باسمة العنزي
كاتبة وروائية كويتية
السادة شركة «المضمار الذهبي» المحترمون
تحية طيبة وبعد..
بدايةً، أودّ أن أنوِّهَ أنني عميل قديم، منذ العام 1998! حتى قبل ظهور منافسيكم في السوق.
طوال السنوات السابقة لم أتلقَّ منكم اتصالًا واحدًا أو رسالة هاتفية تشعرني بتقديركم.
هذه المرة الأولى التي أرسل شكوى رسمية بعد أن اتصلت عدة مرات بخدمة العملاء. موظفوكم لطفاء ومهذبون، لكنهم لا يُقدِّمون حلولًا! مجرد حلقة وصل مفقودة تخبرك أن شكواك تم سماعها من قبل أحدهم.
كتبتُ تعليقًا في حسابكم بإنستغرام ولم أجد سوى الرد المكرر الذي ترسلونه لجميع المتذمِّرين من خدماتكم: «عزيزي العميل سيتم التواصل معك في أقرب وقت ممكن لمعرفة التفاصيل».
ما الذي حدث؟ منذ تم تغيير نظامكم القديم «السستم» الكل لاحظ تدهوركم مع أنه يفترض بنا -كعملاء – ألا نشعر بأموركم الداخلية.
طلبي بسيط، الشكوى رقم 885 بحاجة لانتباهكم.
عميلٌ مستاء
عزيزي العميل
نعتذر عن التأخر في الرد، جارٍ العمل على تنفيذ طلبك، وسيتم الاتصال بك في أقرب وقت ممكن.
مع تحياتنا
السادة شركة «المضمار الذهبي»
مرّ أسبوع ولم يتم موافاتي بأي شيء بخصوص الشكوى رقم 885. هل يعقل أنكم تحتاجون لأشهر لإصلاح خلل في نظامكم الجديد؟ مزعج أن يتم تجاهل شكاوى العملاء من قبلكم بهذه الطريقة المستفِزّة. هذا يسيء لعلامتكم التجارية العالمية.
بانتظار الرد
***
السادة شركة «المضمار الفاشل»
شركتكم العملاقة ليس فيها إدارة واحدة متخصصة برضى العملاء؟ هل هناك شركة ربحية تتعمد تجاهل مصدر ربحها؟ لديكم مئات الموظفين، يُسوِّقون خدماتكم، أليس هناك شخص ذو خبرة يرشدنا للحل؟ ما الجدوى من وجود هذا الإيميل إن كنا ندور في نفس المضمار البائس؟
أرجو الرد
عزيزي العميل
نهار سعيد
اسمي صباح وهذا آخر يوم عمل لي.
بصراحة شديدة، إيميلاتك التي تنم عن استياء شديد من خدماتنا -المتدهورة حسب وصفك- سأردّ عليها بشكل أخوي كي تهدأ قليلًا.
كان لدينا قسم لقياس مدى رضا العميل عن علامتنا التجارية، لكن القسم تحول لمربع صغير في موقعنا الإلكتروني يحوي استبيانًا يمكنك الإجابة على أسئلته بكل شفافية.
سواء كنت راضيًا أم ساخطًا هل يمكنك أن تتوقف عن شراء ما نعرضه؟ لأكنْ أكثرَ دقة، لو خسرناك كعميل فما الذي سيضر الشركة؟ في المقابل لو توجّهت لمنافسينا فتأكد أنك ستدور في نفس الدائرة، لا اختلافات كبيرة بين شركات العالم الكبرى فيما يتعلق برضى العملاء!
ولأنك عميل قديم ليتك تدرك أنها علاقة مثل بقية العلاقات؛ أن تكون معنا في السراء والضراء، ذكرتَ أنك في السابق كنتَ راضيًا قبل أن نغير «السستم».
في النهاية مُشكلتك «خطأ في الفواتير» سيتم حلها، إنها مشكلة شريحة كبيرة تأثّرت قبل عدة أشهر بسبب خلل تقني.
أتمنى لك نهارًا طيبًا
الأخ أو الأخت صباح
مُتفاجئ من مستوى الانحدار في الخدمات.. ومن ردّك غير المهني! يبدو أن شركتكم فقدتْ توازنها، لا أعلم لم فقدْت وظيفتك، لكنْ من الواضح أنّك لا تصلح لها.
أخيرًا تخبرونني أنكم على علم بمشكلتي، وأنها ليست متعلقة بي وحدي. إنما من غير الملائم أن أكتشف ذلك من اعترافات موظّف في يومه الأخير، أيضًا ليس هناك تاريخ محدَّد للحل!
بانتظار تفاصيل أكثر..
عزيزي العميل القديم.. المنزعج
بالنسبة لفقدان الوظيفة، استقالتي بعد خمس سنوات ليست اختيارية. أظنك من النوع الفضولي الذي يتعقَّب حياة الآخرين، من يجلس عند موظفي المصرف ليأخذ وقتًا أطول من غيره، من يستنفد وقت الطبيب في عيادته، ويجادل البائعين إلى آخر رمق.
ولكونه يومي الأخير سأسعدك ببعض المعلومات:
الجهاز الآلي -عند المدخل- الذي ابتاعوه من الصين كي تعتمد على نفسك بدلًا من اعتمادك على الموظفين هو سبب تسريحنا، آخر إصدارات العالم الرقمي لتنفيذ الخدمات بسرعة ودقة، قادر على إنجاز 9008 معاملات يوميًا أكثر من معدل عمل ثلاثة عشر موظفًا. العملاء الجدد من الفئة العمرية الشابة سيكونون الأكثر استخدامًا له، (لن يروق لك لكونك في الخمسينيات).
هناك استراتيجية لنقل خدماتنا إلى المنصات الإلكترونية بدأنا بها منذ سنوات، من أجل ذلك تم استبدال «النظام» القديم الذي تظن أنه سبب كوارثنا، وهي خطوة ستعقبها خطوات في الاتجاه الصحيح، معاناة قصيرة ونتائج مذهلة.
أتمنى لك نهاية أسبوع مريحة بعيدة عن التذمر.
الأخ أو الأخت صباح
لستُ مهتمًّا بأموركم الداخلية، ولستُ من النوع الفضولي! لدي شكوى معلقة منذ أشهر بانتظار الحل، شركة عملاقة وقديمة -تُسمّونها رائدة- غير مهتمة بسماع وجهة نظر العملاء بخدمات ما بعد البيع؟!
أنا فعلًا مصدوم! مضماركم يصلح للسلاحف، وعالمكم الرقمي خُدعة كبيرة تُسوّقون لها جيدًا.
عزيزي العميل
في الساعة الأخيرة من يومي الأخير، أؤكِّد لك: جارٍ حلُّ مشكلتك، مشكلة «السستم» الجديد، ستعقبه مشكلات أخرى، عليك التحلي بالهدوء، ثقْ بأنهم سيجدون حلًّا.
في حياتنا أحداث سيئة مثل فقدان عملك.. مرض ابنك.. موت والديك، إلّا أنّك تصعّب الأمور البسيطة وتُعطيها بعدًا دراميًا، بحيث تغدو مشكلتك مركزَ الكون وطلباتك أولوية، أنت الضحية.. ضحية الأحداث التافهة التي تقتات عليها في أحاديثك مع الناس. خطأ في فاتورة، عطل سيارة مفاجئ، وجبة باردة تصل لباب بيتك.. كل الشركات عليها أن تجنّد جيشًا من الموظفين الأكْفاء لامتصاص غضبك والرد السريع على استفساراتك المتشنّجة، استفسارات تتكاثر من فكرة الاهتمام بها. انتهى هذا النهج، موظّفونا مشغولون بتسويق منتجات جديدة، سلع مثيرة للإعجاب والأرباح، قنواتنا الإلكترونية هي البديل، ولن تجد من يربِّتُ على كتفك، أو يواسيك بكلمة اعتذار.
المبلغ الخطأ الذي تتحدث عنه لن يتجاوز سعر وجبة عشاء يطلبها ابنك منتصف الليل.
المبلغ الخطأ -الذي سيعود حتمًا إليك- لن يُحدِث فارقًا في يومك الطويل، بينما شِكاياتك المتعددة وإصرارك على ملاحقتنا بها، تزعجنا وتبدّد وقتنا الثمين!
أشعر بالسعادة لأنني لن أضطر غدًا للرد على المستهلكين التعساء، وإخبارهم بأننا نعتذر ونكرر اعتذارنا.
أنت عميلنا ولست ضحيَّتَنا.
مع خالص تقديري..
أخ أو أخت صباح!
أولاً- ليس لديّ أولاد!
ثانيًا- بغضِّ النظر عن قيمة المبلغ، لفْتُ الانتباه لأخطائكم المتكررة والمطالبة بتصحيحها يستدعي شكري بدلًا من وصف استفساراتي بالمتشنّجة! أنتم تعتقدون أنه مبلغ تافه كي تحوّلوا الأمر إلى لومٍ للعميل على عدم صبره، بينما لو كنتُم أنتم من يطالبني بهذا المبلغ لقطعتم الخدمة عني فورًا دون أدنى تردُّد!
ثالثًا- أنا مصدوم من ردودك الساخرة التي تفتقد للذوق. أتمنى ألا يكون عملك المستقبلي في مجال خدمة العملاء. ثم إن اعتذاركم ليس ذا أهمية طالما لم يعقبه إجراء تصحيحي.
إيميلاتك السابقة سأوصلها للمدير التنفيذي للشركة، وإن لم أجد اهتمامًا فسأنشرها في السوشيل ميديا، المكان الذي يكشف حقيقة خدماتكم للجميع.
نهضت صباح من كرسيها، ألقت نظرة على المكاتب التي بات يتشارك فيها الموظفون حسب ساعات عملهم المرنة، حملت جاكيت القطن الكحلي الذي قارع برودة تكييف الدور الرابع لخمس سنوات.
عليها أن تنهي إجراءات استقالتها، بتسليم هوية العمل وكارت التأمين الصحي، وبعدها سيتم إلغاء بريدها الإلكتروني، ويتلاشى رقمها الوظيفي، ستنقطع علاقتها بنظم الشركة وأجهزتها وبواباتها الرقمية.
عليها أن ترسل إيميل وداعٍ لزملائها كما اعتاد الجميع أن يفعل قبل رحيلهم، يجب أن تتضمن رسالتها عبارات رقيقة مفعمة بالامتنان لمن شاركها الرحلة. وقبل أن يتسنى للجميع مجاملتها والتعبير عن أمنياتهم لها بالتوفيق، سيختفي بريدها الإلكتروني من قاعدة البيانات بما فيه من مراسلات مهمة وهامشية، هي تاريخها المدوَّن وتفاصيل مهام الأيام التي انقضت.
تنزل من الدور الرابع لتلقي التحية على مَن تعرفهم، كما يحدث أن تودّع في نهاية رحلة طويلة شخصًا لطيفًا جاورك في مقعد الطائرة.
تلقي نظرة على الجهاز الرقمي الجديد قرب المدخل، الشكاوى تتراكم، والباقون من الموظفين يحاولون صدّ موجة التذمر بلوح من الصبر.
تغادر بوابة المبنى لتتحول إلى كيان سابق لن يذكره أحد سوى طاولات الكافتيريا المعدنية ومرآة المصعد.
فور خروجها من البوابة للشارع العام وقبل أن تتحرك سيارتها مبتعدة عن منطقة الميناء.. ستتحول من موظفة إلى عميلة.
… لتبدأ تاريخًا مُختلِفًا مع الشركة العالمية العملاقة.. شركة «المضمار الذهبي».