو
أنت المصابة بالانفلونزا
أقول: حذي كأس بابونج ساخن
وخذي حبتي "أسبرين "
ليهدأ فيك حليب الانانا
ونعرف ما الزمن الأن
في ملتقى الرافدين (42)
أما العاشق فهو متوزع بين الإنسان وبين الشاعر، وهذا التوزع بين الشاعر والعاشق، يلقي بظلاله على تحولات العلاقة مه المرأة، مثلما يلقي بظلاله على مستوى الانسجام بين الشاعر وذاته، فهو يقول للمرأة في القصيدة الافتتاحية كما سبق وأشير:
لنذهب كما نحن
عاشقة حرة
وشاعرها.
وهو تحول ينطوي على لون من المفارقة، فإذا كانت جملة عاشقة حرة، تجمع بين الحرية والحب ومما أمران لا يجتمعان بسهولة. فإن "شاعرها" يخضع لقيد أو لمجموعة من القيود والاعتبارات التي تسهم في مجموعها في تحويل الحلاقة إلى رؤية جمالية، لهذا يسأل محبوبته: أي زمان تريدين، أي زمان لأصبح شاعره، هكذا، هكذا: كلما
مضت امرأة في المساء إلى سوها
وجدت شاعرا سائرا في هواجسها
كلما غاص في نفسه شاعر
وجد امرأة تتعرى أمام قصيدته.(43)
والمرأة تدرك استحالة الانفصام بين الشاعر والإنسان فتقول:
فكن أنت قيس الحنين إذا شعت
أما أنا فتعجبني أن أحب كما أنا
لا صورة
ملونة في الجريدة، أو فكرة
ملحنة في القصيدة بين الأيائل ( 44)
وقد سعى خطاب درويش الشعري إلى إعادة تشكيل جميل بثينة وقيس ليلى في إطار تلك المفارقة وذلك التوزع،حيث يحضر جميل فر ا نص شعري بعنوان (أنا وجميل بثينة) ليكون تجسيدا للعشق الذي يتلبس الشاعر، وليحضر قيس فر قصيدة بعنوان (قناع لمجنون ليلى)
ليكون قيس تجسيدا للشاعر حين يكون عاشقا.
وفي هذا المناخ يعود درويش إلى كتابين من كتب العشق ليستوحي منهما مناخين مختلفين، ترسم أفاق الحب وتبني أجواءه ولغاته وصوره. أما الكتاب الأول فهو كتاب (كاما سوطرا) الذي يعد من النصوص الهندية الايروتيكية المهمة، وأما الثاني فهو كتاب ابن حزم (طوق الحمامة في الألفة والألاق لم، ولعل الفارق الكبير بين القصيدتين مستمد في الأساس من الفارق بين الكتابين ففي حين يتكرر الفعل (انتظرها) في (درس من كاما سوطرا) تسع عشرة مرة، ليأخذ فعل الأمر شكل درس في سيكولوجية التعامل مه المرأة، مستوحيا نصوص (كاما سوطرا) وأفاقه، مؤسسا لثروة لفظية سحرية الطابع، تذكر بالأجواء الهندية، فإنه يبني جوا أندلسيا في (طوق الحمامة الدمشقي) وهو جو بديع، فتان، مملوء بالغواية والجمال، وتبدو شبه الكلمة (في دمشق) التي تتكرر هي الاخرى اثنتين وعشرين مرة، نقيضا أو موازية لفعل الأمر مناك (انتظرها) ,ان هذا التكرار يشبه الكلمة السحرية التي تفتح الأبواب كلها، وتقود إلى عوالم مملوءة بالجمال، وتشحذ الطاقة الشعرية.
في دمشق،
تسير السماء، على الطرقات القديمة
حافية، حافية
فما حاجة الشعراء
إلى الوحي، والوزن، والقافية ؟(45)
الهوامش:
1- ديوان محمود درويش، المجلد الأول، بيروت، دار العودة، ط14، ص47.
2- المصدر نفسه،ص 65.
3- لمصدر نفسه ص142.
4- المصدر نفسه ص445.
5- المصدر نفسه،ص 470.
6- المصدر نفسه، ص 184، وما بعدها.
7- المصدر نفسه، ص277 وما بعدها.
8- المصدر نفسه ص 661.
9- المصدر نفسه665.
10- ديوان محمود درويش المجلد الثاني، بيروت، دار العودة،1994، ص539.
11- المصدر نفسه، ص58 وانظر ص57،59.
12- ديوان محمود درويش، المجلد الأول،ص 347.
13- المصدر نفسه،ص 572.
14- ديوان محمود درويش، المجلد الثاني،ص 476.
15- المصدر نفسه،ص 257.
16- المصدر نفسه،ص 259.
17- المصدر نفسه،ص 185.
18- ديوان درويش المجلد الثاني،ص 21.
19-المصدر نفسه ص 233.
20- ديوان درويش المجلد الثاني، ص 480.
21- لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ ص 46.
22- المصدر نفسه ص 167.
23- المصدر نفسه ص 164.
24- المصدر نفسه،ص 130.
25- سرير الغريبة،ص 18، وانظر ص59.
26- المجلد الأول ص 50.
27- المجلد نفسه،ص 50.
28- المصدر نفسه ص 90.
29- المصدر نفسه، ص 399.
30- المجلد الثاني، ص 483.
31- المجلد الثاني، ص487،488، وهي تتكرر حوالي أربع مرات.
32- لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ ص 29.
33- سرير الغريبة،ص 49.
34- المصدر نفسه، ص90.
35- المصدر نفسه،ص 113.
36- حول هذا اللون من الشعر أنظر:
Princefn Encyclpedia of poetry and poetics 1974.p.781 PF
37- سرير الغريبة، ص 17،14،13،12،11.
38- المصدر نفسه،ص 17،16،14،12.
39- المصدر نفسه،ص 16.
40- المصدر نفسه، ص14،22،21،20.
41- المصدر نفسه،ص 60.
42- المصدر نفسه،ص 57.
43- المصدر نفسه ص 23.
44- المصدر نفسه،ص 62.
45- المصدر نفسه، 132.
خليل الشيخ (ناقد وأكاديمي من الأردن يعمل بجامعة السلطان قابوس )