تفتحُ مجلة ملفا خاصا تحاول عبره سبر أغوار نصف قرنٍ من تجربة البحث المعرفي والنقدي في عُمان، وذلك بعد أن شهدت عُمان العديد من التحوّلات التي طالت المجتمع العماني؛ (اجتماعيا، اقتصاديًّا، فكريًّا، نفسيًّا، وسياسيًّا، ونقديًّا….). متسائلين حول تمكن تلك الاشتغالات البحثية والمعرفية من رصد المرحلة وتحولاتها وتشظياتها، ودراسة ما أصاب الذات العُمانية في هذه المرحلة من تغيّرات؟
ولو رجحنا وجود خللٍ وتعطل للسؤال البحثي، فهل جوهر القصور كامنٌ في غياب دور المؤسسات المسؤولة أو غياب اشتغالات الأكاديميين، أو راجعٌ للتراخي الفردي، أم يتنامى حيز الافتراضات ليطال السؤال الأعمق حول غياب حريات التعبير؟
ولو فتحنا أفق السؤال أكثر حول دور الباحث الأكاديمي على وجه التخصيص، فهل هو مثخن بالأعباء التدريسية التي تمنعه من المشاركة المنتظرة؟ أم أنّ مؤسساته التعليمية والجامعية لم تشركه أصلا في العمل الذي يربطه بالمجتمع العُماني والفعل الثقافي كدور أساسي من أدواره، كما هو الشأن في كثير من جامعات العالم، الأمر الذي جعلنا نراه مُجمّدا ومحصورا على فعل التدريس والالتزامات الأكاديمية المعتادة، أكثر منه منطلقا في سؤاله النقدي، بالتوازي مع النتاج الأدبي والثقافي والتغيرات المستمرة التي تصيب القرية الكونية، وتؤثر في واقعنا المحلي بدرجة أو بأخرى.
ولو افترضنا جدلا وجود البحث المعرفي، والذي هو نتاج سنوات من الاشتغال ما بعد الجامعي، فهل هو مخبأ في الأدراج والإرشيفات الجامعية، ولم تطله يد الإعلام ولم تستفد منه مؤسسات الدولة، وهل يحصل هذا نتيجة إهمال، أم إنّ فكرة إعادة انتاج الأفكار وتدارسها لتحويلها لواقع ملموس، ما تزال فكرة معزولة عن التنفيذ!
والسؤال الأهم: كيف يمكننا إقناع المؤسسة الرسمية بأهمية البحث العلمي والمعرفي الرصين في تشريح الواقع الاجتماعي، وإعادة فهمه، وصوغ القرارات وضبط القوانين وفقا له؟
بالتأكيد، لا يمكن الإحاطة بموضوع بكل هذه الأبعاد والتأثيرات، ولكن يمكن استقراء المؤشرات الأولى، عبر بعض الأوراق التي تمّ استكتابها لاستشفاف تجربة البحث المعرفي في بعده الديني والأكاديمي والاقتصادي والإعلامي والفلسفي. فقد أشار الباحث خميس العدوي للشكوى المتكررة “من غياب الوثائق الحديثة، فماذا عن عقود أو قرون سقطت في غيابات الجب؟!”، والباحث الاقتصادي سالم الشيخ يثير مسألة، “قلّة الدعم المالي والحوافز المؤسسية وعدم ربط الدرجة العلمية بالدرجة المالية، الأمر الذي أدى إلى تراخٍ فردي أثر في المحصلة العلمية”، وترى الأكاديمية فاطمة الشيدي أنّ تفريغ الباحثين للعمل في فرق بحثية، لطرق مناطق النقد بلا خوف ولا اضطراب؛ قد يكون حلا جيدا ينعش الحياة الثقافية والمعرفية والفكرية. يؤكد الباحث زكريا المحرمي على أنّ التيار الديني “كأي تيارٍ حديثٍ وناشئ واجه ردّات فعل متحفّظة من التيار الديني التقليدي، ولكنه متفائل بالجيل الجديد وقدرته على التغيير، ويذهب علي الرواحي إلى “أنّ الانفجار الهوياتي، لم يعد خيارًا يمكن تلافيه، لقد امتدّ للذات المنغمسة في متاهات التقنية الحديثة”، وتعول الإعلامية سمية اليعقوبي هي الأخرى على الأصوات والتيارات الجديدة التي باتت “أمرا لازما لإنجاح محلية وسائل الإعلام”، وعملية النقد عموما.