مصائد
من أخبر وأفتى بأنها عادات سيئة? من غير عته الأعراف والحرص على قهر الامكان دفاعا عن إبعاد موعد الشاهدة? من غير خرافة الدوام? هكذا أعيش- وبضمير الأنا الخاص الذي أبدا ما تطاول على حيوات أخرى مهما كان مساقها. إن ما يتوج جمالنا هو هذه المسافة وهي تتقاطع في مفترق الفج العصي في الوجود ألفة وتشظيا.. إن هذا الأيقون البلوري بألف شعاع وخطى هو ما يحررنا من آفة القطيع.
من عاداتي الممنونة بالبركات, ان انتفض بين السهو وظله ثم بفرح كبير أمحو كل الخرائط وأملي على الخطو أبجدية المشي باتجاه طرق ونهايات ينظر في شأنها محوا كي تعلن البداية وما سيأتي في السفر المفتوح. من عاداتي اتقاء لآفة الاكتئاب والضغط وما جاورهما قرفا أجتحر أسوة بكائنات الشتاء الطويل الحكيمة. أمحو مدينة بحجم شتات الدار البيضاء ثم أقطنها كما لو أنني نزلت بها أول مرة. أي لا أعرف أحدا وكل ما لدي أدراج صاعدة الى الطابق الثاني في حي لا غبار عليه في الهامش ثم كتب وأوراق بيضاء وموسيقى وسهر وأشياء من فرط جمالها يستحسن ألا يعرفها أعداء الحياة.?
من عاداتي أن أعود إلى الوراء حيث الشأن الأول كي أحصي من البعيد الغائر حيوي في هذا الزمن الشيق ويحلو لي أن أغير بعض تفاصيل ما سيأتي, إلا أنني لا أفعل لأنني جد راض على اللوح المكتوب سلفا كما أنني لا أود أن أولد في المستقبل طفلا مشذبا من كل الأخطاء لأنها الوحيدة القادرة على لم ضفاف المعاني وما تبقى فلولا من نداء المنارات البعيدة, كذلك أستبق زماني بأجنحة المراد وأندس طيفا من حاضر كما لو أنه ثقب أسود يهدد سلامة المجرة وأمن أسفار وعدت بها طمأنينة أكيدة, هكذا عاداتي أحيانا وهي تملي مسارها الخاص في غابة التوحش, إذ لا شيء غيرها صحبة أعشابها السارة وما تيسر من قدرة على إعادة النظر في البداية والمآل.
من عاداتي السيئة أن أسمح لتلقائيتي وصفائي الذبيح بالإمحاء في أحضان خدشت إمكان الوصال. أي هذه الغابة المتوحشة التي لا تؤجل لانها حاسمة في معرفة خسارات كما بشارات الوجود.
بلغة العرفان, العادات السيئة الذاهبة بقفاها أو الآيبة من سر من رأى, قطاف لا يعني الأنواء المطلة على ندم العدم, بذات الحروف شعلة الآفات.
من عاداتي السيئة من منظور الحريصين على الدوام هو أن أحسو بعد مائدة دسمة في آخر الليل فنجان قهوة دافئ ومليء حد الفيض. هكذا! نكاية بالبن المغشوش على أرصفة النهار وحافات الرماد.
من عاداتي, خارج سلط الواجب الضامن للقوت, أن ألوذ بالكسل الشيق أحيانا لأنه من النعم المباركة إذ السباحة في استرخاءاته العارفة تولد بشارة عود أبدي ما. أنتمي- خارج القاهر أعلاه- إلى ما يمليه المزاج كأن أتأبط شؤونا راعشة لا تغني أحدا بالتأكيد. أي أكون كما يحلو لي? أنزل الى صخب الآخرين, للمحبات كما الوشايات والدسائس اللئيمة. أخبط خبط ناقة عمياء أو أحتمي بصمتي وإقامتي, المؤدى عنها, في غبطة لا بأس بها جدا.
من عاداتي السيئة, كما لاحظ وسجل الأب باسم قرابة الدم, أنني لا أصل الأرحام ومبالغ في إقصاء الصلة.. أعترف بهذا السهو لكنني عاجز عن تشخيص ما يشبه القطيعة.. قطيعة في التقاطع, عادات وأعراف, أما الهيولى الأولى فهي خميرة بدئية تطرب وما تزال ضفاف التناهي السيار المقيم.
أنتمي حين أسقط من الحذاء جوارب الآخرين. أحب لنفسي ما يكرهه الآخرون كما أمقت في كثير من الأهوال وصفات أملاها عته ازمان, آفة إدمان الأعراف والمشاء المنهار في إعاقة الصواب.
من عاداتي الطيبة, ربما, هو ألا أمنح الآخر فرصة الاعتذار عن عتراته السيئة. أعفيه من هذا العناء لأنني وهو يصحو من الاساءة أكون أنا قد غادرت مجالات العين أمكنة, وزمنا كان وفيا لمواعده, أمنح الاغتياب وملصقاته الكاذبة غيابي الأثير ولا أعبأ كثيرا بالزلزال لأنه محض رجة عابرة.
من عاداتي الممنونة لذاتها أن أدوب ضجيج العالم في قارورة تكفي سدم الفجاج, أفتح في الزحام طريقي المعشوشب السيار ولا ألتفت لأن لا أحد في المرآة العاكسة.
نادرا جدا ما أذهب إلى الحمام العمومي حفاظا على نقائي الدائم حدث أن دخلت إليه وجدته شبه فارغ وما كان يصل الى أذني ان هو إلا بقايا صدى. دائما كنت أخرج من مثل هذه الحمامات منشرحا كما لو أن خمارا ما زال من غير عناء أو حاجة إلى ((الاسبرين)).
من عاداتي مخافة الحلاق, وهذا ما يفسر ربما طول شعري في الكثير من الأحيان, ليست ((فوبيا)) مرضية طبعا لأنني دائما يقظ في حفرته أقرأ مهنته وأغوص في خرائطه وهو يسائل رأسي كما لو أنه جغرافيا. هذا العبث أمقته وكم كنت أتمنى أن أكون في زمن ليس فيه امتهان أوساخ الآخرين, هذا التشذيب باسم الطهر لا يصنع غير جماله النسبي والسيء مع الأسف.
مخافة الحلاق ربما أيضا نابعة من مشاهدات طفل كان يجوب أسواق أريافه البدئية وكان يرى, فيما يرى, رؤوسا لراشدين وشيوخ حليقة عن آخرها ومثبتة على مستوى المخيخ آلتان لمص الدماء الساخنة, كما قيل لي في رشدي, إلا أنني لم أفهم بعد أمر تلك الرؤوس المجرحة التي تخلصت من بعض دمها وفي مواسم معينة.
رأيت كذلك فيما رأيت وفي شريط كيف أجهز الحلاق المأجور على رأس زبون جازف بالوريد لأنه لا يعرف, وهو الذاهب إلى محبات ما, أنه غير مرغوب فيه.
النبع
في العابر بخفة الظلال أقيم وعلى مهل أسمي حبري.
في العابر الدائم تولد شساعة جمال وفي اليابس القار يجف, عن آخره, ثدي محال.
نزر قليل من مشاعة الضوء يكفي كي يعين بصيص ما كثافة النور نكاية بسديم مستديم. لابأس إن لم تلتفت المجرة; في هامش الغبار وبأظافر من فولاذ نعرف كيف نمسك بالضاري موجا ونقيم!
للتوق أن يتوخى فلاحة أخرى, للنبع أن يستكين, أو يعزف على أوتاره السعيدة. هو الخرير النازل منه طمأنينة أو هديرا باتجاه المصب. هو الصاعد قامته.
هو القاطن مغاوره والعابر محطات أملاها محو مكين. هو النازل من مكامنه الفريدة والطافح به في واد ما.
تنأى الفصول ويقيم ظلها الخامس.
بهذا الشاق يستقيم الطريق ويستنبت تورم في الخطى آية تضيء.
قيل:
ليس في الاعادة الافادة.
نعم! لكن ما هو سر الحمى الصاعدة من أثير الأعماق?
لماذا الأنواء- مذ كانت- تمضي وتعود?
ثم..
ما حكاية السراب الدافق صخابا في المحيط كما لو أنه أصيل في الماء?
كان لابد للتام خرافة في الجاهز أعرافا من لكم يليق حتى لا تصاب عين الشغاف برمد الآخرين. كان لابد من سباحة ما.
بأحضان الغيم
أحيانا يكون السغب.
هكذا..
كما لو أن السماء
ليست سماء!
أنباء تقول..
والعليمة هي السفوح.
(…)
الليل العارف بكل الذي كان وحده يملك جمرة السؤال. الكهف الباقي لنبوءة ما. في آفاته البهيجة تركب أنثى الحواس صهواتها وتصهل في غاباتها ريح الغياب كما لو أنها ملكوت ساهر نشوان.
الجمال معول بسواعد قوية وهو يشق التصحر استدراجا للساقية وما تبقى من صغار الماء.
هو العضلات حين تهوي شراسة على فولاذ العالم.
لماذا أحيانا حين تصب الزيت على النار دفاعا عن حريقة مأمولة يتحول من تلقائه الزيت- الى إطفائي?
لماذا ذات الماء وأنت تمنحه محبات يتوهج كما لو أنه غرف جمرة من آخر معاصر الزيتون?
علمني المجان, حين يدعي, أن أشيد في الضالة قلاعا وأن أستنبت في الضاحية ما يكفي من غطاء نباتي حتى لا يزحف التصحر مرة أخرى, علمني ألا أفاجأ إلا بي.
دائما كنت أزرع نفسي في حقول الروح الخصيبة, مرات تعاقبت العجاف, كنت في شتائي الطويل حين أسعف أول الغيث رمضاء الآخرين, ساعتها كنت أرتب آخر تفاصيل العود الميمون الى شساعة الضوء.
خريف واحد يكفي. يشذب أنين المواعد ويفي بياض الوقت. يعد عماء بفجرا زمن الخسوف. تسمو الأعمار ويص اعد لمقامه عري الأشجار.
المساءات, وهي تقرع الإياب, تسمي الغياب قبلة راعشة تنأى وتعمد الأنخاب. تعري الأوهام وتكسو شموسها الساهرة. ذات المساءات في العابر الكاشف المضيء.
يئن النبع حين أسنة الجارح تشطر دفقه الحالم وهو يستعجل مواعد في المصب. وئيدا يساير الإنسياب البطيء ويمضي. دائما من ذات المضايق يعود وتغتسل من أسنتها العترات.
لا أحد يرى النبع
لأن الأرصفة أكفان
محمد بو جبيري قاص من المغرب