لقيت ظفار عبر التاريخ اهتماما كبيرا من المؤرخين والباحثين والرحالة في عصور مختلفة، لكن جراء كبيرا من ذلك التاريخ الضارب في القدم بقي مجهولا غلى سنة 1988 عندما أظهرت الاكتشافات بان ظفار هي موطن اقدم حفريات في شبه الجزيرة العربية عاشت على المياه العذبة، وعلى اليابسة والتي يقدر عمرها بأكثر من 35 مليون سنة تقريبا.
وأكد الفريق العماني/ الفرنسي الذي أشرفت عليه وزارة النفط والمعادن انه تم العثور على بقايا الحيونات متحجرة منقرضة، في مناطق الاكتشاف غرب مدينة طاقة ومنطقة ثيتنتي في جبال المنطقة الغربية، وأهم هذه الحيوانات التماسيح والفيلة والقرود وحيوانات شبيهة بالكنغر الاسترالي. ويعتقد الفريق الباحث أن ظفار في تلك الأزمان كانت ذات انهار وأشجار ولم يكن للبحر وجود آنذاك.
وقد عقدت بهذا الخصوص ندوة منذ سنوات بجامعة السلطان قابوس تحدث فيها أعضاء الفريق عن هذه الاكتشافات الجيولوجية والأثرية في محافظة ظفار،وقالوا انهم خلال هذه الرحلة الاستكشافية العلمية التمهيدية التي غطت مساحة كبيرة من الكليرمترات..
كانت نتاع الاكتشافات في هذين الموقعين تعطي مؤشرا قويا على نمني احتمالاتها.. وقد أثبتت الفحوصات المختبرية ان مناك حيوانات غريبة يعود بعضها الى أجناس معروفة، وهذا يؤكد أن هناك بقايا حفريات لم تكن قد عرفت للبشرية في بعض المناطق من الكرة الأرضية.
وبهذه الاكتشافات تثبت ظفار بسلطنة عمان أعميتها العلمية باحتوائها على دلائل مؤكدة عن أصل الحيوانات في العالم وكيفية انتشارها، إلى جانب غناها بثروة اثرية جيولوجية كبيرة وذات قيمة هامة وفق ما قرره الفريق المكتشف.( 1)
ظفار في العصور القديمة
اكتسبت ظفار أهميتها في العالم القديم وعصور الحضارات المزدهرة. كالحضارات السومرية والفرعونية والبابلية والرومانية وغيرها من الحضارات والمشوب القديمة لوجود "اللبان" تلك الشجرة التاريخية الهامة في تلك العصور كما ورد في اللوحات القديمة والكتابات والرسوم نظرا لمكانة شجرة اللبان وهادتها الثمينة دينيا واقتصاديا ومحيا حث تعد مدينة سهرم شرق ولاية طاقة التي تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، أحدى المدن الهامة التي بنيت بعد ظهور تجارة اللبان مع الحضارات القديمة، وتفوقت أهميته التصديرية للخارج. ولما كان اللبان السبب الأكثر بروزا عبر التاريخ في مشهرة ظفار في العالم القديم م فقد شغلت مساحة حضارية هامة في التاريخ لكونها مصدرا أساسيا لهذه المادة إلى جانب مادة الصمغ أيضا، وكان أثره كبيرا على تطور تاريخ المنطقة وعلى المنطقة الأوسع في الشرق الأوسط.
وقد أثار ´´اللبان ´´ في ظفار اهتمام المؤرخين الأوائل وكتبوا عن هذه السعة منذ عام 400 قبل الميلاد، بدءا من المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت ثم بيليني وبطليموس وديودورس وسترابو وغيرهم..وهؤلاء جميعهم تركوا انطباعات واشارات. كما تقول المصادر التاريخية. عن أممية اللبان وندرته في العالم، والتي كانت سببا في ازدهار المنطقة التي تحتكر انتاج اللبان وكان الطلب التجاري عليه من.مم العالم القديم، لا يضاهيه الطلب علي أية هلعة أخرى.( 2)
وقد مشكل ميناء سهرم مركزا بحريا هاما لتصدير اللبان الى العالم القديم، بالإضافة الى المراكز البرية المعروفة التي انتشرت على طول قوافل تجارة اللبان، كانت حضارات الشرق الأدنى تعتمد على ميناء سهرم في جلب ما تحتاجه من اللبان اللازم لمعابدها.
ومن الطرق القديمة التي ورد ذكرها من المؤرخين والجغرافيين الأ وائل، الطريق الذي يربط بين ظفار وشرق بلاد العرب حتى بلا سومر في العراق. فالطريق البري يبدأ من ظفار غريا عن طريق النجد الى جنوبي مدن الجزيرة العربية مثل شبوة وحضرموت،ثم شمالا الى نجران حتى غزة، ويذكر لنا المؤرخ (سترابو) أن الرحلة البرية تسلك طريقا مباشرا عبر منطقة الربع الخالي.( 3)
وتذكر بعض المصادر التاريخية.ن الجغرافي بطليموس أول من رسم خريطة لمنطقة ظفار ظهرت نسخ منها في القرن الثاني عشر الميلادي، من مصادر عربية وأوروبية تعكس رؤية بطليموس لجغرافية المنطقة، حيث وضح موقع تصدير اللبان سهرم، ( خور ووري) وقد حدد بطليموس هذه المنطقة (ظفار) وسماها (سرق العمانيين )( 4)
والحديث الذي يدور عن العلاقات التجارية الواسعة مع ظفار لا يتضح الا اذا عدنا. كما يقول البروفيسور بوريس زاريتز. الى العصر الحجري الحديث حيث كانت هناك معابر الطرق التجارية وخاصة الريع الخالي، بدليل أن الأواني والمعدات التي تنتمي الى العصر الحجري الحديث قد وجدت على طول المنطقة وفي كل بقعة من مشبه الجزيرة العربية. ووجدت بقايا هذه الحضارة في محافظة ظفار وفي شال عمان وفي المناطق الداخلية من اليمن، وفي منطقة عسير.. وعثر على نماذج من فنون الرسم من تلك الحقبة على جدران الصخور والكهوف.
بداية الروابط التجارية في ظفار
أعقب عهد العصر الحجري الحديث ما يسمى بالعصر البر ونن ي الذي يؤكد روابط شرق شبه الجزيرة العريية مع غريها ومع عمان ومع بلاد السومر في جنوب العراق.. ويعود تاريخ أول النقوش الكتابية في حضارة السومريين الى نحو 3200 قبل الميلاد، ومي الفترة المعاصرة الى العهد الأخير من العصر الحجري في منطقتي ظفار والربع الخالي، وقد عثر على عدد من اللوحات السومرية " الكتابة القديمة" مكتوب عليها ´´بخور´ وفي سجلات أخرى نجد معنى أدق وهو تعبير´´ البخور المستخرج من أشجار اللبان ".. ومناك تعبيرات أخرى معناها البخور المطلوب للحكام والقساوسة. وتنبئ الكتابات الأولية أن هذا البخور كان يقاس عن طريق الوزن. وكان يخلط معه الزيت.و الشحوم لاستخدامه لأغراض الطقوس الدينية وكعلاج وكبخور عطري..ما كلمة " الصمغ ´´ فلم تظهر الا في الكتابات الآشورية اللاحقة في حوالي عام 1800 قبل الميلاد. وكان اللبان من واقع النقوش الكتابية يصدر الى بلاد ومناطق العراق القديم عن طريق البحر. كما أثبتت الاكتشافات قيام هذه التجارة عبر الطرق البرية.( 5)
ويؤكد الباحثون أنه منذ حوالي 5000 سنة قبل الميلاد الى 1800
قبل الميلاد كانت هناك صلات تجارية مع الحضارة السومرية والبابلية والآشورية في بلاد العراق القديم حيث تتزايد الطلبات نحو العطور القادمة من شرقي شبه الجزيرة العربية ومناطق الربع الخالي وظفار، وكانت هذه التجارة مزدهرة أيضا مع الحضارة الفرعونية، فقد أشارت أدلة أثرية كثيرة على وجود علاقات مزدهرة بين الفراعنة في مصر وبين حضارة ظفار، والتي أطلقت عليها النصوص الفرعونية بلاد (بونت )، وأن أقدم ما ورد مسطرا على الآثار المصرية وصلتها ببلاد (بونت ) هي البعثة التي أمر بارسالها الملك ساحورع من الأسرة الخامسة في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد الى تلك البلاد، وبقيت مناظرها على بقايا جدران معبد في (أبو عير ) ثم جاء ذكرها مرة ثانية على حجر بالرمو، وفيه تفصيل لما عادت به الحملة من خيرات بلاد بونت (ظفار) مثل الحيوانات وبعض الأ حجار نصف الكريمة، إلى جانب السلع الرئيسية من الرحلة وهي اللبان والبخور، وزادت صلة الفراعنة ببلاد ظفار في عهد الأسرة السادسة إلى حد كبير، وفي أحدى مقابر أمران وفي نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد بلغ من اهتمام الملوك بالتجارة مع بونت (ظفار) أن الملك منتوحتب أرسل مدير خزائنه لإحضار البخور من ظفار،على أن أشهر رحلات الفراعنة الى ظفار تلك الرحلة التي أمرت بها الملكة (حتشبسرت ) منذ بداية الألف الثانية قبل الميلاد تحت قيادة وزيرها، ونقشت مناظرها على جدران معبد الدير البحري في طيبة والتي عادت من عمان محملة بخيرات بونت (ظفار) من بخور وعطور وأخشاب وحيوانات.( 6)
وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية في ثبا الجزيرة العربية، وفي مصر هذه الصلات التجارية منذ 1500 قبل الميلاد وقد كشفت الحفريات في منطقة غزة هذه العلاقة، حيث إنها كانت نقطة النهاية للتجارة البرية الغربية.
وفي النصف الثاني من الحقبة في الألف الأول قبل الميلاد ازداد الطلب على اللبان نتيجة الاستهلاك المتزايد في كل من بلاد ما بين النهرين وسوريا واليونان وروما حيث ارتفع الطلب إلى قمته في القرون الأولى الميلادية. وكان ذلك هو العصر الذي كان فيه اللبان أهم سلعة على الإطلاق يجري تصديرها من بلاد العرب الى الغرب وكذلك بلاد السند والصين.
ميناء سمهرم
يعتبر ميناء سهرم ( ووري ) الذي يقع مشرق ولاية طاقة بمحافظة ظفار من الموانئ المشهورة لتصدير البخور والتجارة الأخرى الى العالم القديم والوسيط منذ الألف الخامس قبل الميلاد كما تقول بعض المصادر التاريخية، ولاقت تجارة الكندر ´´ اللبان ´´ رواجا كبيرا من الحضارات القديمة لأسباب دينية ´´ كانت الرفاهية التي تحفل بها سهرم مرجعها إلى موقع وطبيعة الميناء، حيث يقع الميناء تقريبا في منتصف المسافة بين كل النقط البعيدة، مثل تلك اللاتي في الخليج العربي، وفي البحر الأحمر، والنقاط التي توجد في الهند ( تقريبا على خط ستقيم غرب بومباي ) والنقاط التي توجد في افريقيا بالإضافة إلى النقاط التي على طول الساحل الجنوبي للجزيرة العربية نفسها، وعند الوصول لهذه المنطقة، كان المسافرون يصطفون على طول الساحل قدر ما يمكنهم مرحبين وسعيدين بالميناء الخالي من العواصف.والميناء أشبه بمصب نهر هو مدخل وادي در بات وبالتقدير التقريبي فان المسافة بين الصخرتين الواسعتين عند مدخل الميناء ( الانقطاعتين ) تقريبا حوالي 300 متر وعرض الميناء المواجه لمدينة سهرم هو 200 متر، والمدينة تبعد حوالي 800 متر من الصخور وربما كان عرض الميناء القديم عند المصب مساويا للمسافة بين الصخرتين وكان طوله يمتد الى ما وراء المدينة ويضيق بصورة ملحوظة عند هذه النقطة، لقد كان حجم الميناء مناسبا لسفن القرن الأول الميلادي ´´.( 7)
وكانت ظفار في ذلك العصر تسمى بأساء مختلفة مثل ´´بلاد بونت ´´ عند الفراعنة و´أوفير´ عند الرومان و أو بار´´ عند بعض المؤرقين الأجانب والمسلمين ´´ فقد دلت الاكتشافات الأثرية التي أجرتها البعثة الأمريكية في حصن سمهرم (خور ووري) الميناء الشهير لتصدير اللبان أن ظفار كان يطلق عليها في الزمن القديم (أوفير)، كما عثر على تنثر بالخط المسند يبين أهمية منطقة ´´سهرم ´´ والتي يقول العالم الأثري وندل فيلبس أنها تزامنت مع مملكة حمير في القرن الأول الميلادي إلا أن بعض المؤرقين يؤكد أنها عبقت هذا التاريخ بعشرات القرون وربما يزيد.
كانت ظفار مسرحا لتجارة مزدهرة ورائجة في العصور الغابرة وذكرت بعض المصادر أن النبي سليمان عليه السلام كان يرس أسطوله في البحر الأحمر إلى ´´أوفير´ لجلب البخور واللبان والفضة والذهب وان العلاقة بين مملكة سليمان و´أوفير´ كانت علاقة صداقة.
ويروي بعض المستشرقين المهتمين بالتاريخ القديم أن منينة النبي سليمان عليه السلام رمت في بحيرة (سمهرم) وأخذت الجرار المملوءة باللبان تتدحرج من أعلى الجبل فتمتقع في السفينة التي أبحرت باللبان من (أوفير).. ويتحدث ´´بيرين ´´ وكذلك ´´بيسترن ´´ أن هذه المنطقة المنتجة للبخور لم تكن فقط منطقة مهجورة تقوم بتصدير سلعة هامة بل إنها كانت جزءا من مجتمع حضاري يرتع بهذا الثراء ´´.( 8) كانت الأهمية التجارية لهذا الميناء مجال تنافس وصراع بين الحضارات القديمة في فترات مختلفة وتذكر بعض المصادر أن الإغريق والرومان قاموا بعدة حملات للسيطرة على هذا الميناء ´´ وقام الأسكندر الأكبر بإرسال ثلاث حملات لاكتشاف الشواطئ العربية عام 324 قبل الميلاد، وكان يقود احداها الجنرال أندر ومتين، ولكن يبدو أن الفراعنة كانت لهم مملات تجارية أنشط مع المنطقة نظرا لحاجتهم الماسة للمر، واللبان، والذهب، والأشجار النادرة، التي كانت منطقة ظفار مصدرها الأهم إن لم تكن الأوحد. فقد فكر قدماء المصريين بوسيلة أخرى كان من ثمارها شق قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر. ومن هذه القناة تنتقل السفن إلى جنوب الجزيرة العربية للحصول على البضائع المختلفة. ويقال ان اللبان الصافي لا تنبت أشجاره الا في ظفار منذ آلاف السنين، ونتيجة لهذه الشهرة كان الإغريق يطلقون عليها البلاد السعيدة ( أربيا فيلكيس ) أما الرومان فيطلقون عليها بلاد البخور والعطور والقصور´´.( 9)
ظفار في الكتابات الإسلامية
كتب بعض المؤرخين المسمين عن مدينة (أوبار) وحددوا موقعها بشمال ظفار ومن هؤلاء نشران بن سعيد الحميري الذي يثير إلى أن أو بار كانت الاسم الذي يطلق على الأرض التي تملكها قبيلة عاد لكنها جفت بسبب فقدان المياه، وأن بها مباني عالية وكبيرة نمطتها الرمال بفعل الرياح. ويثير المؤرخ الطبري محمد بن جريي أبو جعفر (310-1295) الى أن أو بار منطقة ضربها الجفاف بينما يثير الكسائي الى أن الرياح العاتية دمرت أو بار وهو ما ذكره القرآن الكريم عن قوم عاد. ويعطينا ياقوت الحموي (626 -1228 م ) وصفا جغرافيا دقيقا عن المنطقة اذ يقول أن أو بار أرض واسعة يبلغ عرضها نحو 300 فرسغ ´´40 ميلأ´´.. وهي أرض خصبة للغاية وغنية بثروتها المائية، وبأشجارها الكثيفة بما في ذلك أشجار الفاكهة، وقد تعاظم ثراء الناس بسبب الخصوبة العالية للأرض.
إلا أن الآراء لم تستقر بعد بين المؤرخين حول ما إذا كانت أو بار هي أرض قوم عاد، وهل هي أرض واسعة أم مدينة محددة تقع في ظفار، لكن الدلائل وتأكيدات أغلب المؤرخين تؤيد أن ظفار هي أرض قوم عاد، وهذا ما أظهرته الكتابات والرسوم في الصخور والكهوف في بعض الأماكن والوديان في جبال ظفار.
ويذكر ابن المجاور (626-1221) أن هناك طريقا تسلكه القوافل التجارية يربط بين ويسرت وبغداد، وأن السلع الهندية والأقمشة كانت تنقل عبر ذلك الطريق من الهند إلى بغداد وتنقل إلى الهند تجارة تلك المنطقة.. ويشير أيضا إلى وجود طريق تجاري بين مرباط وطاقة القديمة، وعبر هذا الطريق كان العرب يجلبون الجياد مرتين في العام ويقايضونها بالعطور والسلع الفاخرة.( 10 )
وفي العصر الميلادي الأول بدأت تجارة البخور تقل عما كانت عليه في العصور السابقة لكن لم تتوقف تجار ته، وذلك نتيجة لعوامل تاريخية في العالم الروماني مما انعكس سلبا على الحضارة المزدهرة في المنطقة بسبب تراجع الإقبال على هذه التجارة،. وبعد سقوط الدولة الحميرية في ظفار (سهرم ) في القرن السادس الميلادي أي قبل وقت قصير من ظهور الإسلام. كما يقول الباعث س.ب مايلز. إلا أن ظفار الساحل (ويقصد مرباط ثم البليد) اعتمرت في التوسع والازدهار. وبعد عامين من وفاة الرسول صلى الله عليه وملم زار الصحابي عكرمة بن أبي صفيان ظفار قادما من بعض المناطق في عمان موفدا من الخليفة أبي بكر الصديق. رضي الله عنه. بهدف تثبيت الدعوة الإسلامية واخماد بعض الفتن وتهدئتها، ويقال إن الصحابي عكرمة جاء ظفار عن طريق الساحل، إلا أن البعض يقول انه جاء عن طريق النجد والجبال وقد عبر الصحراء التي تفصل بين المنطقتين وقد نجر في مهمته تلك.(11)
وحاول عدد من ´´ الجغرافيين العرب أن يخلطوا بين ظفار وأخرى، وأدلوا بمعلومات غير دقيقة عنها، إلا أننا نعلم علم اليقين أن ثمة مدينتين بنفى الامم تعرف احداهما بظفار آل زيد والأخرى بظفار الساحل، والتي هي الآن محور حديثنا، فقد سقطت الأولى بنهاية الأسرة الحميرية في القرن السادس من عصرنا أي قبل وقت قريب من ظهور النبي محمد ملي الله عليه وسلم، ولم يكن عمرها يتعدى أكثر من ستة قرون على وجه التقريب، بينما ظفارالساحل من ناحية أخرى اعتمرت في التوسع والازدهار، وبقيت لآلاف السين ميناء مزدهرا كثيف السكان، غير أن تاريخها القديم قد تلاش من الذاكرة، ولم تسلط عليها الأضواء الا بعد انتشار الإسلام في الجزيرة العربية، وحتى بعد ذلك فإن الأضواء التي سطت عليها كانت باهتة وعابرة بحث لا نستطيع أن نرسم صورة مستقيضة عن أحداثها التاريخية ´´ ( 12)
منطقة شصر
تعد منطقة ثمر الأثرية أحد المواقع المشورة في كتابات المؤرخين وتبعد 160 كيلومترا من مدينة سلالة في النجد على الجانب الجنوبي لصحراء الربع الخالي، وسميت بأساء عديدة الأشهر منها ´´ وبار´´ أو ´´ أو بار´´ كما يعتقد بعض الباحثين. وقد " أورد ملمة العوتبي النسابة العماني ( من القرن الخاسر الهجري لم الحادي عشر الميلادي ) معلومات عن أو بار تعتمد على النسابة العرب السابقين ويذكر بأنها من منازل ´´ بنو سام…وكانت أخصب بلاد العرب… لأن نوحا…كان قد قمم الأرض في حياته بين أولاده الثلاثة سام وحام ويافث، فكان أولاد سام ينزلون هذه البلاد ´´. كما أورد شيخ الربوة الدمشقي ( توفي 727/ 1327م ) فقال ان أو بار´´ إذا دنا الإنسان منها رأى خصبا كثيرا وكروما ونخلا وعيونا فإذا أراد الدخول اليها حثا وجهه التراب بقوة وإذا أبى إلا الدخول انصرع وخنق ´´. وأفرد لها ابن منظور ( 630. 711هـ / 1232. 1311م ) في لسان العرب موقعا فقال : ´´ أو بار أرض كانت من محال عاد بين اليمن ورمال يبرين فلما ملكت عاد أورث الله ديارهم الجن فلا يتقاربها أحد من الناس ´´( 13 ). ونتيجة الاهتمام الذي ابداه بعض الرحالة الغربيين لإكتشاف هذه المدينة القديمة وآثارها أن جرى التنافس بين هؤلاء على ´´ اجتياز صحراء الربع الخالي لتحديد موقع مدينة ارم، أمثال فيلبي، ولو راس، وتوماس، وفيليس، وثييجنر، وذلك لتحديد موقع المدينة العربية المفقودة من ناحية، ومعرفة مجامل رمال الربع الخالي من ناحية أخرى. وكانت أغب هذه الرحلات تنطلق من مدينة سلالة بظفار بواسطة قوافل الجمال وخبراء الدروب الصحراوية من ظفار ( 14) بدأ ازدهار منطقة مثمر في العصر الإغريقي والروماني حتى القرن الخاسر الميلادي، لكنها عبقت هذا التاريخ كنير. كانت آخر فترة تاريخية في ثمر كما تقول بعض المصادر تعود إلى القرن الثالث عشر حتى السادس عشر الميلادي، بدليل وجود الأواني الصينية الأصل والزجاج الملون باللون الأخضر دلالة على ازدهار التجارة، ويقول بعض المؤرخين إن شصر تعرضت للتدمير بواسطة البرتغاليين في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، إلا أن هذا الرأي ليس دقيقا لأن البرتغاليين تمركزوا عند وصولهم ظفار في أعلى قمة ريسوت ( ميناء صلالة ) وبنوا بعض التحصينات هناك، إلا أنهم واجهوا مقاومة شديدة بعد عدة أسابيع أو ربما أقل من دخولهم ظفار.
كانت ثمر تمثل المركز الرئيسى لتجارة ظفار البرية مع الحضارات القديمة، وبحلول العصر البرونزي والعصر الحديدي اعتمر الازدهار التجاري حث كانت تشتمل على تجارة العطور وخاصة اللبان كما ذكرنا آنفا وارتبط هذا النشاط التجاري بين ظفار وبلاد ما بين النهرين ومع الرومان والإغريق والفراعنة.
واستمر الموقع خلال العصر الإسلامي في ازدهاره بصورة أقل عما كانت عليه في عصور ما قبل الميلاد والعصر الميلادي، مع التركيز على تجارة البخور وتجارة الخيول.. وظلت شصر مرتبطة مع منطقة الربع الخالي ومع ساحل ظفار.
وانتهى الموقع وهجر في أوائل القرن السادس عسر الميلادي، ويقال إن تراجع قيمة اللبان في العصور الوسطى هو السبب في ذلك.( 15) وفي عهد جلالة السلطان قابوس بن سيد المعظم بدأت الدولة تهتم بالحفاظ على الآثار والمواقع التاريخية في السطنة ومن هذه الآثار والمواقع منطقة شصر الأثرية.وكانت اول متابعة لموقع شصر في بداية الثمانينات لكن ´´ البداية الحقيقية للعمل العلمي´´ المنظم" سجلها عام 1993 حين أصدر جلالة السطان قابوس بن سعيد أوامره بتشكيل لجنة وطنية للإشراف على مسح الآثار في ملطفة معان يرأسها معالي عبد العزيز بن محمد الرواس. وزير الإعلام، وان كانت قد سبقتها أبحاث متفرقة منذ عام 1989 فضلأ من بعض الأعمال الأولية التي قامت بها بعثة " ترانس اربيا ´´ خلال الأعوام 90وا 9 و1992. أثبت المسح الذي تم عام 1990 وجوه ثلاثة أنواع من الفخار، وجدار عرضه 90سم وطوله 50سم، وبداية ´´ برج ´´ ~عقبها اكتشاف برج آخر في الزاوية الشمالية الشرقية..وكونت جميعها جزءا من بناية. ثم اكتشفت بقايا طوب سقط من السقف، وبرج في شكل مربع، وعده من الغرف يبدو أنها بنيت في أزمان لاحقة. وتمكن المكتشفون من تنظيف صحن وبقايا بابي المدخل الرئيسي. وبعدها جاء اكتشاف البرج الرابع على شكر حدوة حصان فبرجين آخرين. والمباني الرئيسية محاطة بسور كبير، وهي عبارة عن عدد كبير من الغرف. كانت تلك هي المكتشفات الأثرية المعمارية تحت رمال منطقة شصر´´ من محافظة ظفار، والتي تقرر أن تكون مقرا للحفريات منذ السادس والعشرين من ديسمبر 1992.
ومنذ العام 6994 تركز البحث حول دراسة هذا المبنى الضخم المحاط بأبراج المراقبة الستة، وتاريخ بنائه والهدف منه (16).
المراجع والهوامش
* باحث من سلطنة عمان.
ا.عبدالله بن علي العليان.ظفار أقدم موطن حفريات في شبه الجزبرة العربية.عدد خاص بمناسبة العيد الوطني السابع والعشرن 18 نوفمبر
1997.
2- البحث التاريخي والأثري في محافظة ظفار. ندوة عمان في التاريخ " اعداد البروفيسور بوريس زارنيز. جريدة عمان 25 سبتمبر 1994
ص10.
3- البحث التاريخي والأثري في محافظة ظفار.مرجع سابق.
4- ( عمان في التاريخ) حصيلة الندوة التاريخية التي عقدت عام 1994 في مسقط اصدار وزارة الإعلام. طبع بدار اميل للنشر المحدودة. لندن
1995م.
5- البحث التاريخي والأثري في محافظة ظفار. مرجع سابق.
6- عمان ودورها الريادي بين الحضارات العالم بحث محمد علي الصليبي. فعاليات ومناشط المنتدى الأدبي 89/1990. وزارة التراث القومي والثقافة.
7- حفريات ظفار عام 1952. الفريق الأمريكي لدراسة الإنسان. ترجم وطبع على نفقة الشيخ/ زيد بن علي بن سالم الغساني. مراجعة وتصحيح سعيد بن مسعود المعشني ص 12،13.
8- تعقيب عبدالقادر بن سالم الغساني على بحث الدكتورة سحر عبدالعزيز سالم (تجارة عمان في الكارم وصداها) حصاد ندوة" العلاقات العمانية/ المصرية الجرء الثاني. اصدار المتنبي الأدبي. وزارة التراث القومي والثقافة. يناير 1992.
9- الآثار التاريخية في ظفار, سعيد بن مسعود المعشني. مطابع ظفار الوطنية 1997 ص 12.
10- البحث التاريخي والأثري في محافظة ظفار. مرجع سابق.
11- الخليج بلدانه وقبائله. س.ب مايلز. ترجمة محمد أمين عبدالله ط 4 1990. وزارة التراث القومي والثقافة. طبع بمطابع مؤسسة عمان للصحافة والأنباء والنشر والإعلان ص 464.
12- الخليج بلدانه وقبائله. مرجع سابق ص463؟
13- أحمد العبيدلي ( وبار " التي قالوا إنها أول منازل بني " سام) جريدة الحياة.2 أغسطس 1997. العدد (12573) ص 19.
14- الآثار التاريخية في ظفار. مرجع سابق.
15- البحث التاريخي والأثري في محافظة ظفار. مرجع سابق.
16- الاكتشافات الأثرية في ظفار. عاصم رشوان. جريدة الخليج الاماراتية 10 مايو 1996. العدد (6201).
عبدالله بن على العليان (باحث من سلطنة عمان)