منير خلف
الآن أبدأ رحلتي
وحدي أسيرُ إلى رؤايْ
أتلمّسُ الوجعَ المديدَ
بغربتي
وأنا ألملمُ ما تراهُ الأرضُ
خارجة عن الذكرى،
كأنّي صرتُ غيري
لا أفتّش عن صدى الكلماتِ
في وقع الغياب،
أدوّن المعنى
وأترك ما تبقّى
من نزيف أصابعي
عند انهمار الفقد
في هذا الضياعِ المرِّ،
أعرفني
وأدرك حجمَ خوفي
من ظلامِ الليلِ،
كم ستقودني
نحوي خطايْ.
أمشي وتتبعُني الظلالُ
ولا أرى أحدًا
كأنّي في الهشيم
أسيرُ وحدي حاملًا كلّ الدروب
على يديّ ولم أصلْ،
وكأنّني أطوي
على حال البلاد سجلَّ خوفٍ ما
من المجهول،
أحملُني غريبًا في ندائي
أُسكِنُ الخفقاتِ منزلَها المبارك
فوق خصرك
تحت جيدِ حمامة
نثرتْ بكفّ الأمسِ عقْدَ اليوم
يا يومَ انتظاركِ
يا أنايْ.
وأنا أسيرُ
أهيّئُ الآنَ الحروفَ إلى السطورِ،
تهمّشُ المعنى الظلالُ
فأنحني في ظلّ نخلتها البعيدة
أقرأ الآن المدى
لا صوتَ يحملني هناك
فكيف تنفرُ من صداه الأغنياتُ
ولم أقلْها بعدُ هذي الأغنياتِ
إلى سوايْ.
سأمرّ محتفلًا بذاتي
قبلَ أن أجدَ الحصيلة
في يد العدمِ
انتظرْني
أيها الوعدُ الذي لا وقتَ في يده
سوى هذا الصدى!
وكأنّني صوتٌ يحاولُ
أن يزيلَ عن الصباح
غبارَ ما تركَتْهُ أيدي الخائفينَ
من الصباحِ،
أديرُ محنتيَ الجديدةَ
صوبَ هذا الدربِ،
هذا الدربُ محفوفٌ بصوت الرّاحلينَ
ولستُ ممّن يتقنُ الآن السؤالَ
أجرّدُ المعنى من التحديق
في ثوب الكلام
ملائمًا بعضي الذي
ضيّعتُ سندسَهُ،
وأسألُ: هل رأيتَ الآن من يمشي
ويسألُ عن سواهُ
وليس في يدِهِ سوى بعض النقوشِ
تدلّ عن قربٍ
على بعض المعاني
كي أغادرَ من سُدايْ.
هذا إذًا
ما لا تبوحُ به القصيدةُ
وهي في حُمّى من التكوينِ،
في رؤيا تجدّدُ نفسَها في نفسِها،
هي ما تقولُ الآنَ أوجاعُ الذهولِ
فأصعدُ الدّرَجَ الذي يُفضي
إلى بيتي الجديدِ،
أظنُّهُ بيتي
أتابعُ في الصعودِ
أهشّ في قلقٍ على خوفٍ يلازمني
أهشُّ بكل ما أوتيتُ من صمتٍ
أحاول أن أحثّ السير منطلقًا إلى ذاتي
كأني من بروقٍ صغتُ أقدامي،
كأني طالعٌ من بئر وحشتيَ العقيمةِ
خارجٌ عن رغبة الكلمات في الإفصاحِ
منتظرًا فضاءً لائقًا
بمدائن الذكرى
فأصحو من بكاءِ الغيمِ
أعصرني
وأبدو وحديَ الآن،
اكتملْتُ بحصرم الوقتِ
انتظرتُ ولم أعدْ
من بعد إبلاء الفوات
سوى اغترابٍ،
يحتفي باليُتمِ
في سَرَفٍ بُكايْ.