مريم الحتروشي
شاعرة عمانية
صمت
كثير من الصمت الممتد حولك
الصمت المرمي على اتساع الفراغ
وأنتَ بعينيك تلاحق نأمة الضوء الأولى
تهدِل الشعاعةُ الأولى على أريكة الموج بتؤدة
وكأنها بتوهُّجِها تَرهبُ برودة الموج.
وحدك يقف وراءك ماضٍ مهترئ بذاكرة عزلاء
وخيبات تعادل انتكاسة حزيران العرب،
والرملُ حولك ومن أمامك
وكالإمساك بالزمن؛ كم هي مخاتلة غادرة تلك اللحظة، لحظة الإمساك بالملايين من حبات الرمل
وهي تنسرب من بين قبضة أصابعك بجاذبيتها الطبيعية عائدة إلى رعيلها لائذة بهم من وسم الشتات
لتعود صفرًا كما أنت
أيها الواحد الصفر
لفظتك ظروفك إلى رمال مهما تعالقتَ بها ستعود أدراجها..
شمس..
هاهي أشرقت بسطوة إلهٍ حارس
وقطعان الضوء تتواثب خلفها
تتهيّبُها العين فتنكسر إغضاءً
حين يكون هذا الحضور طاغيا لاهبا
مزيجا من الغبطة والفتور والانتشاء والهيبة والتراخي
تزرعين شآبيب الانطلاق والتحرّر
في نهارات الكون العطشى للوئام.
بحر..
تعبرك الريح، تهادن موجك..
تعبث بزرقتك البرّاقة فتحيلها التماعات تغيظ وجه الشمس..
تعود لذاكرتك، ذات حداءٍ بعيد
طمرتَ الحياة
وكان سلطانك المهيب شاهد الجدث الأكبر
لولا كلمة الحق
«وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماءُ أقلعي»
رويدًا يغيض الماء
تتشرّبه الأرض خزانات للبشرية القادمة
ثمة قيعان تطفح بأمواه السماء ترتادها العقبان والطيور والسحالي
وخلجان تسبح فيها حيتان الأعماق.
فلك..
تمضي على فلكٍ وحيدا خالي الوفاض من فلذة كبدك ووراءك شماتة الشامتين من قومك، وأنت تأتمُّ النخبة الصالحة
ومن كل زوجين اثنين
نوح ..نوا..Noah، وقد نذرك الله لتكون نواة البدايات الجديدة
«وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها»
مجريها حيث حرف المد في معمعة الموج والموت يمتد ويميل بإمالةٍ -كثيرًا ما تشبه لهجتنا الشرقية المحبّرة بمداد اليّم، المائلة أطرافها كتمايل أطراف الماء-
تتقاذفك جنود الماء المدججة بأمواج كالجبال
وعلى ظهر الجوديّ استوت الفلك، فليس للنهايات إلّا الارتقاء على تلاطم الضَلالة.
وكالطوفان كانت رحلتك، ومازلتَ هادرا تنبئ بالحقيقة
ما زالت أحشاؤك تتلوى بمن غيَّبتَهم وطمرتَ تاريخهم.
صلاة ..
حين تصلي ومن ورائك الشمس ساجدة
والموج صفوفٌ هادرة بتسابيح الخليقة
ترسم محراب الجنة للفلول الناجية
تقود صفوفًا مجندةً من الضوء
والماء وعسف الريح
وتراتيلَ قلب يطمر نبضاته في قيعانك .
زوال ..
عند الزوال تغفو الشمس تحت مظلة من غمام بارد
تلتقط أنفاسها الحرّى، تواصل رحلتها العلِيَّة
تسكب جِرابات الصهد
والسائرون على وجه الأرض
يستشيطون «شَوْبًا من حميم»
عودة ..
هنالك ليل تغفو أهدابُه
أمام غنج الموج
وأنت تحلم أن تحلّق كندفة ثلج
هربا من زمجرة الحياة
تنيخ ركاب أفكارك
قرب أطناب القمر
تحثو من نثار تبره حثواتٍ
تنثرها على وجه اليم
لتنير رحلة العودة.
حياة أخرى ..
على وجه البيد
ثمة قافلة جمال تتراءى
وصوت الحادي
يشق العسس
«غني لقلبي
من الحزن غني له
ودّعت داري
والوليف أعني له
ما حنّتْ دروب
الأرض حِنِّي له»
والنجوم تنصت
والشدو يراوح البيد
والوحشة تكمن
غير بعيد
في ظلمة ما
في انكسار نظرة
معلقة بالنجوم .