في بيئة ثقافية أورثته محبة القراءة والرغبة في العلم، أحيط الدكتور سعد البازعي بمنابع ثقافية زودته بشتى المعارف، وفي كنف أسرة تقول الشعر وتتذوقه نشأ وترعرع ضيفنا الذي يمثل ظاهرة نقدية في الأدب السعودي المعاصر، فقد ظل يبحث في مفاهيم النقـد ويطورها، ويتبنّى الرؤى، ويترجم الشعر والفكر، يبحث ويتأمل ويكتب، يحاضر ويستمع ويسأل ويجيب على ضوءِ ما اجترحه من مفاهيم وأفكار، فالدكتور سعد بن عبدالرحمن البازعي، الذي تفرغ للتدريس بجامعة الملك سعود منذ حوالي 25 عامًا، أستاذًا لآداب اللغة الإنجليزية والأدب المقارن، تجاوز الحدود ليسجل حضوره ضمن مشاركات دولية كثيرة، إذ شارك في المؤتمرات وألقى المحاضرات في عدد من الدول مثل الولايات المتحدة واليابان وفرنسا والسويد وبريطانيا وروسيا وألمانيا وبولندا إلى جانب دول عربية مختلفة، كما أن كتبه وأبحاثه وترجماته مثَّلت إضافات نقدية للمكتبة العربية.
ومن اللافت في مشروعه الأدبي والنقدي، مدى اهتمام البازعي بالشباب ودعمه المستمر لهم، ولا سيما الشعراء منهم.
وللناقد البازعي وجهة نظر تتعلق بالتلقي، حيث يرى أنه ينبغي للمثقف أن يتواصل مع جمهوره بشتى الطرق، ولذلك فقد استخدم كل وسائل التواصل الإعلامي والثقافي للوصول إلى المتلقين، سمعناه في الإذاعة ببرنامجه الأسبوعي «كتب وقرّاء»، ورأيناه في برنامج تلفزيوني وهو «قضية ثقافية»، هذا إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، حيث يغرّد إلى متابعيه على موقع تويتر، ناشرًا فكره وآراءه، وإلى جانب ذلك عمل البازعي عضوًا في الصندوق الدولي لدعم الثقافة باليونسكو ورأس اللجنة الدولية لجائزة الرواية العربية العالمية (البوكر) لعام 2014، نظرا لما يتمتع به من خبرة أكاديمية وتجربة فكرية كبيرة، وشغل عددًا من المناصب مثل رئاسة تحرير صحيفة «رياض ديلي» الصادرة باللغة الإنجليزية، ورئاسة تحرير الطبعة الثانية من الموسوعة العربية العالمية، وعضوية المجلس العلمي لجامعة الملك سعود، ورئاسة النادي الأدبي بالرياض، كما سبق وعيّن عضوا في مجلس الشورى السعودي عام 2009، وقد حاز البازعي عددًا من الجوائز والتكريمات، منها جائزة كتاب العام من وزارة الثقافة والإعلام السعودية (2012)، وجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دورتها السادسة في فرع النقد الأدبي في العام (2017)، وجائزة الكتاب من البحرين عن كتابه «هموم العقل» (2018).
وللتعرف على هذه الشخصية النقدية الثقافية السعودية أجرينا الحوار الآتي مع الدكتور سعد البازعي:
تطور الأدب السعودي
لكم كتاب بعنوان «ثقافة الصحراء: دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر»، صدر قبل أكثر من ثلاثين عامًا، تناولت فيه الأدب السعودي بالنقد والتحليل في تلك الفترة، اليوم بعد ثلاثة عقود من صدوره: كيف تنظر إلى الأدب السعودي من الزاوية نفسها؟، وما الفارق من الناحيتين الفكرية والجمالية؟
نشرت قبل حوالي أربعة أعوام ورقة بحثية في مجلة «ألف» التي تصدرها الجامعة الأمريكية بالقاهرة ثم ضمنتها كتابي «جدل الألفة والغرابة»، تناولت الورقة ما أسميته «حداثة الصحراء» لخصت فيها جملة آراء حول ما يمكن وصفه بما بعد ثقافة الصحراء. بدا لي أن الفترة منذ التسعينيات حتى اليوم اتسمت بجملة تطورات جعلت ما أسميته ثقافة الصحراء حينذاك مرحلة سابقة من مراحل أدب المنطقة، وليس الأدب السعودي وحده، من بين تلك التطورات بروز الصوت الأنثوي في الإنتاج الأدبي على نحو أكثر كثافة وفاعلية من أي وقت مضى. كما أن من بينها تحول الرواية إلى شكل أدبي رئيس وطاغٍ كان للمرأة فيه حضور بارز. أما على مستوى الشعر فقد شهدت تلك المرحلة سطوع نجم قصيدة النثر. تلك التطورات، بالإضافة إلى انتشار الإنترنت ثم شبكات التواصل الاجتماعي وتحولها إلى أدوات نشر ثقافي وإبداعي، جعلت من الصعب الاستمرار في الحديث عن كتّاب يتلمسون في صور الصحراء ورموزها هويتهم ومعين إبداعهم، تلك الصور التي شكلت مفهوم «ثقافة الصحراء» كما استعملته وكما التبس على كثيرين فظلوا يسألون عن المقصود به. الأدب السعودي الذي تبلور في العقود الثلاثة التي تلت التسعينيات ليس مسكونًا بهاجس البدوي القادم على بعيره إلى المدينة كما نرى لدى محمد الثبيتي أو الصاعد إلى الشمس كما عند عبدالله الصيخان، وإنما هو مسكون بالمدينة نفسها، هو نتاجها سواء في الرواية أو المسرح أو في قصيدة النثر، وهي أنواع تحمل في إيقاعها وتفاصيلها إيقاع وتفاصيل الحياة المدنية. الأدب السعودي اليوم أدب مرحلة مختلفة ويحمل هموم وتطلعات مرحلة مختلفة تحمل مورثات ماضيها إلى آفاق جديدة.
نحن والآخر
على النمط نفسه.. صدر لكم قبل زمن كتاب «استقبال الآخر: الغرب في النقد العربي الحديث»، كيف تنظر اليوم إلى استقبال العرب للآخر؟
الاستقبال النقدي العربي اليوم ما زال إلى حد كبير مأزومًا بهويته يبحث عنها وكثيرًا ما يجنح لتجاوز تلك الأزمة باستعارة هويته، إما من هوية قديمة في مناهج ومفاهيم أدبية عفا عليها الزمن أو من نظريات ومناهج تأتي من الآخر وتُجتزأ اجتزاءً غير ناضج عجزًا عن تطوير إسهامات أصيلة تحكي الظروف الأدبية والفكرية والثقافية المعاصرة أو الخاصة. ومع أن إنجازات لافتة تظهر هنا وهناك فإن الطاغي في تصوري ليس ذلك الإنجاز وإنما هو المراوحة بين ماضٍ لا يجيب عن أسئلة الحاضر أو آخرٍ لا صلة له بقضايا مختلفة عن قضاياه.
هل ثمة ظواهر تعبر اليوم عن نضجنا الثقافي في علاقتنا بالغرب؟
نعم هناك ظواهر تعبر عن تنامي ذلك النضج منها وربما أبرزها الموقف النقدي تجاه واقعنا الثقافي، أي نقد ما آلت إليه الثقافة العربية في علاقتها بالآخر والكشف عن بدائل لما آلت إليه تلك العلاقة. كما أن منها السعي لفهم أدق للثقافات المغايرة، وهي هنا الثقافات الغربية (الأوروبية والأمريكية) سواء من خلال الترجمة أو التحليل الناقد. الترجمة تحديدًا حققت قفزات واضحة بتكثف أو تعمق المرحلة المؤسسية التي من شأنها إيجاد معرفة أكثر صحة ودقة بالثقافات الأخرى. أما التحليل الناقد فمظاهره كثيرة لدى مفكرين ونقاد سعوا إلى ترشيد تلك العلاقة والكشف عن ملابساتها ووجوه تصحيحها.
ذكرتكم في أحد الحوارات أن «الاحتكار الغربي لن يتراجع بناء على نداء فيلسوف، أو غضب شاعر، وإنما تحت ضغوط الواقع الجيوسياسي والاقتصادي»، ألم يعد للأديب أو الشاعر أو القاص ـ اليوم ـ تأثيره في الواقع؟، واسمح لي هنا أن أسأل: ما مساحة النشاط الفلسفي والأدبي من مفهوم «القوة الناعمة» الذي تتسابق الدول في استثماره؟
علاقات القوة أكثر تعقيدًا وتمأسسًا من أن تتغير نتيجة لجهود فردية أو في فترة زمنية محدودة. المصالح المترتبة على تلك العلاقات سواء السياسي منها أو الاقتصادي أو حتى الثقافي والاجتماعي لن تتغير بسهولة. ما يغيرها مصالح أخرى تتكشف بناء على تنامي الوعي وتكشف الظروف عن الحاجة إلى ذلك التغيير. ولا شك أن للجهود الفكرية والإبداعية دورًا في تشكيل الوعي وخلق الظروف أو الكشف عنها، فهي لا تبين عن نفسها وإنما يبينها العمل الدؤوب الثقافي الجاد الساعي إلى إبراز مشكلاتها وبدائلها. تلك الجهود هي القوة الناعمة.
الموقف من العامية
يقال بأن هناك نظرة استعلائية إلى العامية في بعض الجامعات السعودية، بالرغم من مناداة أصوات بضرورة الانفتاح على الأدب العامي والكتابات باللهجة المحكية، من واقع تجربتكم الجامعية الضليعة كيف تقيّمون هذا الموقف؟
نعم أرى لدى الجامعات السعودية موقفًا متعاليًا تجاه الثقافة الشعبية أو العامية، لكن الانفتاح لا يعني تبني اللهجات العامية أو الثقافة الشعبية لتكون لهجة أو ثقافة رسمية وإنما أن تكون مادة للدرس والتحليل وإرثًا جديرًا بالجمع والتدوين على نحو علمي. والحقيقة أنني أستغرب استمرار هذا الموقف المتعالي على الرغم من تطور دراسة الموروث الشعبي منذ أمد بعيد ومشاهدة الجميع بأن تلك الدراسة أو الاهتمام العلمي لم يؤد إلى انهيار لغة الثقافة العالِمة وهي اللغة العربية الفصحى. لن تحل العامية محل الفصحى نتيجة للدراسة، وإن حلت فلن يكون ذلك نتيجة للدراسة والبحث وإنما نتيجة للأمية أو الجهل أو نتيجة للنزعات التجارية التي تسعى إلى الربح بغض النظر عن القيم العليا للمجتمع. الخطر على الفصحى يأتي اليوم وفي المقام الأول من اللغة الإنجليزية التي تكتسح ألسنة الشباب ولوحات الإعلانات وأسماء الأماكن والفعاليات.
وأنت عضو في مجلس إدارة هيئة الأدب والنشر والترجمة؛ هل من برامج أو مشاريع تهدف إلى خدمة الأدب العامي؟
لا أرى لدى الهيئة اهتمامًا بهذا الأدب على مستوى النشر أو الترجمة وإن فتحت له فضاء الحضور الثقافي كما في معرض الكتاب الأخير. لكن المؤكد هو أن لدى الهيئة سياسة تدعم الدراسات والمشاريع العلمية والثقافية التي تعنى بذلك الأدب لو تقدم أحد بشيء من ذلك، سواء على مستوى النشر أو الترجمة.
النقد الأدبي .. مفاهيم معقدة
ثمة ركود واضح في النشاط النقدي السعودي، وربما العربي بوجه عام، ما الأقرب هنا: أن نرده إلى ضعف التكوين النقدي أم إلى ضعف المنتج الأدبي؟، وهل أضرت المؤسسة الأكاديمية بنشاطنا النقدي لكونها حولت فعل النقد من المؤسسة الثقافية والصحف إلى الرسائل العلمية والبحوث المحكمة؟
كلما طرح موضوع نشاط النقد الأدبي جاء طرحه بلغة جازمة تبحث عن تفسير لظاهرة «الركود» وكأنها أمر مفروغ منه. لا توجد أي أدلة في رأيي تبين ذلك (عدد الكتب المطبوعة أو المقالات النقدية المنشورة في الصحف مثلا فضلًا عن أي تقييم لمستوى المنشور منها). ليس ثمة ما يؤكد أن ذلك الركود حقيقي، بل إني أرى الشواهد معاكسة تمامًا لذلك الحكم. ملاحق الصحف تزخر بالمقالات النقدية (ملحق صحيفة الجزيرة الأسبوعي مثلًا) وكذلك هي المجلات الفصلية السعودية (العربية، الفيصل، الجوبة، قوافل، حقول، إلخ)، كما أن عدد الكتب التي تنشر سنويًا كبير، وأحسب نفسي من المتابعين إلى حد لا بأس به. الرسائل الجامعية حول الأدب السعودي كثيرة جدًا وكذلك هي الدراسات النقدية المحكمة. أضيفي إلى ذلك المحاضرات والندوات التي تلقى افتراضيًا وحضوريًا. لكن هذه تحتاج إلى متابعة ورصد وهو أمر يتعذر على الكثير منا فيبدو لنا كما لو أن لا شيء يحدث سوى الركود. أنا شخصيًا أصدرت العام الماضي وحده خمسة كتب نقدية ولست بالتأكيد أكثر المشتغلين في هذا الحقل نشاطًا ولا أهمهم، فأين هو الركود؟!، لكن الركود سيصدمنا حتمًا لو توقعنا أن الحركة النقدية، أيّ حركة نقدية، قادرة على متابعة كل ما ينشر أو أنه يفترض بها أن تفعل ذلك، في حين أن من طبيعة النشر الأدبي الكثرة لاستسهال الكثيرين أن ينشروا ما لديهم، في حين أن الكتابة النقدية كتابة بحثية وتأملية، كتابة تتلو القراءة والتمحيص وتستغرق وقتًا. أذكر أن اللجنة التي كنت من أعضائها لتحكيم جائزة البوكر عام 2014 تلقت حوالي 150 رواية تبين سريعًا أن ثلثها على الأقل لا قيمة له وأن الباقي يحتاج إلى قراءة مدققة انتهت إلى التخلص من نصف ذلك الباقي للخروج بستة عشر عملًا فقط. ذلك جهد نقدي لا يُتخيل أن النقاد متفرغون للقيام به باستمرار، وكثير منه جهد ضائع في متابعة ما لا يستحق المتابعة.
كأن كتابكم «قلق المعرفة: إشكاليات فكرية وثقافية» جاء ليعبر عن أنماط من القلق الثقافي من ناحية الذات المؤلفة والكتابة، والتفكير والواقع الثقافي، والمفاهيم والانتماء، لدى المثقف العربي والحوار، والتفلسف والغياب، وقلق انحسار العربية، فهل يصح أن نقول إن هذا القلق ضرورة تأليفية واعية بمحفزاتها؟، ومن جهة أخرى كيف يستطيع المفكر العربي تحقيق اتزانه المعرفي والفكري ويحققه بين أنماط شتى من القلق؟
يمكن للقلق أن يكون حالة من الهستيريا أو الخوف غير المبرر، لكن يمكنه أيضا أن يكون حالة صحية تحفز على التفكير والبحث عن مخارج من أوضاع مأزقية تهدد الكيان الثقافي وقدرة الإنسان على الإبداع. أرجو أن يكون القلق الذي عبرت عنه مقالات كتاب «قلق المعرفة» من النوع الأخير وليست هلعًا لا مبرر له. لقد سعت المقالات لأن تضع القلق في أطر معرفية واضحة المعالم بعيدًا عن مجرد التعبير عن مشاعر أو تخرصات، أي أن ترسم قلقًا يخرج بالفكر من حالة الاطمئنان الساذج الذي يسود التفكير لدى البعض على النحو الذي عبر عنه الاقتباس من الناقد اللبناني مارون عبود في صدر الكتاب.
المشهد الفلسفي السعودي
شهدت السعودية مؤخرًا نشاطا على المستوى الفلسفي لم يكن مألوفًا قبل بضع سنوات، وربما من المهم أن نشير هنا إلى مؤتمر الفلسفة في الرياض أواخر٢٠٢١، كيف تنظر إلى هذا النشاط؟، كأنك عبّرت في مقالتك المنشورة مؤخرًا في صحيفة الشرق الأوسط عن مآخذ على هذا النشاط، فهل هي الطبيعة المرتبطة بالبدايات؟
النشاط الفلسفي في المملكة نشاط مبهج دون شك ويسعدني أن كنت أحد الداعمين له حين كنت في نادي الرياض الأدبي حين استضفت الحلقة الفلسفية لتدخل في طورها المؤسسي الذي تبلور بصورة أكبر أخيرًا حين تحولت الحلقة إلى جمعية للفلسفة السعودية. كما يسعدني أنني درّست ما أعتقد أنه أول مادة فلسفية في جامعة الملك سعود وذلك في أوائل الألفية الثانية على ما أظن تحت اسم «تاريخ الفكر الغربي» لطلبة الدراسات العليا حين كان من المتعذر استخدام كلمة فلسفة في عنوان المادة. فإذا أضفنا إلى هذا مشاركتي في الكتابة حول الفكر الفلسفي وترجمته كما في كتابي الأخير «معالم الحداثة: الحداثة الغربية في ستين نصًا تأسيسيًا» (2021) يتضح أنني منخرط في ذلك النشاط الفكري، دون أن أكون فيلسوفًا بالتأكيد. صحيح أنني حذر من المبالغة في الحديث عن ذلك النشاط بحيث يبدو وكأنه استوى ناضجًا، أو أن لدينا فلاسفة لديهم إضافات مهمة للتراث الفلسفي. نعم لدينا نشاط فكري فلسفي يترسم خطى من سبقونا بمراحل ولا أظننا عاجزين عن تحقيق ما حققوا من نضج لكن من المبكر القول بأن ذلك النضج قد تحقق أو حتى بات قاب قوسين.
النشر والترجمة
أنتم ضمن الفريق الاستشاري لمبادرة «ترجم»، فكيف تنظر إلى حركة الترجمة في السعودية اليوم؟
النشاط في مجال الترجمة يبعث على الكثير من الاعتزاز ولعل أهم معالمه أنه بات نشاطًا مؤسسيًا مبرمجًا ومدعومًا. لقد ظلت الترجمة في العالم العربي -وليس في السعودية وحدها- تائهة في مجال النشاط التجاري والاجتهادات الفردية، ومع أن كلا اللونين من المساهمات متاح بل ومطلوب، فإن مأسسة الترجمة وضبطها ضمن استراتيجيات أكثر إلحاحًا، ومبادرة «ترجم» في هيئة الأدب والنشر والترجمة تأتي جزءًا من ذلك الاتجاه وقد أسفرت بالفعل -بحمد الله- عن أعمال نعتز بها. د. هيلة الخلف، رئيسة قطاع الترجمة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، ود. محمد علوان، رئيس الهيئة، يقومان بجهد رائع مع زملائهما وبالتعاون مع الجمعية السعودية للترجمة للوصول إلى أهداف استراتيجية كبيرة سيكون من شأنها تعزيز حركة الترجمة في الوطن العربي ككل.
الحديث عن النشر، يدفعني إلى سؤال حول دور الرقابة على النشر، ألا تظنون بأن الرقابة على النشر الورقي باتت دعاية مجانية للكتاب الممنوع؟، وبناءً على الأخبار غير المؤكدة عن انتقال الرقابة على الكتب إلى وزارة الثقافة، وتحديدًا إلى هيئة الأدب والنشر والترجمة.. ما التطور الذي قد يطرأ على هذا الملف القديم؟
الرقابة المؤسسية أزمة لمن يمارسها ولمن تُمارس عليه، لكنها أزمة لا مفر منها لو نظرنا إليها بمعناها الواسع، أي بوصفها نشاطًا مجتمعيًا ومؤسسيًا في الوقت نفسه. حين يرفض الناشر التجاري كتابًا لأنه لا يتوقع له الرواج أو لأنه يتضمن «ممنوعات» فتلك رقابة، وإن لم تكن حكومية. ربما تكون رقابة ناعمة أو خفية، لكنها رقابة. والحكومات حين تضع جهازًا للرقابة فإنها أيضا تقوم بدور اجتماعي ثقافي أو ما تراه كذلك. والرقابة أيضا فعل ذاتي نمارسه على أنفسنا تحقيقًا لمصلحة أو درءًا لضرر. لا أحد يستطيع القول -حتى في الدول التي تغيب فيها الرقابة الرسمية أو الواضحة- إن الرقابة غائبة تماما. ثمة أخ أكبر إن لم ينظر من خلال الكاميرات فإنه ينظر من خلال أعين الكتاب والفنانين وضمائرهم. لقد أفردت لذلك كتابًا هو «مواجهات السلطة» بحثت فيه عن أنماط الرقابة وأنماط مقاومتها في الوقت نفسه على مستويات ثقافية مختلفة وخرجت بالنتيجة التي لخصتها هنا. لكن هذا لا يعني أن وجود الرقابة في هيئة وظيفة رسمية وفي مؤسسة مبرر أو مطلوب. إذا كانت الرقابة قدرًا لا مفر منه فلتكن جزءًا من الحياة الثقافية نابعة منها وليست مفروضة عليها بصورة آلية جامدة. لتفرز الحياة الثقافية ما تريد مما لا تريد. وأظن أن لدينا توجهًا نحو هذا الوضع الأكثر صحية مع تنامي الوعي، لكن تحققه بصورة مُرضية يحتاج إلى توسيع آفاق التعبير مع وضع الضوابط لها في صورة قوانين مطبقة وحقوق مرعية.
الجوائز الثقافية الأدبية
أنتم عضو في جائزة «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية»، كما تقلدت منصب الأمين العام لـ «جائزة الملك خالد» بين عامي 2007 و2008، فهل أحدثت الجوائز رواجًا للنشاط الأدبي أم أنها مجرد ترويج لوسط أدبي مأزوم؟
الجوائز جزء من الحياة الثقافية في كل مكان وصورها متعددة. هي ليست دائما ما تمنحه مؤسسة أو فرد، وإنما هي أيضًا ما يمنحه الوسط الثقافي حين يعجب بعمل ما فيشيد به. هي أن يقول لك أحد: قصيدتك جميلة أو روايتك مميزة. لكن على المستوى المؤسسي يحفل تاريخ الجوائز بالخلاف، فالبوكر البريطانية أثارت من الخلاف قدرًا كبيرًا؛ رفضها أناس وشككوا في مصادر تمويلها، ونوبل أكثر إثارة للجدل، ربما هي الجائزة الأكثر إثارة للجدل. ذلك أنه لا مناص للجوائز من أن تكون جزءًا من الحياة الثقافية التي تتأثر بدورها بعوامل السياسة والاقتصاد وضغوط المجتمع، لكن مع ذلك، ليس لنا غنى عن الجوائز وإن تسيّست، ودورها مهم وإن اشتد الخلاف حولها. هنا من المهم أن نتذكر أن التسييس والخلاف نسبيان لأن الجوائز تتباين في مدى تأثرها بتلك العوامل وفي مدى إثارتها للجدل. لننظر مثلًا في مدى الشفافية في عمل تلك الجوائز: أكثرها سري وكلما ازدادت السرية قلت القيمة المعنوية للجائزة، حتى إن ارتفعت قيمتها المادية، لأن ما يحدث حينئذٍ هو احتمال أن يطغى البعد السياسي والقرار الفردي وتتضاعف الشكوك حول معايير الاختيار. وفي هذا السياق أرى جائزة البوكر من أكثر الجوائز شفافية لأنها تتبع معايير عالية في الشفافية منها الكشف عن أسماء المحكمين بعد إعلان الفائزين ومطالبتهم بتبرير اختياراتهم علنا وهذا ما لا تفعله معظم الجوائز. فأكثر الجوائز تعلن عن الفائزين بطريقة لا يكون للمحكمين فيها دور لأنهم لا يعرفون بعضهم ولا ما اختار زملاؤهم، الأمر الذي يجعل الاختيار النهائي في يد لجان عليا قد تتأثر بإملاءات سياسية أو اعتبارات شخصية.
اهتمامات نوعية
لا ينكر قارئ مدى اهتمامكم بالشعر في معظم أعمالكم النقدية مع أنكم قاربتم الرواية في أكثر من كتاب، فما نوع العلاقة الخاصة التي تربطكم بفن الشعر؟
أنا متخصص في الشعر على المستوى الأكاديمي، درسته ودرّسته أكثر من غيره، والسبب يعود إلى تعلق شخصي قديم، ارتباط عاطفي وتربية أسرية ووسط يهيمن عليه الشعر. وككثير من الشبان بدأت حياتي الأدبية بالشعر، نشرت قصائد مبكرة في جريدة الرياض حين كنت طالبًا في الجامعة هي أول ما نشرت في الصحف، أي إنها سبقت المقالات، وكنت أظنني سأواصل المسيرة، لكن المسيرة لم تلبث أن تأثرت بالنقد والتحليل فصرت قارئًا للشعر ودارسًا له أكثر مني منتجًا، وصار أقصى حلمي أن أصعد بقراءتي للشعر إلى ما يقترب من عمقه وجماله وأهميته حين يتمثل ذلك في القصائد التي تشدني وتستدعي تفاعلي معها.
المكون اليهودي
لديكم عمل علمي موسع عن «المكون اليهودي في الحضارة الغربية».. كيف تنظر إليه اليوم؟، وهل يمكن النظر إلى هذا المكون على أنه جزء أصيل من ثقافة قديمة، ذات أصل مكاني أو زماني؟
المكون اليهودي واحد من مكونات عديدة شكلت الحضارة الغربية، ومع أنه مكون متصل بالجذور الدينية التي تربط المسيحية باليهودية عبر تاريخ مشترك وكتاب مشترك أيضًا، بالنسبة للمسيحيين على الأقل الذي يعدون العهد القديم جزءًا من تراثهم، فإن المقصود بالمكون اليهودي في كتابي ليس ذلك البعد الديني ولا الكتاب والمفكرين الذين تناولتهم متدينين في الغالب. الكتاب دراسة لمكون علماني إلى حد بعيد، مكون فلسفي وثقافي وإبداعي بدأ تشكله في تقديري مع سبينوزا في القرن السابع عشر واستمر عبر إسهامات عدد كبير من المفكرين والكتاب والفنانين (ماركس، فرويد، دريدا،.. إلخ) وما زال مستمرًا. هو مكون يتسم ببعده «الأقلَّوي»، أي من حيث إنه صادر عن جماعات يهودية مختلفة في انتمائها الإثني وخلفيتها الدينية عن الأكثرية المحيطة بها، جماعة طور بعض أفرادها رؤى فلسفية وفكرية عامة وإبداعية من خلال موقعهم بوصفهم مختلفين عن الأكثرية المسيحية، كما شهد بذلك عدد لا بأس به من الباحثين الأوروبيين مثل سوزان هاندلمان في كتابها «قتلة موسى» ومثل المجلد الضخم الذي أصدرته جامعة ييل أواخر التسعينيات حول «الكتابات والفكر اليهودي في الثقافة الألمانية». هم أفراد يحملون هوية يهودية إثنية وثقافية رأتهم الأكثرية الأوروبية ثم الأمريكية البيضاء والمسيحية من حيث هم مغايرون لتلك الأكثرية. تلك الجماعة أو الجماعات تعرضت للاضطهاد وأُشعرت دائمًا إما بدونيتها أو باختلافها، كما أكد ذلك جاك دريدا حين تحدث عن تربيته اليهودية في الجزائر، وكما يتضح من دراسة تاريخ الجماعات اليهودية في أوروبا والغيتوات التي عاشت فيها ووصلت أسوأ حالاتها في الاضطهاد النازي الإجرامي تجاهها. الكتاب تفصيل لهذه الأطروحة الإشكالية بطبيعتها.
المدينة والرواية
ترحلت كثيرًا وتنقلت بين البلدان والمدن وعلى ضوء هذا أصدرت كتابًا عن المدينة في الرواية والسينما، فكيف تقيم الوعي بالمدينة في الرواية السعودية؟
ذكرت في إجابة سابقة أن المدينة كانت محور تحول في الأدب السعودي عامة وهي أظهر في الرواية منها في أي نوع أدبي آخر، فالفن الروائي نفسه يحمل في مجمله ملامح المدن سواء في الآداب العالمية أو الأدب العربي أو السعودي منه. قارئ الرواية السعودية سيتذكر العديد من المدن التي شكلت فضاءات السرد لدى العديد من الروائيين سواء عدنا للمراحل المبكرة في «التوأمان» لعبدالقدوس الأنصاري» ثم «سقيفة الصفا» لحمزة بوقري، أو للمراحل الأحدث. لكن المراحل الأحدث جاءت أكثر اتصالًا بعالم المدن. مجمل المنتج السردي لإبراهيم الناصر وغازي القصيبي وتركي الحمد وأميمة الخميس وبدرية البشر وعبده خال ويوسف المحيميد ورجاء عالم وليلى الجهني وغيرهم يقع في شوارع المدن وفي أحيائها ويتشكل من خلال طبيعة الحياة فيها وما تزخر به من مشكلات وطموحات، من جمال وقبح.
يشير بعضهم إلى أن الطفرة الاقتصادية بسبب النفط أثرت سلبًا في وعينا بالمدينة. هل يصح هذا القول اليوم، مع أجيال لم تعرف أصلًا سوى المدينة؟
الأجيال التي لم تعرف سوى المدينة تدرك، أو ينبغي لها أن تدرك، أن النفط كان قوة رئيسة وراء بناء المدن بصورتها الحالية. إن لم تدرك ذلك فهي بحاجة إلى بعض الوعي التاريخي لتدركه، ذلك أنها حقيقة ماثلة. ذلك الجيل، وليس الأجيال، هو الذي يعمل الآن وفق خطة 2030 التي ما كانت لتتبلور لولا الوعي بضرورة الخروج عن الاعتماد على النفط وإدراك السلبيات الناشئة عن ذلك الاعتماد. فالوعي حاضر وقد ذُكّروا به ويذكّرون. وأظن أن الأدب الذي ينتج ضمن هذا الوعي يحمله بالضرورة.
لمَ إذن ظلت المدينة تراوح مكانها في الرواية السعودية، حتى مع الجيل الجديد المرتبط بالمدينة عضويًا وروحيًا؟
لا أدري إن كان ذلك صحيحًا. هل المدينة فعلًا تراوح مكانها في الرواية؟، لم أر ذلك في تأملي لتمظهرات المدينة في الرواية. هناك مدينة في روايات عبده خال تختلف عن المدينة في روايات ليلى الجهني أو في سرديات يوسف المحيميد، وجدة خال ليست رياض بدرية البشر، ليس من حيث إنهما مدينتان مختلفتان أساسًا وإنما لأن توظيفهما الروائي يختلف. هناك مدن تاريخية في رواية محمد علوان «موت صغير» ليست كتلك التي نجد في مدن تاريخية تقابلها في رواية أميمة الخميس «مسرى الغرانيق في مدن العقيق»، وهكذا.
تبدو عناوين مؤلفاتكم لافتة ومستفزة في آن وتفرض على المتلقي قراءة متأملة، فكيف تختارون عناوينكم؟
يسعدني أن تكون عناوين كتبي لافتة، ولكني لم أتمنَّ أن تكون مستفزة ولم أصغها لتكون. العناوين بوابات لمحتويات الكتب والمقالات وغيرها مما يدعو القراء أو ربما يغريهم أو حتى يستدرجهم، وأظن أن فكرة الإغراء والاستدراج -وهما أقوى من الدعوة- مطروحتان باستمرار في صناعة التأليف والكتابة. فالكاتب مسوق في نهاية المطاف، يسعى لتسويق بضاعة، مع أنني أكره النغمة التجارية في هذا التشبيه. لكن حقيقة الأمر هي أن صاحب الفكرة أو الرؤية يهمه وصولها إلى متلقٍ قد لا يغريه عنوان جامد، بل قد تصرفه بعض العناوين، وأظن أن من العناوين ما يَظلم ما بين دفتي الكتاب بأن ينفر القارئ، مثلما أن منها ما يغريه بقراءة ما لا يستحق عناء القراءة، أي أن من العناوين ما يكون مخادعًا. ما أسعى إليه هو عناوين جاذبة لكنها لا تغري بما لا تستطيع الوفاء به، تدعو دون أن تعِد، وتستدرج دون أن تكون فخاخًا.
تضمن كتابكم «حوارات ومكاشفات» حوارات فكرية وأدبية معكم بالإضافة إلى بعض التجارب التي كان من الصعب الكشف عنها في الخطاب الثقافي. من وجهة نظركم ما أهمية الحوارات الثقافية للمثقف بشكل عام؟، وما مدى ارتباطها الفكري بسيرته باعتبارها أحد المصادر التعبيرية منه وعنه؟
لي مع الحوارات تجارب تكفي للتيقن من أنها قادرة على حمل ما لا تحمله المقالات، أقصد أنني أفدت كثيرًا من قراءة حوارات فتحت آفاقًا في أعمال بعض الكتاب لم تفتحها كتبهم نفسها. أذكر مثلًا حوارات لرولان بارت وإدوارد سعيد وميشيل فوكو وغيرهم، كانت منافذ لأعمالهم لم تتحها أعمالهم. ذلك أن الحوار يستدعي من الكاتب قول ما لم يكن ليقوله لو أنشأ خطابًا ذاتيًا كما يحدث عند الكتابة والتأليف. لا أقصد هنا أن أقارن نفسي بتلك الأسماء الكبيرة لكني أردت لفت الانتباه إلى اختلاف أنواع الحوار. ففي الكتابة والتأليف ينشأ حوار مختلف، حوار داخلي بين الكاتب ونفسه تتدخل فيه عوامل ذاتية وتصورات للذات وللعالم لا يتدخل العالم الخارجي فيها إلا بقدر ما تسمح به الذات، في حين أن في الحوار مع شخص آخر، كاتبًا أو صحفيًا أو غير ذلك، يجد الإنسان نفسه مضطرًا للاستجابة لما لم يتوقعه أو مالم يخطر بباله من أطروحات قد يكون بعضها مما يهمه الحديث فيه ولكن بعضها قد يكون مما يتفاداه هو سواء بوعي أو دون وعي. الحوارات تستدرج الكاتب إلى عوالم مختلفة من الخطاب والتفكير قد يفيد منها هو ولكن المستفيد الحقيقي منها هو القارئ أو المتلقي (حين يكون الحوار مسموعًا). والحوارات التي أقصد ليست تلك السهلة السريعة التي نصادف في الصحف غالبا وإنما هي تلك الصادرة عن استيعاب معمق لأعمال الكتّاب، استيعاب يضع المحاور على قدم المساواة مع من يجري الحوار معه، وهذا في حكم النادر لأن الغالب هو الحوار الخفيف السريع. وفي هذا السياق أذكر حوارات بعينها في كتاب «الحوارات» كانت «مكاشفات» بالفعل لي ولمحدثي أشرت إلى بعضها في مقدمة الكتاب، ومن هنا جاء عنوان الكتاب.
الملاحق الثقافية
انتقدت كثيرًا الملاحق الثقافية في الصحف السعودية، فما شكل الملحق الثقافي الذي تبحث عنه؟
ليس في ذهني شكل محدد للملحق الثقافي وإنما هناك متطلبات تجعل الملاحق مواكبة للحياة الثقافية. لو نظرنا إلى مجمل الملاحق، ليس في المملكة وحدها وإنما حتى على المستوى العربي، سنجد أنها في المجمل ملاحق مقالات، وهي مادة أساسية ومطلوبة دون شك، لكن ما يغيب عن الملاحق هو النشاط الميداني، المتابعة لمجريات المشهد الثقافي. قل من يكلف نفسه بتغطية النشاط الثقافي، كما يحدث مثلًا في النشاط الرياضي، مع أن المشهد يمور بالندوات والمحاضرات والمعارض الفنية وغيرها. إن كُتبت لهم تغطيات نشروها، أما إن لم تكتب فإن العمل يظل مكتبيًا، لصق ولزق، لا صلة له بحيوية المشهد إلا في النادر الذي لا يقاس عليه. أضيفي إلى ذلك غياب الندوات التي يفترض أن تقوم بها الصفحات الثقافية والتي توفر مادة حية ومواكبة لمتغيرات الحياة في الأدب والفكر والفن. لكن لأن ذلك فيه «وجع راس» وجهد إضافي فهم يعزفون عنه. وإلى جانب ذلك كله يندر أن تقوم الملاحق الثقافية عادة بالمبادرة إلى نشر مراجعات للكتب إلا ما أرسل بمبادرة من الكتّاب أنفسهم، الملاحق لا تبادر إلى تكليف من يقوم بتلك المراجعات كما يحدث في الصحافة الثقافية في العالم المتحضر. هذا مع أنني أدرك أن جزءًا من المشكلة يعود إلى ضعف الدعم المادي للصحافة الثقافية والنظر إليها نظرة دونية من قبل القائمين على الصحف والمجلات. تلك مشكلة لا يستطيع المرء تجاهلها، لكن في المساحة المتاحة قدر كبير من إمكانيات الإنجاز التي لا يحول دونها سوى الكسل والتواكل التقليدي التي تجعل المحررين لا يحضرون الندوات ولا يقومون بالتغطيات ولا يديرون الندوات.
السيرة الثقافية
متى سنقرأ مؤلفا مطبوعا عن سيرتكم الثقافية الغنية؟، ولماذا تأخر صدوره؟
ظل مشروع السيرة الذاتية أو المذكرات يلاحقني ويلح عليّ زمنًا طويلًا حتى بدأت فعلا بالتدوين لكن المهام الأخرى ظلت وما تزال تلح أيضا فتؤجله عامًا بعد آخر. ولعل الشعور المتفائل بأن الزمن ما زال يخبئ ما هو أهم أو ما لا يقل أهمية من بين أسباب التأجيل أيضا. لكن الحقيقة هي أن الكتابة المباشرة عن الذات أمر ليس بالسهل ولا يدركه إلا من جربه كما ينبغي أن يكون. هناك مذكرات سهلة، تتجاهل الحسّاس والمهم والعميق في حياة الإنسان لصعوبة الخوض فيه فتتعمد إغفاله، في حين أن أخرى تواجه التحدي الصعب وهو مواجهة الذات بل استجوابها حين يكون لا مناص من الاستجواب، وهو ما تتردد أمامه النفس ويخشاه الوعي، ما أود نشره هو ذلك النوع الصعب من المذكرات أو السيرة وأرجو أن أتمكن من ذلك.