فـي انتـظار السلاحف
على رمل شاطئ مصيرة الشرقي حيث يتردد الموج دافئا على الأقدام. وحيث تتراءى من الشرق سحب القارة الهندية البعيدة كتراكمات ثلجية مشوبة ببخار الماء المتصاعد من بحر العرب في نهار السماوات الصافية تباغته أم الأولاد بس يكفيك سرحان ودخان والله لو كنت أعرف إنك دواخ ما قلت عليك نعم.
نصف الشعب على هذه الحالة ( يرد عليها)
كنت آخذ زوج من النصف الثاني من الشعب (ترد عليه)
قهقه بقوة وارتشف من الشاي الأحمر المضاف إليه القرنفل الذي يحب ثم متطلعا إلى حيث أبنائه محملقين في الأمواج المتلاطمة علها تجود عليهم ولو بواحدة بعد ملل الانتظار لأكثر من ساعتين وبعد أن مرت ليلة البارحة دون مشاهدة سوى لواحدة من بعيد سرعان ما ولت هاربة إلى البحر حينما شاهدتهم راكضين نحوها.
أدار الرجل الراديو الصغير بعد أن أخرجه من السيارة حيث وجه الموجة إلى (البي بي سي) فهي تسمع هنا بوضوح قل نظيرها في الخليج كله. فما كاد يأنس باستماع الأخبار حتى أتاه شاب من الجالسين على بعد أمتار ربما لا تزيد عن المائة والخمسين مترا
_ تكرما السلاحف تزعجها الأصوات.
حتى لو صوت إذاعة البي بي سي؟
هذه الإذاعة بالذات هي أكثر ما يزعج سلاحف مصيرة. أقسم لك إن سمعتها السلاحف سوف تمضي ليلتنا وليلتكم دون أن تبصرها عيوننا.
عندها حق فنشرات الأخبار وتقاريرها صارت مزعجة.
_ يا أخي لا الأخبار ولا المعرفة؟! يا أخي أهل هذه الإذاعة تحكموا في مصيرة أكثر من نصف قرن ولم يفكروا في رصف شارع فيها أو بناء مدرسة.
ربي يخليك لا تأخذني إلى أبعد من السلاحف
– ليتها فرنسا أتت لهذه الأرض بدلا عنها
(سيما أخت مقزح) مرددا المثل الشهير في عُمان.
– لا على الأقل من يحتل لينشر ثقافته خيرا ممن يشفط ويستمر في الشفط وفوق ذلك تبحث كاميراتهم عن صور لأشخاص في حالة رثة تدعي بأنها مميزة لتنشرها في سائر بقاع الأرض.
لم يلاحظ الشاب تذمر الرجل وعينيه تجولان بينه وبين السماء والبحر والأولاد وأمهم داعيا الله بأن تخرج في هذا اليوم لتتحقق أمنية الأولاد قبل أن يضطروا لتمديد إقامتهم في هذه الجزيرة للمرة الثانية أو يعودون دون أن يروا شيئا بعد أمل كانوا يظنون بأنه سوف يتحقق عند أول ساعة للوصول.
خلف الستارة
كل ليلة أتعمد فتح خط خفيف بين تلاقي ستائر النافذة لأترك مجالا لمسامرة النجوم القصية والطائرات العابرة في الأفق البعيد وأنا على السرير الذي عملت بأسرار على أن يكون مواجها لنافذة هذه الغرفة التي لا يخفف مقدار كآبتها في نفسي غير هذه الساعات التي تنهمر تساؤلاتي وتنهداتي فيها حتى إغفاءة العيون بدمع ظاهر أو باطن .
اليوم مر عام بحساباتهم ، مائة عام بحساباتي ومن يشاركني أجواء هذه الغرفة.
كل ليلة أسترجع الصدمات التي تجرعنا مرارتها الواحدة تلو الأخرى.
يا ترى ما الذي يدفع خالي لتأنيب أولاده حينما يراهم يجلسون معنا ليدفعهم بصوته العالي للدخول إلى غرفتهم رغم تعلقهم بنا مفضلا لهم قضاء الساعات أمام ألعاب الفيديو حتى خيل إلينا بأننا مصابون بوباء معدي يخشى على أولاده منه.
لا أعلم يا خالي ويا شقيق أمي أين يذهب صوتك العالي في حضور زوجتك حين تصبح كلمتها هي العالية عليك وتصبح أنت حمل وديع أمامها ، لست حملا وديعا فقط بل أنت إمعة توافق وتؤيد كل شي تقوله بسذاجة مطلقة مصحوبة بابتسامة بلهاء.
منذ النكبة الأكبر علينا بعد نكبتنا الأولى تمارسون أنت وخالي الأصغر قسوتكم علينا دون مراعاة لمشاعرنا ، هذا الحريص على المال لدرجة الجبن والذي يسابق الناس إلى المسجد مع كل نداء للصلاة ولم ينطق يوما بسؤال: ( هل تحتاجون إلى شيء) جميعكم على النقيض من أبي في كرمه ورحمته ومراعاته لمشاعر الكل بما فيها مشاعركم أنتم الذين لم تراعوا مشاعره لكن أبي كبدر تجلى في الأفق جمل السماء وأنار دروب الناس ثم تدارى.
أبي الذي كثيرا ما كان يردد مقولة أبي العلاء المعري وهو يمسد رأسي (خفف الوطء ما أظن أديم الأرض الا من هذه الأجساد) ، ولولا ما زرعته يا أبي في نفوسنا لما شعرنا سوى بعالم متفسخ وفاسد، عالم تسوده الأنانية مغموس في ذاته. زرعت فينا فكرك يا أبي وهم ظلوا أميين حتى إنهم لم ينهلوا شيئا من جلساتك المثرية حين حضورك البهي بينهم . ولو فتحوا عقولهم لك لتغيرت حياتهم وتغير بؤسهم .
كم ليلة مرت يا أبي منذ أخذك قدرك المبكر والنوم إن أتى سوف يأتي على شكل إغفاءة تسرقني من تفكيري فيك.
روحي عندك هناك في عالمك البرزخي وحين تعود إلي تعود فقط لأتذكر أنفاسك حين كانت تنشر دفئها حولنا وأتساءل كل ليلة قبل أن يقدم النوم على مضض وأنا أشاهد وجوه أخواتي الثلاث النائمات على حزن يا ترى كيف سيمضين في الحياة دونك؟