عندما يستحيل العمل المسرحي الى معزوفة موسيقية, عندئذ يبدآ الفن في الوجود، والاطلال برؤوسه الصغيرة نحو الأفق في اتساع درجاته. عندها تتوحد خشبة المسرح بقاعة المتفرجين, المسكون بالنظارة, الشكل بالمحتوى، مفردات العرض المسرحي وتقنياته بفكر إنساني عميق, يحقق حالة مسرحية نادرة الوجود، تجعل العمل المسرحي فنا فريدا من نوعه, قلما يحدث !
هذه في عجالة السمات الرئيسية للعرض المسرحي " فرهارد وشيرين » الذي قدمه طلاب وطالبات قسم الفنون المسرحية, بكلية الآداب / جامعة السلطان قابوس في مشروع تخرجهم عن هذا العام 95/ 1996، لتشترك فيه الشعب الثلاث معا: تمثيل واخراج – ديكور- بقد. تحت إشراف هاني مطاوع رئيس القسم بالوكالة, ومخرج العرض ألمسرحي ومعده.
يتسم هذا العرض بخصائص فنية بالغة الدقة في تركيبها المسرحي، موحية أشد الايحاء في نسيجها الدرامي. فمسرحية «فرهارد وشيرين » مع ما تبدو من بساطة حكايتها وسردها، تقف فوق أرض صلبة من القدرات الابداعية في التركيب الفني، الساعي الى ربط كل ما يقدم فوق الخشبة, أطروحات وقضايا إنسانية عامة, وعواطف بشرية متناقضة : الحب / الكراهية, البناء / الهدم, التضحية بالذات من أجل المجموع, ثم في النهاية الموت الذي يولد الحياة, أي الاستمرار، فالتواصل, لفهم معنى وجودنا الانساني.
لذلك كله فان مسرحية «فرهارد وشيرين » ليست مجرد قصة حب رومانسية أقرب الى الملحمة الأسطو رية بالمفهوم التقليدي فهي ليست كـ(قيس وليل ) ولا (قيس ولبنى) ولا حتى (روميو وجولييت ) كما تصورتها قرائح الكتاب العرب والأوروبيين, إنما هي شخوص تمثل في طبيعة تكوينها دلالات إيمائية, تخرج من كل اطرها ومحتوياتها الحرفية المعنى، لتغدو معاني أكثر شمولا، ودلالات أكثر رحابة. وهذا ما قام به الأستاذ المخرج عندما شكل نسيجه المسرحي من البناء الدرامي الذي ألغه الشاعر التركي / ناظم حكمت وترجم النص د.محمد أكمل الدين خان. وعلى الرغم من أن البنية الجوهرية للنص المسرحي تخفي من بين سطور نسيجها هذا الوعي ~ القضايا أنفة الذكر، الا أن الدكتود المعد، استطاع بمقدرة ووعي بليغين, أن يستخرج من النص الدرامي للشاعر حكمت كل هذه الأطروحات التي احتوت قدرا معرفيا،روحيا بالدلالات والرموز الخاصة, لتدخل في مستوى فكري وفني أخوين, الا وهو المستوى الانساني الشمولي, واسقاط الموقف المسرحي برمته من طبيعته الذاتية المغلقة, الى اقتحام المجهول للوصول الى الجوهر الانساني والمستوى الفكري الهام : الا وهو التضحية بالذات من أجل الوطن, واحيائه, وبعثه من جديد.
دورة الواقع والميتافيزيقا
التعامل الدرامي / الفكري / الفني لنص الشاعر التركي، جاء إعداده على يدي مطاوع عبر مستويين : الأخذ من الواقع للدخول في عالم ميتافيزيقي, فيصب بدوره في الواقع من جديد، ثم تعود الدورة ثانية, وكأنها دورة شمسية فلكية, يتكرر وجودها بتكرار مقدماتها ومسارها ونهايتها. وكأن «الغريب » (محمد الحبسي ) ذلك الآتي من عالم ميتافيزيقي بعيد, يجيء ليصب حكمته وجام غضبه, مطالبا البشر وعلى رأس قائمته الملكة «مهمنة » لتغيير عالم الواقع. كأنه جاء من كوكب آخر، لينقذ المملكة من ذلك الفساد الذي استشرى, ساعيا ومعينا ومدينا، مشيرا الى مملكة الأميرة «مهمنة » (فاطمة الشكيلي ) بهدف التغيير وتلقين درس التضحية بالذات بهدف إسعاد الآخرين.
في داخل أحداث العمل المسرحي تقع الأميرة «مهمنة » في اختبار يصعب مواجهته : فلإنقاذ أختها «شيرين » من مرضها كان عليها التخلي لها عن وجهها الجميل, ويستبدل بوجه قبيح يتسم بالبشاعة والدمامة, وما يلبث أن يترتب على هذا التنازل الانساني لأعظم ما يملكا الانسان الا وهو وجهه, تنازلات جديدة كان على الأميرة مهمنة القيام والتضحية بها، وهي تخليها عن حبها العفيف الصامت المقترب من الحب العذري الطاهر للنقاش فرهارد (وهو ممثل لفنان الشعب ) الذي يمثله (عبدات الزد جالي ). بهذا تتنازل كذلك عن حبها طواعية لأختها. يتم كل هذا فوق أرض الواقع المسرحي الذي يدخلنا في شباك من الصراعات المتنوعة (الحب / التضحية بالذات /الوفاء/ الكراهية / الحقد الدفين / الانتقام, فالتسامح والرغبة في التوحد مع القضية العامة من أجل خدمة الوطن ) يحدث كل ذلك داخل قصر الأميرة «مهمنة » حاكمة المملكة وخارجها بمعونة " الغريب » (محمد الحبسي ) الذي تخطط أياديه الخفية حاضر الواقع, ومستقبل الغد بما سيجيء به, وكأنها أياد قدر ميتافيزيقية, تشكل خيوطها الواقع كيفما يشاء ووفقا لما يريد أن يعيد صياغته وتخطيطا. من هنا تقتحم القوى الميتافيزيقية قوى الواقع, وتتلاحم معا لتشكل أقدار شخصيات تتغير مصائرها، وتتشكل أبعادها لمنطق آخر, فيحيلها شخصيات تقوم بالفعل الدرامي، استلهاما لما تمليه هذه الإرادة الخارجية : إرادة الغريب لم الزائر. نحن هنا بإزاء إشكالية دراسية جديدة لا تعتمد في أطروحتها عل واقع أحادي المفهوم, ولا على خيوط قدر ميتافيزيقي خالص, وانما على امتزاج النفس الانسانية بروحها، برغبتها في الخلاص, بتعطشها للمعرفة, بجوعها الى التضحية بالذات من أجل الغير. فاستبدال الجمال بالقبح، ما هو الا إقحام الملكة في رؤية ترى الحقيقة عارية دون مواربة أو تجميل. والقيمة الجوهرية لهذا العمل – في ظني – أن شخوصه المسرحية لا تحركها خيوط خفية, فتمسي شخوصا عرائسية, بقدر ما يحركها «ميكانيزم » آلية العلاقات الانسانية ووضعية الانسان داخل اختبارات مستمرة, تسعي للافصاح عن مكنوناته وعما يعتمل بداخله. لذلك يلعب (الصوت الداخلي ) دورا جوهريا في التعبير عن ذوات هذه الشخوص. ويرينا المخرج بحذق ومهارة هموم أبطاله : الأميرة «مهمنة " وأختها «شيرين » وشخوص المسرحية الأخرين : ما يحركهم : ما يستفزهم, وما يصبون اليه ويتعطشون لمعرفته عبر أصواتهم الداخلية التي تكشف أمامنا الجوانب الخفية لهؤلاء الأبطال كل عل حدة, فنكتشف صوت الأميرة الداخلي, دون ان تعرف «شيرين » ما تفكر أختها فيه, ونشاهد نحن كنظارة – ما ترده «شيرين » في «فرهارد» دون أن تدركه " مهمنة » عندما يفكران معا في ذات الشخص المشترك الذي يجمع بينهما ويفرق فيما بينهما. فتتوقف حركة الشخوص, لتسرق اللحظة أعيننا، ويقحمنا المخرج – عن وعي – في لاوعي شخوصه. وتمثل حركة «مهمنة » و «شيرين » ومعا على مستوى الحركة الدرامية, أروع ما يمكن أن يشاهد فرق خشبة المسرح, الا وهو توحد «مهمنة » و «شيرين» في حركة اقرب الى الباليه, تسلم كل منهما الأخرى، وكأن الشخصيتين تدوران في فلك ووجود متوحدين, يتسم بأسراره وصمته, يكون " فرهارد» مركزه, ونقطة هجومه وارتكازه. ومع أن استخدام أسلوب التقنية «البلاي باك » ليس بجديد على فنون اللغة المسرحية, فهو فن مستعار من اللغة السينمائية, إلا أن دلالات هذا الاستخدام التقني كان موظفا توظيفا فنيا رائعا، أضفى على مشاهد المسرحية أبعادا ودلالات مسرحية عميقة ؟ خاصة عندما يمتزج الصوت بالحركة الموحية ل- «مهمنة » و «شيرين " معا، داخل إطار بصري تلعب فيه الإضاءة, بتركيزها وألوانها وخفوتها وايقاعها دورا أقرب الى «الحلم " السابح في قدر كبير من الشفافية. يضعنا كل ذلك – في الوقت نفسه – داخل أتون الأحداث المتأججة التي تشكل بدورها الصراع الدرامي للعمل المسرحي بأكمله.
سينوغرافية العرض المسرحي
يمثل الديكور والملابس العنصرين الماديين للعرض المسرحي وتنبع وظيفتهما الدرامية الجوهرية أنهما يمثلان إطارا خارجيا وداخليا هامين لنسيج العمل الدرامي ككل, وبنائه الفني من جهة : كما يشكلان من الجهة الأخرى مناخا مسرحيا بالغ التكثيف, يؤكدان بدورهما الحالة المسرحية التي اكتشفها النظارة في هذا العرض المسرحي الجاد.
يستحيل هذا الديكور المركب ذو الوظائف المتعددة والذي ينفتح تارة عن قهوة المعلم «بمهرام » وتارة أخرى تتغير القهوة لتصبح قصرا، لتتشكل جوسقا، فغابة تزدهر بالاخضرار, فتتفجر الجبال السماء ينابيع مياه, آتية بالحياة للارض المتعطشة للاخصاب والأمل.
والفكرة الدرامية التشكيلية التي صممها الفنان الدكتور عبد ربه حسن مع تلامذته في شعبة الديكور الذين قاموا بتنفيذها، هو أن يملا هذا الديكور المركب على المستوى المرئي الطابع الطبوغرافي للعسل المسرحي برمته : مواقعه – أماكنه – أطره وحدوده الواقعية من جانب, وطابعا دراميا بليغا في تعبيره الرمزي من الجانب الأخر: عندما تتجمع هذه الأمكنة والمواقع لتخلق معاني شمولية تسوغ المكان والزمان فتحيلهما دلالات وخصائص تمس جوهر العرض المسرحي وفكرته المحورية, وشخوص أبطاله وذواتهم, لتلتحم معا، ممثلة كيانا دراميا خالصا, يبعث النبض في خامات الديكور الورقية والخشبية, ويشكلها حياة تمتزج بحيرات أبطال العرض المسرحي : شيرين _ الأميرة مهمنة _ فرها رد _ الغريب _ الوزير, بهزاد، والشعب معهم. وكأن العام يدخل في الخاص, والتفاصيل يستغرقها الهم العام, والواقع يوحي بالخيال, والخيال يستنبته الواقع في شكل أقرب الى الحلم والملحمة والاسطورة, داخل مناخ شرقي له خصوصيته. وعندما تشع الاضاءة بنورها نحو تلك المواد الديكورية السماء, عندئذ تستحيل إيقاعا متدفقا من الحركة, وتتدفق ألوانا متناسقة, وتزرع مناخا أسطو ريا, يشدنا نحو ما يرمي المخرج إيصالنا اليه, فيضعنا في سفيتنه لتبحر بنا في بحر صاخب, وتصلنا ببر الأمان, بعد أمواج الشك المتصارعة مع اليقين, والكراهية مع الحب المقهور فتؤكد على «ثيمة » التضحية بالذات من أجل الآخر، وتخرج القضية من محدودية إطارها المرسوم ومعانيها الذاتية لسمو فكرة التضحية من أجل حب أكبر وأعمق الا وهو حب الوطن !
لذلك كله تغدو الديكورات التي صممت ونفذت شيئا من قبيل النحت البارز، وتخرج عن معاييرها وبعديها المسكين لطول المسطح وعرضه الى عمق البعد الثالث, فتتشكل مجسمات منحوتة, تبرزها الألوان, والاضافة الموحية, كتلا تحيل خشبة المسرح المسطحة ذات الفتحة الفارهة الى فضاء يتخلق من عبقرية اختيار الأماكن المسرحية وتحريها واختفائها وظهورها فتتوالى كل منها وتتواصل كعقد لا تنفرط حباته بداية _ المقهى فالمخدع فالجو سق فقاعة العرش, الى منطقة الجبال التي تصبح أفلاجا. تتجمع هذه الأماكن داخل جبال الغابة وصخورها التي تمثل خلفية المسرح وبانوراما المكان المسرحي، وكأن هذه الأماكن جميعها أطفال للمكان الأم / الوطن, حيث تنشق الجبال فيه, وتتحطم على يدي النقاش / الفنان عندما تتبدل ريشته الى معول, يشق به الصخور فتستحيل ماء عذبا تتذوقه الألسنة العطشى، والقلوب الظامئة. تبدو كل هذه الأمكنة مركزا لسينوغرافية الفضاء المسرحي، تحقيقا لرؤية المخرج / المعد، لتتوالي كصفحات كتاب يضع المخرج دفتيه أمام ناظري قارئه, أي متفرجه في سهولة وعذوبة.
لقد أكدت تقنية حركة هذه الديكورات – بظهورها واختفائها للطابع الأسطوري للعمل المسرحي الذي نشاهده, وطابع الحدوتة الشعبية وسردها وتطورها، ونموها الدرامي باطراد نمو أما كنها ومناظرها وتغير مشاهدها. ومن أهم هذه الاستخدامات مخدع الأميرة «مهمنة » الذي تنام فيه أختها «شيرين » المريضة مرضا عضالا، فتتغير الوظيفة وتصبح أرضا يسير فوقها البشر. وتتم تقنية التغيير بطريقة بالغة البساطة وشديدة العمق, فهي مجرد قرص دائري يرفع فيكون مخدغا، أو يوضع فيفترش الأرض, ويمثل جزءا من أرض المقهى او الطريق العام, أو جانب من الجبل, أو عرشا للملكة. أما سمة لتغيير الأخرى الهامة التي اتسمت بها طبيعة هذه الديكورات, فهي إحالة خشبة المسرح حيث تعودنا أن نراها مقرا لندوة أو مؤتمرا علميا، لتتغير الخشبة وتتعدد وظائفها في الإعداد والتركيب بكواليسها الجديدة المصنوعة, وبإمكانيات تغييرها تغييرا سريعا ملموسا خاصة عندما اإمتد عمق مقدمة خشبة المسرح مترين الى الامام. كل هذا ساعد على خلق خشبة مسرح تنبض بحياة عرض مسرحي متكامل.
الملابس ما بين التاريخ والقدر المأساوي
في منظومة الرؤية التشكيلية / البصرية التي حققها بجدارة طلاب شعبة الديكور تحت إشراف أستاذهم د. عبد ربه حسن يستكملون هذه الرؤية ويسوغونها داخل إطار أزياء المسرحية تحت إشراف أستاذهم د. عبد المنعم علواني، حيث صممت ووضعت لها الخطوط العريضة المتمثلة في تحقيق السمة المأساوية لشخوص المسرحية, مع قدر من الإبهار التاريخي الذي يعكس العصر والطراز فتتصارع الشيمة الرئيسية لهذا التصميم بين هاتين الفكرتين الأساسيتين فكرة الواقع التاريخي والزمن القدري المأساوي. نحن نشاهد تصورا للآزياء يتسم بالزخرفة اللونية حينا، والألوان المبهجة المتمثلة في أزياء الأميرة «مهمنة » و «شيرين » و،" الوزير» على المستوى الأول, بينما تطرح الألوان «البنية " والداكنة حالة الشعب في المقهى على المستوى الثاني. في الوقت الذي يوضع الزي المسرحي لكل من الأب «بهزاد» وابنه «فرهارد» في المستوى الثالث حيث يميزهما ويفرق فيما بينهما في الوقت نفسه. فيخصص لزي «فرهارد» ألوانا ساطعة تتسم بالهارمونية والتدفق الأحمر الداكن والأزرق والأبيض مكونا تناسقا فنيا يعكس شفافية روحه الفنية, وعنفوان شبابه, وقوته الجسدية العاتية. وفي أثناء ذلك كله, يضعنا زي «الغريب » في مواجهة قدر يتسم بالرمز والدلالة حيث الجلباب الملتفة بها وشاح يلف جسد الممثل (محمد الحبسي )، ويتسم هذا الرداء بلون الأرض الترابي، وكأن «الغريب » قد خرج لنا توا من أعمق أعماق الأرض, لا يقف أمامه حائل, يسير الهوينى بخطاه الوئيدة, يجر رداؤه الأرض جرا وكأنه يحتضن بين ذراعيه الأرض ومن عليها، سائرا فوقها بشموخ وغموض نحو هدفه المرصود. ويؤدي هذا الطراز من الأزياء خدمة دراسية كبيرة للممثل مؤكدا أبعاد شخصيته الدرامية. فهو زي ضخم ثقيل يساعد على ثقل الحركة وحكمتها، ويضع المتفرج آنذاك أمام لغز الشخصية «الغريب /الزائر" حيث لا يظهر قبحه وتشويه وجهه عند بداية ظهوره, ويضعا المخرج منذ بداية العرض المسرحي في مكان فوق الدكة صامتا صمت الموت, يمكر وجوده سرا ليس بمقدورنا اكتشافه بعد، حتى تأتي اللحظة المواتية لنكتشف سره ونزيح قناعه : إننا إزاء شخصية غامضة, يحمل فرق ظهره «زكيبة » أقرب الى الجوال, هي عتادة وزاده, ومخبأ لأعاجيب هذا " الغريب » الساحر وأفانينه, يحمله فوق ظهره وكأنه قدره, مثله مثل «سيزيف » يحمل صخرته وقدره, ليرهص بالكارثة وشيكة الوقوع في المملكة. ولهذا يتسم رداء هذه الشخصية وزيها المسرحي بأهم ملمح تعبيري يعبر ني آن واحد عن صدقية الشخصية, ودرامية الحدث, وما يفرضه على الآخرين.
الإضاءة باعث للحياة ومصدر للفن
لم تؤد الاضاءة في هذا العمل المسرحي الجاد دور " انارة » التقليدي، بل بحثت عن معادلات بصرية في اللون والدرجة والمساحة لخلق المناخ الأسطوري، الذي يرتبط أوثق الارتباط «بالحلم » العام المعبر عن الأحلام الخافية للشخصيات المحورية : الأميرة مهمنة _شيرين وعلاقتهما بالفنان فرهارد. تصبح للإضاءة هنا دور تعبيري يصيغها ويرسمها وفقا لما تشعر به الشخصية في حالة ومناخ لهما خصوصيته وارتباطه بالواقع الحياتي والخيالي للاحداث الدرامية. كما تأخذ الاضاءة في هذا الجزء من الحدث مكانا وسطا ما بين الوظيفتين : الإنارة والتعبير لتخلق إيقاعها الخاص, تحقيقا لخصوصية أخرى ترتبط بالمكان المسرحي، فتصاغ خشبة المسرح من مكان محايد متسم بطابعه التعليمي عند القيام بتقديم ندوات أو لقاءات فكرية جامعية, الى لقاء آخر ينطبع بطابعه الفني المسرحي الفريد، وأطروحته الفكرية الانسانية. فالمكان على بساطته تتغير معالمه, ويزداد تركيبه, فيصبح خشبة مسرح تموج بالفعل الدرامي الحي. وكعب الاضاءة داخل خشبة المسرح الجديد دورا جوهريا في إحالة حيادية المكان, الى ترصيفه وتطبيعه بطابع ما يعرض فوقه, وخلقا زمانا ومكانا متفردين, يتشكلان وفقا لما تطرحه عبقرية الإضاءة من تحديد للمناخ والإيقاع, واحتواء مشاعر المتفرجين وادخالهم – بحنو ورفق تارة, وبقصدية ووعي متسمين بجماليات اللحظة الدرامية المعروضة تارة أخرى، عندما يستوعب المشاهد ما يسمع ويرى فوق الخشبة.
لعل من أهم سمات هذه الإضاءة هي وعي المخرج التام بمفردات لغته وتمكنه من أدواته وسيطرته على المكان والمناخ وجمهور النظارة, ليعطي درسا أكاديميا لطلابه في كيفية التعامل مع إضاءة تبعث الحياة في الموت, وتكون مصدرا للفن المسرحي الأصيل.
ومما يلفت النظر في هذا العرض المسرحي بعض المشاهد التي نذكرها هنا على سبيل المثال لا الحصر: عندما تقترب الأميرة مهمنة وعتقي لقاءها الأول بالفنان /النقاش فرهارد, فتتمركز الإضاءة في بؤرة الحدث المعروض, ونشاهد إضاءات المكان بأكمله خجل, احتراما للحظة اللقاء, فتتوارى خلف الحدث الرئيسي, وكأنها تأخذنا ~ جمهور النظارة ~ للقاء حدث الشخصية بشكل متسم بنعومة روحه الشاعرية, حتى نصفي معا لما يطرحه العقل الباطن للأميرة مهمنة, فنصفي الى صوتها الداخلي وكأننا نسترق السمع والنظر الى قلبها دون أن تشعر هي بنا، فنكتشف سرها العظيم, لحظتها لا يشعر الآخرون كذلك يأنفا قد عرفنا هذا السر. إنهم لم يكتشفوه بعد.. ولم يعر فوه قبلنا!!
تضعنا الإضاءة إذن في لحظة مكثفة من الاستنارة الدرامية للحدث المسرحي، فيمهد ذلك لحدث مسرحي جديد, يتواصل مع الحدث الأول.. مع السر الآخر الذي نكتشفه كذلك عند «شيرين »
أختها. ونعرف – نحن النظارة – سرها الكبير وحبها منذ الوهلة الأولى _ «لفرهارد»، مثل أختها وكأن الأسرار تستحيل مفردات لغة تتسم بسريتها، تسمح لنا نحن فقط بمعرفتها، واكتشاف مصادرها, دون أن يعرف الآخرون ذلك, هذه القدرة المعرفية تزيد من استجابة المتفرج من جانب, وشعوره بتقدير مبدعيه لذكائه وفطنته من الجانب الآخر. لكن الوظيفة الأهم – في رايي – أنها تحيل هذا الحدث بأكمله الى مادة مسرحية أقرب الى القصيد الشعري، من مجود كونها سردا لأحداث أو اكتشافا لحقيقة. فطبيعة القصيد الشعري أنها تخاطب كل مستمع ومشاهد على حدة دون اقتحام أو تعال.
إن الاضاءة – هنا – تضفي قيمة دراسية مضاعفة, و شعورا مفعما بالترقب والتوتر الدرامي، والشعور الوجداني المشترك لقيم إنسانية كالحب والغيرة, وامتزاج روح الفن بالجمال الخالص. لقد لعبت الاضاءة هذا ا لدور الملهم, ومنحت معانيها شمولية فنية ومضامينها روحا إنسانية.
ومن أهم لحظات تلك الإضاءة المسرحية, أنها كانت تخفت قوتها, وتنفير عند دخول «الغريب " من خلفية خشبة المسرح,وكأنها أشعة ضوء تسبقه لتمهد لدخوله, وتظل هذه الأشعة مستمسكة به, ومستمسكا بها، فتضع المكان باسره تحت قبضته, وأسر نفوذه. من هذا المنطلق تتغير إضاءة المقهى من مجرد إنارة الى وظيفة أكثر دراسية في الإيحاء والمعنى الدرامي, وذلك عندما يتحرك «الغريب », ويكشف النقاب عن نفسه أمام الجميع, فتسبقه الإضاءة وتلاحقه أينما يسير، وتقدمه, ثم تتوارى خلفا، لتتزامن معه فيما بعد. بهذا المفهوم أيضا يصبح وجود «الغريب » في قصر الملكة «مهمنة »، بل في مخدع الأميرة «شيرين » شيئا أقرب الى التواجد الميتافيزيقي الذي يقهر طبيعة المكان, ويضرب بمادية الزمان والمكان بعرض الحائط يسعى هذا الوجود الميتافيزيقي الى فهم الموجود «الواقعي» بمعيار آخر، بهدف الوصول الى ما هو أهم من ذات الواقع نفسه, إنه جوهر الحقيقة عن أنفسنا, عن ذلك القابع داخلنا, وكان الاضاءة هنا هي اضاءتنا الداخلية, هي ما ينزوي داخل ذواتنا. لذلك وظفت الإضاءة على يدي المخرج وتحولت الى بطل درامي يفشى عالما، يخترق أسراره, وحدوده ليعين المتفرج في البحث معه عن تلك الحقيقة… ذلك الفردوس المفقود.
وتكثر الأمثلة, وتتعدد الوظائف لعنصر الإضاءة, فتتمثل مفردة جوهرية من أهم مفردات هذا العمل المسرحي الكبير. ولا يمكن لنا الحديث عن الاضاءة بشكل ينفصل عن الموسيقى، وكاننا نتحدث عن الحياة البشرية دون أن نذكر روحها الا وهي الموسيقى.
الموسيقى بطل من أبطال العمل المسرحي
الموسيقى في هذا العمل المسرحي بمثابة الهواء للانسان, إنها مثله تهبه الحياة, وجودا فنيا حيا. ولا يمكن للعمل الفني تماما كالانسان أن يحيا دون إيقاع, وكذلك الايقاع في «فرهارد وشيرين » لا يتخلق من الإضاءة الموحية والمعبرة فقط,بل يولد العمل المسرحي من روح الموسيقى التي تتزامن في هذه المسرحية بشكل متواز ومتناغم مع فنون المسرح الأخرى: «الأداء التمثيلي », «سينوغرافية العرض المسرحي», «الديكور والملابس والإضاءة » ليستكمل الإيقاع دورته, ونشعر بتواجده عبر معياري الزمن والمساحة : زمن العرض المسرحي, والمساحة (الفراغ المسرحي).
لذلك تغدو الموسيقى بطلا حقيقيا من أبطاله الرئيسيين, لا تقل في أهميتها عن مفردات العرض الأخرى. والقيمة الجوهرية لهذه الموسيقى التي امسكهمها المخرج / المؤلف الثاني للتجربة المسرحية, تنبع من المعزوفات العالمية المجهولة في معظمها عن أسماع المتلقي، وقد أعدها المخرج بنفسه, ليعيد ترتيبها، ويضعها معا في تناسق وتضاد مقصودين, فيستكمل خطها الدرامي لتتلاءم والخط الدرامي العام, ويتواءم معه, وكأنه صاغها من جديد، لتصبح بمناخها الشرقي، وايقاعاتها المتنوعة القريبة من آذان متلقيها، معزوفة موسيقية قد ألفت خصيصا لهذا العمل, فتبدو وكأنها «قطعة موزايكو» شرقية المنبت, ثرية بمدلولاتها الدرامية, ومضامينها الفنية الدرامية.
ولعل من أهم وظائف هذه الموسيقى، أنها قامت أولا بإعداد المتفرج وتهيئته في ا لدخول / الواعي/ المتلهف لرؤية ما سيشاهده بعد قليل, عند سماعه هذه الموسيقى في افتتاحية العرض المسرحي وعند لحظات إطفاء الإضاءة (البلاك أوت ) لتغيير الديكورات. فكانت معينا وسندا للمتفرج, للدخول في إهاب المناخ المسرحي العام. لقد وضعت الموسيقى العلامات والدلالات للاحداث المسرحية, كما أنها رسمت الخطوط العريضة لشخوص المسرحية, وأبطالها, فكانت تارة سابقة لزمن حدوث الفعل الدرامي بهدف التمهيد، أو تكون متوازية للتأكيد على سمة هذا الفعل, أو في تقويته ومساندة إيقاعه, وبالتالي تزايد اهتمام المتفرج وتواصله مع التوتر الدرامي للحدث المشاهد وما سيؤدي اليه, أو أن هذه الموسيقى تلاحق الحدث بقصد التعليق عليه والتأكيد على الشحنة الدرامية التي يزخر بها.
الموسيقى في هذا العمل المسرحي الكبير تعبر عما نريد أن.نواه نحن في الحدث المسرحي، وما نشعر بالحاجة اليه لتأكيده. كانت الاضاءة ستفقد الكثير من مدلولاتها، إذا انفصلت عنها الموسيقى، ولم تمتزج روحها في جسدها، كأن الإضاءة والموسيقى صفوان وقرينان لا يمكن الفصل فيما بينهما، أو القطع بمن يكبرن الأصل ومن هو القرين ؟! لكل هذا جاءت الموسيقى بطلا من الأبطال المشاركين في خلق هذا العرض تأكيدا لحساسية مدلولاته, واثراء لمعاني إشاراته, وبعثا لروح الدراما فيه.
الأداء التمثيلي المتميز
لو أننا لم نعرف منذ البداية أن ممثلي العرض المسرحي، هم طلبة يقدمون الينا مشروع تخرجهم لهذا العام الدراسي, لتأكد يقيننا من أن هؤلاء مسكون على مستوى طيب لهم تجاربهم المسرحية التي تسبق مشروعهم هذا. لقد استطاع هؤلاء الشباب من طلبة وطالبات قسم التمثيل والاخراج أن يقدموا درسا رائعا في فنون التمثيل وأداء فنيا محسوسا متنوعا حيث يمكرن بهذا العرض الدفعة الثانية لخريجي قسم الفنون المسرحية بكلية الآداب وهم : فاطمة الشكيلي في دور الأميرة مهمنة, وفضيلة المخيني في دور شقيقتها شيرين, ومحمد الحبسي في دور الغريب, وعبدالله الزد جالي في دور فرها رد وهلال الحبسي في دور الوزير وسعيد الكثيري في دور بهزاد. إنهم الممثلون الرئيسيون في هذا العرض المسرحي الجاد، ومعهم تسعة عشر فتى وفتاة يمثلون السنوات الأولى من قسم التمثيل والإخراج, يحملون على عاتقهم مسؤوليته. تميز هؤلاء الشباب بخصائص متعددة قلما نشاهدها في عروض مسرحية أخرى: الطزاجة في التعبير,الحيوية في الأداء فوق الخشبة, الدقة في الحركة على المستوى التشكيلي الجمالي المحسوب, الحفاظ عل ايقاع العمل المسرحي، وتزايده رويدا رويدا ليصل لذررته في اللوحة الجماعية الأخيرة عندما يلتقي الجميع (الشعب تقودهم الأميرة مهمنة والنقاش فرها رد) بهدف البناء, وكسر العقبات والصخور التي تقف سدا منيعا أمام سواعد فرهارد التي تتحول أنامله الى قوى عاتية, ودعاء تجري في عروقه كي تصل الصخور الصماء بمصادر مياهها العذبة السائرة نحو الأرض الظامئة, والأفواه العطشى من جماهير الشعب. وتتشكل الحركة المسرحية ومناظرها لتنتقل بنا في رحابة ويسر، فيتتابع أمام أعيننا المكان تلو المكان, من نبع الى نبع من المقهى الى داخل القصر وخارجه, في جوسقه, في مخدع الأميرة, لنعود ثانية الى الجبال. ويتم ذلك أمام أعيننا كمسرح سحري خلاب يبدع خطوط تحركاته مسكون مهرة, ومؤدون مبدعون. كان على رأس هؤلاء المبدعين الشباب :
فاطمة الشكيلي التي أثبتت العام تلو العام, خاصة بعد اشتراكها في المشروع الأول لتخريج دفعة 94/ 1995 من طلبة وطالبات شعب قسم المسرح, في العرض المسرحي «مركب بلا صياد» وكذلك هذا العام في العرض المسرحي «فرهارد وشيرين »، تثبت أنها طاقة إبداعية هائلة تتفجر موهبة وابداعا، فهي مكسب كبير للمسرح في سلطنة عمان.إن هذه الفنانة الشابة تملك من القدرات الخلاقة والثقافية, ووعيا بالكلمة والحركة, ما سيجعلها على رأس قمة كثير من المبدعات. وأؤكد أنها واحدة من أفضل من شاهدت من الممثلات الموهوبات في الفترة الأخيرة, فهي لا تقل تميزا وندرة وقيمة فنية عن أولئك الفنانات الموهبات في بقاع شتى من الوطن العربي. لقد أدت دورها «الأميرة مهمنة » باقتدار ووعي، في حركة مرسومة رشيقة دقيقة, وشعور انفعالي غامر خصب كنبع مياه الافلاج الصافية إنها تملك حسا فنيا وموهبة فذة تضعها بخطواتها الثابتة على قمة الحركة المسرحية والتليفزيونية والإذاعية ليس فقط على مستوى سلطنة عمان, بل في دول الخليج والوطن العربي بأكمله.
محمد الحبسي في دوره «الغريب » استطاع أن يؤكد كذلك موهبته الفنية وقدراته الابداعية. ونجح في تحقيق أبعاد دوره المرسومة بفضل ذلك الغموض الذي أحاط بشخصيته : عبر حركته الوقورة أحيانا، الواثبة الفجائية أحيانا أخرى، وأدائه الهاديء الرزين الخافت التعبيري, وملابسه التي أثقلت من حركته – قصدا – فأدت به الى أن يتحرك فوق الخشنة حركة محسوبة دقيقة, تسرق أعيننا فتفتح مغالق المستحيل, وشفرات سحره الغامض, وخفايا أسراره المخيفة.لقد أدى محمد الحبسي دوره بوعي وفهم وبساطة وعمق في آن واحد، صارخ التعبير تارة, بالغ الهدوء والدلالة تارة أخرى، ليضعنا – كمتفرجين – في أتون المأساة, وخيوطها المتشابكة.
إنني على يقين من أن العرض المسرحي «فرهارد وشيرين » قد أعلن بقوة ووضوح عن مولد الفنان العماني محمد الحبسي, ليشغل مكانه الذي يستحقه في الحركة الفنية الإعلامية العمانية.
عبدالله الزد جالي.. بنفس القدر من الالتزام الفني قدم هذا الخريج الشاب في دوره «النقاش / الفنان فرها رد» ملامح شخصية وصورة تنبض بالحياة, تؤكد على أن الفنان الشاب / الزدجالي قادر على العطاء إن أراد.
هلال الحبسي.. التزم في دوره «الوزير» بالأبعاد المرسومة لدوره فعكس لنا «وزيرا عاشقا» مترددا، خائفا, إنسانا. وبوعي الاحساس بالكلمة نجح الحبسي في تشكيل الدرجات اللونية المتباينة في دوره ليحيل منه صورة إنسانية حية, وليس مجرد نموذج تقليدي لوزير نمطي.
أما سعيد الكثيري – ففي ظني – أنه تمكن في حدود إمكانياته أن يملا دور «الأب »، وكأن هذه الشخصية قد خلقت له, وخلق لها. ورغم صغر سنين عمره الفتية فإنه لو استمر الكثيري في المشاريع المسرحية في المستقبل, فسيؤدي في معظم حالاته هذا النموذج من الأب النمطي، الذي يحافظ دوما على المقاليد، ويستمسك بالأرض المعطاءة بكل ما تحملها من أصالة.
ولا يفوتني أن أهنيء جميع المشاركين من شباب قسم الفنون المسرحية الذين ساهموا بالتمثيل داخل هذا العمل المسرحي الكبير وهم : راشد العبري – جابر الحرامي – حمد المفرجي – سعيد السيا بي – شنون السيا بي – مسعد المعنى – سالم العبري – وليد الخروس – وداد الميمني – أسماء العدواني – سامي الشلي, ناصر الرقيشي – حسين العلوي – إبراهيم المحروقي – إيمان الزدجالي- مريم الشرجي – زوينة السعودي – فاطمة اليزيدي – سعيد السيابي (المحول ).
وينبغي على الناقد أن يعبر عن دهشته وتقديره البالغ لطلبة شعبة الديكور في قسم الفنون المسرحية الذين شاركوا في تصميم مناظر العرض المسرحي وتنفيذها، وقيامهم مع زملائهم من الأقسام الأخرى بتغييرها في أثناء العرض المسرحي وهم :
آسيا البلوشي – سعاد القراري – سعدية السعدي – شيماء البو سعيدي – طاهرة المعولي – عبير الفارسي. والتقدير لمساعدي الاخراج وادارة المسرح من طلبة القسم وهم :
عبدالله السعيدي – ماجد المقبالي – محمد المهري ـ ناصر الرقيشي.
لقد استطاع هذا العرض المسرحي «فرها رد وشيرين " أن يحقق سمة من أهم السمات العلمية والتربوية التي تحلم به المعاهد الفنية الأخرى في الوطن العربي : وهي سمة الاشتراك الفعلي والتعاون الوثق بين طلاب وطالبات الشعب الثلاث لقسم الفنون المسرحية كما في مشروع تخرج دفعات السنة النهائية لهذا القدر من التميز. حيث اضطلع طلاب شعبة التمثيل والاخراج بالأدوار الرئيسية في المسرحية, بينما قام طلاب شعبة الديكور بتصميم وتنفيذ مناظرها المختلفة. وفي الوقت نفسه تابع طلاب شعبة النقد والدراما العمل بالدراسة والتقييم والنقد، حيث تعمل هذه المجموعة كلها تحت إشراف أساتذة القسم : «فمشروع كهذا – كما يؤكد الدكتور هاني مطاوع رئيس قسم الفنون المسرحية بالوكالة, ومخرج العرض ومعده – يمثل لطالب قسم الفنون المسرحية بداية الاحتكاك الحقيقي مع جمهور المتفرجين. حيث تبدا إعلان انصهار الدراسة النظرية والعلمية للطالب في بوتقة المسرح الحي، فليتئم الجانب النظري الأكاديمي مع الجانب العملي ليصبح الطالب معدا للمشاركة في الحياة المسرحية العملية ".
وفي رأيي أن هذا المشروع يعد بدوره أجيال الشباب من الفنانين المثقفين منذ السنوات المبكرة داخل القسم الى الاحتكاك بمشاريع السنواه الأخيرة لمعرفة اسرار اللعبة المسرحية وفنونها و(عدادهم إعدادا علميا فنيا صحيحا لمشروع تخرجهم وحلمهم الكبير الذي تحقق في العرض المسرحي «فرها رد وشيرين " وتحقق معه بشكل متواز ومتزامن نجاح علمي وتربوي كبير لايقل أهمية وقيمة عن النجاح الأول.
لقد استطاع الدكتور هاني مطاوع أن يشكل من هذا العرض المسرحي معزوفة فنية رائعة عبر مارمونية ونسق رائعين : تلتحم فيها الألوان والموسيقى داخل سينوغرافية مسرح, يخلق من الخشبة المحايدة, قوس قزح باهر، يجعلنا نعيش أسطورة دراما الزمن, ونحيا عبقرية المكان المتغير الذي يتحلق امام أعيننا واقعا حيا, يطفق بالعذوبة والرقة والسحر، سحر الفن الذي لا ينتهي لقد نجح المخرج ليس باعتباره واحدا من أمم المخرجين المسرحيين العرب المعاصرين, ورائدا من رواد هذا المسرح فحسب بل كمسؤول يتحمل مسؤولية القيادة والاشراف على القسم المسرحي الذي يتعاون معه فيه نخبة من الأساتذة بكلية الآداب. جامعة السلطان قابوس, فيكون بذلك رائدا ومساهما جوهريا في تكومن أجيال من الأكاديميين والمثقفين المسرحيين من الشباب العماني الذين سيحملون – بلا شك – لواء الحركة المسرحية عن قريب.
هناء عبد الفتاح (كاتب من مصر)