م.م
فريدا دوراكوفيتش (Ferida Duraković) شاعرة وكاتبة بوسنوية، ولدت سنة 1957. تعيش وتعمل في سراييفو. بالإضافة إلى الشعر الذي هو موطنها، تكتب أيضًا القصص القصيرة والنثر للأطفال والقصص الخيالية والكتب المصورة والنصوص الدرامية والأعمدة والمقالات.
مجموعاتها الشعرية:
“حفلة تنكرية”، 1977
“العيون التي تشاهدني”، 1982
” المصباح الليلي الصغير”، 1989
” الانتقال من أرض جميلة حيث تموت الورود “، 1993
” قلب الظلام “، 1994
“Locus minoris ـ الميل إلى البوسنه كالماليخوليا “، 2007
تُرجم شعرها إلى الإنجليزية واليونانية والسلوفينية والتركية والألمانية والفنلندية وغيرها. نُشرت كتبها الشعرية الكاملة في بولندا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وبلغاريا.
فازت الشاعرة بجائزة “Hellman-Hammet Fund for Free Expression” سنة 1992 لعملها الأدبي، وبجائزة ” Vasyl Stus Freedom-to-Write ” للمجموعة الشعرية: “Heart of Darkness”، (New York, 1999)
للمجموعة الشعرية “Heart of Darkness”، وبجائزة
شغلت منصب الأمينة العامة والمديرة التنفيذية لمركز P.E.N في سراييفو لأكثر من عشرين عامًا.
إذا أردنا البحث عن الثابت في شعر فريدا دوراكوفيتش، سنجد أنه يتمثل في العاطفية وفهم المكانة في العالم كما تعبر الشاعرة عنهما في قصيدتها تحت عنوان “القصيدة الصالحة”:
أتى إليَّ ضوء صالح من قِبَلكم.
أما أنا، فتعلَّموا منِّي مجرَّد مشاهدة يومٍ عادي ، والتوترَ
قَبل رحلةٍ قصيرةٍ
بينما أنتظر: أن يَحدث
لكلِّ واحدٍ منكم شيءٌ جيِّدٌ.
أن تَنزل من السماء المفتوحة
كفّ مبسوطةٌ،
فيها دنانير ذهبية
فيها نقود الفرَح الطفولي.
يعتمد التأثير العاطفي والدلالي في شعرها على عملية الاغتراب، لذا فإن الصورة في شعرها -بتعبير قصيدتها هذه- تتمكن من تصوير التجربة الإنسانية التي يتم فيها المساواة بين قيم الحياة وفرحة الأطفال في معرفة العالم واحتضانه. ومن هنا يبحث هذا الشعر عن المبادئ الحيوية للعالم، ومبادئ الخير التي تتعارض مع تفكك قيم الحياة وزوالها. تم بناء صورها الشعرية بمهارة، مع قليل من المجازات، ما يجعل شعرها ممتعًا للغاية. وهذا من أصعب وأندر الإجراءات الشعرية التي ظهرت في الشعر البوسني المعاصر. فإن درجةً معيَّنة من السَّرديَّة تحافظ على وحدة قصيدتها، ونتيجة لذلك تتحقق هذه الوحدة في إيقاع الصور، وليس فقط في إيقاع الكلمات. تأتي الاهتزازات العاطفية المتعلقة بالواقع المباشر كخاصية مهيمنة لهذا الشعر، لذلك يظهر التدفق الدلالي للقصيدة من خلال تزامن إيقاع العواطف والصورة الشعرية. وهذا بالفعل إجراء شعري قيِّم للغاية يوسِّع حقًّا الإمكانيات التعبيرية للغتها الشعرية. اللغة في شعر فريدا دوراكوفيتش ليست فقط اختصارًا للواقع ولا تحويلا له في صورة شعرية، بل هي في نفس الوقت تأسيس للعالم وتجديده من خلال اكتشاف قيمه الأصلية.
الشاعرة تزيل الأوهام عن عالم الواقع، وكذلك تزيل الأوهام عن إثارات للشفقة خاصَّةً للعوالم الأدبية وتخلع القناع عن جديَّتها المفرطة:(1)
الظلام…
ما هو إلا مجرَّد غياب الضوء.
دَعي الظلامَ يعمل من أجلنا.
سوف يتعب قبل الفجر. وأنا هنا، عبر الشارع،
مستلقية في نفسي مثل استلقائي في الكرسي، وهذا ليس بالأمر الصعب، لقد علَّموني أن أحرث
وأن أحفر في نفسي
وألَّا أصنع المعجزات بعيني!
بدأت المرحلة الناضجة لشعر فريدا دوراكوفيتش بأهوال سراييفو في زمن الحرب. ففي العديد من الحوارات والمقالات تحدثت الشاعرة عن تحول شعريتها والذي أتى مع تغيير مفاجئ وشامل للحياة:
“كان عمري 36 عامًا في بداية الحرب، وكان يكفيني سني هذا لينفجر أمام عينيَّ كلُ ما لم يكن واضحًا لي، وهذا مع انفجار القنابل أصابت منزلي في سراييفو. أصبحت على دراية كاملة بِشعري وفهم ما أريد وما لا أريد في الأدب والحياة. قررت ألا أكتب بعد الآن قصائد لهوية لا تلمس الواقع، وألا أكون أنا موضوعًا ومقصدا في شعري. ولا أستطيع ولا يجب أن أعيش خارج السياق الاجتماعي والسياسي، ومعنى كل هذا أنني لن أخرج أبدًا من الرمال المتحركة لأحداث وتجارب الحرب. هل هذا جيد، لست متأكدَّةً، لكن لأكون صادقًة، لم أعد أهتم بالخروج من هذا السياق بعد الآن، لأن الثمن الذي دفعته كان مرتفعًا وأنا يجب أن أقوم بسداد هذا القرض طوال حياتي.”(2)
لا توافق فريدا دوراكوفيتش على فقدان الذاكرة التاريخي والسياسي، إنها حريصة على عدم الوقوع في التفاهة والسذاجة في تصوير تجربتها الحربية. وتستخدم استراتيجية طرح الأسئلة لتحويل تجربتها إلى الشعر (“- طرح الأسئلة – هذا في الواقع أنا “) (3). على الرغم من أن هذه الأسئلة ليست مرئية شكليا، إلا أنها تمثل جوهر قصائدها. كتابتها الشعرية هي كتابة مضادة للحرب وتستخدم طرح الأسئلة أو بعبارة أصح التساؤلات لتفتح الطرق للحفاظ على حيوية شهاداتها الشعرية وللتخلص من صدمة الحرب. وتؤكد أن هناك فرقا في طريقة طرح النساء للأسئلة وتشير إلى أن هناك “جماليات نسوية” توحي إلي النساء المزيد من التعاطف، ومن فهم أعمق للذات والعالم وظواهره من الرجال:
“أعطتني الحرب (1992-1995) في البوسنة والهرسك إجابة عميقة على عشرات الأسئلة، لكنها فتحت أيضًا آلافا من الأسئلة الجديدة. فإن السؤال الأهم بالنسبة لحياتي الإنسانية الصغيرة العزيزة هو: لماذا الحرب؟ أعتقد أنه لن يتم الرد عليه مهما أقلب معاني ومقاصد ونتائج الإنسان من شر وخير.
بالنسبة لي وللآخرين الذين شاركت معهم الحرب، بعد فترة وجيزة من حالة شبه مجمدة من الوعي، أي بعد أن أدركت أنه لا توجد مساعدة من أي مكان، وبعد قبول حقيقة أن الماء والخبز (والسجائر!) هي الأهم، حدث شيء لا يمكن تفسيره: الحاجة إلى الحرية! فهل يمكن تعريف الفن في أوقات الحرب بشكل آخر؟ وأصبحت هذه الحاجة إلى الحرية تأكيدًا على أننا “نحتاج إلى الخبز، ولكننا نحتاج أيضًا إلى الورود” (We need bread, but we need roses too…) كما تغني ج. كولينز الرائعة.
نحن، فنانون في بيئة الحرب، أردنا أن نثبت أولاً لأنفسنا ثم لبقية العالم، أننا أكثر بكثير من مجرَّد أهدافٍ للقناص. وأن شعبًا أوروبيًا يتم إبادته هنا، ويتم قتل الصورة التي يقدمها المجتمع الدولي! من وجهة نظر اليوم، وبعد معرفة أن التاريخ هو في الواقع مجرد وجه خفي للسياسة لا يمكن الوصول إليه للناس العاديين، اتضح أننا في البوسنة والهرسك كنا محظوظين لأننا في وسط أوروبا، وبعد الحرب قد نصبح أقارب فقراء لأوروبا.(4)
أعتقد أن الثقافة والفن كانا سلاحنا الحكيم: الصحفيون والكتاب والفنانون والمفكرون من مختلف المجالات الذين كانوا يأتون من أجزاء مختلفة من العالم إلى مدن البوسنة والهرسك المدمرة كانوا مندهشين من طاقتنا ومن إنتاجنا الفني. وجنبا إلى جنب مع قصص حول الفن في الحرب، كان العالم يسمع عن العصب القومي، والمعسكرات، والتطهير العرقي، والاغتصاب، و”الترحيل الإنساني للشعوب”، وجائزة ميخائيل شولوخوف الأدبية لمتهم لاهاي رادوفان كارادزيتش، وهدم الجسر القديم في مدينة موستار، وأخيرًا عن الحاجة الملحة لفعل شيء ما في عام 1995، لوقف كل تلك المذابح.
للأسف، سؤالي لن يصل لمن يمكنه الإجابة عليه، لكني أطرحه على أي حال.
هل أكد المعتدي الافتراض بأنه أفضل من الذي هاجمه؟ لا. على العكس تماما!
هل أكد من أطلق النار على المدنيين غير المسلحين هويته وأنه يختلف؟ بالطبع – ولكن على طول الطريق قام بمحو هوية الآخرين وبمحو حقهم ليكونوا مختلفين.
هل كان كل هذا يستحق 150.000 حياة بشرية؟(5)
تطرح فريدا دوراكوفيتش في قصائدها، وهذا من منظور نسوي، أسئلة حول الشعب والوطن والمأساة الناتجة عن الحرب. إنها تعبر عن التجربة الأنثوية للحرب والأنماط الاجتماعية ولا تلبي المعايير الشعرية، بل تشكل قصائدها بدافعها الإبداعي الداخلي وموهبتها. نشير في هذا المكان إلى قصيدتها تحت عنوان: “سربرنتسا” التي تصور فيها أعماق ألم أمهات سربرنتسا وأحزانهن لعجزهن عن العثور على عظام أولادهن القتلى:
سربرنيتسا
1995
1996
1997
1998
1999
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2006
…
آه، ليتني
أخيرًا
أرقد
في القبر
القبر الذي لا وجود له
بجانب طفلي
الذي لم يعد هناك
وأدفئ يديه الصغيرتين.
وفي الرد على السؤال: “هل الموتى يعلقون بأنفسهم على قلمك لأنك ما زلت تكتبين عنهم. لماذا كتبت قصيدة ‘سربرنيتسا؟” الشاعرة أجابت: “أنا ببساطة لا أعرف الإجابة على السؤال لماذا كتبت “سريبرينيتسا” ربما دفعني الحياء لأننا ما زلنا ننظر في عيون هؤلاء النساء اللائي يأملن العثور على عظام موتاهن قبل ذهابهن إلى القبر بأنفسهن؟”(6)
نشأت فيريدا دوراكوفيتش، بصفتها شاعرة، في أجواء بداية ما بعد الحداثة(7) في ظروف البوسنة والهرسك، ولم تكن الشاعرة مقلدة لما كان من قبل من الأساليب والموضوعات، بل على العكس من ذلك هي تهيئ شعرها حسب دافعها الإبداعي الداخلي وحسب موهبتها.(8) وهذا ما عبرت عنه بمناسبة نشر كتاب المختارات من شعرها تحت عنوان “قلب الظلام”:
“تقوم هذه المختارات على أساس ثلاث مجموعات شعرية منشورة وواحدة غير منشورة، وهي نتيجة للرغبة في فهم الفرق بين طالبة أدب تبلغ من العمر عشرين عامًا وامرأة تبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا وهي مرشحة للدفن على ملعب كرة القدم(9). إن الفرق في القلب ليس كبيرًا، لكنه مهم في ظلام القلب: هذا الظلام أقل كثافة بكثير من ظلمة الشباب. ببساطة لأن توقعاتي أصبحت أقلّ بشكل لا نهائي، لذلك انحصرت أحلام الحياة على الماء والصحة والمنزل والكتب والسلام بدلاً من المغامرة والتاريخ والمجد والحبّ المكتوبة بالحروف البارزة.”(10)
أوضحت الشاعرة في هذه الجمل أنها تفهم الشعرعلى أنه تعبير عن القلب وعلاقة مع الواقع والحوار مع الخطابات الاجتماعية. وإضافة إلى ذلك، الشعر هو مساحة أخلاقية للتماهي مع الآخرين. تحلُّ المشاركة الأخلاقية والعاطفية محلَّ الحماس الشبابي والعالمية الحداثية. يتميز شعرها بما أننا دائما نستطيع اتباع الاهتمام بالآخر.
من خلال تلميحها إلى رواية “قلب الظلام” لكونراد ، تكشف القصيدة من بداية مجموعة “قلب الظلام” للشاعرة عن الدور الأخلاقي للشعر والتمرد والمقاومة ضد كل أنواع الظلم:
أشعر بالذنب
بدلا من الصراخ بقوة وصلابة بطريقة رجولية:
J’accuse!
حتى تهتز الدولة والتاريخ
أشعر بالذنب كامرأة، والدولة لا تهتم
لماذا أفعل ذلك على انفراد ودون محاكمة عامة؟
أشعر بالذنب
لأجل كلِّ من اتَّهمتُهم و لأجل كلِّ ما كتبته.
خاصةً
لأجل أولئك الذين لم اتَّهِمهم
ولأجل ما لم أكتبه.
(J’accuse!) أنا أتهم! إشارة تناصية إلى إميل زولا ورسالته المفتوحة إلى رئيس فرنسا. في أغنية “أشعر بالذنب”، نشعر بالاشمئزاز من الشر الذي يحدث في الواقع. الصوت الأنثوي يدين ويتهم “المجتمع الدولي” أي كل من يذبذب بين “نوايا للمساعدة” في إحلال السلام في بلد يحكمه شرُّ الحرب وعدم اهتمام الغرب به والتغافل عن مسير هذا البلد:
لأن العالم كله يخاف من واحدة منهما أكثرمن الأخرى
– مهما تكونان: انفلونزا الطيور والبوسنة
لأن البوسنة شرُّ صغير وليست بشرٍّ عالمي
شرّ محلي، مثل مطر صيفي!
فالوطن في القصيدة يعادل المواطن، يعادل مسقط الرأس ومكانة الهوية بالمعنى الأنثروبولوجي والثقافي والاجتماعي والعاطفي.
أما قصيدتها المشهورة “تتأمل الكاتبة في الوطن حينما يدخل متخصص في ما بعد الحداثة مدينتها” فتتحدث الشاعرة فيها عن موقف الغرب الذي يستغل معاناة الآخرين و”يستعمرها”. تهيمن صورتان على تصوير الوطن في هذه القصيدة: صورة لشاب مجروح وجندي وطفل يوجد بجواره خبز مبلل مأخوذة من صوت أنثوي وهو على ما يبدو يرى الوطن محطمًا، وشاهدًا منحازًا، ومن ناحية أخرى، صورة لأكاديمية العلوم يجلس فيها رجال ذوو رؤوس رمادية “يستمعون” إلى محاضرات الأستاذ الغربي:
كل شيء يتكرر بقسوة ولفترة طويلة
وكل شيء يحدث لأول مرة:
وجه شابٍّ، عمره طول الليل
كان يتدفق من خلال يديك، من خلال الثقب
على ظهره.
وجه الجنديِّ
بالقرب من محطة الحافلات، مفتوحُ العينين،
حيث توقفت سماء مايو اللطيفة. قلت: أنت تخترع في خيالك،
ليس هذا وجهَ التاريخ، هادئًا وبعيدًا.
وبحيرة دم: في وسط البحيرة خبز
غارق في الدم كما أنه غارق في حليب “z bregov” أكرر: أنت تخترع في خيالك
سقوطَ طين سراييفو على قدمي الصبي
الكبيرتين في أحذية “ريبوك” الرياضية
على تابوتٍ قصير جدًا مصنوعٍ من باب الخزانة…
لا، لا ينبغي أن يصدقك أحد، أنت تأتي من قلب الظلام
الذي انفجر وانصبَّ على النهار.
أنت شاهد غير جدير بالثقة، وأيضا منحاز.
لقد أتى أستاذ، هو باريسي تماما:
“Mes enfants”
بدأ، وكررت أصابعه: “Mes enfants, mes enfants, mes enfants”
وسط أكاديمية العلوم كانت الرؤوس الرمادية تفكر
فقط في قميصه الذي كاد بياضه يصرخ…
Mes enfants”، هنا تموت أوروبا.” ثم رتب كل شيء
في فيلم، في صور، في كلمات كبيرة، مثل:
historie, Europe, responsibilité
وبالطبع les Bosniaques.
هكذا يُنظرُ إلى وجه التاريخ بشكل صحيح،
ليس مثلما تنظر أنت: من خلال فقرات النص بدون مسؤولية،
في طلقة قناص تصيب جمجمة،
هكذا يُنظرُ إلى القبور المغطاة بالعشب الذي لا يعرف الكلل،
إلى راحتي يديك المبسوطتين فوق
إدوارد مونش(11)، الذي هو نفسه ذات مرة،
اخترع كل شيء، عبثًا.
(لـ B. H. Levy، مع كفّ الملح، 1993)
هذه القصيدة مخصصة للفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي (Bernard-Henry Lévy)، الذي زار البوسنة والهرسك خلال الحرب. كان ليفي من أوائل الذين طالبوا بالتدخل العسكري ضد الجيش الصربي في البوسنة والهرسك وتحدث مبكرًا جدًا عن معسكرات الاعتقال الصربية. وهو مؤلف الفيلم الوثائقي “البوسنة” حول العدوان على البوسنة والهرسك ، حيث صور جيش البوسنة والهرسك كجيش يدافع عن عرض أوروبا: “حيث تتعارض قومية وكوسموبوليتية وهي عِرض أوروبا”.
تتحدث فريدا دوراكوفيتش في شعرها أيضًا عن انحلال يوغوسلافيا السابقة، الذي أعقبته معاناة الحرب:
ففي النهاية بقيت الدولة.
وأصبح الوطن شيئا قديم الطراز.
ويلاحَظ أنها تعود باستمرار إلى الطفولة، كنوع من الأسطورة الفردية وإلى الأسطورة بصفتها طفولة المجتمع البشري.لكنها تدرك أن العالم “سلعة عرضة للفساد”:
بدأ العالم يفسد لأني أحتفظ به في مكان دافئ!
وهذه “الصورة المطبخية” اندفعت فجأة، مثل رصاصة طائشة في تأمل الشاعرة بعدم وجود الوعي عند الإنسان المعاصر بتكامل العالَم. تشتكي الشاعرة من أنها “لا تملك ثلاجة يمكن فيها الحفاظ على العالم سليما”. ويبدو أن نحينها هذا مثير للمفارقة بشكل مضاعف، فهو يحتوي في الحقيقة على ما يسميه النقاد الإنجليز الجدد بـ”مفارقة المفارقة”ـ عملية أدبية يستنفد عن طريقها الشاعر الحدَّ الدلالي الأقصى من مشاعره وتأمُّلاته.”(12)
الهوامش
1-Enver Kazaz, “Razbijanje monoglasnosti pjesme”, in: ed. Enes Duraković, Bošnjačka književnost u književnoj kritici, t. 3., Sarajevo, Alef, 1998. pp. 711-716.
2- Ferida Duraković, “Postavljati pitanja”, (الحوار), (http://www.prometej.ba/clanak/intervju/ferida-durakovic-postavljati-pitanja-2114).
3- المرجع نفسه.
4- Ferida Duraković, “Rat i kulturni identitet(i) evropske BiH”, (https://radiosarajevo.ba/vijesti/bosna-i-hercegovina/ferida-durakovic)
5- المرجع نفسه.
6-Adisa Bašić, Ferida Duraković, “Pjesme treba pisati rijetko i nerado” (الحوار), Sarajevske sveske, No. 39-40., p. 103.
7- أدرج ماركو فيشوفيتش في مختارات الشعر («عقد ونصف من الشعر البوسنوي»، 2009) العديد من الشاعرات اللواتي نشرن كُتبا شعرية في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين ، مما يدل على ارتفاع ملحوظ في الشعر الذي كتبته الشاعرات ( Vojka Đukić, Bisera Alikadić, Enisa Osmančević Ćurić, Jozefina Dautbegović, Fadila Nura Haver, Ferida Duraković, Nermina Omerbegović, Tatjana Bijelić, Aleksandra Čvorović, Tanja Stupar-Trifunović, Šejla Šehabović, Adisa Bašić, Naida Mujkić). وفي المقالة التابعة لمختاراته هذه يشير فيشوفيتش إلى أن النساء اتخذت «إجراءات جادة ضد الهيمنة المطلقة للرجال في الشعر البوسنوي». فإن قيم أعمال الشاعرات التي نُشرت في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين قد لقيت القبول ، ومن أهم قيمها هي معالجة المفاهيم النمطية عن الأنوثة ، وكسر القوالب النمطية الأبوية المتحجرة.
8-Alma Denić-Grabić, “Kako spisateljica sagledava domovinu: artikulacija ženskog glasa u poeziji feride Duraković”, Knjiženstvo, No. 15 (305-055.2(497.6))
9 – تشير إلى زمن الحرب في البوسنه والهرسك حيث كان السكان في بعض أحياء عصمة سراييفو مجبورين على دفع موتاهم والقتلى على ملاعب كرة القدم.
10- Ferida Duraković, Srce tame, Sarajevo, Bosanska knjiga, 1994, p. 123.
11- Edvard Munch
12- Marko Vešović, “Nova kuća od starih cigala, (Ferida Duraković, Srce tame)”, in: Slovo Gorčina, 35 / 2013, p. 105.