ستيفان تونتيتش
إليّا لدين (Ilija Ladin) الاسم الحقيقي إليّا كوزيتش (Ilija Kozić)، ولد سنة 1929 وتوفي في سراييفو سنة 2001، ونال عدة جوائز.
مجموعاته الشعرية:
“قبلَك لم يكن شيء”، 1968
“قصائد عن الكوخ”،1975
“القصائد عن الطيور”، 1979
“من السماء إلى هنا”، 1973
“بدأت المعاناة” ، 1986
“هأنذا الليلة” ، 1989
“السيد مو”، 1995
“حين أحاسب” ، 1999
من السماء إلى الوراء، الطريق أقصر بكثير!
من السماء إلى الوراء، لا تحتاج الطيور إلى الأجنحة
ولم تكن هناك حاجة للزهور إلى الروائح
(الانقلاب الشتوي)
هذه هي الأرض ترتفع من تلقاء نفسها
مغنية
هذه هي الأرض ترتفع في منحنيات
وهي تغرد!
(قُبَّرة)
يبدو الأكثر حكمة والأكثر بساطة لوصف الإنتاج الشعري لإليّا لدين اتباعُ موضوعات شعره التي توافق بقدر ما عناوين مجموعاته الشعرية.
ففي المجموعة الأولى “قبلَك لم يكن شيء” (1968) يُظهر المؤلف، بين أمور أخرى، اهتمامًا بالموضوعات الأسطورية (أوديسيوس وبينيلوب؛ لاحقًا سيتم نسج إكليل كامل من القصائد حول هذه الشخصيات). ويقدم كتاب “قصائد عن الكوخ” (1975) أشعارا روبنسوني النزعة (أي النفي الخيالي لإطار الحضارة وظروف حياتنا). وفي مجموعته “القصائد عن الطيور” (1979) يصف المخلوقات ذات الأجنحة في مختلف ألوانها. أما كتابه الطويل “من السماء إلى هنا” (1973) فيصعب تحديد موضوعاته.
ومع ذلك، فإننا نجد فيه بعض الهواجس الأساسية للشاعر، وهذا في شخصيات وصور مسقط رأسه، وفي رمزية السماء والأرض، وفي جعله الشعر ردَّ فعل جمالي على التحديات الاجتماعية.
وفي جميع المجموعات، بشكل ثابت، يرتجف صوت رثائي وترنيمة الحب.
في مسيرته الشعرية، يركز لدين دائمًا على فكرة أساسية واحدة ، ويطورها إلى درجة الإنارة، إلى النقطة المتناقضة التي تعيد إلقاء الضوء على كل هذا الجدلية المتوترة للخطاب الشعري. ننظر هنا، على سبيل المثال، كيف يبدو التركيز على “قلب” الأشياء، في الدوران الإيقاعي الخاص للشاعر:
السماء والأرض وأنَا
ولدُهما
ضاعَ قلبُ الأرضِ والسماءُ وأنَا
ولدُهما
ضاعَ في قلبِ قلبِ الأرضِ كِلانا السماءُ وأنَا
ولدُهما
ضاعَ في قلبِ قلبِ قلبِ الأرضِ كِلانا السماءُ وأنَا
ولدُهما
ضاعَ في قلبِ قلبِ قلبِ قلبِ الأرض كِلانا السماءُ وأنا
ولدُهما
ضاعَ ثمَّ وُجِدَ!
الحد الأدنى من الكلمات مع التركيز الأقصى. تبدأ القصيدة (كما هي العادة عند لدين) من دافع بسيط، من إيقاع داخلي، من معرفة مفاجئة غير متوقعة ومزعجة. مع هذا الإجراء/ طقوس التكوين الذاتي للشكل الشعري، الذي يتميز بالذكريات والتكرار، والافتتان بالموسيقى وصوت الشعر، فإن لدين يكون -سواء أراد ذلك أم لا- على مقربة من شعر الشعوب البدائية. كان شعر وفن الشعوب البدائية، كما نعلم، بالنسبة لبعض المبدعين المعاصرين البارزين، وخاصة الشعراء والفنانين، اكتشافًا ينعش ويعيد الحيوية. ومن المفارقات أن تجدد الروح من مصادر ما قبل التاريخ، وربما يكون هذا مجرد دليل على الجوهر اللاتاريخيّ للشعر، وعلى الشباب الأبدي للغته الأساسية. فكيف يمكننا -هكذا يمكن للشاعر أن يسألنا- أن نشير إلى عجائب الوجود وعدم تجدده، إن لم يكن بالتركيز على هذه المعاني والأسرار التي تم الكشف عنها في الماضي البعيد؟ هذا إن لم يكن بتكرار الحقيقة فإن أعظم أعمال الأدب العالمي، وكذلك الكتب المقدسة، مليئة بالتكرار.
لكن ما هي الحقيقة؟
إليكم “إزالة الغموض” العجيبة عن المفهوم الفلسفي العلمي التقليدي للحقيقة (كشيء ثابت):
يرى نيوتن تفاحة
يرى تفاحة تسقط من فرع
يرى ويحسب
قال لصاحبة البيت: “إنه مطابِق إلى حد كبير”.
لا، لم يقل: برافو، إنه صواب.
لاَ صوابَ.
يرى نيوتن القمر
مثل حجرٍ يُرمَى حول العالم
يرى ويحسب
قال لصاحبة البيت: “إنه مطابِق إلى حد كبير”.
لا، لم يقل: برافو، إنه صواب.
لاَ صوابَ.
لاَ صوابَ في الطبيعة،
إلا إذا أخذتِ كلَّها
حبيبتي!
كلَّها!
لا تتكون الحقائق الشعرية من تجريدات عظيمة، حتى لو كانت قوانينَ الكون؛ تنتمي للحقيقة جميعُ المظاهر الملموسة للحياة، والتي تعني بالنسبة إلى لدين هنا أنه حتى صاحبة بيت نيوتن لا يمكن التغافل عنها!
المفارقة لا تلغي سذاجة الشاعر الأصلية وانفتاحه على العالم: السذاجة هي الخبز الذي ستذوقه الروح إلى الأبد! إن سذاجة لدين الشعرية تكشف ثقته الطفولية بالعالم (رغم كل شيء!)
تشكل أغنية “لا يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو” الدافع وراء الاستخدام الشعري البريء للحواس والاحتجاجَ ضدّ عالَم لا يهتم بهذا الانفتاح العاطفي:
كل صباح أحطم عينَيَّ
علَى نوافذ البيوت المجاورة
وأراقب الستائر الواقفة
لكن البيوت تقف
والنوافذ تقف
والتلال المجاورة
لا تتحرك!
أكسر صيواني أذني كل ليلة
على ضجيج البحور المجاورة
وأنا أستمع
كيف تسير الأمور هناك
لكن البحور لا تتحرك
والرياح تتحرك
ولا تتحرك تسعة أميال حولها.
الهدوءُ احتفاليٌّ!
الهوامش
Stevan Tontić, „Ilije Ladina ritmovi i snovi“, u: Izabrane pjesme, Ilija Ladin, ed. Stevan Tontić, Sarajevo, 1985.
(ستيفان تونتيتش “إليّا لدين: أنغامه وأحلامه”، المختارات من شعر إليّا لدين، الاختيار: ستيفان تونتيتش، سراييفو، 1985)